أنت هنا

قرضاي.. حبل ذاب في بحر المقاومة
9 شوال 1429







من يقرأ تصريحات الرئيس الأفغاني الذي قالها في أعقاب الحديث عن وجود مفاوضات سرية بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في وسائل الإعلام، والتي قال فيها للصحفيين أنه "قَبْلَ بضعةِ أيامٍ دعوتُ زعيمهم المُلَّا عمر، وقلت: يا أخي، يا عزيزي، عُدْ إلى وطنك، عُدْ واعمل من أجل سلامِ وخَيْرِ شَعْبِنَا، وتوَقَّفْ عن قَتْلِ أشِقَّائِنَا"، يدرك أن الرجل بات يعاني من حالة ارتباك شخصية إضافية لتلك التي تنتاب قوات الاحتلال الغربية بصفة عامة، وأنه حين فاه بهذا الكلام لم يكن ينفذ بالكاد ما طُلب إليه لاعتباره وكيل الأمريكيين في أفغانستان والحاكم بأمرهم، وإنما كان يضيف ـ تطوعاً ـ فوق ما ينتظر منه أن يقوله، لقناعة غدت تتملكه وتملي عليه أقواله.

حالة الاستجداء هذه تشعر أن حليف الولايات المتحدة أو خادمها قد أضحى يكابد أزمة حقيقية تعتري مصيره ومستقبله السياسي في ظل شعور سائد لدى زمرة الحكام الموالين للولايات المتحدة الأمريكية جراء التجافي بين الولايات المتحدة الأمريكية والخفة لنصرهم على شعوبهم الرافضة لوجودهم والكافرة بمشروعيتهم بأن أوضاعهم قد صارت حرجة.

لاشك كذلك أن قرضاي الذي يعاني من انكشاف تورط شقيقه في تجارة المخدرات يدرك أن الخناق يضيق عليه وتتقلص خياراته، لاسيما وهو ينظر إلى رئيس جورجيا كيف خاب رجاؤه في الأمريكيين الذين جاؤوا به إلى السلطة في تبليسي حينما هدده الروس، والأيام يخبرها كما عهدها دول.

جاء الرجل إلى السلطة معيناً من قبل الاحتلال الأمريكي بعد أن غزا أفغانستان بمساعدة قوات الشمال الأفغانية، وانتقل من موقع الزعيم القبلي المهمش إلى حكم أفغانستان بعد أن كان أعلى منصب قد تولاه هو وكيل وزارة الخارجية في حكومة برهان الدين رباني لمدة عامين بعد أن تمكن "المجاهدون الأفغان" من الاستيلاء على السلطة في كابول في أعقاب طرد السوفييت من البلاد في العام 1989 إلى منصب الرئاسة بعد أن أفضت كل التكهنات بانتهاء طموحاته السياسية.

ففي الحقيقة لم يكن حامد قرضاي "مجاهداً" معروفاً إبان فترات "الجهاد" لكنه كان زعيماً قبلياً محدود التأثير، وكان الزعماء الباشتون من أمثال قلب الدين حكمتيار أو يونس خالص وغيرهما لا يلتفتون إليه كزعيم يمثل قبيلة باشتونية، وإنما بدأ صيته يظهر عندما انضم إلى حكومة رباني ثم يرفضها ويتعاطف مع طالبان إلى أن يتهمها بقتل والده في العام 1999 أي قبل الإطاحة بطالبان بعامين؛ فينقلب عليها ـ رغم نفيها لمسؤوليتها عن قتل والده ـ ويقود نحو أربعة آلاف بشتوني معارضين لطالبان بالتزامن مع الهجوم الجوي الأمريكي عليها في العام 2001 ما يؤدي إلى تنصيبه في سدة الحكم لقاء خدماته لقوى الاحتلال.

وبرغم المميزات التي يتمتع بها قرضاي (49 عاماً) كتكنوقراطي حاصل على ماجستير في العلوم السياسية من إحدى الجامعات الهندية ومتحدث لبق يتمتع بعلاقاته المتعددة التي وفرتها له اللغات الثلاثة التي يتقنها (البشتونية والفارسية والإنجليزية)، إلا أنه أظهر عجزاً كاملاً عن الإفادة من الدعم القوي الذي وفره له وجود عشرات الآلاف من الجنود الغربيين من حلف الناتو بزعامة أمريكية في تحقيق استقراراً لنظام حكمه، حتى غدا بعد سبع سنوات من تسلمه السلطة لا يكاد يحكم سوى كابول وبعض المدن القليلة فيما نجحت حركة طالبان خصمه اللدود على مناطق شاسعة من البلاد، حتى آل به الأمر إلى استجدائها وهو بعدُ في معية الأمريكيين وتحت حمايتهم الشخصية!!