أنت هنا

المسألة الشيعية فى المملكة السعودية
6 ربيع الثاني 1430
د. حسن أبوطالب

بعد سقوط العراق تحت وطأة الاحتلال الانجلو أمريكى 9 أبريل 2003، فوجئ كثيرون بسلوكيات ومظاهر دينية مرتبطة أساسا بالطائفة الشيعية فى العراق، كانت محظورة طوال حكم النظام البعثى السابق، ولكنها عادت مرة أخرى فى ظل الوضع الجديد. فيما شكل جزءا من بيئة اقليمية جديدة تتعلق بمن يُصفون بالأقليات العرقية أو الدينية أو المذهبية والتى تعيش فى ثنايا بلدان عربية عديدة، ويسود بينهم هاجس التمييز والابعاد المنهجى من قبل السلطات الحاكمة، وتتصاعد بينهم مطالب المساواة والمشاركة. وفى ظل هذه المستجدات برزت المسألة الشيعية فى السعودية باعتبارها إحدى قضايا التطور السياسى فى المملكة. فبعد ايام قليلة من احتلال العراق،

ظهر الشيخ حسن الصفار وهو من رموز الشيعة السعوديين الاصلاحيين، ليعلن أمام شاشات التلفزة الفضائية عن ضرورة رفع المظالم التى تُلحق بالشيعة فى المملكة، وتمنعهم من الحصول على حجم مناسب من جهود التنمية فى المناطق التى يعيشون فيها، لاسيما فى المناطق الشرقية للمملكة (الأحساء والقطيف) التى تقطنها غالبية الشيعة، كما تحرمهم الانضمام إلى المؤسسات السيادية فى الدولة كالجيش والخارجية والداخلية، وتفرض عليهم التعلم بمناهج دينية تختلف مع معتقداتهم، بل تقوم أساسا على تكفير الشيعة ووصفهم بالرافضة. وهى مطالب تعنى اساسا بوقف مظاهر التمييز السلبى، والذى استمر فترة طويلة سابقة.

 

مطالب الإصلاح:

هذا الظهور الاعلامى لأحد رموز الشيعة السعوديين لم يكن جديدا فى حد ذاته، كما أن المطالب الخاصة بإنهاء التمييز على أسس مذهبية تكررت من قبل كثيرا، لكن مستجدات البيئة الإقليمية أضفى على المسألة الشيعية فى السعودية أبعادا جديدة بكل معنى الكلمة. وهو ما ظهر لاحقا فى مشاركة رموز شيعية فى كتابة وثائق تنادى بالإصلاح فى المملكة. وهو ما تجسد بصورة مباشرة فى الوثيقة التى تعرف باسم شركاء فى الوطن ، التى وقعها أكثر من 450 شخصية شيعية من مختلف مناطق المملكة، وتم تقديمها إلى ولى العهد الامير عبد الله فى 30 إبريل 2003، وجاءت فى شقين أولهما بعنوان تعزيز الوحدة الوطنية، وثانيهما بعنوان الوحدة الوطنية. وقد تضمنت الوثيقة مطلب البحث فى أوضاع الطائفة الشيعية، وزيادة تمثيل السعوديين الشيعة فى الأجهزة التنفيذية للدولة ومجلس الشورى والمؤسسات الدينية، والنظر الى تابعى المذهب الشيعى كمواطنين كاملى الحقوق، واستحداث جهة رسمية تابعة إداريا لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية تتولى شئون الشيعة دينيا، والغاء القيود على شعائرهم الدينية، وفسح المجال أام طباعة كتبهم وتداولها فى المملكة، والسماح لهم بحرية الرجوع الى محاكمهم الشرعية، اضافة الى مطلب اجراء حوار وطنى يشارك فيه ممثلون عن الشيعة للنظر فى قضايا الوطن الملحة. النقطة البارزة فى هذه المطالب انها تعكس رؤية مفادها النظر إلى مطالب الشيعة باعتبارها جزء من مشكلة عامة تهم الوطن ككل، وجزء من مطالب عامة بالإصلاح متعدد المستويات فى البلاد، وأنها ليست ذات طابع فئوى أو مذهبى شيعى بحت، بل تخص باقى الفئات وانصار المذاهب الأخرى فى الوقت ذاته. ومن ثم فإن حلها جذريا يستند الى حل مشكلة الوطن وتطويره واعادة بناء هياكله السياسية، وإشاعة العدل والمساواة فيه، وإنهاء سيطرة فئة على فئات أخرى.

 

وجود أصيل وليس وافد:

ويدعم ذلك ما يؤكد عليه رموز الشيعة من انهم جزء من الوطن وليسوا منفصلين عنه، وأن لا ولاء لهم الا للمملكة التى يعيشون فيها منذ القدم، وذلك حتى قبل ان تتشكل فى صورة الدولة السعودية الحديثة فى الثلاثينات من القرن الماضى. إذ يعود وجودهم فى المناطق الشرقية من الجزيرة العربية الى أكثر من 1400 عام، وهم فى الأحساء والقطيف قد قبلوا الخضوع سلما، وقدموا البيعة للملك المؤسس عبد العزيز بن سعود فى العام 1913 نظير التعهد لهم بالأمن وبحرية العبادة وفقا لمعتقداتهم، وذلك رغم المغريات التى قدمتها آنذاك الحكومة البريطاني ة الاستعمارية من تقديم الحماية لهم، كما هو الحال الذى كان سائدا بالنسبة لباقى مشيخات الخليج العربى. إذ أن الفتوى التى أصدرها علماء الشيعة آنذاك حرمت الخضوع لولاية غير المسلم أى البريطاني ين، وسمحت بالتالى بالإنضواء تحت راية حاكم مسلم. ومن الناحية التاريخية فإن العامين الأولين من بعد هذه البيعة، وحتى تشكل حركة الأخوان السلفية فى العام 1915، حظى الشيعة السعوديون بكثير من حرية العبادة، ولكن مع تشكل حركة الاخوان السلفية المتشددة فى رؤيتها للسلوك الدينى بصفة عامة، وللمختلفين معها فى المذهب بصفة خاصة، وسيادة نظرتها الى اتباع المذاهب الاخرى وعلى رأسهم الشيعة باعتبارهم من الكفار الذين يتوجب دعوتهم للتوبة والايمان وفقا للمذهب الحنبلى السلفى حسب قراءة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قد شكل بداية حقبة التمييز والاضطهاد التى أخذت مسارات عدة من التشدد أو التهدئة طوال العقود اللاحقة. وبالرغم من أن الملك المؤسس عبد العزيز قد هزم حركة الاخوان عسكريا فى معركة السبلة الشهيرة العام 1929 ( قبل إعلان نشأة المملكة رسميا بأربع سنوات)، الا ان نفوذهم الدينى/ المذهبى ظل على حاله، وهو ما تبلور لاحقا فى قوانين وممارسات ظلت سائدة حتى الوقت الراهن. وكانت حركة الاصلاحيين السعوديين التى عملت فى خارج المملكة، واغلبها من الشيعة، قد توصلت الى اتفاق فى العام 1993 مع الحكم السعودى بوقف المعارضة فى الخارج، وبعودة رموز الشيعة الاصلاحيين بعد منحهم الأمان، والبحث فى مطالبهم وايجاد سبل وقف التمييز ضدهم. ويعتقد الشيعة السعوديون من تابعى مذهب الامامية الجعفرية أن ما يجرى بشأنهم من تمييز لاعتبارات مذهبية يقع على غيرهم من تابعى المذاهب الأخرى الموجودين فى المملكة من غير السلفية الحنبلية، كالمالكية والحنفية والشافعية من الُسنة، والاسماعيلية والزيدية من الشيعة، وإن يكن حجم التمييز الواقع عليهم اكبر نسبيا.

 

التعليم مصدر للتمييز:

وفى إحدى الأوراق الخلفية التى قدمت فى اللقاء الوطنى الثانى الذى ناقش قضية الغلو واسبابه المادية والاجتماعية، بعنوان تقرير حول مناهج التعليم الدينى فى السعودية .. المسألة الشيعية، وهى ورقة بحثية لم يُعرف اسم كاتبها، تضمنت توصيفا لعناصر العملية التعليمية من المناهج والسياسات التعليمية والمدرسين، وموقفهم من الطائفة الشيعية. وفيها بدا ان أحد أبعاد المشكلة التى يعيشها الشيعة السعوديين أنهم موصومون بالكفر، وأن عليهم أن يقبلوا مناهج تعليم دينية أحادية النظرة، وتستند الى رؤية سلفية تعتبر الشيعة طائفة رافضة خارجة عن الملة. ويشير التقرير إلى المعاناة التى يجب على الطالب ا لسعودى الشيعى أن يتحملها طوال فترات الدراسة، حيث يُقابل بمشاعر سلبية يحملها الكثير من معلمي التربية الإسلامية تجاه الطلاب الشيعة بسبب اختلاف المذهب، واعتماد المناهج الدينية على الرأي الواحد لمدرسة واحدة وتغييب المدارس الأخرى السنية والشيعية كان لا وجود لها إلا في مواضع التهم والتبديع والتكفير، فالآخر مرفوض لأنه مشرك أو مبتدع أو كافر أو منافق أو عاصي أو فاسق أو مختلف، وعندما يصلون إلى الشيعة فإن كل هذه الأوصاف يطبقونها عليهم دون أدنى تمييز وبأقسى ما يمكن عبر استخدام لأجهزة الدولة وتوظفها طائفيا ومذهبيا. ما يتعلق بالتعليم أحادى النظرة ليس سوى أحد مظاهر ما يعتبره الشيعة السعوديون سياسة استبعادية تعرضوا لها طوال حقبة امتدت أكثر من نصف قرن، قوامها محاولة التذويب الثقافى والصهر المذهبى، وانه آن الآوان للتخلص منها، عبر سياسة ادماج وطنى تقوم على اعلاء مبدأ المواطن، والبحث عن المشتركات مع الآخر، وليس التركيز على مصادر الاختلاف.

 

وجود قديم ومخاوف مستقبلية:

يعيش الشيعة السعوديين التى يغلب عليهم مذهب الإمامية/ الجعفرية فى مناطق مختلفة من المملكة أبرزها الأحساء والقطيف (المناطق الشرقية)، والمدينة المنورة ( الحجاز)، وعسير وجيزان ونجران (المناطق الجنوبية بالقرب من الحدود اليمنية)، إضافة الى ما يقرب من 30 الف شيعى سعودى يعيشون فى الرياض لاعتبارات العمل أو الدراسة. وليس هناك احصاء معين بعددهم، وكم يشكلون من سكان البلاد. وتشير التقديرات الى أنهم فى حدود 15% أو أقل قليلا من إجمالى عدد السكان الذين يدور حول رقم 20 مليون نسمة. والرؤية الغالبة أن الشيعة شأنهم شأن غيرهم من تابعى المذاهب الأخرى يمثلون أقلية من بين أقليات يتشكل منها المجتمع السعودى ككل. وذلك على عكس الرؤية الشائعة بأن المجتمع السعودى متجانس، أو أن فيه اتباع مذهب معين ـ لاسيما الحنبلية السلفية ـ يمثلون النسبة الاكبر، وأن باقى تابعى المذاهب الأخرى هم أقلية عددية. وثمة مخاوف لدى بعض رموز الشيعة السعوديين من أن استمرار السياسات السابقة، والتى أدت عمليا الى شعور بالغبن والحاجة الى الانفصال عن باقى عناصر المجتمع، فى ظل بيئة اقليمية جديدة المعالم، وضغوط امريكية مباشرة على المملكة ونظام الحكم فيها، قد تدفع ببعض الشيعة المسالمين إلى البحث عن مصادر أخرى للحماية والحصول على الحقوق. وهى مخاوف تتعلق أساسا بالوحدة الوطنية، وبسبل صيانتها. ولعل ذلك كان أحد اسباب التركيز على مطلب الحوار الوطنى وإشراك الشيعة فيه، والبحث فى أبعاد الحالة المذهبية فى البلاد وعلاقتها بما يعرف بالغلو فى الدين والتطرف، وباعادة النظر كليا فى مناهج التعليم اليدينية التى تشيع تكفير من هم غير سلفيين. وباعتبار ان احتلال العراق وإن كان قد اتاح فرصة للشيعة العراقيين لكى يتنفسوا الصعداء ويتخلصوا من بطش النظام البعثى الصدامى، الا أن هناك من ينظر اليهم على انهم.

 

ساهموا بشكل او بآخر فى تمرير الاحتلال، نظرا لانهم امتنعوا عن مقاومته عسكريا. وهو ما يثير اشكالية الولاء والانتماء، وإلى اية جهة يتجه ولاء الشيعة العرب، هل للداخل أم الى ما وراء الحدود. إن الشيعة سواء فى العراق أو فى السعودية او فى دول عربية أخرى كالبحرين والإمارات العربية، هم من القبائل العربية الاصيلة، خاصة من قبائل ربيعة كقبيلة عبد القيس وبكر بن وائل وقبائل حرب وجهينة، وبنى يام المنتشرة فى نجران بالجنوب. وأن مشكلة بعضهم المذهبية مع النظام السياسى الذى يعيشون فى ظله، لم تدفع بهم الى التوجه الى خارج حدود الوطن للاحتماء به أو الحصول منه على دعم من أجل التمرد أو الثورة. وهو ما ظهر جليا إبان الحرب العراقية الإيرانية فى الثمانينات من القرن الماضى، حيث وقف الشيعة العراقيون مع الوطن نظام رغم تعسف النظام الحاكم وظلمه معهم، ولم يؤيدوا إيران رغم التوافق المذهبى معها.

 

انحسار الشكوك:

ويلاحظ بعض الباحثين فى شئون الشيعة السعوديين أن حالة الشك فى وطنية والتزام الشيعة السعوديين، والتى ميزت علاقة المسئولين السعوديين بأبناء المذهب الشيعى طوال العقود الستة منذ نشأة المملكة وحتى نهاية التسعينات من القرن الماضى، قد انحسرت نسبيا خلال العامين الماضيين، وذلك بعد أن ظهر أن جماعات العنف والتطرف والتى هاجمت النظام واعتمدت على كونها جزءا من شبكة دولية، هم من السلفيين السنة، ولم يكن من بينهم شيعى واحد. كما ان الشيعة السعوديين لم يتأثروا بالدعوات الإيرانية لاسيما فى بدايات الثورة الاسلامية وابان تفاقم الحرب الإيرانية العراقية فى الثمانينات، بالتمرد على نظام الحكم لديهم أو يتجهوا الى منحى انفصالى. وكان تفضيلهم الاول هو الوطن وحمايته. ولكن بالرغم من ذلك ظل الشيعة يمثلون مشكلة لها ذات ابعاد متعددة، مذهبيا وسياسيا، وهو ما يجب العمل على معالجته من منظور المواطنة ووحدة الوطن والمشاركة. فالامر لا يتعلق فقط بغياب الخدمات فى مناطق الشيعة او منع الكتب الشيعية او البطالة المرتفعة او التعليم المنحاز او الضغوط الامنية الظاهرة والمستترة، ولكنها كل ذلك معا.

 

مثل هذه النظرة التى يطرحها بعض ناشطى الشيعة السعوديين تقوم اساسا على ان المشكلة التى يعانى منها الشيعة هى جزء من مشكلة اعم واشمل وتتعلق بالوطن كله. ومن ثم فإن حلها يتطلب حل مشكلة الوطن اولا. بمعنى تغليب المدخل السياسى على المدخل المذهبى، والنظر الى الاول باعتباره كفيل بأن يحل الثانى تلقائيا. ومن هنا يأتى التركيز على مسألة الاصلاح السياسى بكل مفرداته من انفتاح الحكم، ومشاركة المواطنين، وإعمال معايير الشفافية وحكم القانون، وافساح المجال امام حرية التعبير، ومواجهة الفساد الادارى، وتثبيت حقوق المرأة عمليا، واصلاح اقتصادى شامل لايفرق بين منطقة وأخرى أو مجال وأخر. لكن يظل هناك من ناشطى الشيعة من يطالب ببعض مطالب خاصة بالطائفة، حتى فى ظل أى اصلاح سياسى شامل، وهى مطالب يمكن إجمالها فى ثلاث اساسية؛ أولها ادماج الشيعة فى بنية الجهاز الادارى للدولة، ومشاركة الشيعة فى الجهاز العلوى للحكم، ومواجهة اشكال التمييز المذهبى ضدهم.

تعليقات مصرية 11-3-2004م