العلم في الصغر
1 شعبان 1428

إن من أنفس النصائح التي نقدمها للشباب أن نحثهم على الإقبال على العلم في هذه السن، فإنها فرصة حري بالعاقل اغتنامها، فقد يعجز في المستقبل عما يستطيعه اليوم.
وللعلماء في ذلك أقوال كثيرة، توحي بأهمية الطلب في الصغر، وتميزه عن الطلب في الكبر. قال الحسن: "طلب العلم في الصغر كالنقش في الحجر"(1).

وقال علقمة: "أما ما حفظت وأنا شاب، فكأني أنظر إليه في قرطاسة أو ورقة"(2) وذلك من قوة حفظه له.
وقال الحسن بن علي لبنيه وبني أخيه: "تعلموا العلم، فإنكم إن تكونوا صغار قوم؛ تكونوا كبارهم غداً. فمن لم يحفظ فليكتب"(3).



الـعلم صيد والكـتـابـة قـيـده   قيـد صيـودك بالحبـال الواثقه
فمـن الحماقــة أن تصيد غزاله   وتتركهـا بيـن الخلائق طالقـه

وقال عروة بن الزبير لبنيه: "هلموا إلي فتعلموا مني، فإنكم توشكون أن تكونوا كبار قوم. إني كنت صغيراً لا ينظر إلي، فلما أدركت من السن ما أدركت جعل الناس يسألونني، وما شيء أشد على امرئ من أن يسأل عن شيء من أمر دينه فيجهله"(4).

وروي عن لقمان أنـه قال لابنه: "يا بني جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بالحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء"(5).
وقال: "يا بني لا تتعلم العلم لتباهي به العلماء، وتماري به السفهاء، وترائي به في المُجَالِس(6)، ولا تدع العلم زهداً فيه، ورغبـة في الجهالة. يا بني اختر المَجَـالِسَ على عينك، فإذا رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس معهم، فإنك إن تك عالما ينفعك علمك، وإن تك جاهلا يعلموك، ولعل الله يطلع عليهم برحمة فتصيبك معهم. وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنك إن تك عالماً لا ينفعك علمك، وإن تك جاهلا يزيدوك غياً"(7).
وقال: "يا بني إن الحكمة أجلست المساكين في مجالس الملوك"(8).

وهذا القول الأخير واضح تماماً لمن قرأ التاريخ وسير العلماء، فإن كثيراً منهم كانوا مع المساكين والضعفاء الذين لا يؤبه لهم، ومع ذلك جلسوا في مجالس الملوك، من لم يجلس في مجالس الملوك الحسية، فقد جلس العلماء في مجالس أجل منها هي قلوب الناس.
وقال: "كما ترك الملوك لكم الحكمة - أي العلم - فاتركوا لهم الدنيا"(9).

فهذه همسات في آذان شبابنا والإجازة تقترب من نهايتها وقاعات الدراسة تتأهب لاستقبالهم ألا هل من مشمر أشبالنا لعلنا نرى منكم ابن عباس أو ابن عمر عصرنا، وابن حيان أو ابن نفيس، وأسماء أخرى.

_______________
(1) المدخل إلى السنن الكبرى رقم 640 وقال المحقق: رواه ابن عبد البر في بيان العلم 1/82.
(2) المدخل إلى السنن الكبرى رقم 642 وعزاه المحقق إلى ابن سعد في الطبقات 6/87 عن الحماني.
(3) المدخل إلى السنن الكبرى (632) وعزاه المحقق إلى ابن عبد البر 1/82 بسنده عن عبد الله بن الإمام أحمد.
(4) بيان العلم وفضله لابن عبد البر.
(5) المدخل إلى السنن الكبرى (445) وعزاه المحقق إلى ابن عبد البر في بيان العلم 1/106.
(6) ما مضى من هذا الأثر معنى حديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: "لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتتحدثوا به في المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار". رواه الحاكم في المستدرك 1/86، وروى أوله ابن ماجة المقدمة 1/254، وقال في الزوائد: رجال إسناده ثقات. ورواه ابن حبان في صحيحه.
(7) جامع بيان العلم وفضله.
(8) جامع بيان العلم وفضله.
(9) جامع بيان العلم وفضله.