النصيحة من حقوق الإمام*
18 شعبان 1427

ويدل على ذلك عموم النصوص الآمرة بالنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالإمام داخل فيها، وهذا ما فهمه السلف ولذا استدل أبو سعيد رضي الله عنه بها، فإنه لما قام رجل وأنكر على مروان، وكان والياً على المدينة، أنكر عليه تقديم الخطبة على الصلاة، قال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يقول: ( من رأى منكم منكراً، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)(1) .
فاستدل أبو سعيد _رضي الله عنه_ بعموم هذا الحديث، على دخول الإمام تحت هذا الحديث، فإذا رأى المرء من الإمام منكراً وجب عليه أن يغيره، وذلك من جملة النصح له شريطة أن لايثير فتنة أو يسلك سبيل من شأنه أن يثيرها.
ومما يدل على لزوم النصح لولاة الأمور حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: (بايعت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ على السمع والطاعة )(2) وفي الحديث قال: (والنصح لكل مسلم )(3).
وأيضاً فإن النبي _صلى الله عليه وسلم_ جعل من حق المسلم على المسلم النصيحة.
والإمام داخل في ذلك؛ لأنه من جملة المسلمين، بل نصحه آكد فيدخل فيه دخولاً أولياً، فإن نصح الإمام ليس متعلقاً بشخص واحد، إنما هو متعلق بقضايا الأمة، ومصالح الأمة ومتعلق بالمقصد الأعظم الذي شرعت الإمامة من أجله ألا وهو إقامة دين الله _سبحانه وتعالى_.
وقد نص النبي _صلى الله عليه وسلم_ على نصح الإمام في أحاديث كثيرة، منها الحديث المشهور حديث تميم بن أوس أنه _صلى الله عليه وسلم_ قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)(4).
وكذلك الحديث ( إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم )(5)
وأيضا في حديث عبادة بن الصامت قال: (بايعنا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ على السمع والطاعة، قال: وأن لا ننازع الأمر أهله)(6) وأن نقول بالحق حيث كنا لا نخشى في الله لومة لائم.
فقضية يبايع عليها _صلى الله عليه وسلم_ كما أشير هنا وفي حديث جرير ويطلب من الناس البيعة عليها، قضية شأنها عظيم ومنزلتها عظيمة.
ولا شك؛ لأن النصيحة للإمام قضية تتعلق بمصالح المسلمين ومصالح الأمة جميعا، وليست مجرد قضية شخصية، بل إن نصيحة المسلم الواحد قضية تستحق من الإنسان أن يبذل فيها، وأن يتحمل فيها الكثير فكيف إذا كان ذلك متعلقا بمصالح المسلمين جميعاً، ولاسيما إذا تعلق الأمر بأحداث وشؤون قد يكون أثر التخلف فيها عن النصح عظيماً.
وختاماً فإن النصحية لولاة الأمور عبادة شرعية تؤدى على وجهها المشروع دون تجاوز أو تقصير ومع حسن الاتباع لابد من سلامة القصد، والله هو الموفق للصواب.



_____________________

(*) مقتبس من شرح الشيخ لمسائل الجاهلية بتصرف يسير واختصار.
- مسلم : الإيمان (49) والترمذي : الفتن (2172) والنسائي : الإيمان وشرائعه (5008 ,5009) وأبو داود : الصلاة (1140) والملاحم (4340) وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها (1275) والفتن (4013) وأحمد (3/10 ,3/20 ,3/49 ,3/52 ,3/54 ,3/92) .
2 - البخاري : الأحكام (7204) ومسلم : الإيمان (56) والنسائي : البيعة (4157 ,4174 ,4189) .
3 - البخاري : مواقيت الصلاة (524) ومسلم : الإيمان (56) والترمذي : البر والصلة (1925) والنسائي : البيعة (4156 ,4157 ,4174 ,4177 ,4189) وأحمد (4/357 ,4/363 ,4/364 ,4/365) والدارمي : البيوع (2540) .
4 - مسلم : الإيمان (55) والنسائي : البيعة (4197 ,4198) وأبو داود : الأدب (4944) وأحمد (4/102) .
5 - مسلم : الأقضية (1715) وأحمد (2/367) ومالك : الجامع (1863) .
6 - البخاري : الفتن (7056) والنسائي : البيعة (4149 ,4151 ,4152 ,4153 ,4154) وابن ماجه : الجهاد (2866) وأحمد (3/441 ,5/316 ,5/318 ,5/319 ,5/325) ومالك : الجهاد (977) .