أنت هنا

كلمة الأبناء
12 ذو القعدة 1430

 ألقاها : محمد السرحاني

والدي العزيز... إنني أمعنت النظر في القرآن الكريم فلم أجد أن الله أوصى الآباء بأولادهم إلاّ آيات المواريث لأن حب الآباء لأولادهم وحرصهم عليهم هو فطري ولا يحتاج إلى توصية؛ وقرأت القرآن فوجدت في غير موضع أن الله أوصاني بك في حياتك وبعد مماتك بل وصل الأمر حتى "أف" ولو كان هناك أصغر من هذه الكلمة لنهاني سبحانه وتعالى عنها لأنتبه ولا أغفل عن برك " وبالوالدين إحسانا" .

 
والدي لحبيب ... كان في ما مضى في زمانك : في كل عقد من الزمان يخرج جيل كما يقال ؛ متقارب التفكير والهموم والطباع؛ واليوم يا أبتاه تغير الحال : صدقني بأن في كل سنة يخرج جيل ولا تعجب إن قال غيري يخرج جيلين في السنة الواحدة بفضل ثورة الاتصالات والإعلام والمعلوماتية ومن يغفل عن متابعة عجلة الحياة شهرين؛ فسيكون من الجيل السابق؛ عليه أن يغير شيئاً من قناعاته؛ ليلحق بالجيل اللاحق وإلا سيكون من الجيل القديم. 
 
والدي الفاضل .... من الصعوبة أن تجعلني في حيرة من أمري جرأة ترتيبك لي على قناعتين متضادتين فلا يمكن أن أكون مطيعاً لك طاعة عمياء في كل ما تريد وتشتهي وأن أكون في نفس الوقت صاحب تفكير وإدراك وتحمل مسئولية في اتخاذ القرار !!.
 
فأنا سأطيعك وأنفذ كل ما تريد؛ وكما تريد؛ وفي الوقت الذي تريد؛ فإن بلغك عني؛ أو عرفت أني؛ أتأثر أكثر مما أؤثر؛ أو نُقِل إليك أنني سلبي ومتردد في اتخاذ القرار؛ فلا تأسف على ذلك؛ دعني يا والدي أناقشك فيما توجهني إليه واصبر على قلة إدراكي وكثرة سؤالي؛ وربما عَوج الطرح مني؛ وستجدني بعد ذلك فاعلاً؛ واثق النفس؛ مؤثراً أكثر من متأثر؛ عليك أن تتحمل سؤال الأصدقاء والأقارب والجيران بل ربما آباء زملائي؛ كيف استطعت تربية ابنك هذا؟!! وستنهال عليك التهاني والدعوات ممن سيرون ويجنون ثمرة صنيعك بإذن الله ؟!!.
 
والدي الغالي ... إن رأيت مني ما لا ترضاه من قول أو فعل فترفق بي؛ ووجهني وأرشدني لطريق الصواب -إن لم استجب -ليكن العقاب بعد ذلك متناسباً مع الخطأ حتى لا يولد خطأ أكبر منه وأنا أعي قول الشاعر
فقسى ليزدجر ومن يك حازماً              فليقسُ أحياناً على من يرحمُ
 
والدي الغالي ...
إنك تكدح لأرتاح .. وتشقى لأسعد .. وتسهر لأنام تخاف عليّ من نوائب الدهر؛ وتحنو عليّ من نسماته ووخزاته؛ تشكو بشكواي وتسعد بسعادتي طمعاً في ولد صالح يدعو لك .. ويتصدق عنك.. ويخلد ذكرك .. ترجو نفعه في الحياة وأنت له بعد الممات أحوج.
والدي العزيز ...
 
اتق الله في عافيتي ورزقي.. في معافاتي في بدني .. في سعادتي وتوفيقي .. فبركة المطعم والمشرب والملبس الحلال تتجاوز كل المعايير المحاسبية والمعادلات الرياضية وتورث الطمأنينة والتوفيق.
 
يا أبتي ... لا تهتم بأمر لم يكلفك الله به؛ لا تقلق علي رزقي ومستقبلي المهم أن يكون من وجه مشروع وإن قل ؟!! " وما من دابة إلا على الله رزقها"
 
يا أبتي .. لقد حفظت منك أنت قوله سبحانه وتعالى " إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم "
 
يا أبتي ... لا أكن سبباً لتعبك في الدنيا وشقاؤك في الآخرة فو الله لن أتلفت إليك في المحشر "يوم يفر المرء عن أخيه وأمه وأبيه" فتنبه ولا تتبع دينك من أجل دنيا غيرك فشر الناش من ضيّع دينه في عمار دنيا غيره.
 
يا أبتي .. لا تدعو عليّ فأشقى وتشقى بشقائي "ودعوة الوالد عل ولده" جعلني الله قرة عينِ لك في الدنيا والآخرة ورقني برك حيّاً وميّتاً.
يا أبتي .. "لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً"
 
كما يطيب لي من هذا المنبر أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساهم في إقامة هذه الندوة التي تعتبر قاعدة لبناء جسر التواصل بين الأجيال ... والتي نتمنى أن تصبح ملتقى سنوياً يعاصر كل المتغيرات ويذلل جميع العقبات لبناء صروح التواصل بين الأجيال
وأخيراً وليس آخراً .....
إن أصبت في طرحي هذا فمن الله عز وجل وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان ....
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,