الاستمطار في الاسلام
4 جمادى الأول 1431

(*)حكم الاستمطار في الإسلام

مقدمة:
جرب الإنسان وما زال استخدام قدراته ومهاراته على الأرض، فأفلح وقطع شوطاً بعيداً من الاكتشافات في هذا المضمار، وطور الإنسان نفسه، ليقدم أكثر فأكثر، فحلق في أجواء الفضاء، وصعد إلى عنان السماء، ليكتشف مجاهليهما، وبمرور الزمن تجمعت لديه معارف ومعلومات عن الفلك والطبيعة والكيمياء والرعد والبرق والسحب والغيوم والمناخ... إلخ.
ثم اتسعت مدارك هذا الإنسان فبدأ يسعى إلى تحقيق مشاهداته وطموحاته الكثيرة، بعد أن صاغها في قوانين وقواعد ثابتة للحصول على مزيد من النصر على الطبيعة، والعوالم الأخرى، فكانت تجربته – هذه المرة – مع المجرات والأقمار والكواكب، وهكذا نسمع كل يوم جديداً في عالم الفضاء الخارجي والكواكب والمجرات التي يظلها كون فسيح رحب.
هذا ولأن الكون كله مجال لإبداع الإنسان ونشاطه – والفضاء جزء من هذا الكون – زاد اهتمامي بالفضاء، حتى استثارتني فكرة السحب والغيوم التي تحمل معها الأمطار لتنهمر على الأرض مدراراً، فيحصل بها النماء والمعاش للإنسان والحياة والزرع والضرع وكل شيء، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) (الأنبياء: من الآية30)، وقال عز من قائل: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) (فاطر: من الآية9).
ثم زاد تعلقي بفكرة الموضوع عن السحب والغيوم وطريقة حملها للأمطار عندما تكون متبلدة وكثيفة فتحدث غزارة في الأمطار، وكيف أنها عندما تكون خفيفة عادية يقل مطرها ويضعف، ليكون على شكل قطرات أو رذاذ بسيط.
ثم راودتني فكرة تتعلق بالموضوع حيرتني ووقفت عندها طويلاً تتعلق بالسحب أبسطها على صيغة سؤال، وهي: هل صحيح أن الإنسان استطاع بعقله وفكره أن يستمطر السحب صناعياً؟ وبتعبير آخر هل استطاع الإنسان أن يتعامل مع السحب فيزيد في الأمطار أو ينقص منها متى شاء وكيفما شاء؟ فإذا كان هذا ممكناً فكيف؟ وإلى أي حد؟ وما هي الأدوات والأجهزة والآلات التي استخدمها لتحقيق ذلك؟ وهل للتعامل مع السحب شروط؟ وما رأي الشريعة في كل ذلك؟
هذا ما سوف أُركز عليه _إن شاء الله_، وأتولى الإجابة عليه وأناقشه.
هذا ولأن الموضوع شائك ويحتاج إلى قراءات متعمقة وتحليلات منطقية ووصف ومقارنات – لأن الكتابات فيه على حد علمي غير موجودة – فسأعتمد على منهج أو عدة مناهج تحقق ذلك، وتفي بالغرض من تحليلي ووصفي واستدلالي، لأن فروع البحث – في بعض جوانبه – تقوم على العلم التصديقي الجازم بقدرة الله _عزوجل_، فمن العبث – والحالة هذه – أن ينهج غير المنهج الاستدلالي، كما أنه في جوانبه الأخرى يعتمد على الوصف والتحليل فيحتاج إلى المنهج الوصفي والتحليلي المقارن، مقارنة الأدلة ووجهات النظر لنصرة الرأي الذي تأبى أدلته الاندحار.
أهمية الأمطار ونظمها:
المطر – هو بأبسط تعاريفه تلك الحالة التي يتحول فيها بخار الماء من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة في طبقات الجو العليا – له أهمية كبيرة في الحياة، فزيادة على ما ذكرناه في مقدمتنا، فإن أمطار السماء تفيد إلى حد كبير في تكوين الأنهار عند انسياب جزء كبير منها فوق سطح الأرض، وكذلك فإنه يكون مصدر العيون والآبار المتفجرة عند انسياب جزء آخر منه في القشرة الأرضية، ثم إن الجزء الباقي يصعد إلى الجو ليرطبه بواسطة التبخير.
أما عن نظم المطر فتبدو كما يلي:
1 – النظام الاستوائي: ويظهر هذا النظام في الأقاليم الواقعة حول خط الاستواء 5ْ شمالاً إلى 5ْ جنوباً، وتسقط الأمطار فيه خلال العام، فيستمر المطر في السقوط فيها من الصباح وحتى المساء.
2 – النظام شبه (أو دون الاستواء): يقع هذا النظام على هوامش النظام الاستوائي، ما بين درجتي 5ْ – 8ْ شمالاً وجنوباً، ويسقط المطر حسب هذا النظام عشرة شهور على الأقل.
3 – النظام السوداني: يقع هذا النظام في الأقاليم التي تقع بين خطي عرض 5ْ – 20ْ شمال وجنوب خط الاستواء.
4 – النظام الموسمي: ويوجد جنوب شرق وشرق آسيا التي تهب عليه الرياح الموسمية المحملة ببخار الماء والأمطار – حسب النظام الموسمي – أشد غزارة من النظام السوداني صيفاً.
5 – النظام الصحراوي: ويوجد في الصحارى المدارية بين خطي عرض 18ْ – 30ْ شمال وجنوب خط الاستواء، ويكاد ينعدم المطر حسب هذا النظام، نظراً لوقوع الصحاري في مهب الرياح التجارية التي تصل إليها جافة، والصحراء الكبرى أقرب مثال على ذلك.
6 – نظام البحر المتوسط: يوجد في غرب القارات بين خطي عرض 30ْ – 40ْ شمالاً وجنوباً، وتسقط فيه الأمطار في فصل الشتاء، ويتمثل هذا النظام في الأراضي المطلة على البحر المتوسط، كما يتمثل في كاليفورنيا، وجنوب غرب أستراليا وإفريقيا.
7 – النظام الصيني: يوجد في شرق القارات بين خطي عرض 30ْ – 40ْ شمالاً وجنوباً، أي في نفس عروض نظام البحر المتوسط.
8 – نظام غرب أوروبا: يوجد بين خطي عرض 40ْ – 60ْ شمالاً وجنوباً على السواحل العربية للقارات كغرب أوروبا وغرب أمريكا.
9 – النظام اللورنسي: يسود هذا النظام في شرق القارات بين خطي عرض 40ْ – 60ْ مثل سابقه، لكن في شرق القارات.
10 – نظم الجهات الداخلية: وهذا النظام يوجد داخل القارات، والأمطار حسب هذا النظام قليلة.
11 – نظام الصحاري الداخلية المعتدلة: ويوجد في الجهات الداخلية من القارات في مجال عروض هبوب الرياح العكسية.
12 – نظام الجهات الجليدية: يسود هذا النظام شمال القارات من النصف الشمالي من الكرة الأرضية على الخصوص حيث البرودة في المناطق القطبية طوال العام، والمطر نادر بسبب ارتفاع الضغط.
هذه هي نظم المطر في العالم، ويبدو تصنيفها كما أوردناه في غاية الأهمية لنتبين ما هي الأماكن وتحت أي النظم يمكن أن يستخدم نظام الاستمطار الصناعي.
فأفضل الأنظمة للتعامل مع السحب حال ضعفها هي نظام البحر المتوسط، والنظام الصيني، ونظام غرب أوروبا والنظام اللورنسي، ونظام الجهات الداخلية، أما الأنظمة التي تسقط عليها الأمطار طوال العام أو أقل بقليل كما هو شأن النظامين الاستوائي وشبه الاستوائي، فلا مجال لأن يدرس مفهوم الاستمطار من خلالها، كما أن النظام الصحراوي لا يمكن تصور مبدأ أو مفهوم الاستمطار فيه.
نستخلص من ذلك أن بلادنا التي يشملها نظام البحر المتوسط هي أفضل ما يمكن وصفها بالقابلية للاستمطار في حالة انحباس الأمطار أو في حالة سقوط الأمطار بكميات قليلة.
أنواع الأمطار(2):
1- مطر الأعاصير: وهو مطر الرياح العكسية التي تكثر بها الانخفاضات الجوية المسماة بالأعاصير، ومن أمثلتها: أمطار البحر المتوسط، وغرب أوروبا.
2- مطر التضاريس: وهو المطر الذي يسببه اعتراض الهضاب المرتفعة أو الجبال للرياح المحملة ببخار الماء، حيث ترتفع الرياح فوق المرتفعات، فتبرد ويتكاثف ما بها من البخار، فيسقط المطر مثل أمطار الجهات الموسمية.
يستفاد من دراسة أنواع الأمطار وتياراتها فيما يتعلق ببحثنا في معرفة قوة الإعصار الذي يؤثر على طائرة الاستمطار إن كان الاستمطار من الجو وكذلك التأثير على محطة الاستمطار الأرضية إن كان الاستمطار من الأرض.

استمطار السحب، والأدلة الشرعية على ذلك، وأنواع وأسباب وشروط الاستمطار، وأدواته وطرقه وأوقاته ونتائجه، وحكم الاستخدام السيئ للاستمطار والأضرار التي تنتج عن ذلك:
ويتضمن ما يلي:
الأول: مفهوم الاستمطار والأدلة الشرعية عليه:
الاستمطار: من استمطر، والمطر الماء المنسكب من السماء، وهو ماء السحاب، والجمع أمطار، يقال: مطرتهم السماء تمطرهم مطراً وأمطرتهم: أصابتهم بالمطر، وهو أقبحها، ومطرت السماء وأمطرها الله، وقد مطرنا، وناس يقولون: مطرت السماء وأمطرت بمعنى، وأمطرهم الله مطراً أو عذاباً(3)، قال تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) (النمل:58)، وقال سبحانه وتعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) (هود: من الآية82)، جعل الحجارة كالمطر لنزولها من السماء(4)، والممطر والممطرة بوزن المبضع وهو ما يلبس في المطر يتوقى به(5)، والاستمطار: الاستسقاء، قال الفرزدق(6):
استمطروا من كل قريش كل مُنْخَدِعِ
أما الاستمطار: فهو الاستسقاء، والاستسقاء لغة: هو استفعال من السقيا، والسقيا بضم السين: الاسم من السقي(7)، أي طلب السقي وإعطاء ما يشربه، أنشد أبو طالب عم النبي في مدحه صلى الله عليه وسلم(8):
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
وشرعاً: طلب السقي من الله، لقحط نزل بهم، أو غيره، بكيفية مخصوصة(9)، عند شدة الحاجة، بأن يحبس المطر، ولم يكن لهم أودية وآبار وأنهار يشربون منها، ويسقون مواشيهم وزرعهم، أو كان ذلك، إلا أنه لا يكفي، فإذا كان كافياً لا يستسقى(10)، قال تعالى: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً) (البقرة: من الآية60)، أي جعل بين ظهرانيهم حجراً مربع، وأمر موسى عليه السلام فضربه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، في كل ناحية منه ثلاث عيون(11).
يفهم من هذا أن الاستمطار الذي يحمل معنى الاستسقاء جائز وضروري عند انحباس المطر، وبدون سحاب لا يكون؛ لأن السحب هي التي توزع الماء العذب على القارات، ويغذي المطر والثلج والبرد كلاً من العيون والوديان والأنهار والمياه الجوفية، ويتواصل نزول المطر من السحاب على الأرض منذ مليارات السنين، ولكن علم الإنسان بأجمعه غير قادر على أن يوضح سر هذا المطر(12).
إذا فهمنا هذا: نقول ليس عندنا من الأدلة القرآنية وغيرها ما يمنع من التعامل مع السحب – لأنها هي التي توزع الأمطار كما أشرنا – بأساليب وطرق علمية مبتكرة تتعلق بشحنها أو تلقيحها بمواد تجعلها تزيد أو تسرع في المطر؛ لأن العملية أولاً وأخيراً هي استمطار أو استسقاء فعلها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وأجمع عليها الفقهاء، لكن مع اختلاف الأسلوب والطريقة حسب الزمان والمكان، وحسب التطورات العلمية التي تشهدها الأجيال، لكن قبل أن نغوص في حيثيات وجزئيات البحث نقرر سلفاً أن استمطار المطر بشحن السحب أو تلقيحها – بوسائل علمية وتكنولوجية مخترعة – لتستمطر لا يعني أبداً تحدي عوالم الله العجيبة، بل تسخير وإعمال لهذه العوالم بموجب المصالح الكثيرة التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها لبني الإنسان وهذه هي الأدلة:
أولاً: القرآن الكريم:
قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) (النور:43)، وقال عز من قائل: (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ) (الحجر:22)، وقال سبحانه وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الأعراف:57)، وقال سبحانه وتعالى: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) (فاطر:9).
نقول: إن هذه الآيات تعلمنا شيئاً عن العلاقة بين المطر والرياح والسحاب بطريقة علمية، تجعلنا نقترب كثيراً لفهم مبدأ الاستمطار بصورته المبسطة وكيفياته وحكمه، فماء المحيطات والبحار يتبخر بفعل الطاقة الشمسية، أي أن الماء المائع يصبح غازاً لا يرى مثل الهواء، فتحمل الرياح هذا الغاز الساخن وتصعد به إلى الطبقات الجوية العليا، فإذا التقى هذا الغاز بأجسام باردة كجبل مرتفع مثلاً أو رياح باردة في الطبقات العليا من الجو، ترك حرارته ورجع مائعاً على شكل قطرات صغيرة جداً، يكون حجمها جزءاً من ألف من المليمترات تقريباً، فلا تسقط هذه القطرات على سطح الأرض للزوجتها في الهواء بسبب حجومها الصغيرة، ثم تأتي السحب التي فيها مطر – ولكنه ضعيف لا ينزل على الأرض لضعف السحابة – تحملها الرياح، فيتم تلقيح السحابة بواسطة الرياح، وهذا هو اللقاح الأول، ويتم من مزج شيئين أحدهما بارد والآخر ساخن، لكن لا يتحول البخار ماءً بمجرد اتصاله بشيء بارد، بل ينبغي على الرياح أن تحمل معها (مراكز تمييع) وهي قسيمات مجهرية من الغبار الذي تثيره من سطح الأرض إلى السماء، وهكذا يقع تلقيح الهواء، ليصبح سحاباً، وتصبح الرياح بهذه الصفة(13).
إن القطرات التي يتكون منها السحاب مشحونة كهربائياً، إما سالبة كلها، وإما موجبة كلها، وإما نصفه الأسفل من نوع كهربائي، ونصفه الأعلى من نوع آخر – وهذه الكهرباء تجعل قطرات السحاب لا تتجمع، بل تدفع بعضها بعضاً – وتحمل الرياح هذا السحاب إلى أن يلتقي إما بسحاب آخر أو جبل، أو أي مرتفع ذي كهرباء مضادة، فتتصل الكهرباء السالبة بالكهرباء الموجبة، فيتكون تلقيح من نوع آخر، وهذا هو النوع الثالث من التلقيح، تكونه الرياح للسحاب، وينشأ عنه البرق ثم الرعد، فيصبح السحاب محايداً لا كهرباء فيه، فتتضخم قطراته بسرعة وتسقط على الأرض في شكل مطر، أو إذا كانت البرودة شديدة، في شكل ثلج، وهذا لا يقع إلا بإذن الله، فهناك سحب لا يسقط منها مطر ولو نشأ الرعد فيها، وهناك سحب صغيرة بدون رعد تنشأ عنها أمطار غزيرة كل ذلك بإذن الله(14).
ثم على الوجه الآخر يقول الحق جل وعلا: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ) (الرعد:12)، أي ثقيلة قريبة من الأرض بسبب امتلائها بالماء(15)، وقال سبحانه وتعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً) (نوح:10-11)، قال الإمام القرطبي في تفسيره: (في هذه الآية دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار)(16)، ولا شك أن الاستغفال هو طريق وواجب أولي للاستمطار، فكيف لو اقترن بفعل على الواقع يتعامل فيه مع السحابة! لأن الرزق سببه المطر أو أن المطر سبب في الرزق، وقال عز من قائل: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) (هود: من الآية52)، أي يرسل السماء بالمطر متتابعاً يتلو بعضه بعضاً(17)، فعلق إرسال المطر بالاستغفار(18)، وقال سبحانه وتعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف: من الآية96)، وقال سبحانه وتعالى: (فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ) (الحجر: من الآية22)، وقال سبحانه وتعالى: (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً) (البقرة: من الآية60)، وقال سبحانه وتعالى: (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً) (الفرقان:49)، وقال سبحانه وتعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ) (الأعراف: من الآية160)، وقال عز من قائل: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) (الشعراء:79).
فهذه الآيات تنهض بمجموعها لتؤيد فكرة الاستمطار بالطرق العلمية المبتكرة، فإذا كانت العوالم المخلوقة جميعها مسخرة للإنسان من أرض كذلول، ومن سماء كركوب، ومن فضاء كهبوط وصعود، ومن سحب لتنزيل المطر، فلا داع أن يظن أن هذه الأخيرة أعظم شأناً، وأبعد منالاً كي يتحرج الإنسان من التعامل معها أو الوقوف أمامها موقف العجز والكسل أو الذي لا حول له ولا طول، لا سيما وأن الآيات القرآنية حدثتنا عنها إلى حد بعيد، وبالأخص في مثل النوع الثقيل (السحاب الثقال) القريبة من الأرض التي تعزم على إفراغ حمولتها من المطر، وهذا يعني أن نوعاً أو أنواعاً أخرى بعيدة أو قريبة من الأرض، لكنها غير ثقيلة، فتحتاج إلى تلقيح بقذف بلورات أو مساحيق أو أبخرة – مما استطاع العقل البشري تصنيعه – كمساعد لها في التكاثف والهطول.
هذا، وإذا وجدنا من يزعم أننا بعدنا عن الجادة وضللنا الطريق بقولنا: إن السحب تستمطر، والقابلية لشحنها بمساحيق أو بلورات موجودة – مستدلاً بآيات القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) (الواقعة:68-70)، وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان:34) – فنجيب أن هذه فيها دلالة على المؤيدين لفكرة الاستمطار لا الشاجبين، لأن إنزال المطر من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله وحده، ولا يعلمها أحد إلا بعد إعلامه تعالى بها، وهذا أولاً.
وثانياً: إن كل ما يفعله العالم المجرب والمكتشف للمطر الصناعي هو فقط تجارب على عوالم موجودة ومثبوتة في ملكوت الله عزوجل الواسع، وليس إحداث شيء من العدم، والتجارب إما أن تؤول إلى نجاح أو إلى فشل، فإذا نجحت فذلك شيء علمه الله لمن شاء من خلقه، وإذا فشلت فشيء حجبه الله عمن شاء من خلقه، وفي هذا يقول ابن كثير: (وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله، ولكن إذا أمر الله به علمته الملائكة الموكلون بذلك، ومن يشاء من خلقه)(19)، وبمثل المعنى نفسه يقول ابن عباس: إن بخار الماء لفي نقرة إبهامه (يقصد ملك الرعد الذي يسوق السحاب والموكل به بحيث يصرفه حيث يؤمر)(20).
ثانياً: من السنة:
عن أنس بن مالك أن رجلاً دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً، ثم قال: يارسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا" قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس، فلما توسطت السماء انتشرت، ثم أمطرت قال: فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله يمسكها عنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: "اللهم حولنا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر"(21) فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس.
فالاستمطار الذي هو استسقاء تم بواسطة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما أن انحسار الماء وتوقفه تم – أيضاً – بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي علّمنا ذلك، وجرى على هذا الخلفاء والأمراء والفقهاء والعلماء وإلى وقتنا هذا.
فكلما حز بالمسلمين جفاف أو انقطاع من الأمطار توجهوا إلى الله عز وجل يستسقونه، ويطلبون منه إنزال رحماته وبركاته على الأرض، فما يكاد المسلمون يرجعون من صلوات الاستسقاء وأدعيته إلا وترى الأمطار تنهمر مدراراً.
وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج متواضعاً متبذلاً، متخشعاً، فصلى ركعتين، كما يصلى في العيد، لم يخطب خطبتكم هذه(22).
وفي حديث أبي هريرة قال: (خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة، ثم خطبنا ودعا الله عز وجل، وحول وجه نحو القبلة رافعاً يديه، ثم قلب رداءه، فجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن)(23).
وفي حديث عبد الله بن زيد قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقي، فحول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة رافعاً يديه، ثم قلب رداءه، فجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن)(24).
وفي حديث ابن أبي ذئب عن الزهري عن عباد بن تميم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم خرج يستسقي قال: فحول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه، (ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة)(25).
يُفهم من هذه الأحاديث أن فعل الاستسقاء مسنون، ومثله الاستمطار.
ثالثاً: من الإجماع:
أجمع الفقهاء على جواز الاستسقاء (الاستمطار) مع خلاف بينهم حول بعض تفصيلاته المتعلقة بالصلاة والدعاء وأشخاص الاستمطار وهيئاته وذلك كالتالي:
يرى أبو حنيفة – رحمه الله – في ظاهر الرواية: أنه لا صلاة للاستمطار أو الاستسقاء، وإنما فيه الدعاء، وأراد لا صلاة في الاستسقاء: الصلاة بجماعة، أي لا صلاة فيه بجماعة، بدليل ما رواه أبو يوسف أنه قال: سألت أبا حنيفة عن الاستسقاء هل فيه صلاة أو دعاء مؤقت أو خطبة؟ فقال: أما صلاة بجماعة فلا، ولكن الدعاء والاستغفار، وإن صلوا وحداناً فلا بأس به(26).
يفهم من كلام أبي حنيفة أن الاستسقاء أو الاستمطار يكتفى فيه بالدعاء، لأنه السبب لإرسال الأمطار، لقوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً) (نوح:10-11)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى، ولم يرو عنه الصلاة.
وقد رد الحافظ الزيلعي بأن استسقاءه عليه الصلاة والسلام صحيح وثابت، أما أنه لم يرو عنه صلاة الاستسقاء فغير صحيح، بل صح أنه صلى فيه، وليس في الحديث أنه استسقى ولم يصل، بل غاية ما يوجد ذكر الاستسقاء، دون ذكر الصلاة، ولا يلزم من عدم ذكر الشيء عدم وقوعه(27).
ويرى الصاحبان وجمهور الفقهاء أن للاستمطار أو الاستسقاء صلاة، وأنها سنة بالاتفاق، وأن الخروج إلى الاستسقاء والبروز عن المصر والدعاء إلى الله تعالى والتضرع إليه في نزول المطر سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما احتيج إليها، صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه رضي الله عنهم، وتكرر ثانياً وثالثاً وأكثر، إن لم يسقوا، حتى يسقيهم الله تعالى، فإن الله يحب الملحين في الدعاء(28).
ويرى المالكية للاستمطار أو الاستسقاء صلاة، فإن أمطروا بعد تأهبهم لصلاتها صلوها لطلب سعة، روى أبو مصعب عن مالك: البروز إلى المصلى للاستسقاء لا يكون إلا عند الحاجة الشديدة، ومثل المالكية الشافعية، حيث يجتمع المصلون للدعاء والشكر، ولو سقوا في أثنائها (أي أثناء الصلاة) أتموها جزماً(29).
ويرى الحنابلة أنهم إذا أمطروا قبل الخروج للاستمطار لا يخرجون، إنما يشكرون الله على نعمته، ويسألوه المزيد من فضله، لكن إذا خرجوا وأمطروا قبل الصلاة، صلوا شكراً لله تعالى مع التحميد والدعاء (30).
ويرى الظاهرية أن الاستمطار أو الاستسقاء دعاء مع صلاة ركعتين(31).
يفهم من هذا أن الفقهاء متفقون على التعامل مع السحب والغيوم لاستمطارها بالدعاء والصلاة لله عز جل بأن تمطر، فإن قيل: إن هذه الصلاة لا علاقة لها بالصعود العلمي المعروف اليوم إلى الجو لشحن الغيوم أو تلقيحها لتستمطر، فنجيب أن الصلاة نوع أو أسلوب من الأساليب الكثيرة للتعامل مع العوالم الكونية الخاضعة لأمر الله بالصدع والاستجابة، وبالتالي يصح أن يتعامل مع هذه العوالم بأساليب أخرى لاستمطارها، زيادة على الصلاة، تبعاً للتقدم والاكتشاف العلمي، فالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والخلفاء من بعدهم استسقوا بالخروج إلى الصحراء متذللين متواضعين عليهم ثياب خلقة غسيلة، وبعضهم استسقى بالأطفال والشيوخ والعجائز(32)؛ لأن دعاءهم أقرب إلى الإجابة، وبعضهم استسقى بالدواب والمجانين(33)؛ لأن الرزق مشترك بين الكل، وبعضهم استسقى بذوي الصلاح والدين من الناس؛ لأنه أسرع في استجابتهم، وبعض المخلوقات كالنملة مثلاً استسقت بالاستلقاء(34)، فكل الطرق السالفة الذكر أساليب، فلا يعدو – والحالة هذه – أن يكون تلقيح السحب واستمطارها واحدة من تلك الأساليب، أو مضافة إلى تلك الأساليب، أو طريقة من الطرق الممكنة، وإن اختلفت الوسيلة تبعاً للزمان والمكان، ما دام ذلك فيه التزام بقواعد الشريعة، وعدم خروج على قواعدها العامة ومبادئها الأصلية.
رابعاً: من العقل:
إن العقل يشتد توقانه لأن يعتقد أو يصدق من أن الاكتشافات العلمية أوصلت الإنسان إلى أن يتعامل مع عوالم الله العجيبة مثل السحب والغيوم، ويستسقيها أو يستمطرها على هدي من تعليمات الشريعة، طالما أنها في الأصل خلقت لمصلحة الإنسان وفائدته، بشرط أن يتنبه الأخير إلى المحددات الشرعية التي تسح له بولوج هذا النوع من الاكتشاف والبحث في علم الله الغزير الذي سخره له، وذلك حتى لا تؤدي به تجاربه إلى خيبة أمل يجنيها على نفسه، وعلى الإنسانية جمعاء، مما يدخل في نطاق العلوم المحرمة أو المرفوضة، مما سنتحدث عنه لاحقاً في مبحث الاستخدام السيئ للاستمطار، كما لو زعم أحدهم أن فعله هذا كان على غير مثال سابق، أو استحداث مطر من العدم مما لم ينبه عليه القرآن الكريم ولا السنة النبوية، فالاستمطار ليس إحداث شيء من العدم، أو اختراع من غير ما مثيل من تعليمات الشريعة، إنما هو اكتشاف وتجارب مؤيدة بنصوص الشريعة مع العمل الدؤوب والحث المستمر – بعد التوكل على الله – لزيادة كميات المطر أو تسريعها، ولا سيما في مثل السحب القابلة أصلاً للمطر أو التي تحتاج إلى مساعدة في زيادة كمية المطر، وذلك كالحيوان الذي يزاد في تغذيته لتزداد كميات حلبه ومراتها.
الثاني: أنواع الاستمطار وأسبابه وشروطه:
إذا عنينا بالاستمطار الاستسقاء فليس له إلا نوع واحد أو طريقة واحدة وهي الطريقة التي تحدث عنها القرآن الكريم عندما تأتي السحابة أو السحب المحملة أو المثقلة بالأمطار لتلقي بها على الأرض الجدباء الميتة – لتبعث فيها الحياة من جديد.
أما إذا عنينا بالاستمطار – بطرقه العلمية الحديثة التي تقوم على محاولات الإنسان استمطار السحب لزيادة تكثيفها وإسقاطها للماء – مما يندرج في باب الإعجاز العلمي القرآني، الذي لم يسهب الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث عنه، ولا أسهب به الفقهاء من ناحية علمية، ولم يوردوه في استدلالاتهم كما هو اليوم، وذلك لأمرين ذكرناهما سابقاً وهما:
الأول: انشغالهم بالدعوة الإسلامية ومجرياتها، مما حال بهم إلى عدم التركيز على الاكتشافات والاختراعات كما هو مشاهد اليوم، وذلك لأن طبيعة رسالتهم كانت منصبة على التوحيد.
الثاني: اختلاف الزمان والمكان والأحوال التي كان عليها الأوائل، فلم يكن همهم الأول ينصب على الكواكب والفضاء بقدر ما هو منصب على العقيدة وتثبيت أركان الدولة الإسلامية، حتى إذا ما تعمق التوحيد وترسخت جذوره ومفاهيمه انطلقوا إلى المواضيع الأخرى العلمية وغير العلمية، والدليل على ما نقول معرفتهم الكبيرة بالكواكب وحركات الأنواء والسفن مما يجعلنا نقرر أن أمر الاستمطار لو تهيأت ظروفه، وطال زمانه وزمانهم لخاضوا فيه، وتمكنوا منه – فيبدو أن طرقه كثيرة لأنها تقوم أصلاً على نظريات علمية متعددة.
أما أسباب الاستمطار وشروطه فكالتالي(35):
1- المحل والجدب.
2- الحاجة إلى شرب شفهاهم أو دوابهم ومواشيهم في سفر في صحراء أو في سفينة أو في الحضر.
3- استسقاء من لم يكن في محل ولا حاجة إلى الشرب، وقد أتاهم من الغيث ما إن اقتصروا عليه كانوا في دون السعة، فلهم أن يستسقوا.
4- استسقاء من كان في خصب لمن كان في جدب ومحل.
5- شرط الذكورة، فلا يخرج للاستمطار النساء على المشهور عند المالكية(36)، ومثله – على ما أرى – صعود النساء إلى طبقات الجو لاستمطار السحب، أو عملهن في المحطات الأرضية، وذلك لصعوبة الفعل من جهة، وكذلك اختلاطهن بالرجال على الأرض من جهة أخرى، مما يسبب لهن مضايقات، وهذا يدخل في نظرة الشريعة الكلية إلى مجال عمل المرأة، من باب درء المفاسد، والمحافظة على المصالح، اللهم إلا عند الضرورة، مع التأكيد على أن الضرورة يجب أن تقدر بقدرها، ويرى الحنفية والشافعية أن النساء اللاتي لا هيئات لهن يخرجن لصلاة الاستسقاء، ومثلهن الأطفال والشيوخ والعجائز(37)، لخبر البخاري: (وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم)(38)؛ لأن دعاء هؤلاء أقرب للاستجابة.
6- شرط الإسلام، إذا اعتبرنا أن التعامل مع السحب لاستمطارها هو نوع عبادة – وهو الأصل – فالأفضل أن يكون المستسقي أو المستمطر مسلماً، وهذا رأي الحنفية(39)؛ لأنه لاستنزال الرحمة مع الدعاء والاستغفار، وهذه لا يصلح لها الذمي أو غير المسلم، أما إذا اعتبرنا الاستمطار نوع فن وعمل اكتشافي محض – وهو بعيد – فلا يمنع منه الذمي أو غير المسلم؛ لأن دعاء الكافر قد يستجاب استدراجاً وطعمة في الدنيا(40)، قال تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) (الأعراف: من الآية182)، والله سبحانه وتعالى ضمن أرزاقهم في الدنيا كما ضمن أرزاق المؤمنين.
7- شرط التواضع والتضرع والتذلل والابتذال أي في ثياب البذلة، لا ثياب الزينة، وعدم التطيب، والخشوع أثناء الصعود والهبوط وساعة التعامل مع السحب، إقراراً واعترافاً بالحاجة الملحة والرغبة فيما عند الله عز وجل.
8- شرط عدم إسناد حقيقة الفعل أو بركات الإمطار إلى السحابة ذاتها أو الغيمة عينها، أو مادة الشحن، أو المحطة التي هيأت المطر؛ لأنه لا قيمة للغيوم والسحب من غير ترتيب الإله وتثبيته، فمن قال: مطرنا بنوء كذا – أي بوقت النجم الفلاني، أو بالسحابة العلانية، كما كان هي عادة بعض العرب – فقد كفر؛ لأنه اعتقاد في غير محله، وعليه يحمل ما في الصحيحين حكاية عن الله تعالى: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب)(41).
9- شرط عدم سب الريح، أو سب العوامل المساعدة الأخرى التي تساعد في عملية الاستمطار من حرارة ورطوبة ومناخ وغيره، وذلك لخبر: (الريح من روح الله – أي رحته – تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، واسألوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها)(42)، بل يقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به)(43)، (اللهم اجعلها رحمة، ولا تجعلها عذاباً، اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً)(44).
10- شرط توقي الرعد والبرق ما أمكن، فإذا كنا نعزم على التعامل مع الغيوم والسحب لاستمطارها، فليس من الأوقات المفضلة حالات البرق أو الصواعق؛ لأن الأخيرة تكون – على الغالب – علامات على الإمطار أصلاً، فضلاً عن أنه في مثل تلك الحالات على المستمطر أن يردد قوله تعالى: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) (الرعد: من الآية13)، ويستحب أن لا يتبع بصره البرق؛ لأن السلف الصالح كانوا يكرهون الإشارة إلى الرعد والبرق ويقولون عند ذلك: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبوح قدوس)، فيفضل الاقتداء بهم في ذلك.
هذا، وإذا كان شأن الإنسان العادي أن يفعل الذي ذكرناه في أحوال البرق والرعد فمن باب أولى من تسند له مهمة الاستمطار بواسطة المحطات الأرضية، أو بواسطة الأجهزة والمعدات اللازمة التي تعد لشحن السحب، كما في طائرة نثر الغيوم من الجو.
صفوة القول: علينا – ونحن نهيم بالاستمطار – أن نتتبع الشروط والأسباب السالفة الذكر، دون استشعار العظمة في أنفسنا، أو استشعار صنع المعجزات، وذلك حتى لا تأخذنا العزة بالإثم، فنقدم على فعل لا قبل لنا به، أو نحكم على نظرية من النظريات بالصحة والواقعية مع أنها غير قابلة للتصديق أصلاً، وخاصة إذا كانت مخالفة لنصوص الشريعة وروحها الغراء، أو نحكم على نظرية أخرى بالفشل مع أنها في الواقع قابلة للتصديق والتطبيق.
الثالث: طرق الاستمطار وأوقاته وأدواته وتحليل معلوماته ونتائجه وفوائده:
محاولات استمطار السحب وأنواعه وطرقه وزمانه ومكانه وأدواته ونتائجه لم يثبت منها شيء مائة بالمائة إلى الآن، إنما هي تجارب تأخذ طابع المشاريع العلمية، لكن لا بأس أن نشير إلى الطرق التي جربت إلى الآن وأثمرت حسب تقارير استقيناها من دائرة الأرصاد الجوية الأردنية(45).
الطريقة الأولى: طريقة تشغيل محطات الاستمطار من الأرض لشحن السحب في الجو.
الطريقة الثانية: طريقة الاستمطار الجوي بواسطة طائرة الاستمطار.
طريقة تشغيل محطات الاستمطار من الأرض لشحن السحب في الجو:
يتم استمطار السحب التي في الجو من الأرض بواسطة نثر الغيوم من هذه المحطات(46) من بعضها بأنوية "أيوديد الفضة" حسب الأوضاع الجوية السائدة، ولكل مرة نثر طريقة، وكل من هذه المحطات تقدم تقريرها الخاص، وذلك في حالة تشغيلها دفعة واحدة لإحداث منخفضات جوية عميقة.
وتستخدم المولدات الأرضية(47) بشكل أساسي لزيادة المساحات التي يتم نثر الأنبوبة فوقها واستمرار نثر الغيوم لفترات طويلة 24 ساعة، 36 ساعة، 48 ساعة، دون توقف، وحسب إحصائية 96-97 في دائرة الأرصاد الجوية بلغت ساعات الاستمطار من المولدات الأرضية 2876 ساعة(48).
ورغم حسنات المحطات الأرضية في الاستمطار لكن قصورها Limitations أنها لا تعمل في حالة الرياح السطحية الخفيفة، وحالة وجود انعكاس حراري على المستوى المنخفض بالقرب من سطح الأرض.
ثم هناك شروط عند تشغيل محطات النثر الأرضية لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند النثر منها(49):
1- أن لا يقل ارتفاع موقع المولد الأرضي عن 300م فوق سطح الأرض.
2- اختيار أماكن المحطات بحيث تكون على سطوح الجبال المواجهة للغرب كما هو في بلادنا حيث الهواء المثقل بالرطوبة والقادم من البحر المتوسط، يرتفع فوق الجبال حاملاً معه أنوية انجماد من المولدات الأرضية إلى قاعدة الغيم، ومن ثم تكمل الغيمة ذاتياً توزيع الأنوية أفقياً وعمودياً.
أما نسبة ما يمكن نثره من محلول أيوديد الفضة من المولد الأرضي فتسعة جالونات حوالي 30 لتر.
أما كيف ينثر الغيم من المحطة الأرضية لنثر الغيوم فيتم بواسطة المولد الأرضي الذي يتكون من جزئين رئيسيين يعرف أحدهما، بالرأسي وهو أعلى الجهاز، والآخر بالمستودع.
وتكوين الرأسي معقد ففيه يتم تحديد كمية المحلول الكيماوي المستخدم في النثر والذي ينساب إليه تحت ضغط غاز البوتين أو البروبين الذي يدخل المستودع من فتحة خاصة جانبية، كما يتم ضغط الغاز وضبطه من خلال جهاز يثبت بين المستودع وأنبوب الغاز ذي الحجم الكبير، ويتم تعيير جهاز الضغط مع بداية كل موسم مطري.
الطريقة الثانية: طريقة الاستمطار الجوي بواسطة طائرة الاستمطار:
يتم نثر الغيوم من الجو بواسطة طائرة نثر الغيوم Rain Bird المزودة بنظامين للنثر الجوي، وذلك بواسطة مولدين مثبتين تحت جناح الطائرة، وهذا النظام الأول، أما النظام الثاني: فيعرف بنظام الشعلة Flares، وتتكون الشعلة من خراطيش تحمل داخلها ما يشبه الصينية، مقسمة داخلياً لتتسع مائة واثنتين من الشعل، وتحتوي كل شعلة على 10غم إلى 30غم من مسحوق مزيج (أيوديد الفضة) و(أيوديد الأمونيوم) بنسب ثابتة ومعروفة، وفي الأردن تستخدم الشعلة ذات العشرين غرام، ويتم قذف الشعلة من الطائرة بواسطة جهاز تحكم إليكتروني داخل الطائرة، فتطلق إلى الأسفل إما من داخل الغيمة أو بالقرب من قاعدة الغيم حسب الوضعية الجوية السائدة، وبعد دراسة مسبقة، ويتم اشتعالها ونثر المادة التي تحتويها على شكل ذرات خلال ثوان معدودة ومعروفة.
كيف ينزل المطر بواسطة طائرة نثر الغيوم بعد نثر المحلول في السحابة؟
أظهرت الدراسات والأبحاث(50) أن قطيرات الغيوم التي تتكون نتيجة تكاثف بخار الماء في الهواء تكون متناهية في الصغر بحيث يستحيل سقوطها من الغيوم على شكل مطر، ويتراوح نصف قطر قطيرات الغيوم أو حجم القطيرة من (1-20) ميكرون (1n=10**-6m)(51)، (الميكرون يعادل 10-6 متر)، وتتراوح سرعة سقوط هذه القطيرات داخل الغيوم من 0.1 إلى 5سم/ث فقط، كما يغير من توازنها وجود أي حركة عمودية في الهواء المحيط، وسيتم تبخرها فور خروجها من قاعدة الغيمة في حالة عدم توفر هواء مشبع بالرطوبة، أما حجم أصغر قطيرات المطر وهو الرذاذ فهو حوالي 100 ميكرون، ويصل حجم قطرات المطر في العادة ما بين 0.50 و 3ملم ولها سرعة سقوط تتراوح ما بين 70سم/ث و 9م/ث، ولذا تتمكن قطرات المطر الكبيرة من السقوط من الغيوم والوصول إلى سطح الأرض دون أن تتبخر كلها حتى ولو كان الهواء المحيط غير مشبع ببخار الماء(52)، ولذا فإن الفارق الأساسي بين قطرات المطر وقطيرات الغيوم هو الفارق في الحجم، فمثلاً قطيرة غيم لها حجم يساوي 10 ميكرون يجب أن يزيد حجمها مليون مرة قبل أن تصبح قطرة مطر حجمها 10ملم، وقد تبين من الدراسات أن عملية تكاثف بخار الماء وحدها غير كافية لتكوين قطيرات مطر خلال الفترة الزمنية لحياة الغيمة التي هي في المعدل تقارب عشرين دقيقة.
أما كيف تكون قطرات مطر في الغيوم حتى يسقط مطر فبطريقتين(53):
الأولى: طريقة التصادم والتجمع Collision and Coalescence.
الثانية: طريقة بيرجرون، فندايزن (سويدين) Bergeron and Findeisn.
تعتمد الطريقة الأولى على تصادم القطيرات لتكوين قطرة ماء أكبر، أما الثانية فتعتمد على تحول ماء القطيرات الصغيرة المتعددة إلى عدد أصغر من بلورات الثلج، ولكنها أكبر في الحجم، وذلك بأن يتبخر الماء ثم يترسب على أنوية الانجماد المتوافرة في الغيوم، وحين تكبر بلورات الثلج إلى حجم قادر على التغلب على حركات الهواء الصاعد تكتسب سرعة سقوط مناسبة وتستمر في النمو أثناء سقوطها عن طريق تجميع قطيرات لغيوم التي تصادفها أثناء سقوطها إلى أسفل.
وخلاصة هاتين الطريقتين – حتى يسقط المطر – هي القيام بمساعدة قطرات المطر، بتزويد الغيوم بأنوية انجماد صناعية في الأجزاء التي تكثر فيها قطيرات الماء، وبالطبع فإن كلاً من هاتين التقنيتين تعتمد وجود الغيوم، وعليه لا يمكن القيام بعمليات نثر في الأيام الصافية.
هذا ويعتمد نثر الغيوم بأنوية انجماد صناعية (كأيوديد الفضة) على حقائق تم اختبارها والتأكد من سلامتها وهي:
أ – وجود ماء درجة حرارته تحت الانجماد داخل الغيمة أو توفر قطرات ماء تبقى في حالة السيولة على درجات حرارة دون الصفر المئوي في الغيوم.
ب – ضغط بخار الماء فوق الثلج أقل منه فوق الماء تحت الانجماد، وهكذا تتمكن بلورات الثلج من النمو في الحجم على حساب قطرات الماء بتبخر الأخيرة وترسبها على الأولى، وعليه يمكن أن تنمو بلورة الثلج على حساب عدد من قطرات الماء.
ج – طريقتا التصادم والتجميع وطريقة برجون – فندايزن مسؤولتان عن تكون أنواع الهطول المختلفة في مناطق خطوط العرض المتوسطة كالأردن مثلاً.
د – تتوفر أنوية انجماد صناعية لنثرها في الغيوم بتكاليف معقولة، وفي حالة استخدام أنوية أيوديد الفضة كأنوية انجماد صناعية فإن ذلك يتم في الغيوم التي تتراوح درجة حرارة قمتها ما بين 12ْم و 20ْم.
وقد اختيرت النهاية الصغرى وهي 21ْم، لأن درجة الحرارة التي تبدأ عندها انتشار ذرات أيوديد الفضة لتعمل كأنوية انجماد هي -5ْم، ونحتاج – هنا – إلى عمق كاف من الغيوم فوق مستوى درجة حرارة انتشاره، ليسمح لبلورات الثلج بأن تنمو إلى الحجم المناسب لسقوطها كهطول(54).
أما النهاية العظمى وهي -20ْ فقد اختيرت لأن عدد بلورات الثلج التي تتوفر في الغيوم بشكل طبيعي عند هذه الدرجة أو أقل منها يكون كافياً لإحداث الهطول – وبكفاءة – دون مساعدة خارجية، كذلك فإن حدوث الانجماد على مقدم الطائرة أو على الجناحين أو على الزجاج الأمامي لها خلال طيرانها داخل الغيوم يعتبر مؤشراً لوجود قطرات الماء تحت الانجماد في الغيمة وبوفرة مناسبة لبدء عملية نثر الغيوم الجوي(55).
نتائج الاستمطار وتحليل معلوماته وفوائده:
يصعب معرفة نتائج الاستمطار في أي بلد من البلدان دون جمع المعلومات لسنوات الاستمطار المتتالية، وطالما أن مشروع الاستمطار في الأردن – مثلاً – عمره قصير وهدفه الأساسي زيادة كمية الأمطار دون أن يكون مشروعاً علمياً بحتاً لعدم توفر القدرات من جميع الوجوه، فنكتفي بذكر طريقتين من الطرق يعتمد عليهما عالمياً – والأردن منها – لمعرفة النتائج(56):
الطريقة الأولى تعتمد على خرائط فعالية الهطول:
تعرف فعالية هطول المطر بأنها ذلك الجزء من معدل رطوبة الجو الذي يسقط كمطر أو يهطل في المتوسط اليومي(57)، ويحسب من معدل الهطول ومعدل الكم المائي المتوفر للهطول في الجو(58).
وبناء عليه اختيرت تسعة عشر محطة من محطات الأرصاد الجوية في الأردن، وأخذت معلوماتها لثلاثة عشرة سنة، ثلاثة منها فترة استمطار وعشر سنوات تسبقها، وقد روعي في اختيار المحطات أن تمثل الاختلافات المناخية للأردن بالقدر الممكن، ومن ثم حسبت قيم ما يعرف بفعالية الهطول، فتبين أن الزيادة في نسبة الهطول 19%، فإذا كانت كميات الأمطار في الأردن تقارب في معدلها السنوي العام 8000 مليون م3 في حين تزيد على 12000 مليون م3 للسنوات الرطبة، فإن نسبة 19% كزيادة في المطر نتيجة مشروع الاستمطار، وهي نسبة ممتازة لأن النسبة العالمية تتراوح بين 25% و30%(59). كما هو موضح بالمرفق رقم 1.
الطريقة الثانية وتعتمد على الإحصائيات الحسابية:
حيث قسمت مناطق الاستمطار في الأردن إلى أربع مناطق كما هو مشار إليه في المرفق رقم 2.
A1 A2 A3 A4
B1 B2 B3 B4
ومن ثم أخذت المعدلات فكانت النسبة 17.5%.
وبعد ذلك قسمت منطقة الهدف إلى قسمين: خارجي وداخلي، شمل القسم الخارجي A1-A4، والقسم الداخلي شمل B1-B4.
وذلك لاختلاف عمليات الاستمطار في كليهما بسبب الحركة العامة للغيوم من الغرب إلى الشرق، حيث يؤدي إلى زيادة واضحة في تكرار النثر بالنسبة للمناطق الفرعية الداخلية، وبالتالي ارتفاع النسبة المئوية للأمطار فيها، مما يجعل فصلها وأخذ معدل لها خاص بها أمراً حتمياً. وعليه تكون الزيادة في الأمطار في المناطق الفرعية لمنطقة الهدف كالتالي:
أ – الزيادة في المناطق الفرعية 17.5%.
ب – الزيادة في المناطق الداخلية 26.5%.
ويكون بالتالي معدل الزيادة في كمية الأمطار السنوية لعمليات الاستمطار هو:
19.5 + 15 + 17.5 + 26.5 = 19.5% وهي نسبة قريبة جداً إلى النسبة 4 الناتجة من خرائط فعالية الهطول.
فوائد الاستمطار:
أما وقد عرفنا طرق الاستمطار وكيفياتها حسب نوايا الدول التي تتبنى مشاريع الاستمطار – ومنها الأردن(60)- فإننا نذكر جملة من الاستفادات الأخرى زيادة على المطر:
1- دراسة فيزياء الغيوم وطبيعة تشكيلاتها.
2- دراسة أنواع الغيوم، وأيها أكثر فائدة واستجابة لنثر المحاليل فيها.
3- دراسة جدوى محطات الاستمطار الأرضية بشكل منفصل عن غيرها.
أما الفوائد المباشرة للأرض والزراعة فكما يلي:
1- تنشيط الاقتصاد الزراعي وتوسيع رقعة الأراضي المزروعة.
2- توفير مخزون إضافي للمياه السطحية والجوفية.
3- زيادة مساحات الأراضي الزراعية الجافة على حساب الصحراء، وبالتالي المساعدة في مقاومة التصحر.


الرابع: حكم الاستخدام السيئ للاستمطار والأضرار التي تنتج عن ذلك:
آثرت إرجاء الكلام عن الاستخدام السيئ للاستمطار لآخر فرع من فروع المبحث الرابع، وذلك حتى يتسنى لي الإحاطة بكل جزئياته من الناحية الفقهية والعلمية، ولا سيما بعد ذكر الأدلة الشرعية والأسباب والشروط الكثيرة التي تستحسن، فعل الاستمطار وتجمله، وكذلك بعد التمعن في التجارب العلمية المتعلقة بهذا النوع من الاكتشاف، وبناء عليه أقول: يمكن التعامل مع السحب لاستمطارها بطريقتين:
الأولى: إيجابية، وقد فصلنا فيها سابقاً عند ذكرنا للأدلة الشرعية من القرآن الكريم والسنة والإجماع والمعقول، وعند ذكرنا الأسباب والشروط التي تجب على كل من أراد أن يخوض تجارب الاستمطار، ويخوض غمار الأجواء العليا في عالم الفضاء مما يمكن الرجوع إليه سابقاً(61)، فإذا تتبع العلماء هذه الأدلة، والشروط والأسباب، فاعتقادي أنهم سيحققون نتائج ملموسة – في مجال العوز المائي والرحمة المستسقاة من صاحب الرحمة، والتقدم العلمي – لهم ولشعوبهم وللبشرية المتعطشة لكل الأولويات والضروريات وكل سبل الحياة القويمة، مما ستنعم به الأجيال القادمة، ولا شك أنه على رأس قائمة هذه الضروريات الماء؛ لأنه به تحفظ النفوس والأبدان، التي هي من مقاصد الشريعة التي جاء الإسلام ليؤكد عليها في حفظه لمصالح العباد، ومن يدري، فلعل وعسى أن تكون تجارب القائمين على مراكز الاستمطار ومحطاته في العالم من العلماء المنصفين الإيجابيين، لأن عكس ذلك يعني تحول مشاريع الاستمطار إلى شر وبيل تحصد القائمين عليها، وتحصد الأجيال البشرية مما سنناقشه في الصفحات اللاحقة.
الثانية: سلبية، وهذه الطريقة تزداد سلباً، لأن نبرة التشاؤم من تحقيق نتائج سريعة وكبيرة للاستمطار تزداد يوماً بعد يوم لعاملين:
العامل الأول: الجهل.
العامل الثاني: الغرور والكبرياء والأنفة.
الجهل:
لا يزال قسم كبير من البشر يسيئون فهم قسمة المطر، ويقفون موقفاً سلبياً من كل التجارب الكونية، فضلاً عن تجارب الاستمطار، يظل حدثاً طبيعياً غير مفهوم علمياً، لأنه نتيجة تفاعلات بين عناصر شتى مختلفة غير معلوفة لنا، من بينها مثلاً الرياح الشمسية التي لها تأثير كبير على الحالة الجوية، وعلى المطر بشكل خاص، ومصدر هذه الرياح الشمس ذاتها، وإن كانت أذيالها تصل إلى الأرض في شكل قسيمات ذرية مشحونة كهربائياً(62).
أقول: إذا كان شأن المطر في جهل حقائقه إلى هذا الحد، فأعتقد أن الجهل بما يسمونه المطر الصناعي سيكون أكثر؛ لأن كل المحاولات التي بذلت إلى حد الآن في العالم لاستمطار السحب لا تزال مجرد تجارب، رغم أنها بدأت قبل عام 1946م، هذا ما أصدره تقرير عن المجمع الأمريكي للرصد الجوي الذي صدر في سنة 1957م(63).
يقول الدكتور الفندي أستاذ الفلك والطبيعة الجوية بكلية العلوم بجامعة القاهرة ما نصه(64): (إن الظروف الطبيعية التي تؤدي إلى تكوين المزن ونزول المطر لا يمكن أن يصنعها البشر، بل وحتى لا سبيل إلى التحكم فيها، وذلك لأنه لكل من هذه الطرق ظروفها الخاصة، ولا يزال موضوع المطر الصناعي واستمطار السحب العابرة مجرد تجارب لم يثبت نجاحها بعد، وحتى إذا ما تم نجاحها فإن من اللازم أن توفر الطبيعة الظروف الملائمة للمطر الطبيعي، حتى يمكن استمطار السماء صناعياً، أي أن واجب علماء الطبيعة الجوية لا يتعدى قدح الزناد فقط بتوليد حالات من فوق التشبع داخل السحب الركامية).
هذا، وتجد الجهل نفسه في معرفة حقيقة المطر من الناحية الشرعية عند بعض المسلمين ولا سيما المتخوفين من الخوض في مسائله(65).
وعليه، فإن فقهاء وعلماء الشريعة، ومثلهم علماء الأرصاد الجوية والمناخية متفقون على أن الماء سر من أسرار الله في الطبيعة، ولا زالوا يؤكدون أن رحلة الماء في أجسامنا ومن حولنا ومن فوقنا ومن تحتنا في بداياتها، فكيف بالمطر الصناعي؟! هذا ما قاله عدد كبير من البحاثة الكبار أمثال ساربولي العالم الفرنسي، وطوربار جيرون العالم السويدي، ومارشال، وفاسي، وجليبار، وموريس بوكاي، من العلماء الفرنسيين(66).
يقول العالم والطبيب موريس بوكاي في معرض تعليقه على الماء الأجاج والماء العذب ما نصه(67): الاستشهاد بأن الله كان يستطيع أن يجعل الماء الطيب بطبيعته مالحاً شديد الملوحة هو طريقة في التعبير عن القدرة الإلهية، وطريقة أخرى في التعبير عن هذه المقدرة نفسها: تحدي الإنسان أن ينزل الماء من السحاب، ولكن إذا كانت الطريقة الأولى مجرد قول بديهي أفلا تكون الثانية كذلك في العصر الحديث حيث سمحت التكنولوجيا بإطلاق المطر صناعياً؟ أيمكن معارضة دعوى القرآن بطاقة البشر على إنتاج المطر(68)؟!
ويضيف: ليس الأمر كذلك، إذ يبدو أنه لا بد من الأخذ في الحسبان بحدود إمكانات الإنسان في هذا الميدان، فقد كتب م.أ. فاسي M.A. Facy – مهندس عام الأرصاد الجوية الوطنية في مقالة "الهواطل" بدائرة معارف أونفرسالس ما يلي(69):
(لن يمكن أبداً إسقاط مطر من سحابة لا تحتوي على سمات السحابة القابلة للهطول، أو من سحابة لم تصل إلى درجة مناسبة من التطور أو النضج، وبالتالي فإن الإنسان لا يستطيع إلا أن يعجل بعملية الهطول مستعيناً في ذلك بالوسائل التنقية الملائمة، على شرط أن تكون الظروف الطبيعية لذلك مجهزة سلفاً، ولو كان الأمر غير ذلك لما كان الجفاف عملياً، وهذا غير حادث، وكما هو واضح فإن التحكم بالمطر والطقس الجميل ما زال حتى اليوم حلماً، ولا يستطيع الإنسان أن يقطع كيفما يشاء الدورة الثانية التي تضمن حركة المياه في الطبيعة).
يستفاد من هذا أن الجهل بحقيقة تنزيل المطر صناعياً لا زالت الألسنة تتناقله، ولا زال المتخوفون من هذا الصنيع يحذرون منه بحجة أن ذلك اعتداء على أصل خلقة المطر وعلى من عنده علم الساعة وتنزيل الغيث، واعتقادي أنه إذا كان في كلام هؤلاء بعض الصواب، لكن ليس الصواب كله، وذلك لما هو معلوم من أن الإفراط في الحرص يساوي التفريط فيه، وربما يتعداه، فمنشئ الأمطار، هو منشئ مقدماتها وأسبابها وتدابيرها، ليلجها أولئك الذين شاء الله لهم ذلك، من بشر أو ملائكة جرياً على سنن الله في الأرض، ونواميسه في الكون، وفي هذا المجال يعلق الأستاذ عبدالحميد الزنداني فيقول(70): (عندما تمكن الإنسان من معرفة السنن الإلهية التي أجراها الله والأسباب التي قدرها لإنزال المطر، أخذ الإنسان يحاول أن يستخدم هذه السنن على نطاق محدود لإنزال ماء السحب عند بروزها، فظن بعض الجهلة ذلك تطاولاً من الإنسان على قدرة الله، ومساواة بين الإنسان وخالقه، وقالوا: إنه أصبح في مقدور الإنسان الأمر الذي كان في مقدور الله، ويضيف: ألم يعلم هؤلاء أن الله هو خالق الأشياء وأسبابها وأقدارها، وأن الإنسان هو خليفة الله في هذه الأرض الذي يستخدم هذه السنن والأقدار، فالقرآن لا يحرم على الإنسان إنزال المطر، كما أن الله هو الذي يزرع الأشجار والنباتات بتقديره وقدرته، إلا أن ذلك لا يحرم على الإنسان أن يقوم باستخدام أقدار الزراعة وسننها في زراعة الأرض، بل إن على الإنسان أن يعرف التي منحه الله إياها، وذكر ذلك في كتابه بقوله: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة: من الآية30)، وقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثـية: من الآية13)، انتهى كلام الزنداني.
ويؤيد كلام الزنداني ما توصل إليه العلماء من تجارب على السحب حيث إن متوسطات كميات الهطول زادت بما يعادل 30% في الأيام التي عولجت فيها السحب صناعياً على كميات الهطول في الأيام التي لم تعالج فيها السحب صناعياً، وذلك خلال ثلاثة أعوام متوالية، وقد حدث هذا في أعوام الخمسينيات المتأخرة(71)، وهذا يدل على أن الإمكانيات والفرص موجودة وقائمة لمثل هذا النوع من العلم والتجارب، وأن الشريعة لا تقف موقفاً سلبياً من الفرضيات والاحتمالات التي علق عليها الزنداني.
العامل الثاني: الغرور والكبرياء والأنفة:
مع أن هذا العامل لا ينفصل كثيراً عن الجهل في فهم تدابير الله عز وجل في إنزال المطر، وفهم سننه الإلهية في إنابة من شاء من البشر في إجراء بعض أجزائه، كالمطر الصناعي مثلاًن كما يوجد ملائكة موكلون من الله تعالى بإنزال المطر لكن فهم بعضهم لهذا جاء بشكل معكوس، وبمعنى آخر أوصله فهمه لنواميس الكون وسنن الله في الأرض إلى غرور وكبرياء وغطرسة، فأعلن حربه على مبدع الكون ومسخر السحاب، فانبرى للتعامل مع الأخيرة باستعلاء وتكبر، مما قاده إلى أسوأ العواقب، وأسوأ استخدام سيئ للاستمطار، فأخذته العزة بالإثم وهو يجري تجارب الاستمطار أو ارتياد الفضاء أو تشغيل محطات الاستمطار، فانطلق يتحدى السحابة بغير تعليمات القرآن، واجتهد ليظهر النتيجة بغير توكل على الله، وتسليم به واعتماد كامل عليه، فبدل ذلك كله عزا الأمور إلى علمه وغروره القاتل، وحسبه في استخدامه السيئ أنه لم ينس بالصنعة إلى الصانع، ولا استدل بالأثر على المؤثر فخاب فعله وفشلت تجربته، وعليه يلزم مجري تجربة الاستمطار، وقائد طائرة الاستمطار، وراصد محطة الاستمطار – بل يلزم كل طاقم وكادر وإداري وفني الاستمطار من مصممين ورواد فضاء وعمال وغيرهم، إضافة إلى القاطنين والسكان – الشروط التالية التي ذكرها الفقهاء في أبواب وصفة صلاة الاستسقاء(72) عند إجراء التجربة وبعدها، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف الأسلوب أو الطريق الذي يؤدي به الفعل، تبعاً لطبيعة الفعل نفسه وزمانه ومكانه، هذا ويعد المستمطر، أو قائد طائرة الاستمطار، أو المتحكم في تشغيل محطة الاستمطار مستخدماً مسيئاً لتجربة ومفهوم الاستمطار إذا فعل التالي من مثل ذلك الذي يتناقض ويتنافى مع رسالة الإسلامي الصافية النقية في طلب المطر:
1- انطلاقه لأجواء الفضاء بغير نية صادقة، وتوبة من المعاصي، ومن غير تواضع، وخشوع باعتبار أنه يقوم بأعمال عبادة، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف: من الآية96)، وفي حديث ابن عباس: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متذللاً متواضعاً متخشعاً، حتى أتى المصلى)(73).
2- تخبطه من غير توكل، ومن غير تهيئة لكل أسباب النجاح من تحضير مسبق لكل مستلزمات عملية الاستمطار.
3- غروره بعدم صلاة ركعتين؛ لأن الركعتين سنة من سنن الاستمطار، حتى إن الجمهور يعتبر هذه الصلاة من السنن المؤكدة، وذلك تيمناً وتبركاً بالمطر(74).
4- ارتياده الجو بغير دعاء واستغفار، والاستعاضة عنهما بما نشهده في عالم اليوم من وسائل للهو، تبعدك عن ذكر الله، فبدل أن يبدأ المستمطر لحظته في الاستمطار بأدعية مأثورة، تراه يستعيض عنها بوسائل إعلامية مرئية أو مسموعة، أقل ما يقال فيها: إنها تتناقض مع فعل العبادة، وذلك لما روى البيهقي أن الدعاء يستجاب في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة، ورؤية الكعبة، ولعمر الحق إنه لفضل ما بعده فضل، أن يدعو قائد طائرة الاستمطار وهو يواجه السحابة ويحاول تطويعها لاستمطارها بمجموع دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم مثل: (اللهم مطراً صيباً هنيئاً، وسيباً – أي عطاءً – نافعاً، مطرنا بفضل الله ورحمته)(75)، ويقول عند التضرر بكثرة المطر: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر(76)، اللهم سقيا رحمة، لا سقيا عذاب، ولا محق، ولا بلاء، ولا هدم، ولا غرق)(77).
5- فعل كل عادة أو إشاعة لا تسرع بعملية الاستمطار، أو بإنزال المطر، بل تتناقض معه، ففي الجاهلية سرت عادة إضافة الأمطار إلى الأنواء، فكانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا، فإن اعتقد الفاعل أن ذلك له حقيقة كفر(78) واليوم سرت عادات مشابهة، ولا سيما في سنوات القحط والجفاف كما لو قيل: مطر جاهز، أو ثقبة الأوزون، أو مطر صناعي ويقصدون أنه مطر مصنع بطريقة بشرية والعياذ بالله.
6- سب الريح وتكرار السب، أو سب عوالم كونية أخرى لها علاقة بعملية الاستمطار(79).
7- إساءته المتعمدة لمنظر المطر، كما لو خرج عارياً أو خرج بثياب صفيقة شفافة، أو حسر عن جسده لا تيمناً بأول المطر ليصيبه شيء منه، بل استخفافاً، كما يفعله اليوم من نشاهدهم في المناسبات والأعياد بقذف أنفسهم في الغدران والبرك شديدة البرودة، روى مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم حسر عن ثوبه حتى أصابه المطر، وقال: إنه حديث عهد بربه)(80)، أي بخلقه وتنزيله وتكوينه، فليت المستمطر أو قائد طائرة الاستمطار أن يفعل ما يشبه فعل الرسول صلى الله عليه وسلم إذا استشكل عليه فعل الاستمطار أو عاندته السحابة، وليته يحسر ثوبه، ويكشف عن بعض جسده وهو يرى علامات تجاوب السحابة ببدء تقطيرها للماء، أو إنزالها المطر المدرار.
8- قذفه لمحاليل لا تتناسب مع السحب – أصلاً – لاستمطارها، أو زيادات الكميات المستخدمة، أو إنقاصها إلى درجة تجعل الفعل عبثاً وتلاعباً، مما يصب في مصلحة عدم التوازن.
9- تخيره لأسوأ الأوقات والظروف للاستمطار مما لا ينصح بها علماء الأرصاد الجوية، ولا الموجهين والمشرفين على محطات الرصد الجوي الأرضية، كما لو تخير الأوقات المظلمة، أو الأوقات التي لا رياح فيها، أو الأوقات التي لا سحب فيها أصلاً.
الأضرار التي تنتج عن الاستخدام السيئ للاستمطار(81):
يمكن أن نتوقع النتائج والأضرار السلبية التالية في حالة الاستخدام السيئ للاستمطار، وكلها متوقعة.
أ – أضرار عامة للبيئة كلها أو بعضها من تلويث للأرض والجو والإنسان والحيوان، وقد تكون آثار التلويث آنية مباشرة عقب التجربة، أو تكون بعد أعوام وسنين من التجارب العلمية التي أجريت.
ب – أضرار خاصة على الأرض التي أجريت فيها التجارب، أو الجو الذي تعاملت فيه طائرات الاستمطار، أو أشخاص الطيارين أنفسهم الذين تعاملوا مع السحب بروح من عدم المسؤولية واللامبالاة، فكانوا هم الضحايا.
ج – أضرار اقتصادية ومالية بما كلفت تجارب المستمطرين من أموال وأيدي عاملة وغيرها.
د – أضرار نفسية بما تخلفه تجارب الطيارين من مؤشرات وعلامات تدل على العجز البين الواضح في الأساليب والتقنيات المستخدمة في مواكبة الدول الصناعية والمتقدمة.
هـ - شح الموارد ولا سيما المائية منها في حالة فشل تجارب الاستمطار أو الاستخدام السيئ له، مما يزيد في ضعف الإنتاج، وقلة الوفرة الزراعية، وزيادة مساحة الأراضي الصحراوية غير القابلة للزراعة.
خلاصة القول:
بعد أن تبينا من خلال العرض المتعلق بطرق وأدلة وأنواع وأوقات وشروط ونتائج الاستمطار، وكذلك الأحوال التي يصدق عليها – استخدام البعض للاستمطار بصورة سيئة قد تؤدي إلى إرباك الناس وإيقاعهم في مآزق الجفاف والقحط والمحل بسبب لجوئهم إلى طرق فاسدة للاستمطار، مما قد يزيد في قحولة الأرض، وإهلاك الزرع والضرع، من أرض وحيوانات، فضلاً أن الاستمطار السيئ قد يرهق الدولة من جميع الوجوه، ويحملها أعباء مالية، ويستهلك قدراتها الإنتاجية، فضلاً عن الأضرار البيئية الملوثة للجو والأرض مما لا يكون في المقدور التنبؤ عنه بحق الأرض والإنسان والحيوان – نقول: إن الاستمطار مشروع جدي وشرعي وعلمي وتقني مقبول، وبالإمكان الاستفادة منه وتطويره.
فما دام أنه لا يتعارض مع قواعد الشريعة، ولا يؤثر على حياة الناس الصحية عندما تنثر المحاليل في الغيوم، وما دام أنه لا يهدد الأرض من حيث كميات الأمطار لا في زمن النثر ولا بعده، وما دام أن رواده والقائمين عليه لا يزعمون أنهم قادرون على أن يصنعوا سحباً تمطر، وإنما هدفهم المعلن إضافة كميات مطر جديدة للأرض، أو إضافة كميات إضافية من المطر لتحسين نمو الأرض، وزيادة رقعتها الزراعية، وتوفير مخزون مائي للمستقبل، ما دام أن كل ذلك كذلك فلا نرى فيه شيئاً مخالفاً لتعاليم الشريعة، لكي نصدر حكمنا عليه بالتحريم أو المنع، إنما تطبيقاته الشرعية والعلمية ممكنة، وأهدافه نبيلة ما لم يخرج عن الغاية والشأن الذي أقر من أجله، أما إذا رتبت له استخدامات سيئة، وخرج عن إطار المشروعية والأهداف المتوخاة منه، عند ذلك يكون حراماً، أو طريقاً مؤدياً إلى الحرام، لما فيه من نزعات شر في عقول وصدور منفذيه من حقد واستعلاء وغرور وجهل، هذا والله تعالى أعلم بالصواب.
الخاتمة:
أما ونحن نروم إلى نهاية المطاف في بحث الاستمطار – بعد أن لاحظنا أن صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان لا تمانع الاكتشافات والإبداعات والتجارب العلمية، ويأتي إمطار السحب ليشكل واحدة من هذه الإبداعات والتجارب العلمية – أقول: جدير بكل الذين أوصلتهم علومهم وأدت بهم تجاربهم إلى جدية استمطار السحب أن يتبينوا ما قلناه آنفاً من أن السحب التي نجد في استمطارها بمختلف أنواعها، ولا سيما الركامية منها القريبة من الأرض، وأن الأجواء التي نجري فيها تجارب الاستمطار، وأن الرياح التي تساعد في عملية تلقيح السحب، وأن المحاليل التي نقذفها في السحب لزيادة حمولتها من المطر كلها مخلوقات وعوالم لله سخرها الله عز وجل لخدمة الإنسان، ليكمل مشوار إعمار الأرض وتهيئة ما فيها من سبل ومعايش، كل ذلك ثابت بالقرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع الفقهاء، مع بيان شروطهم التي سقناها لتقريب موضوع الاستمطار إلى الأذهان بالطرق الصناعية التي أشرنا إليها، مما يجعل شأن الاستمطار صحيحاً ومجدياً، بناء على ما توصل إليه عقل الإنسان من تجارب علمية رائدة في هذا المجال بترتيب وتنظيم من الخالق العظيم جل وعلا، القائل في محكم تنزيله: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ) (الأعراف: من الآية10)، والقائل: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذاريات:22)، والقائل: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) (الرحمن:33)، كل ذلك صحيح ما لم تستهو هذا الإنسان نزعة الشر والحقد والظلم ليحول مشروع الاستمطار وعلم الاستمطار باستخدامه السيئ له إلى سلاح يفتك بالبشرية، وإلى أداة تحرق الأرض، وتلوث الجو، وتدمر البيئة، وتقتل الإنسان والحيوان، ولذا علينا أن نسجل الملاحظات المدرجة، ونبادر إلى تحقيق جملة التوصيات التالية(82):
1- التفكير بجدوى مشروعية الاستمطار، وبيان أنه يعتمد أساساً على قدرات الإنسان ومواهبه بعد الأخذ بالأسباب، وأهمها التوكل.
2- ضرورة القيام بمشاريع الاستمطار بشكل جماعي، وذلك بضرورة تكاثف جميع الأجهزة حكومية وخاصة، ولا سيما أجهزة الملاحة الجوية والزراعية والصحية وغيرها.
3- ضرورة تشجيع الأبحاث الخاصة بالأرصاد الجوية، والأبحاث والتجارب المتعلقة بالاستمطار على الخصوص، مع محاولة أن تكون جميع هذه التجارب ناجحة ما أمكن.
4- ضرورة توفر الإشراف العلمي السليم على جميع الأبحاث المتعلقة بالاستمطار.
5- ضرورة تخصيص موارد مالية كافية لشراء الأدوات والمستلزمات لهذا المشروع العظيم من طائرات استمطار، ومناطيد ورادارات وغيرها.
6- ضرورة توفير برامج تدريبية مكثفة للطيارين الذين يرتادون الفضاء والسحب لاستمطارها.
7- عدم الاقتصار على نقطة واحدة أو منطقة معينة لاستمطارها، وإنما يجب أن تعمم ظاهرة الاستمطار على جميع البلاد من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، حتى تعم خيرات الله الأرض جميعاً.

___________________
(* ) تم نشر هذا البحث في مجلة الشريعة والدراسات الاسلامية، جامعة الكويت عام 1423هـ.
(1) صلاح الدين بحيري، مبادئ الجغرافيا الطبيعية، ص 110-112، 267-272، ومحمد سامي عسل، الجغرافيا الطبيعية، ط2، ص 395.
(2) صلاح الدين بحيري، مبادئ الجغرافيا الطبيعية، ص 267-268، ويحيى الفرحان وآخرين، الجغرافيا الطبيعية، مرجع سابق، ص 262-263.
(3) لسان العرب 5/178-179.
(4) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 2/455.
(5) لسان العرب 5/179، ومختار الصحاح ص 627 مادة (مطر).
(6) لسان العرب 5/179.
(7) كشاف القناع 2/66.
(8) بدائع الصنائع 1/282.
(9) حاشية الخرشي 2/109، والبهوتي 2/66.
(10) حاشية ابن عابدين 2/184.
(11) تفسير ابن كثير 1/100.
(12) القرآن والكون، ص 104.
(13) بشير التركي، لله العلم، 1979م، تونس، ص 164-165، وانظر التفسير الكبير 6/463، وانظر الفندي، مع القرآن في الكون ص 165.
(14) لله العلم، بشير التركي ص 165.
(15) ابن كثير 2/505.
(16) تفسير القرطبي 18/303.
(17) تفسير القرطبي 9/51، وتفسير ابن كثير 2/449.
(18) الموصلي، الاختيار 1/71.
(19) مختصر تفسير ابن كثير 3/71، وانظر الشرقاوي، الله والكون ص 106.
(20) تفسير القرطبي 9/296.
(21) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب الاستسقاء في المسجد الجامع 1/35، ومسلم، كتاب الاستسقاء، الدعاء في الاستسقاء 6/192-193.
(22) أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه، نيل الأوطار 4/6.
(23) أخرجه أحمد وابن ماجه، نيل الأوطار 4/4، وروى أحمد مثله عن عبد الله بن زيد.
(24) أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، لكن لم يذكر مسلم الجهر في القراءة، انظر صحيح مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء 6/188-189، وانظر نيل الأوطار 4/4.
(25) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف حول النبي ظهره إلى الناس 2/38.
(26) حاشية ابن عابدين 1/84، والهداية 1/88، وبدائع الصنائع 1/282.
(27) نصب الراية 2/238، وانظر وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته 2/413.
(28) بداية المجتهد 1/214-215، والقوانين الفقهية ص 60، والشرح الصغير 1/538، ومغني المحتاج 1/325، والمهذب 1/130، والمغني 2/283، وكشاف القناع 2/66.
(29) مواهب الجليل 2/205، بداية المجتهد 1/215، ومغني المحتاج 1/321.
(30) المغني 2/283.
(31) المحلى 5/93.
(32) يندب عند الحنفية والشافعية خروج هؤلاء، انظر حاشية ابن عابدين 2/185، ومغني المحتاج 1/322-323، والمهذب 1/130.
(33) هذا في الأصح عند الحنفية والشافعية، انظر مصادر شاهد 47.
(34) روي أن سليمان عليه السلام "خرج يستسقي، فرأى نملة مستلقية، وهي تقول: (اللهم إنا خلق من خلقك، ليس بنا غنى عن رزقك فقال سليمان: ارجعوا، فقد سقيتم بدعوة غيركم) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين بمعناه، فذكر بإسناده عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صحيح الإسناد، انظر: المجموع 5/67.
(35) الخرشي 2/109، ومواهب الجليل 2/205، وكشاف القناع 1/72-75.
(36) والمقصود بالنساء هنا: الشابات مخشيات الفتنة، أما غيرهن فيكره لهن ذلك ولا يحرم، انظر مواهب الجليل 2/207، وبلغة السالك 1/191، والشرح الصغير 1/191.
(37) حاشية ابن عابدين 2/185، ومغني المحتاج 1/322، والمهذب 1/130.
(38) حاشية ابن عابدين 2/185.
(39) بدائع الصنائع 1/284، والاختيار 1/72، وانظر فتح القدير مع العناية 2/96 مع التصرف.
(40) وهذا رأي الجمهور، انظر المغني 2/287، وابن عابدين 2/185، والبهوتي 2/69 مع التصرف.
(41) رواه البخاري، كتاب الجمعة، الاستسقاء، باب قول الله تعالى: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون، 2/41، ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال: مطرنا بنوء كذا 2/59-60.
(42) رواه أبو داود، كتابا لأدب، باب ما يقول إذا هاجت الريح 4/326، وابن ماجه، كتاب، باب النهي عن سب الريح 2/1228، والنسائي والحاكم بإسناد حسن عن أبي هريرة.
(43) رواه مسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، التعوذ عند رؤية الريح والغيم والفرح بالمطر 6/196.
(44) رواه الطبراني في الكبير وابن السني كلاهما عن عثمان بن أبي العاص، وقال السيوطي في الجامع 2/317: حديث حسن.
(45) إنعام طهبوب، مشروع الاستمطار الأردني للموسم المطري 63-64، ص3-6، دائرة الأرصاد الجوية الأردنية.
(46) عندنا في الأردن من هذه المحطات عشرون محطة، انظر المرجع السابق، ص 4.
(47) عندنا في الأردن من هذه المولدات اثنتان وعشرون محطة، حسب إحصائية عام 1986م من دائرة الأرصاد الجوية.
(48) المرجع السابق، حسب إحصائية 1997م، ص 15.
(49) المرجع السابق.
(50) أجريت هذه الدراسات بواسطة العليا للاستمطار في دائرة الأرصاد الجوية الأردنية، والمشكلة برئاسة أمين عام دائرة الأرصاد الجوية، وعضوية مندوبين من وزارة النقل، وسلطة الطيران المدني، وسلاح الجو الملكي الأردني عام 1986م، انظر مشروع الاستمطار الأردني وطواقمه، دائرة الأرصاد الجوية (غير منشور).
(51) See Braham, R.R. Jr, et al., Meterogical Monograph No. C3Curtis, D.S.A Heiden, E Galles and W. Brewer, 1989, and see the 1988-1989 Hashemite Kingdom of Jordan Rain Enhancement Program, Final report, W.M.INC, p.149. and see Gagin, A., and Neumann, nofitication of Subtropical winter Cumulus clouds, 1974, p.20, and see Mason, B.J., Clouds, Rain and Rainmaking, Cambridge University press, p.145.
(52) See Flectcher, N.H., the Physics of rain clouds, Cambridge University press, p.390.
(53) See Kessler, E., Metorological Monograph N.32 on the Distribution and continuity of Water substance in Atmospheric Circulations, American Meteorological Society, Boston MA, p.84.
(54) See Gagin, A., Neumann, The Second Israeli Randomized Cloud seeding experiment, Evaluation of Rusults, Journal of Applied Meteorology, 21, 1981, p.1301-1311.
(55) See Hill, Et., Analysis of precipitation Augmentation Potential in Winter Orographic clouds Use of A/C Icing reports, Journal of Applied Meteorology 21,1982, p. 165-170.
(56) إنعام طهبوب، دراسة وتحليل معلومات الاستمطار الأردني في دائرة الأرصاد الجوية، نشرة غير مطبوعة، ص 14.
(57) See Seller, W.D., Physical Climatology, University of Chicago press, Chicago, 1965, p. 111.
(58) See Smith, W.L., Note of relationship between total preciptable water and surface dew point, Journal of Applied Meteor. 1966, 5/726-727.
(59) Gabriel, K.R., and Paul Seder, On the distribution of statistics Suitable for evaluating rainfall stimulation experimental, 1967, p. 70.
(60) إنعام طهبوب، المشروع الأردني للموسم المطري 93-94، دائرة الأرصاد الجوية، نشرة غير مطبوعة، ص 3-7.
(61) ما سبق من أدلة.
(62) الشرقاوي، القرآن والكون، ص 104.
(63) جمال الدين الفندي، الله والكون، ص 179، 180، 181، والشرقاوي، القرآن والكون، ص 105.
(64) انظر: الله والكون، ص 180-181.
(65) ليس من الضروري أن يفهم من عبارة الجهل – هنا – أنها قدح وذم، وذلك لأن عالم الفقه أو الشريعة لم يضرب بالعلوم على تنوعها – وبالأخص العلوم الفقهية عرض الحائط في القعود عن طلبها، والركون عن الاستزادة منها، لأن مستنده في ذلك قول الحق تبارك وتعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر: من الآية9)، وقوله سبحانه وتعالى: (عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:5)، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، وقول صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع" – لكن هذا القدر من العلوم، وهذه الحصيلة من المعرفة هو المقدر له، ولذا على العالم المسلم أن لا ييأس في حظه من المعرفة ما دام أنه على طريقها.
(66) بشير التركي، لله العلم ص 164-165، وانظر إبراهيم صقر، أسس الهيدروجيولوجيا، ص 41، والشرقاوي، الله والكون ص 104.
(67) الأجاج: المالح شديد الملوحة. قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) (الواقعة:68-70)، أجاجاً: أي ملحاً شديداً، قاله ابن عباس، وقال الحسن: مراً قعاعاً، لا تنتفعون به في شرب ولا زرع ولا غيرهما، انظر الجامع لأحكام القرآن 17/143، ويقول ابن منظور: ماء أجاج: أي ملح، وقيل: مر، وقيل: شديد المرارة، وقيل: الأجاج: الشديد الحرارة، قال الله عز وجل: (وهذا ملح أجاج)، وهو الشديد الملوحة والمرارة، مثل ماء البحر. انظر لسان العرب 2/207.
(68) حسان شمسي، الأسودان التمر والماء، ص 185، نقلاً عن موريس بوكاي، القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 202.
(69) المرجعان السابقان.
(70) كتاب توحيد الخالق 3/72.
(71) محمد الفندي، الله والكون، ص 182.
(72) انظر ص 29-33.
(73) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، ورواه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في صلاة الاستسقاء 2/445، وقال: حديث حسن صحيح.
(74) المغني 2/283، وبداية المجتهد 1/214-215، ومواهب الجليل 2/205، ومغني المحتاج 1/321، والقوانين الفقهية ص 60، هذا ومن الضروري والمطلوب أن يتفهم كل مسلم، وكل من يعهد له واجب أو مسؤولية التعامل مع المناخ والسحب والأرصاد الجوية الأساس الذي تقوم عليه صلاة الاستسقاء، وبيان حكمتها وفوائدها باعتبارها من السنن الزائدة عن الفرائض، مثل: صلاة الضحى، وصلاة الحاجة، وسجدات الشكر وغيرها، وأن يحاول كذلك فهم منهج الفقهاء وخلافاتهم حولها، وبالنسبة لركعتي الاستسقاء هناك خلاف بين الفقهاء في تأديتها بجماعة، أم منفردة، بالصحراء أم داخل البلد، بخطبة أم بغير خطبة، بثياب خلقة غسيلة، أم بثياب عادية، وإن كنت أرى – كما نوهت – أن هيئات الفعل واللباس وغيره لأشخاص وطاقم الاستمطار من طيارين وغيرهم ليست بالضرورة أن تكون كهيئات المستسقين أو المتوجهين إلى الله بالدعاء لأن يرسل السماء عليهم مدراراً.
(75) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب الاستسقاء 2/40.
(76) متفق عليه عن أنس، والظراب: جمع ظرب، وهي: الرابية الصغيرة، انظر نيل الأوطار 4/14-15.
(77) رواه الشافعي في مسنده، وهو مرسل، انظر نيل الأوطار: 4/12.
(78) انظر ص 30 وشاهد 55 من البحث.
(79) انظر ص 31 وشواهد 56، 57، 58.
(80) رواه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة الاستسقاء، الدعاء في الاستسقاء 6/195، ورواه – أيضاً – أحمد وأبو داود، انظر نيل الأوطار: 4/14.
(81) الفندي، الله والكون ص 180-181 مع بعض التصرف.
(82) المرجع السابق ص 182-183 مع التصرف.