سمع الله لمن حمده
19 ربيع الثاني 1430
أمير سعيد
يتبادر إلى الذهن أحياناً أننا كثيراً ما لا نستوعب معاني ما نقول، خاصة فيما يتعلق بالبديهيات التي ننطقها بشكل متكرر ومستمر، ويستدعي ذلك تساؤلاً حول ما إذا كنا نتحدث بلغتنا نحن أم بلغة غيرنا؟!
وعندما يتعلق الأمر بالعبادات لاسيما الصلاة يصبح الأمر أصعب على النفس؛ إذ كيف نشعر بلذة الصلاة، وكثير من الدعاة وأهل الخير يتحدثون عن لذة العبادة والصلاة، وكيف نقترب من الله بصلاتنا وربما لا ندرك معنى السجود وتأثيره الهائل؟! وكيف نفهم معنى الخشوع ونحن لا نمارسه؟!
ويدور برؤوس الكثيرين ـ وأنا منهم ـ أن سبباً شديد الأهمية من عدم انتفاعنا التأثيري والتحول في حياتنا مرده ومرجعه إلى عدم استيعابنا أو استحضارنا لها أثناء الصلاة، وقد لفتتني على وجه الخصوص عبارة لا تخلو ركعة لله نصليها له سبحانه منها، وهي قول الإمام والمأموم "سمع الله لمن حمده" ثم قولنا "ربنا ولك الحمد"، وأشعر ـ ربما ـ أن قليلاً منا يدرك معنى قوله صلى الله عليه وسلم "سمع الله"، وهي أن الله قد تكفل بإجابة دعاء أو حمد من حمده سبحانه وتعالى، لذا نبادر على الفور بانتهاز هذه المنحة الربانية التي يؤكدها الحديث الشريف؛ فنقول "ربنا ولك الحمد" أي ربنا استجب هذا الدعاء ثم هانحن سنحمدك جللت في عليائك.
إن سبباً كبيراً من أسباب خروجنا من الصلاة كما دخلنا فيها بلا تأثير يذكر، أن مثل هذه المعاني لا تستقر في أذهاننا، هذا إن جالت بعقولنا ولو للحظات؛ فالرائع هنا، هذه العلاقة القريبة بين الرب والعبد في الصلاة، حينما يأتي التعبير المبدع بقوله صلى الله عليه وسلم "سمع الله".. فهذا الهمس الخفيض الذي تقوله في ظلام ليل يسمعه الله، واستجاب له.. إن إجابة الدعاء في حقيقته نعمة عظيمة من الله، وإجابة الحمد في حد ذاته فضل كبير من الله.
ومن بين أهم إخفاقات الناس في حياتهم، فشلهم في أن يعووا علاقتهم بالله عز وجل"، ويدركوا أن الله صاحب الفضل عليهم وهم لا حيلة لهم في نفع أنفسهم أو ضرها إلا بإذنه، وبمثل هذا الفهم كان توفيق الله للمرء على حمده نعمة في حد ذاتها، كما كان الشيخ عائض القرني في قوله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } : "يحبهم هذا عجيب؛ لأنه غني عنهم، وهم فقراء إليه، ولا يعتمد عليهم، ويعتمدون عليه، ولا يطلب شيئاً منهم وهم يطلبونه في كل شيء، وعجيب أن يحبهم وهم مخلوقون، وهو الذي خلق، ومرزوقون وهو الذي رزق. ويحبونه ليس بعجيب، فقد صورهم وهم أجنة، ثم أخرجهم من بطون أمهاتهم وله المنة، ثم هداهم بالكتاب والسنة، ويحبونه؛ لأنه أعطاهم القلوب والأسماع والأبصار، وسخر لهم الشمس والقمر والليل والنهار، وحماهم من الأخطار في القفار والبحار. ولو قال: يحبهم، وسكت. لتوهم منهم الجفاء، ولو قال: يحبونه، وسكت، لقيل ليس لهم عنده احتفاء، فلما قال: { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}، تم الوداد والصفاء، وظهر الوفاق والوفاء."
إن المحبة من المصلي لخالقه هي التي تقوده إلى حمده على نعمه؛ فيسمع الله لمن حمده، ويدعو المصلي فيجد رباً متقبلاً رحيماً يجازي بالإحسان أضعافاً مضاعفة حتى سبعمائة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء.. ثم حين يرفع الإمام في صلاة القيام أو الفجر يديه بالدعاء بعدها يستشعر المؤمن قبلها هذا الحوار الجميل بين العبد وربه فيستهل الدعاء وقد أجاب الله..