طغيان الحب بلاء *
15 جمادى الثانية 1427

في قصة امرأة العزيز مع نبي الله يوسف _عليه السلام_ من الدروس والعبر شيء كثير، ومن تلك الدروس بيان أن الحب إذا تجاوز حدود الشريعة أضر بالمحب والمحبوب، أما المحب فربما أغلق الحب عقله، فبدرت منه تصرفات غير مرضية بل منكرة، هم وغم وغفلة وسهو وانشداه، كأنه لا يعيش في دنيا الناس، قال أعرابي: إن لم يكن العشق ضرباً من السحر، فإنه لسعة من جنون! وهذا الذي قال منقول عن حكيم العجم سقراط قال: العشق جنون، وهو ألوان كما أن الجنون ألوان.
قال غيلان بن عقبة:

هو السحر إلا أن للسحر رقية وإني لا ألقى من الحب iiراقيا


ولابن الرومي:

أهوى الهوى كل ذي لب فلست أرى إلا  صحـيحاً  لـه أفعـال iiمجنون


ولآخر:

أصحوت اليوم أم شاقتك هر ومن  الحب  جنون  iiمستعر


قال الأصمعيّ: سئل أعرابيّ عن الحبّ، فقال: وما الحب؟ وما عسى أن يكون؟ هل هو
إلا سحر أو جنون. ثم قال:

هل الحُبُّ إلا زفرةٌ بعد iiزفرةٍ،
وفيض دموع العين منِّيَ iiكلما

وحرٌّ على الأحشاء ليس له iiبرد؟
بدا علمٌ من أرضكم لم يكن يبدو!


وقال: قلت لأعرابيّ: ما الحب؟ فقال:

الحبُّ مشغلةٌ عن كلِّ iiصالحةٍ وسكرة الحبِّ تنفي سكرة الوسنِ


وقال بعضهم مررت بدربٍ، فإذا جماعة وقوف على مجنون فوقفت، فهش إلي، وقال:

اسَقِّني قبلَ تَباريحِ iiالعَطَش!
حُبُّ مَن أهوَاهُ قد iiأدْهَشَني

إنّ يومي يومُ طشٍّ بعدَ iiرَشّ
لا خلَوْتُ الدهرَ من ذاكَ الدّهَش


ومن طريف قولهم:

طَرَقَت بعدَ هَجعَةٍ أمُّ وَرْقَا،
ثمّ فَضّتْ خَتْمَ العِتَابِ iiوَقَالتْ:
مِثلَ ما ماتَ مِنْ بَني عُذرَةَ iiكُلْ
قَتَلَ الحُبُّ قَيسَ لُبنى iiوَمجنُو
وَتَحَدّى كُثيّراً iiوَجَميلاً،
قُلتُ: عِندي على هَوَاكِ شُهُودٌ:
وَسَلي عَنْ أضَالِعي iiزَفَرَاتٍ،






خَوْفَ وَاشٍ وَحَاسِدٍ iiيَتَوَقّى
أنتَ لوْ كنتَ عاشِقاً متَّ عِشقَا
لُ صَحيحِ الهَوَى فغُودرَ iiمُلقَى
نَ بَني عَامِرٍ وَأمرَضَ iiخَلقَا
وَلَقيَ مِنْهُ عُرْوَةُ كُلَّ iiمَلقَى
أدمُعٌ مُستَهلّةٌ، لَيسَ تَرْقَا
ما تُلاقي مِنْ حَرّهنّ iiوَألقَى


فانظر إلى تلك الحال المتهمة! ومثل هذا كثير وهكذا الحب إن ترك له العنان ليستفحل دون أن يداوى بالدواء الشرعي يصم ويعمي، كما حصل لامرأة العزيز.
وأما إضرار الحب -إذا هو طغى- بالمحبوب، فمثاله ما أودى إليه حال امرأة العزيز، انظر كيف أودى حبها بيوسف إلى السجن الطويل. و من الحب ما قتل! وبعض الناس يحسب أن هذا للمحب العاشق فحسب ويرون فيه كثيراً من أخبار العشاق، والصحيح أنه صحيح في المحب والمحبوب وربما تعداهما لثالث لمعارض، وقد ذكروا شيئاً من هذا في أخبارهم وأنشأ بعضهم وزعموا أنه قتل زوجه غيرة:

يا طَلعَةً طَلَعَ الحِمامُ iiعَلَيها
حكَمتُ سيفي في مجال iiخِناقِها،
ما كانَ قتلِيها لأني لم iiأكُنْ
لكن بخلتُ على العُيونِ بحُسنِها،



فجَنى لهَا ثَمَرَ الرَّدى بيَدَيها.
وَمدامعي تجري على iiخَدّيْها.
أخشى إذا سقَطَ الغُبارُ iiعليها.
وأنِفتُ من نَظرِ العيونِ إليها


وأما ما كان دون ذلك فهو كثير، وانظر إلى حب كُثَيِّر –وهو من أشهر العذريين- كيف جعله يقول:

ألا ليتنا يا عز كنا لذي iiغنًى
كلانا به عر فمن يرنا iiيقل
إذا ما وردنا منهلاً صاح أهله


بعيرين نرعى في الخلاء ونغرب
على حسنها جرباء تعدي وأجرب
علينا فما ننفك نُرمى ونُضرب


فزعموا أن بعضهم قال له: تمنيت لها ولنفسك الرق والطرد والمسخ، فأي مكروهٍ لم تتمن لها ولنفسك! لقد أصابها منك قول القائل: معاداة عاقلٍ خير من مودة أحمق!
والشاهد مما سبق هو أن الحب إن زاد ولم يداوى دواءً شرعياً بالزواج، أو قطع أسبابه، وشغل النفس بما هو أنفع عاد ضرراً على صاحبه، وعلى محبه، وربما على غيرهما، وقد كان حب امرأة العزيز ليوسف من هذا القبيل.

----------------------------
(*) مستل من كتاب الشيخ آيات للسائلين، بتصرف يسير (المكتب العلمي)