الإصلاح الغاية المنشودة
1 شعبان 1429
إنَّ وضوح الغايات والأهداف من أقوى عوامل النجاح، بل كل مشروع من أيِّ ضرب كان لا بد له من أهداف ومرام ولا يتصور مشروع ناجح بغير ذلك، وبقدر وضوح الأهداف تتضح الوسائل التي تفضي بمن أحسن استعمالها إلى النجاح بإذن الله.
 
وقد اتسم منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بوضوح الغايات وشرف الوسائل، وخذ مثالاً شعيباً عليه السلام فقد لخص دعوته لقومه، وأبان لهم غايته بعبارة جزلة موجزة بينة، فذكر أن الذي يريده هو الإصلاح وليس غير الإصلاح.
 
فغاية دعوته هي الإصلاح، وهكذا دعوات الأنبياء، الإصلاح غايتها في مضمونها الحقيقي وعمقها البعيد، والأنبياء مصلحون؛ مصلحون للعقول، والقلوب، والحياةالعامة، والحياة الخاصة.
 
(قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْأُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَااسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِأُنِيبُ)[هود:88]. ولمّا كان الإصلاح غاية شريفة، لا ينبغي أن تجد معارضاً، فقد كثر مدعوها، قديماً وحديثاً، وقد قال الله تعالى عن أقوام: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)، ويبقى محك الإصلاح ما قاله الأول:
 
والدعاوى إذا لم يقيموا عليها              بينات أصحابها أدعياء
 
وقد تكون دعوى الإصلاح دعوى مطلوبة في واقع ما لكن امتطاها صاحبها ليحقق بها لنفسه أغراضاً شخصية، وأهواء ذاتية، وكم من كلمة حق أريد بها باطل!
 
أما شعيب عليه السلام فقد قدم لقومه بينة صدق دعواه الإصلاح، فأخبرهم بأنه لا يخالفهم إلى ما ينهاهم عنه، وهذا يدل على قناعته بصلاح ما يدعو إليه والتزامه له، ولم يكن –عليه السلام- بحاجة إلى كبير حجة تقنع المنصف بأن بخس المكيال والميزان إفساد! فإن هذا متقرر معلوم بالبديهة، وأظهر منه حجة وجوب إفراد الله بالعبادة، فإن الشرك لظلم عظيم، ولهذا اكتفى بتذكيرهم بأن دعوته الإصلاحية لا يريد منها مكاسب شخصية بل هي جارية عليه كما ينبغي أن تجري على غيره، وذلك أمر الله وعلى عباده التزام أمره.
 
وجدير بالإصلاح –إخوة الإسلام- أن يكون غاية، فقد بين الله تعالى في القرآن الكريم أن الإصلاح هو الطريق الوحيد للنجاة من الهلاك في الدنيا والآخرة؛ فقد قال -عز من قائل-: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود: 117]، فالآية تقرر قاعدة عامة وسنة كونية قاضية بأن الإصلاح ضرورة لازمة لنجاة القرى من الهلاك، وقد جاءت هذه الآية تعقيبا على قوله تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ).
 
ثم إن للإصلاح آثار حسنة وثمار طيبة ينبغي للمسلم أن يحرص عليها، ولم لم يكن فيه إلاّ النجاة من الهلاك في الدارين، وفتح أبواب الخير فيهما لكفى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) [الأعراف: 96].
وقد قال الله عز وجل: (فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [الأعراف:35].
وقال: (فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [الأنعام: 48].
 
وأما شهادة الواقع فما حدث في عهد خامس الخلفاء الراشدين دليل تاريخي ملموس؛ إذ عم الخير وفاض حتى وصل إلى السباع في البراري في شهور معدودة، فهل تدرك الأمة مقصود ربها من الإصلاح لتنجو من الهلاك ويعم الخير البر والبحر؟