يوميات صائم .. ذكريات صائم
4 رمضان 1431
د. خالد رُوشه

سنين طويلة مرت بنا منذ أن كنا صغارا , كانت أجسادنا صغيرة , وقلوبنا طاهرة نقية , ونفوسنا بريئة شفافة , عشنا بها في رمضان حياة لاتنسى في ذاكرة أيامنا بعد أن طالت بنا الايام

رمضان في تلك الأيام كان وضيئا في أعيننا , يضفي علينا خبر قربه نوعا جميلا من البشر والسرور , نوعا متفردا من السعادة , تختلط معانيها وتتلاقى أصنافها في قلوبنا التي اعتادت أن تتلاقي مع السرور وتتناغم من المحبة والبسمات .

جمع غفير من الأطفال , يستشعرون روعة الآذان عند الفطور , فتسري كلماته بين عروقهم وتنبت بين ضلوعهم معاني الإيمان منذ الصغر فتتحرك شفاههم مكبرين ومرددين مع المؤذن صيحات الآذان , الكل يجري سعيدا عائدا من المسجد فور الصلاة , كل يحاول الفرار من يدي والده حيث يسبق بخبر الوصول إلى باب المنزل ..

كل الشوارع فارغة , لا أحد يفتح محلا له ولا أحد حتى يقضي شغلا له في الطريق , الكل يسارع ليلحق بأسرته حيث يجتمع الجميع على الفطور ..

كان صوت مدفع الإفطار – برغم شدته وقوته – صوت يلقي بظلال سعادة غامرة , لم نكن نفزع منه ولم نكن نخاف , إنه صوت محبب إلينا حيث معناه الانتصار على الشيطان في لحظة تعلن فيها موعد الفطور وآذان الصلاة .

أذكر أول يوم صوم لنا بينما حاولت أمهاتنا أن تشجعنا على الصيام حتى العصر فقط رحمة بأجسادنا الصغيرة التي لم تتعود الصوم حتى المغرب , أيقظتنا أمنا قبل الفجر للسحور , واتفقت معنا على صوم ذلك اليوم , وبشرنا والدنا بثواب كبير وهدية عظيمة تنتظرنا آخر رمضان , وثواب أكبر من الهدية ينتظرنا يوم القيامة .

كم كان السحور رائعا , لا تعجب أنني لازلت استحضر في حلقي حلاوته , برغم تواضعه , إلا أن الفرحة الغامرة لونته بلون أحلى الأطعمة , وألذ المأكولات , ولازلت أذكر مسارعتي إلى المياة لأشرب وأشرب وأشرب حتى لايداهمني العطش , لازلت أذكر كم عانيت يومها من العطش فورا بعد صلاة الفجر , ولم أتصور قدرتي على الاستمرار , لكن الله قواني , ولم أستطع فقط أن أفي بوعد أمي للصيام حتى العصر بل غافلتها وخرجت للعب بعيدا عن عينها لأتمم الصوم حتى المغرب ..

إن تلك الايام , أنبتت في قلوبنا شعورا آخر برمضان , حيث غذاؤه للروح يضفي عليها تلك البهجة المحببة , لم نكن نعلم عن رمضان سوى كونه أيام سعادة غامرة , ما سر تلك السعادة كلها التي كانت تغمرنا؟

إن شيئا كبيرا قد تغير مع دورة السنين , صرنا ندفع أنفسنا دفعا في رمضان , صرنا نحتاج إلى من يذكرنا بحلاوة الصيام , وحلاوة القيام , ومن ينبهنا إلى خطورة التفريط , وأزمة التواني والغفلة .

القلوب الصغيرة , هي منبت الحكمة , ومبدأ الفكرة , ومنبثق الأمل , فلا أقل من أن نبث فيها تلك المعاني الإيمانية العظمى , بحب الله , وبتعظيم شعائره , وبتكريم أيامه , وبارتشاف معاني فضائلها , وبحب رسوله صلى الله عليه وسلم وأيامه وسيرته , ومنهاجه وسبيل حياته ومماته .