عودة إلى التربية القرآنية.. يسألونك عن الطغيان
11 صفر 1432
د. محمد العبدة

<p>لماذا هذا الحديث المتكرر في كثير من سور القرآن الكريم عن موسى عليه السلام وفرعون؟ إنها أكثر قصة معروضة في القرآن ( بعد قصة بدء الخلق ) ، وفي كل سورة يعرض جانبا من جوانب هذه المواجهة بين موسى عليه السلام وفرعون، أليس هذا دليلاً على أن من الأهداف الرئيسية للقرآن الكريم محاربة الطغيان كظاهرة بشرية ، وتوضيحا نفسية وعقلية الطغاة وكيف يتصرفون وكيف يفكرون ، هذا الطغيان الذي يفسد المجتمعات والأفراد ، بل يدمر نفسية الإنسان ويحطم شخصيته وكرامته.</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
إن الإسلام - وهو خاتمة الرسالات إلى الأرض - جاء ليحرر الإنسان من الشرك ، ومن اتخاذ الأرباب من دون الله ، وقصة الأنبياء مع البشرية ما هي إلا لحل مشكلة الإنسان الذي يقع في المعضلات و النكد والخسران حين لا يتوجه بالعبودية إلى خالقه، وحين يتكبر عن الخضوع لرسالة السماء ، وإنها قصة الصوت الصارخ في وجه الظلم ، و إنقاذ المجتمع مما يعاني من أزمات اجتماعية وسياسية .</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
الإنسان مخلوق مكرم ، ولكنه إذ لم يهتد بالوحي ، و إذ يظن انه استغنى ، فإنه يطغى ، والطغيان هو مجاوزة الحد , وعندما يظن هذا الإنسان بسبب أهوائه ووسوسة الشيطان انه يستطيع كل شيء ، وانه مستغن بذاته وبقوته وذكائه وزبانيته ، فإنه يتجاوز حدوده ، ويستعبد الناس ويقهرهم&nbsp; .</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
حارب الإسلام كل أنواع الطغيان ، طغيان الفرد , وطغيان المجتمع &quot;وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله&quot; , وطغيان المال والميزان &quot; ألا تطغوا في الميزان ، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان &quot; , واعتبر إفساد عقيدة الناس من الطغيان &quot;قال قرينه ربنا ما أطغيته ، ولكن كان في ضلال بعيد &quot; , &quot;أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون &quot; ووصف العقائد الضالة والمذاهب المنحرفة بالطاغوت &quot;فمن يكفر بالطاغوت و يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى &quot; .</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
&nbsp;إن قمة الطغيان والمثل الأعلى له هو فرعون ، والقرآن الكريم على طريقته في تناول بعض الأحداث والقصص لا يذكر الأسماء ، لأن فرعون نموذج لكل متكبر عال في الأرض من المسرفين ، إنه يمثل الطغيان السياسي حين استكبر و ظن أنه يملك مصر وأنهارها وسكانها &quot;أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي &quot; , واستعبد وسخر بني إسرائيل لأهوائه ومطامعه ، &quot;وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل &quot; .</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
&nbsp;والطاغية يوهم الناس انه من طينة غير طينتهم ، وكأن فيه جزء من الإلهية ولذلك يجب أن يخضعوا له &quot; فقال أنا ربكم الأعلى &quot; , ولا يخفى على فرعون أنه ليس الإله الذي يخلق ويرزق ويحي ويميت ، ولكنه يرى نفسه أنه هو السيد الأعلى الذي يجب أن يسخر له كل شيء ، قال تعالى : &quot;وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم &quot;..</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
&nbsp;انه التكبر واستعباد الناس حين يظن الطاغية انه هو الأقدر على فهم الأمور وهو الأذكى ، وهو الأعلم &quot;ما أريكم إلا ما أرى &quot; , فليس للناس رأي ولا للمصلحين .<br />
&nbsp;وفرعون يتعجب من دعوة موسى له ومجابهته إياه : &quot;قال لمن حوله ألا تستمعون &quot; أي كيف يتجرأ موسى على مخاطبتي .</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
&nbsp;و عقيدة قوم فرعون أنه ربهم و معبودهم ولا يستبعد هذا عن الشعب الذي يغلب عليه الإيمان بالأشياء المادية المحسوسة ولا يؤمن بالغيب، ولكن فرعون يعلم قدر نفسه ، ولذلك يحرضهم على عدم الاستماع لموسى ويؤلبهم عليه ، ويقول لهم إن موسى وأخاه يريدان إفساد نظامكم ودولتكم &quot;إني أخاف أن يبدل دينكم &quot; وكأننا نرى هنا أن الطاغية مهزوم في داخله ، ونفسه خواء وهو يعوض عن هذا النقص بقهر الناس وتقريب زمرة صغيره ليكونوا شركاء له في جرائمه ويدربهم على القسوة البالغة نحو المجتمع ، إنه يريد الاستقرار والاستمرار في الظلم ، والحاشية تريد الاستفادة من تراكم الأموال ، وفي العادة فإن الطاغية يُرضي هؤلاء بترك الحرية لهم في أكل أموال الناس .</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
هل يكفي أن نأخذ العبرة ، ونتحدث عن مساوئ الطغيان وكيف أنقذ الله موسى عليه السلام وقومه من فرعون وعمله ، أم أنه زيادة على ذلك، يريد الله سبحانه وتعالى منا أن ندرس هذه الظاهرة ، وكيف نتجنبها ، وكيف نقاومها ، لأنها موجودة في كل زمان ومكان ، والطغيان أمر كريه ، يفسد كل شيء وهو أمر لا ينبغي أن يكون ولا أن يبقى .</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
القرآن الكريم أدان هذه الظاهرة ، وهذا معناه إدانة أي حاكم يتصف بالصفات المذكورة عن فرعون أو ببعضها، وظاهرة الطغيان السياسي تتفاقم عندما تتنازل الشعوب عن حقها في العزة والكرامة ، وهي تفعل هذا مخدوعة من جهة وخائفة من جهة أخرى ، ولكن هذه الشعوب لا تعلم أن هذا الخوف هو وهم ، فلا يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة .</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
&nbsp;أراد الإسلام اقتلاع جذور الطغيان ، ليس في نفس الحاكم وحسب ، بل في المحكوم أيضا ، حين يقبل به وحين يعتبره وكأنه شيء طبيعي ويجب الخضوع له .<br />
&nbsp;وحتى لا يمارس الفرد الطغيان أيضا في أسرته وعمله ، أراد الإسلام اقتلاع الطغيان لأن الطغاة يفقرون شعوبهم ويشغلونهم برزقهم اليومي حتى لا يفكروا بالتغير ، والفقر يجلب معه رذائل شتى ، من سقوط الهمم والجهل والمرض .</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
<br />
والطاغية لا يقف عند حد ، فإذا أنت أسلمت أمرك للطاغية لم يرض منك بالطاعة ، بل يصر على أن تكون طاعة وإذلالاً ، والطاغية يكره العظماء من القادة والساسة والعلماء والأدباء ، وإذا قبلهم فإنه يريد أن يكونوا أذناباً له<br />
&nbsp;والطاغية يخدع الناس بالوعود الكاذبة ، ثم يبدأ بتكوين حرس خاص به ، بحجة المحافظة على مطالب الشعب ، ثم يبدأ بمحاكمة من يعارضه ، ويخترع لهم تهم باطلة ، ثم ينقلب حكمه في النهاية إلى كارثة.</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
عاقب الله سبحان وتعالى هؤلاء الطغاة الظالمين الذين لا يتحرك لهم ضمير ولا يتعظون بمصير من قبلهم ، عاقبهم بصرفهم عن الهداية &quot;سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا&nbsp; &quot;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p>&nbsp;</p>
<p><br />
&nbsp;ومن عقوبة الله للطغاة أنهم يعيشون في خوف دائم &ndash; وإن كان الظاهر غير ذلك &ndash; وذلك لكثرة المؤامرات والدسائس وكثرة الوشاة ، ولذلك فهم يرتابون في كل أحد .<br />
والخلاصة أن الطغيان ظاهرة مَرَضِية ركز عليها القرآن ، وفصل فيها حتى يتجنبها المسلمون،&nbsp; ويقاومها أهل العلم والفضل .</p>