انتصار الله تعالى لأهل الحق المستضعفين
23 ربيع الأول 1428

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، جاء في قصة لوط _عليه السلام_ لما حكم أولئك المفسدون بإخراجه من القرية، وبعد أن أصدروا المرسوم الجائر بذلك، وقضى القوم بما قالوا، وجاءت ساعة المداهمة في بيت النبي الكريم، ورأى نبي الله _عليه السلام_ من تصلب القوم الفاسقين وتعنتهم ما رأى لم يجد بداً من أن يتوجه إلى الحي القيوم قائلاً ما ذكره الله تعالى خبراً عنه: "قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ" [العنكبوت: 30].

ويبدو أن الأحداث تسارعت بعد هذا الاستنصار بالعزيز الجبار سبحانه وتعالى، فما هو إلاّ قليل حتى بعث الله ملائكته.
وهناك في أرض أخرى متاخمة جاءت الرسل السماوية إبراهيم عليه السلام، وإبراهيم –فيما يظهر- لم يعلم ما وصل إليه الأمر بين لوط وبين قومه بعد، وهذا يشعر بسرعة استجابة الله تعالى لدعاء لوط _عليه السلام_، فالظاهر أن قرب المدة وسرعة الإجابة لم تأذن بأن يسمع إبراهيم ما أصدره أولئك المجرمون، وما قضوا به في حق لوط، ولم يعلم باستنصار ابن أخيه ربه –سبحانه وتعالى- عليهم، مع حرص مثله على أخبار ابن أخيه النبي الكريم _عليهما السلام_.

وهذه الاستجابة السريعة من الله تعالى تشعر المؤمن بقرب ربه منه، وتعطيه الأمان حتى ولو تأخرت في بعض الأحيان لحكمة إلهية كما بسط في موضعه من هذه القصة.
قال الله تعالى: "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" [يوسف: 110]، وكذلك قوله تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" [البقرة: 114]، فقد أخبر الله تعالى في هاتين الآيتين أن الباطل مهما طال أمده وإن كسب جولة فإنه لن يكسب حرباً وسيأتي اليوم الذي تتغير فيه موازين القوى ويرجع الوضع الطبيعي وهو عوده الباطل إلى التقهقر والانكسار والحق إلى العلو والظهور، وقد بينت الآيات السابقة أن أهل الحق قد تصل الأمور بهم إلى مرحلة اليأس من شدة ما يجدون ويعانون من غلبة الباطل عليهم وطول مدة الطغيان ولكن يبشر الله تعالى أن العاقبة في النهاية لأهل الحق كما قال تعالى: "وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" [القصص: 83].

وقصص الأنبياء أكبر شاهد ودليل فمن لدن نوح عليه السلام تتكرر مشاهد وفصول متشابهة ونتيجتها واحدة مفادها أن للباطل جولة ساعة ثم يتبدد ظلامه وينير الحق دنيا الناس بعد ذلك، فنوح وإبراهيم وصالح وهود وموسى وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام ممن حكى الله في القران أخبارهم تأكد قصصهم هذا المعنى وتؤيده.
وجدير بنا أن نعيه.
حتى يذهب اليأس عن القلوب، وتوقن بأن وراء مضيق الخوف ساحة الأمن، بلغ الله شعوب المسلمين إياها.