أنت هنا

قاعدة عموم نفي المساواة وأثرها في الفقه الإسلامي
25 جمادى الثانية 1432
د. عبد الرحمن بن محمد القرني

قاعدة عموم نفي المساواة وأثرها في الفقه الإسلامي (1-4)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن موضوع العموم والخصوص من الموضوعات المشهورة في علم أصول التشريع، نال اهتمام علمائنا الأماجد وأئمتنا الأفاضل من عصورٍ قديمة، فحاز في المدونات الأصولية موقعاً كبيراً ونزل منزلة لائقة به، فضلاً عما كان لقواعده من أثر ظاهر في الفروع الفقهية ومسائل الخلاف. 
وإني أتناول في هذا البحث مسألة من مسائله المهمة، ألا وهي (عموم نفي المساواة)؛ حيث جمعت من بطون الكتب الأصولية ما عسى أن يكون فيه الفائدة للقارئ الكريم، مع ذكر جملة من آثار هذه القاعدة في الفقه الإسلامي؛ حيث ظنَّ بعض المتأخرين أن الخلاف في هذه القاعدة لا طائل تحته، حيث قال المَقْبَلي([1]): وكلامهم في هذه المسألة مجرد جدل([2]).
حتى إن ابن الوزير([3]) في كتابه (المصفَّى) جرت عادته أن يضرب الأمثلة ويضع التمارين لما يذكره من قواعد، فلما جاء لقاعدة عموم نفي المساواة قال: «ونفي الاستواء هذا قليل في أحكام الشرع بل عزيزٌ جداً؛ ولذلك تركناه من الأمثلة والتمارين» اهـ([4]).
فأردت بهذا البحث دحض هذه الشبهة ودفع هذا الوهم، مع جمع مادة علمية مرتَّبة أحسب أنها مفيدة لطالب علم الأصول، حيث لم أَرَ مَنْ تصدى لبحث المسألة في هذه الأيام إلا بحثاً واحداً لم أكن أعلم به عند كتابة بحثي هذا، وهو لفضيلة الدكتور أكرم أوزيقان، وعنوانه: (عموم نفي المساواة في علم أصول الفقه) نشر في مجلة الحكمةمقسوماً في العددين الثاني والعشرين والتاسع والعشرين، وقد اطلعت على بحثه فيما بعد فرأيته قد أحسن فيه وأجاد، غير أنه قَلَّتْ عنده أدلة المذاهب حيث ذكر دليلين للجمهور وثلاثة لمخالفيهم، وكذا الحال فيما أورده من اعتراضات عليها، ومعلوم أن استيفاء الأدلة واستيعاب النقود والردود مطلب مهم؛ لإنصاف تلك المذاهب فيما ذهبت إليه؛ وليكون تمهيداً لترجيح دقيقٍ منصف، كما أن الباحث الكريم لم يستوفِ أسباب الخلاف كلها في المسألة، ولم يتعرض لضوابط المسألة، ولا لنوع عموم نفي المساواة عند القائلين به، فلعل بحثي هذا يكون تتميماً لما بدأه فضيلة الباحث الكريم، وتكميلاً للفائدة، وأسأل الله تعالى لي وله ولكافة الباحثين التوفيق لخدمة علوم ديننا الحنيف.

وقد قسمته إلى ثلاثة مباحث:
§   المبحث الأول في التعريف بالمسألة، وفيه أربعة مطالب: أولها في معنى مفردات عنوان المسألة، وثانيها في المعنى الاصطلاحي لعموم نفي المساواة، وثالثها في ضوابط المسألة، ورابعها في نوع العموم في نفي المساواة.
§   المبحث الثاني في الخلاف في حكم المسألة، وفيه خمسة مطالب: أولها في أقوال الأصوليين في مدلول نفي المساواة، وثانيها في تحرير محل النزاع، وثالثها في أدلة القولين ومناقشتها، ورابعها في سبب الخلاف، وخامسها في الترجيح.

§      المبحث الثالث في الآثار الفقهية للمسألة.
وكان منهجي في البحث هو الرجوع إلى المصادر الأصيلة، ومجانبة الكتب الحديثة إلا عند الحاجة، كما قمت بعزو الأقوال لأصحابها وتخريج الأحاديث وترجمة الأعلام، وشرح ما يحتاج إلى الشرح من غريب اللغة والمصطلح، مع سلوك سبيل الإيجاز في ذلك كله قدر الإمكان.
هذا وإنني قد بذلت في بحثي هذا من الجهد والوقت ما الله به عليم، ولا أدعي أنني أصبت في كل موضع فيه، بل إنني عرضة للخطأ، ومَنْ ذا الذي يسلم منه؟! وحسبي أنني اجتهدت والخير أردت، فإن يكن صواباً فهذا فضلٌ من الله وحده، وإن يكن خطأً فمن نفسي ومن الشيطان، وأسأل الله العزيز الرحيم أن يغفر لي ولسائر المسلمين، وأن ينفع بهذا البحث إخواني الباحثين وعموم المسلمين، وأن يصلح لي ولهم النيات والأعمال، وأن يتقبلها منا، فإن الله على كل شيء قدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

المبحـــث الأول:
التعريف بالمسألة
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول
معنى مفردات عنوان المسألة :
من الملاحظ في لقب هذه المسألة أن هناك ثلاث كلمات تحتاج إلى تعريف وبيان، وهي (عموم) و(نفي) و(المساواة).
*   فأما الأولى وهي (عموم)؛ فإنَّ (العموم) هو مصدر الفعل: عَمَّ، يقال: عَمَّ الشيءُ يَعُمُّ عموماً: إذا شمل الجماعةَ، كما يقال: عَمَّهُم بالعطيةِ([5])، وعَمَّ المطرُ عموماً فهو عامٌّ([6]).
قال الخليل بن أحمد([7]): عمَّ الشيءُ يعمُّ فهو عامٌّ: إذا بلغ المواضعَ كلّها([8]).
*       والعام في الاصطلاح: هو لفظٌ واحد دالٌّ من جهة واحدة على شيئين فصاعداً([9]).
وللأصوليين تعريفات متعددة للعامّ وكلام طويل فيها([10])؛ طلباً منهم لحدٍّ سالمٍ من الدُّخُول([11]) والنظر، وقال محمد الأمين الشنقيطي([12]): تعريفه التامُّ الجامع المانع هو أنه: كلامٌ مستغرِق لجميع ما يصلح له دفعةً بحسب وضعٍ واحد بلا حصر([13]). والله تعالى أعلم.
مثاله: أن الفقهاء قالوا بأن الزوجة الحرة الصغيرة إذا توفي عنها زوجها وجبت عليها عدة الوفاة أربعة أشهر وعشراً([14])؛ استدلالاً منهم بعموم قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) ([15]).
*   وأما الكلمة الثانية فهي (نفي)، بإسكان الفاء، مصدر الفعل (نَفَى) يقال: نفيتُ الشيءَ أنفيه نَفْياً، إذا رَدَدْتُه([16])، ثم قيل لكل شيءٍ تدفعه ولا تثبته: نفيتُه فانتفَى([17]).
فالنفي: خلاف الإثبات([18])، قال أبو الفتح المُطَرِّزي([19]): النفي خلاف الإثبات، ومنه: المنفي نَسَبُه([20]).
ومن ذلك: المنافاة بين الشيئين؛ لأن أحدهما ينفي الآخر([21])، ومثله التنافي([22]).
*   والنفي عند النحاة من أقسام الخبر وهو مقابل الإثبات، وهو من الحالات التي تلحق المعاني المتكاملة المفهومة من الجمل التامة والتعبيرات الكاملة.

وهذه أدوات النفي عند النحاة مع أمثلتها:
‌أ-            (ما) كقوله تعالى: (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) ([23]).
‌ب-        (لا) كقوله تعالى: (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) ([24]).
‌ج-         (لن) كقوله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ([25]).
‌د-           (لم) كقوله تعالى: (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) ([26]).
هـ- (لمَّا) كقوله تعالى: (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ([27]).
و-    (إِنْ) كقوله تعالى: (إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ) ([28]).
ز-    (ليس) كقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ) ([29]).
ح-   (الاستفهام) أحياناً، كقوله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) ([30]).
ط-   (غير) كقوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ([31]) أي: بلا حساب([32]).
*   وأما الكلمة الثالثة فهي (المساواة)، ومعناها: المماثلة([33])، ومنه قولهم: «هذا يساوي درهماً » أي تعادل وتماثل قيمتُه درهماً([34])، قال الشاعر:
سَلِيْ –إنْ جهلتِ– الناسَ عنَّا وعنهمُ ***  وليس سَواءً عالِمٌ وجَهُولُ([35])
وقال الآخر:
وأَعلمُ أنَّ تَسْليماً وتَرْكاً *** لَلَا متشابهانِ ولا سَوَاءُ([36])
أي: لا يتعادلان ولا قريباً من المعادلة([37]).
واستوى الشيئان وتساويا: ساوَى أحدهما صاحبَه، وساوى بين الشيئين وسَوَّى بينهما([38])، فالمساواة والاستواء هنا واحدٌ([39])، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) ([40]) يعني أنه رَدَمَ طريقَي يأجوج ومأجوج حتى سَوَّى أحدهما بالآخر([41]).
وكذلك لفظ (سَوَاسِيَة)، ومنه قول الشاعر:
لهم مجلسٌ صُهْبُ السِّبالِ([42]) أذِلةٌ  ****  سَوَاسِيَةٌ أحرارُها وعبيدُها ([43])
وفعل الاستواء – مثبتاً كان أو منفياً – لا يكون إلا بين شيئين أو أكثر، فلا يصح أن تقول: (يستوي زيدٌ) وتسكت، ولا أن تقول: (ما ساوَى عمروٌ) وتسكت([44]).

المطلب الثاني
المعنى الاصطلاحي لعموم نفي المساواة
لم أجد من الأصوليين مَنْ عرَّف بالحدِّ أو الرسم قاعدة عموم نفي المساواة واكتفوا بالتعريف بالمثال، غير أنه يمكن اقتباس تعريف اصطلاحي رسمي لها مما ذكروه في لقب المسألة أو صيغة القاعدة.
*       وإليك أهم عباراتهم في المسألة:
نفي المساواة بين الشيئين يقتضي نفيها من كل وجهٍ([45]).
نفي المساواة بين الشيئين يقتضي نفي الاستواء في جميع الأمور([46]).
نفي مساواة الشيء للشيء يفيد نفي اشتراكهما في كل صفاتهما([47]).
نفي المساواة بين الشيئين يفيد العموم في كل شيء([48]).
نفي المساواة يقتضي العموم أي يدل على عدم جميع وجوه المساواة([49]).
نفي الاستواء بين الشيئين يقتضي نفي الاستواء من جميع الوجوه([50]).
نفي المساواة بين شيئين يقتضي العموم فَيُنْفَى به جميع وجوه المساواة([51]).
وبقية عباراتهم تدور حول هذه المذكورات.
*   وأنتَ ترى تقارب عباراتهم في لقب المسألة، وكلها يفيد معنىً واحداً للقاعدة لا خلاف بينهم فيه؛ فمن ثَمَّ اقتصر بعض الأصوليين على صيغة موجزة للقاعدة فقال: (نفي المساواة للعموم) ([52]).
*   ويمكن أن يقال في التعريف الاصطلاحي للمسألة، هو: أن ينفي الشارع المساواة بين شيئين فيدل ذلك على نفي استوائهما في كل وجهٍ ممكن.
مثاله: قول الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([53]) حيث نَفَى الباري سبحانه وتعالى المساواة بين المسلمين والكافرين، فدل على انتفاء اشتراكهما في كل حكمٍ ممكن، فاقتضى هذا التعميم أنه لا يقتل المسلم بقتله الذمي([54]).
قال ابن بَرْهان([55]): «وصورة الاستدلال: أن علماءنا استدلوا في مسألة المسلم لا يقتل بالذمي بقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([56]) قالوا: هذا اللفظ يدل على نفي القصاص؛ لأن الآية اقتضت نفي المساواة، فإذا استويا في وجوب القصاص فقد خرج اللفظ عن أن يكون دليلاً على نفي المساواة، ولابد من العمل بمقتضى اللفظ» اهـ([57]).

المطلب الثالث:
ضوابط المسألة
يظهر من عرض الأصوليين لمسألة عموم نفي المساواة مما ذكروه في لقبها وأدلتها وأمثلتها وغير ذلك أن هناك قيوداً لابد من توافرها في المسألة، فمن ذلك:
أولاً: أن يقع النفي للمساواة أو ما في معناها:
ومعنى هذا الضابط أن يرد النفي للمساواة والاستواء، ونحو ذلك مما هو في معناه كالتماثل والمماثلة.
نحو قولنا: (الكافر لا يساوي المسلم) وقولنا: (الكافر لا يماثل المسلم)([58]).
وقد جاء هذا الضابط صريحاً في كلام بعض الأصوليين([59])، وقال بدر الدين الزركشي([60]): «تنبيه: هذا الخلاف في عموم المساواة يجري في كلمة (مثل) بل هو أدلُّ على المشابهة من لفظ (المساواة) ([61]) ولم يذكروه، قال ابن دقيق العيد([62]): لفظ (المثل) دالٌّ على المساواة بين الشيئين إلا فيما لا يقع التعدد إلا به » اهـ([63]).
قلت: قول الزركشي: (ولم يذكروه) يعني أن كلمة (مثل) آكد وأَدَلُّ على المشابهة من كلمة (مساواة)، وكأنَّ الزركشي بذلك يشير إلى أنه هو أول مَنْ نَبَّه عليه من الأصوليين.
*   ثم اعلم أنه لا يشترط ورود النفي على خصوص الاسم، بل تجيء المسألة في نفي الاسم ونفي الفعل([64])، قال علاء الدين المرداوي([65]): «نفي الاستواء وما في معناه من التساوي والمساواة والتماثل والمماثلة ونحو ذلك سواء فيه نَفْيُه في فعلٍ مثل (لا يستوي كذا وكذا) أو في اسمٍ مثل (لا مساواة بين كذا وكذا) ... » اهـ([66]).
فمثال نفي الفعل قول الله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ) ([67]).
ومثال نفي الاسم قول الله تعالى: ( * لَيْسُوا سَوَاءً) الآية([68])، حيث جعلها تاج الدين([69]) السبكي([70]) وبدر الدين الزركشي([71]) من أمثلة القاعدة.
ثانياً: أن يقع نفي التساوي صريحاً أو تقديراً:
وذلك بأداة من أدوات النفي، وقد سبق في المطلب الأول تعداد أدوات النفي عند النحاة.
*       مثال الصريح قول الله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) ([72]).
ومثال التقديري قوله تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ([73]). فإن نفي التسوية مقدرٌ في الآية، والمعنى: ما نجعلهم سواءً، كما قال سبحانه في آية أخرى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) ([74]) وجعلها تاج الدين السبكي([75]) وبدر الدين الزركشي([76]) من أمثلة القاعدة.
ثالثاً: أن النفي يكون في كل حكمٍ يمكن نفيه:
والمعنى أن التعميم في نفي المساواة بين الشيئين يكون في كل شيء يمكن نفيه؛ وذلك لأنَّ من الأشياء ما لا يمكن نفيها فلا تكون مرادة بالتعميم؛ فإن قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([77]) لا ينفي الإنسانية والصفات البشرية المشتركة بينهما، قال ابن بَرْهان في التعليل لهذا: «لأن التساوي في الصفات الحسية والمعنوية غير مقصود للشرع، فلا عبرة بالتساوي فيه، وإنما مقصود الشرع نفي المساواة في الأحكام الشرعية» اهـ([78]).
وقد جاء هذا الضابط صريحاً في كلام بعض الأصوليين، حيث قال جلال الدين المحلي([79]): «فهو لنفي جميع وجوه الاستواء الممكن نفيها » اهـ([80])، وكذلك قال غيره([81]).
وعبارة بعضهم: «يقتضي نفي الاستواء من جميع الوجوه، أي: في جميع الوجوه المتعلقة بالأحكام الشرعية» اهـ([82]).
*   وكما خرج من العموم الصور التي لا يمكن إرادة نفيها بنفي المساواة، فكذلك تخرج الصور المُخْرَجة بأدلة التخصيص، وهو في هذا كسائر العمومات.
ولذا احترز بعضهم بذكر هذا القيد في القاعدة، حيث قال صفي الدين الهندي([83]): «نفي الاستواء بين الشيئين … يقتضي نفي الاستواء من جميع الوجوه فيما بينهما إلا ما خصَّه الدليل» اهـ([84]).
فَيُخَصُّ – مثلاً – عموم نفي المساواة في قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([85]) بنحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من قَتَلَ مُعَاهَداً لم يَرَحْ([86]) رائحةَ الجنة»([87]) وغيره من الأدلة الدالة على تساويهما في حرمة الدم وحرمة العرض والمال وغير ذلك من الأحكام الشرعية.
رابعاً: عدم القرينة المانعة من الحمل على العموم:
فإن وجدتْ قرينة تمنع إجراء نفي المساواة على عمومه عُمِلَ بها، وامتنع حمله على العموم.
*              مثال ذلك من الكتاب العزيز: قول الله سبحانه وتعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا) ([88]) فإن المراد هنا نفي التسوية بين الفريقين في الثواب والفضل لا في سائر الأحكام الشرعية؛ قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور([89]) في تفسير الآية: «نفي التسوية مرادٌ به نفيها في الفضيلة والثواب، فإن نفي التسوية في وصفٍ يقتضي ثبوت أصل ذلك الوصف لجميع مَنْ نُفِيَتْ عنهم التسوية ... وقد أكَّد هذا الاقتضاء بقوله: (أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا) ... »اهـ([90]).

*   ومثاله من السنة المشرفة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وأيُّكم مثلي»([91]) فهذا استفهام إنكاري معناه النفي، كما توضحه الرواية الأخرى: «إنكم لستم مثلي »([92]) غير أن نفي التسوية بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أُمَّته في الحديث لا يدل على عمومها في الأحكام الشرعية؛ وذلك لوجود القرينة المتصلة المبينة خصوص نفي المساواة وهي دلالة سياق الحديث؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال في الصوم([93])، فقال رجلٌ: إنكَ تواصل؟! فقال: وأيُّكم مثلي! إني أَبِيْتُ يطعمني ربي ويسقيني»([94]) ولذا قال مُلاَّ علي القاري([95]) عند قول النبي صلى الله عليه وسلم : «إني أبيت ...» قال: «استئنافٌ مبيِّنٌ لنفي المساواة بعد نفيها بالاستفهام الإنكاري» اهـ([96]).
ومما ينفي عموم نفي المساواة هنا القرينة المنفصلة أيضاً، وهي الدلائل الخارجية الدالة على أن الأصل مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في الأحكام الشرعية إلا ما خصَّه الدليل([97]).

المطلب الرابع:
نوع العموم في نفي المساواة
إذا قلنا إن نفي المساواة بين شيئين يقتضي العموم، فبقي الكلام في نوع هذا العموم، هل هو عمومٌ من جهة اللفظ؟ أو من جهة المعنى؟
والفرق بين العموم اللفظي والعموم المعنوي أن الأول يُعْلَم من جهة الوضع اللغوي، أي أن مداره على أن العرب وضعت هذه اللفظة للدلالة على شمول كل الأفراد الداخلة تحتها، مثل: (أكرم الرجال) فلفظ «الرجال» عامٌّ لفظي لأن الصيغة – وهي الجمع المحلى بأل الاستغراقية – دلت عليه.
بخلاف الثاني، فإن العموم يحصل في الذهن أي يحكم العقلاء أو أهل العرف به عند سماع الكلام من غير بحثٍ عن لفظةٍ دلت عليه.
فقول القائل: (الناجحُ هو زيدٌ) يبادر العقلاء إلى فهم أن عدم النجاح عامٌّ لعمروٍ وخالد وبكر وسعد ... الخ([98]).
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: «رُفع عن أمتي الخطأُ والنسيانُ»([99]) يقتضي مقدراً يتوقف عليه صدق الكلام، وهو: رفع عن أمتي حكم الخطأ والنسيان، ثم إن هذا الحكم يعم عند أهل العرف أحكام الدنيا وأحكام الآخرة([100]).
فيظهر من هذا أن العموم اللفظي تابعٌ للصيغة ومدلول لها، والعموم المعنوي ليس تابعاً للصيغة بل المعاني فيه مستقلة؛ ولذا مَثَّلوه بعموم المفهوم وعموم المقتضَى وعموم ترك الاستفصال عند قيام الاحتمال([101]) وغير ذلك.
*   وإذا رجعنا إلى مسألتنا أعني نفي المساواة بين شيئين، فإنه قد قال المَقْبَلي: «إنه ليس بعموم اصطلاحي كالحاصل بلفظ (مَنْ) و(كُلّ) وسائر آلات العموم، ولكن معناه معنى العموم» اهـ([102]).
وهذا يعني أن نفي المساواة من قبيل العموم المعنوي، غير أن هذا بعيدٌ، ويردّه ما جاء في أدلة الجمهور من أن الفعل نكرة، وقد وقع في سياق النفي فيفيد العموم، على ما سبق بيانه، وقد أجمع النحاة على أن الأفعال نكرات.
فهذا يدفع كونه عموماً معنوياً؛ لأن عمومه متلقىً من الصيغة إذاً.
ولهذا فإن بدر الدين الزركشي لمَّا عقد فصلاً مطوَّلاً في العموم المعنوي([103]) وفصَّل أنواعه لم يذكر ضمنها عموم نفي المساواة، بل ذكره قبل ذلك وجعله مفرَّعاً على عموم الاسم النكرة إذا وقع في سياق النفي؛ حيث قال: «مما يتفرع على أن النكرة المنفية للعموم نفي المساواة بين الشيئين » اهـ([104]).
*   هذا وقد قال ابن بَرْهان: «العمومات تنقسم إلى ما يقرب من وضع الشرع ومن الدلالة على مقصوده، ومن العمومات ما يكون بعيداً عن ذلك ...
ومثال العموم البعيد عن وضع الشرع: العموم الذي استدل به بعض علمائنا في قتل المسلم بالذميّ بقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([105]) فإن هذا العموم لا يظهر لنا ظهوراً بَيِّناً كونُه دليلاً في محل الخلاف» اهـ([106])، وهذا الكلام يمثل رأي مَنْ أنكر عمومه رأساً؛ ولذا أعقبه ابن برهان بقوله: «فإن هذا العموم إنما سيق لتفاوت ما بين المسلم والكافر في أحكام الآخرة» اهـ([107]).

 تنبيهــــــات:
وههنا تنبيهات وفوائد تتعلق بهذا المبحث الأول، فمن ذلك:
أولاً: سبق في المطلب الأول ذكر (العامّ) و(العموم) فهل بينهما فرقٌ؟
والجواب: أن بينهما فرقاً أوضحه الزركشي بقوله: «الفرق بين العموم والعام: أن (العامّ) هو اللفظ المتناوِل، و(العموم) تناول اللفظ لما صلح له.
فالعموم مصدرٌ، والعام اسم فاعل مشتق من هذا المصدر، وهما متغايران لأنَّ المصدرَ الفعلُ، والفعل غير الفاعل» اهـ([108]).
وقال أبو البقـاء الكَفَوِي([109]): «العـام هو اللفظ المتناوِل، والعموم تناول اللفظ لما يصلح لـه. فالعام من جهة اللفظ، والعموم من جهة المعنى » اهـ([110]).

ثانياً: أن (العموم) يقع على شيئين:
أ‌-            عموم الشمول، وهو العام.
ب‌-       عموم الصلاحية، وهو المطلق. ويسمى أيضاً (عموم البدل)، وتسميته عموماً باعتبار أن موارده غير منحصرة، لا أنه في نفسه عامٌّ([111]).
والفرق بينهما: أن عموم الشمول يتناول كل الأفراد، وعموم الصلاحية يتناول فرداً غير معيَّن، فقول الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) ([112]) عامٌّ فلا يكون المأمور ممتثلاً إلا بالمحافظة على جميعها.
وقوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) ([113]) مطلقٌ فيكفي امتثاله في صورة واحدة أي بإعتاق عبدٍ واحد.
ثالثاً: سبق في ألفاظ القاعدة كلمة (نَفْي)، وهو – من حيث الاصطلاح – بخلاف (التنافي)؛ فإن النفي سلبٌ محض([114])، والتنافي بين الشيئين هو: إثبات تمانعهما على وجه التضادّ أو التناقض([115])، فالنفي سلبٌ والتنافي إيجاب.
ولهذا فإن قول الله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) ([116]) جاء نفياً للمساواةِ والمِثْليةِ التي زعمها الكفار كما حكاه القرآن عنهم بقوله سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا) ([117]) فجاء الجواب: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) فهذا إثبات للتنافي بينهما لأن البيع حلالٌ والربا حرام، فهو نفي للمساواة على سبيل التضاد، فلا يكون من مسألتنا.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الثيِّبُ أحقُّ بنفسها من وليِّها والبكرُ يستأذنها أبوها»([118]) هو من هذا القبيل.
وأمَّا ما نحن فيه فهو (النفي) الذي هو سلبٌ محض؛ فمن هنا عَبَّر بعض الأصوليين في مسألتنا بـ (السلب)([119])، وعَبَّر بعضهم بـ (العدم) حيث قال العَضُد الإيجي([120]): «... يدل على عدم جميع وجوه المساواة» اهـ([121]).
وحُمادَى القول: أن ما كان نفياً معنوياً للتساوي بين شيئين – أي لا تقتضيه الصيغة وإنما يُفْهَم من السياق أو من خارجي – لا تجري فيه القاعدة، وإنما تجري في النفي اللفظي، وهو دخول أداة النفي – صريحاً أو تقديراً – على المساواة ونحوها.
رابعاً: صَدَّر بعضهم كالرازي([122]) في كتابه (المحصول) ([123]) وأتباعه([124]) هذه المسألة الأصولية بآية ومسألة جزئية، أعني قول الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([125]) في دلالته على عدم قتل المسلم بالكافر الذمي، حتى ليخيَّل للناظر في (المحصول) ومختصراته أنهم يبحثون مسألة من الفقه أو من علم الخلاف، وقد نَبَّه على ذلك شهاب الدين القرافي([126]) حيث قال: «مسألةٌ وقعت في كتب الخلاف وكتب الأصول وهي في الحقيقة يليق ثبوتها في مسائل الخلاف؛ لأنها مسألة جزئية والأصل أن لا يثبت في أصول الفقه إلا القواعد الكلية، أمَّا نصُّ جزئي فإنما يبحث في الفقه والخلاف، لكن لمَّا عظمتْ شهرتها وانتشر البحث فيها تَوَلَّعَ([127]) الأصوليون بها، وهي أن الحنفية قالوا: إن المسلم يُقْتَل بالذمي، وقال غيرهم: لا يُقتل به، واستدلوا بقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) ([128]) فلو ثبت القصاص بينهما وقُتل المسلم بالذمي كما يُقتل الذمي بالمسلم؛ استوى أصحاب النار وأصحاب الجنة، لكن النص دلَّ على نفي الاستواء، فلا يثبت القصاص.
فأثبت الأصوليون – صاحب المحصول وغيره – هذا النص في باب العمومات، وجعلوه مسألة مستقلة من مسائل العموم؛ لتوقف صحة هذا الاستدلال على عموم النفي في وجوه الاستواء من القصاص وغيره، حتى يندرج القصاص في تلك الوجوه المنفية» اهـ([129]).
خامساً: لم يخرج الأصوليون في أمثلة القاعدة من النصوص الشرعية – على ما رأيتُ – عن النص القرآني، ولعل البحث في كتب الخلاف والفقه وفي مدونات السُّنة وغير ذلك كفيلٌ بالعثور على أمثلة صحيحة من الحديث الشريف يجري فيها عموم نفي المساواة.

المبحـــث الثاني:
الخلاف في حكم المسألة
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول
أقوال الأصوليين في مدلول نفي المساواة:
اختلف أهل العلم بأصول الفقه فيما يقتضيه نفي المساواة بين الشيئين الوارد في نصٍّ شرعي، وكان خلافهم على قولين:
الأول: أن نفي المساواة بين الشيئين يدل على العموم، أي أنه يقتضي نفي جميع الوجوه الممكن نفيها.
وهذا مذهب المالكية([130]) والشافعية([131]) والحنابلة([132]) وبعض الزيدية([133]).
الثاني: أن نفي المساواة بين الشيئين لا يدل على العموم، فينصرف إلى الخاص وهو ما دلَّ عليه السياق، ويبقى فيما عداه كالمجمل يتوقف فيه إلى حين البيان.
وهذا مذهب الحنفية([134])، واختاره أبو الحسين([135]) البصري([136])، وقال بعضهم: إنه مذهب المعتزلة([137]).
وممـن قـال به الظاهـرية([138]) وأبــو حـامد([139]) الغـزالي([140]) وإِلْكِيَــا([141]) الطـبري([142]) وفخـر الديـن الـرازي([143]) وأتبـاعه([144])، وصـفي الديـن الهنـدي([145]) وابن رشيق([146]) المصري([147]) تبعاً للغزالي، وكثيرٌ من الزيدية([148])، واختار القرافي أيضاً عدم دلالته على العموم إلا أنه قال: يختص نفي المساواة بما سيق الكلام لأجله([149]).

المطلب الثاني:
تحرير محل النزاع:
لم أَرَ مَنْ تعرض لتحرير موضع الخلاف في مسالة عموم نفي المساواة سوى ابن الهمام([150])، وتابعه عليه البَدَخْشي([151]) وابن عبدالشكور([152]).
ويمكن تلخيص ما قالوه فيما يلي:
أولاً: أن الحنفية والجمهور لا يختلفون في أن نفي المساواة يدل على العموم من حيث أصل الوضع، كما أنَّ نفي كل فعل عامٌّ في وجوهه، مثل (لا آكل) عامٌّ في وجوه الأكل([153]).
ثانياً: كما أنهم لا يختلفون على عدم صحة إرادة العموم في نفي المساواة، وهي مسألتنا([154]).
وذلك أن الاستواء بين الشيئين بوجهٍ من الوجوه معلوم الصدق؛ لأن كل شيئين متشاركان في وصفٍ، وأقله الشيئية([155]) والوجود([156]).
وأَنَّ سلب الاستواء من جميع الوجوه معلوم البطلان؛ وذلك لتحقق نقيضه وهو الاستواء بوجهٍ ما.
وفي قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([157]) يتفق المذهبان – الجمهور والحنفية – أنه لا يراد به العموم؛ لاستواء الفريقين في الجسمية والحيوانية وغير ذلك، فهو عامٌّ مخصوص بقرينة العقل؛ إذْ لا يُجَوِّز عاقلٌ عموم سلب الاستواء([158]).
ثالثاً: وإنما يختلفون في أن المراد من عموم نفي المساواة بعد تخصيصه بالعقل هل هو أمر الآخرة فلا يعارض آيات القصاص العامة فيقتل المسلم بالذمي؟ أو المراد أمر الدنيا والآخرة فيعارضها فلا يقتل المسلم بالذمي؟
هذا هو محل النزاع، فذهب الحنفية إلى الأول، وذهب الجمهور إلى الثاني([159]).
*       أقول: وعليك أن تلاحظ أموراً:
الأول: أن عدم اختلاف الفريقين في أن نفي المساواة دالٌّ على العموم أَقَرَّ به الحنفية من حيث الوضع، ولم يكن محل إجماع، حيث قال بعض موافقيهم في النتيجة كالرازي([160]) وأتباعه([161]) بأنه لا يقتضي العموم أصلاً، فالحنفية يمنعون إرادة التعميم، والرازي وغيره يمنع دلالته على التعميم، ثم إن النتيجة واحدة وهي: عدم صحة حمل النص على العموم.
الثاني: أن الجمهور قد نصّوا على أن المراد بالتعميم في مسألتنا هو في الأمور الممكنة، وقد سبق كلامهم في هذا عند ذكر ضوابط المسألة([162])، ولا شك أن السلب إنما يكون في الممكن، وأما غير الممكنات فلا يمكن أن تكون مرادة للشارع أصلاً، وإذا لم تكن مرادة أصلاً فإنَّ حَمْل اللفظ على ما عداها من الصُّور حملٌ للفظ على مقتضاه وجميع معناه، فهو إذاً ليس بعامٍّ مخصوص أو مرادٍ به الخصوص.
ولهذا فإن العطّار([163]) لما نقل عن البدخشي أنه أنكر على مَنْ بنى الخلاف بين الجمهور والحنفية في قتل المسلم بالذمي على الخلاف في القاعدة بقوله: «الحق أنه ليس كذلك؛ لأن الحنفية صرحوا بعمومها في نفي الاستواء، إلا أن حقيقة العموم متروكة بدلالة محل الكلام بعدم قبوله حكم الحقيقة؛ لوجود المساواة في كثير من الصفات» اهـ([164]) أقول: لما نقل العطار عنه هذا قال: أجاب بعض الفضلاء بأن المراد أن الحنفية لا يُجْرون الآية([165]) على عمومها وإن كانت عامة بحسب الأصل، والشافعية يُجْرونها على العموم فلا يُساوى المسلم بالذمي أصلاً عندهم فلا يقتل، وعند الحنفية يجوز أن يتساويا حيث لم تَجْرِ الآية على العموم فيجوز قتل المسلم بالذمي، بل يجب عند قيام الدليل، وحينئذ يجوز أن يكون الخلاف مبنياً على أن الآية مُجراة على العموم أَوْ لا([166]).
الثالث: أن المراد بحمل اللفظ على العموم في نفي المساواة عند الجمهور إنما هو في الأحكام الشرعية؛ لأن كلامنا في مسألة من أصول الفقه، وعلى هذا فلا معنى لما قاله ابن الهمام وابن عبدالشكور من استواء أصحاب النار وأصحاب الجنة في الحيوانية والجسمية وغير ذلك، وجعلهما ذلك مستنداً لعدم إرادة العموم.
قال بدر الدين التُّسْتَرِي([167]): «سلب الاستواء لا يستلزم السلب من كل وجهٍ لامتناعه، فإما أن يراد بالسلبِ سلبُ الأحكام الشرعية، أو غيرها.
والثاني باطلٌ؛ لوجوب حمل كلام الشارع على الحقيقة الشرعية؛ لدلالة بعثته صلى الله عليه وسلم على تعريفه للأحكام الشرعية لا غير، فتعيَّن الأول» اهـ([168]).
الرابع: ولو سُلِّم أنه قد خرجت صفات الحيوانية والجسمية والناطقية عن العموم بقرينة التخصيص، فإن ذلك لا يمنع التعميم؛ لأن دخول المخصِّص لا يعني تجريد اللفظ العام من وصف العموم؛ إذْ لا يكاد يوجد لفظٌ عام في الأحكام الشرعية إلا وقد دخله التخصيص، ولم يمنع ذلك من تسميته عامَّاً عند الفريقين.
ولذا قال أبو الحسين البصري في مسألتنا هذه: «ولقائلٍ أن يقول: إن سُلِّم لهم أن الآية تفيد نفي اشتراكهم في كل الصفات أجمع، لم يضرهم اشتراكهم في كثير من الصفات؛ لأن العموم إذا خرج بعضه لم يمنع من التعلق بباقيه» اهـ([169]).
الخامس: أنه قد يقال: ما ذكروه يقتضي حصر المسألة في نفي المساواة بين أصحاب النار وأصحاب الجنة، والمسألة جارية فيما هو أعم من خصوص الآية الكريمة المذكورة، مثل قوله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) ([170]) وقوله سبحانه: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) ([171]) وغيرهما من النصوص، فكيف يقال فيها: إن محل النزاع هو أنه هل يختص بأمر الآخرة أو يعم الدارين؟!
وهذا عند التحقيق ليس وارداً عليهم؛ لأنهم إنما أرادوا تطبيق الخلاف الأصولي على نصّ جزئي ومسألة فرعية اشتهر فيها الخلاف، لا أنهم أرادوا حصر الخلاف في القاعدة في ذلك النص وتلك المسألة الفقهية، هذا لا يقول به أحد؛ ولذا قال ابن الهُمام رحمه الله في آخر تحريره للمسألة: «فظهر أن الخلاف في تطبيق كلٍّ من المذهبين على دليلٍ تفصيلي»اهـ([172]). وقد مَثَّل الأصوليون بأمثلة أخرى وصَرَّح الحنفية بردّ الخلاف فيها إلى الخلاف في قاعدة عموم نفي المساواة، كما ستراه في المبحث الأخير إن شاء الله تعالى.
*   وخلاصة القول في محل النزاع هو: أن ورود النفي على المساواة ونحوها – كالمماثلة – في النص الشرعي هل يدل على عموم نفي التسوية بينهما فيما يمكن نفيه من الأحكام الشرعية؟ أَوْ لا يدل على ذلك؟
فذهب الجمهور للأول، والحنفية وموافقوهم للثاني، بعد اتفاق الفريقين على أن الصورة التي دل عليها السياق مرادةٌ، وإنما النزاع فيما عداها من الصور.
 
-------------------
([1])   هو صالح بن مهدي بن علي المقبلي الصنعاني، فقيه أصولي مشاركٌ في الفنون، من كتبه (العَلَم الشامخ) و(نجاح الطالب) وهو شرح على مختصر ابن الحاجب الأصولي، وله (الأبحاث المسددة) و(الإتحاف لطلبة الكشاف) انتقد فيه الزمخشري، توفي سنة 1108هـ. (البدر الطالع) 1/288.
([2])    (نجاح الطالب) للمقبلي، ص372.
([3])    هو أحمد بن محمد بن علي الوزير الحسني، فقيه أصولي من أهل اليمن، من كتبه (المصفى في أصول الفقه) وله نثرٌ وشعر كثير، مولده سنة 1337هـ.(مقدمة تحقيق كتاب المصفَّى) ص9.
([4])    (المصفَّى في أصول الفقه) لابن الوزير، ص513.
([5])   (الصحاح) 5/1993 و(تاج العروس) 17/507 مادة (عمم).
([6])   (المصباح المنير) ص222 مادة (عمم).
([7])   هو الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي، من أكابر أئمة العربية ومستخرِج علم العروض، من كتبه (العين) و(الجمل) و(الشواهد) و(النقْط والشكل) توفي سنة 175هـ. (بغية الوعاة) 1/557.
([8])   (العين) 3/232 مادة (عمم)، وانظر (الصاحبي) لابن فارس ص344.
([9])   (العدة في أصول الفقه) 1/140 و(شرح اللمع) 1/302 و(المستصفى) 2/106 و(إيضاح المحصول) ص269 و(المحصول) لابن العربي ص73 و(ميزان الأصول) 1/389 و(لباب المحصول) 2/552.
([10])   انظر تعريفاتهم للعامّ في (التقريب) للباقلاني 3/5 و(المعتمد) 1/203 و(الحدود) للباجي ص44 و(التلخيص) للجويني 2/5 و(قواطع الأدلة) 1/282 و(أصول السرخسي) 1/125 و(الوصول إلى الأصول) 1/202 و(بذل النظر) ص158 و(المحصول) للرازي 2/309 و(الإحكام) للآمدي 2/195 و(شرح تنقيح الفصول) ص38 و(نهاية الوصول) 3/1221 و(المسودة) 2/1002 و(التوضيح) لصدر الشريعة 1/32 و(البحر المحيط) 3/5 و(شرح الكوكب المنير) 3/101 و(فواتح الرحموت) 1/255 وغيرها.
([11])   الدُّخُول: جمع (دَخَلٍ) وهو العيب والفساد. (لسان العرب) 11/241 مادة (دخل).
([12])   هو محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي، مدرسٌ وفقيه مفسر، من كتبه (مذكرة في أصول الفقه) و(أضواء البيان) و(دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب) و(آداب البحث) توفي سنة 1393هـ. (الأعلام) للزركلي 6/45.
([13])   (مذكرة أصول الفقه) للشنقيطي، ص359، وراجع (إرشاد الفحول) 1/511.
([14])   وهو حكم مجمعٌ عليه، حكاه ابن المنذر وغيره، فانظر (الإشراف) لابن المنذر 1/250، و(الاستذكار) 18/102 و(المغني) 11/223، 224.
([15])   من الآية 234 سورة البقرة.
([16])   (تهذيب اللغة) 15/475 و(تاج العروس) 20/259 مادة (نفي).
([17])   (المصباح المنير) ص318 مادة (نفي) وراجع (العين) 4/253 و(لسان العرب) 15/336 – 337.
([18])   (المعجم الوسيط) 2/943.
([19])   هو ناصر بن عبدالسيد بن علي الخوارزمي المُطَرِّزي، من علماء النحو واللغة، وكان في الفقه على مذهب الحنفية وفي الاعتقاد على مذهب المعتزلة، من كتبه (المعرب) في لغة الفقه، و(الإقناع في اللغة) و(المغرب في شرح المعرب) و(مختصر إصلاح المنطق لابن السّكّيت)، توفي سنة 610هـ. (بغية الوعاة) 2/311.
([20])   (المغرب في ترتيب المعرب) 2/320.
([21])   (شمس العلوم) 10/6708.
([22])   المصدر السابق 10/6711.
([23])   من الآية 13 سورة فاطر.
([24])   من الآية 36 سورة فاطر.
([25])   من الآية 92 سورة آل عمران.
([26])   من الآيتين 137، 168 سورة النساء.
([27])   من الآية 14 سورة الحجرات.
([28])   من الآية 2 سورة المجادلة.
([29])   من الآية 61 سورة النور.
([30])   من الآية 60 سورة الرحمن.
([31])   من الآية 10 سورة الزمر.
([32])   انظر (شرح المفصل) لابن يعيش 8/107 و(المحرر في النحو) للهرمي 3/1061 و(المعجم المفصَّل في النحو) 2/1126 و(معجم المصطلحات النحوية) ص227 و(معجم علوم اللغة العربية) ص426.
([33])   (الصحاح) 6/2385 و(مجمل اللغة) ص361 و(المصباح المنير) ص155 مادة (سوي).
([34])   (المصباح المنير) ص155 و(تاج العروس) 19/459 – 550 مادة (سوي).
([35])   البيت للسموأل، فانظر (ديوانه) ص22 و(شرح ديون الحماسة) للمرزوقي 1/123.
([36])   البيت لأبي حزام العُكْلي، فانظر (سر صناعة الإعراب) 1/377 و(خزانة الأدب) للبغدادي 10/353، 355 ووقع في (تشنيف المسامع): «وأعلم علماً أن ... » الخ، وهو تحريف ويختل به الوزن.
([37])   (تشنيف المسامع) 2/687 – 688.
([38])   (تهذيب اللغة) 13/126 و(أساس البلاغة) 1/485 و(تاج العروس) 19/548 مادة (سوو)، وراجع (المعجم الوسيط) 1/466.
([39])   (العين) 2/296 و(لسان العرب) 14/410 مادة (سوا).
([40])    من الآية 96 سورة الكهف.
([41])    (العين) 2/296 مادة (سوا) و(تهذيب اللغة) 13/125 – 126 وراجع (مفردات ألفاظ القرآن) للراغب ص441.
([42])   صُهْبُ السِّبال: أي حُمْر الشوارب. (تاج العروس) 2/157 (صهب) 14/327 (سبل).
([43])   (لسان العرب) 14/409 والبيت لذي الرُّمَّة، فانظر (ديوانه) ص176 و(أساس البلاغة) 1/144.
([44])   (المحكم) لابن سيده 8/639 و(حاشية محيي الدين شيخ زاده) 4/107، 108.
([45])   (البحر المحيط) 3/121.
([46])   (الإحكام) للآمدي 2/247.
([47])   (المعتمد) 1/249.
([48])   (المسودة) 1/267.
([49])   (شرح العضد على مختصر ابن الحاجب) 2/114.
([50])   (نهاية الوصول) للهندي 4/1364 وبنحوه في (الوصول إلى الأصول) لابن برهان 1/312.
([51])   (رفع الحاجب) 3/148.
([52])   انظر (أصول الفقه) لابن مفلح 2/826 و(مختصر ابن اللحام) ص111 و(شرح غاية السول) ص315 و(التحبير) 5/2420 و(شرح الكوكب المنير) 3/207 و(حصول المأمول) ص211.
([53])   من الآية 20 سورة الحشر.
([54])   انظر (نهاية السول) 1/463 و(تحفة المسؤول) 3/124 و(شرح المحلي على جمع الجوامع) 1/423 و(التوضيح في شرح التنقيح) لحلولو ص161 و(شرح الكوكب المنير) 3/208 وغيرها.
([55])   هو أحمد بن علي بن محمد بن بَرْهان البغدادي، فقيه شافعي أصولي، أخذ عن الغزالي وغيره، وكان يضرب به المثل في حل الإشكال، من كتبه (البسيط) و(الوسيط) و(الوجيز) كلها في أصول الفقه، توفي سنة 518هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 1/279.
([56])   من الآية 20 سورة الحشر.
([57])   (الوصول إلى  الأصول) 1/313.
([58])   سيأتي مثال شرعي لكلمة (مثل) في الضابط الثالث إن شاء الله تعالى.
([59])   انظر (التحبير) 5/2420 ونقله عن (شرح النبذة الألفية) لشمس الدين البِرْماوي، وانظر (حاشية العطار) 2/19.
([60])   هو محمد بن بهادر بن عبدالله الزركشي المصري، فقيه شافعي أصولي محدّث أديب، أخذ عن جمال الدين الإسنوي وغيره، من كتبه (النكت على البخاري) و(خادم الشرح والروضة) و(البحر المحيط في أصول الفقه) و(تخريج أحاديث الرافعي) توفي سنة 794هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 3/167.
([61])   عَدَّ أبو البقاء الكفوي من ألفاظ المشابهة: (النظير والمساوي والشبيه والمُشَاكِل) وغيرها ثم قال: «وأعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة: المِثْلُ » اهـ. (الكليات) ص906.
([62])   هو محمد بن علي بن وهب القشيري المعروف بابن دقيق العيد، فقيه شافعي مالكي كان يفتي على المذهبين، من كتبه (الإلمام) في الحديث و(الإمام شرح الإلمام) و(شرح العنوان في أصول الفقه) توفي سنة 702هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 2/229 و(شجرة النور الزكية) لابن مخلوف 1/189.
([63])   (البحر المحيط) 3/122.
([64])   (رفع الحاجب) 3/151 و(إسعاف المطالع) للترمسي 1/375.
([65])   هو علي بن سليمان المرداوي الصالحي، فقيه حنبلي مصحِّح المذهب ومنقحه، من كتبه (التحرير في أصول الفقه) و(الإنصاف) و(التنقيح المشبع) و(شرح الآداب) توفي سنة 885هـ. (المنهج الأحمد) 5/290.
([66])   (التحبير) 5/2420 نقلاً عن شمس الدين البِرْماوي.
([67])   من الآية 22 سورة فاطر.
([68])   من الآية 113 سورة آل عمران.
([69])   هو عبدالوهاب بن علي بن عبدالكافي السبكي، فقيه شافعي أصولي، تولى القضاء ودَرَّس بمصر والشام، من كتبه (طبقات الشافعية الكبرى) و(الأشباه والنظائر) و(جمع الجوامع) و(شرح مختصر ابن الحاجب) و(شرح المنهاج) في أصول الفقه، توفي سنة 771هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 3/104.
([70])   (الأشباه والنظائر) لابن السبكي 2/146 – 147.
([71])   (تشنيف المسامع) 2/687.
([72])   من الآية 19 سورة فاطر، ومن الآية 58 سورة غافر.
([73])   الآية 28 سورة ص~.
([74])   من الآية 21 سورة الجاثية.
([75])   (الأشباه والنظائر) 2/146.
([76])   (تشنيف المسامع) 2/687.
([77])   من الآية 20 سورة الحشر.
([78])   (الوصول إلى الأصول) 1/313.
([79])   هو محمد بن أحمد بن محمد المحلي، فقيه شافعي أصولي وأحد العلماء المحققين، من كتبه (شرح الورقات) و(شرح جمع الجوامع) و(شرح المنهاج) في الفقه، توفي سنة 864هـ. (الضوء اللامع) 7/39.
([80])   (شرح المحلي على جمع الجوامع) 2/422.
([81])   انظر (حل العقد والعقل) 1/150 و(نهاية السول) 1/463 و(إسعاف المطالع) 1/375.
([82])   (السراج الوهاج) 1/510.
([83])   هو محمد بن عبدالرحيم بن محمد الهندي الأرموي، فقيه شافعي أصولي، رحل رحلة واسعة ودَرَّس في مدارس كثيرة، من كتبه (النهاية) و(الفائق) و(الرسالة السيفية) كلها في أصول الفقه، و(الزبدة) في الكلام، توفي سنة 715هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 2/227.
([84])   (نهاية الوصول) 4/1364.
([85])   من الآية 20 سورة الحشر.
([86])   لم يَرَحْ : أي لم يَشُمّ. (النهاية في غريب الحديث والأثر) 2/272.
([87])   الحديث أخرجه البخاري 3166، 6914.
([88])   من الآية 10 سورة الحديد.
([89])   هو محمد الطاهر بن عاشور التونسي، فقيه مالكي مفسر أديب، كان رئيس المفتين المالكيين في بلاده، من كتبه (مقاصد الشريعة الإسلامية) و(التحرير والتنوير) في تفسير القرآن، و(أصول الإنشاء والبلاغة) و(موجز البلاغة) توفي سنة 1393هـ. (الأعلام) للزركلي 6/174.
([90])   (التحرير والتنوير) 27/375 وخالف بعضُهم فجعل الآية الكريمة من أمثلة القاعدة وخَرَّجَ عليها كما سيأتي في المبحث التطبيقي إن شاء الله تعالى.
([91])   هذا جزء من حديث سيأتي تمامه بعد أسطر، ويأتي تخريجه إن شاء الله تعالى.
([92])   الحديث أخرجه مسلم 1104.
([93])   الوصال في الصوم: هو أن لا يفطر الصائم يومين أو أياماً. (النهاية في غريب الحديث والأثر) 5/193.
([94])   الحديث أخرجه البخاري 1965، 6851، 7242 ومسلم 1103.
([95])   هو علي بن سلطان محمد الهروي المكي المعروف بالقاري، فقيه حنفي أصولي محدِّث، وأحد المكثرين من التصنيف، من كتبه (شرح الشفا) في السيرة النبوية، و(شرح الشاطبية) و(فتح باب العناية في شرح النقاية) في الفقه، و(شرح الشمائل) توفي سنة 1014هـ. (الفوائد البهية) ص8.
([96])   (مرقاة المفاتيح) 4/480 وأنت ترى أن هذا المثال جاء فيه كلمة (مثل) وهي مثل (سواء) كما سبق في الضابط الأول.
([97])   انظر هذه الأدلة في (روضة الناظر) 2/638 و(الإحكام) للآمدي 2/260 و(شرح تنقيح الفصول) ص290 و(نهاية الوصول) 5/2154 و(شرح الكوكب المنير) 3/219 و(تيسير التحرير) 1/251.
([98])   هذا عند غير الحنفية، فأما الحنفية فلا يقولون بحجية المفهوم المخالف أصلاً، فضلاً عن أن يجعلوا له عموماً. وانظر (تيسير التحرير) 1/260 و(تحفة المسؤول) 3/138 و(شرح المحلي على جمع الجوامع) 1/416 و(مختصر ابن اللحام) ص113.
([99])   الحديث سبق تخريجه.
([100])   هذا عند المالكية والحنابلة وكذا الشافعية على قولٍ كما سيأتي بيانه في سبب الخلاف.
([101])   (البحر المحيط) 3/14 ، 146 وما بعدها، وقد ذكر القرافي في (العقد المنظوم) 1/207 – 210 فروقاً أربعة بين العمومين اللفظي والمعنوي، وفي بعضها نظر يظهر بأدنى تأمل.
([102])   (نجاح الطالب) ص372.
([103])   (البحر المحيط) 3/146 – 175.
([104])   (البحر المحيط) 3/121.
([105])   من الآية 20 سورة الحشر.
([106])   (الوصول إلى الأصول) 1/270.
([107])   المصدر السابق، ثم إنَّ ابن بَرْهان عاد فاختار مذهب الجمهور في كتابه هذا 1/312.
([108])   (البحر المحيط) 3/7 بتصرف يسير جداً.
([109])   هو أيوب بن موسى القريمي الكفوي، فقيه حنفي من القضاة، له كتب منها (تحفة الشاهان) في الفقه، و(الكليات) توفي سنة 1094هـ. (هدية العارفين) 1/229.
([110])   (الكليات) ص601 – 602.
([111])   (البحر المحيط) 3/7 و(إرشاد الفحول) 1/516.
([112])   من الآية 238 سورة البقرة.
([113])   من الآية 3 سورة المجادلة.
([114])   (الشفاء – المنطق / العبارة) ص43.
([115])   (الكليات) ص311.
([116])   من الآية 275 سورة البقرة.
([117])   من الآية 275 سورة البقرة.
([118])   الحديث أخرجه مسلم 1421.
([119])   انظر (حل العقد والعقل) 1/150 و(مجمع الدرر) ق129/ب.
([120])   هو عبدالرحمن بن أحمد الإيجي، فقيه شافعي أصولي من القضاة، له كتب منها (شرح مختصر ابن الحاجب) في أصول الفقه، و(المواقف في علم الكلام) و(الفوائد الغياثية) و(الجواهر) توفي سنة 756هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 3/27.
([121])   (شرح العضد على مختصر ابن الحاجب) 2/114 وكذلك قال ابن قاوان في كتابه (التحقيقات) ص243.
([122])   وهو محمد بن عمر بن الحسين الرازي، فقيه شافعي أصولي متكلم، من كتبه (المحصول) و(المعالم) في الأصلين، و(نهاية العقول) في الكلام، توفي سنة 606هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 2/65.
([123])   (المحصول) 2/377.
([124])    (تنقيح محصول ابن الخطيب) للتبريزي 2/252 و(الحاصل) 2/319 و(التحصيل) 1/359 و(منهاج الوصول) 1/462.
([125])   من الآية 20 سورة الحشر.
([126])   هو أحمد بن إدريس القرافي، فقيه أصولي من أكابر المالكية، من كتبه (شرح المحصول للرازي) و(تنقيح الفصول) و(شرح التنقيح) و(الذخيرةفي الفقه) و(الأجوبة الفاخرة) و(اليواقيت في أحكام المواقيت)، توفي سنة 684هـ. (الديباج المذهب) 1/236.
([127])   تَوَلَّعَ بالشيء: تعلَّقت نفسه به. (المصباح المنير) ص346 مادة (وَلَعَ).
([128])   الآية 20 سورة الحشر.
([129])   (العقد المنظوم) 1/336 – 338.
([130])   (منتهى الوصول والأمل) لابن الحاجب ص110 و(تحفة المسؤول) للرُّهُوني 3/124 و(التوضيح في شرح التنقيح) لحلولو ص160 – 161 و(نيل السول) للوَلَاتي ص162.
([131])   (الوصول إلى الأصول) لابن برهان 1/312 و(الإحكام) للآمدي 2/247 و(شرح المحلي على جمع الجوامع) 1/422 و(شرح الكوكب الساطع) للسيوطي 1/463.
([132])   (المسودة) لآل تيمية 1/267 و(أصول الفقه) لابن مفلح 2/826 و(مختصر ابن اللحام) ص111 و(شرح غاية السول) لابن المِبْرَد ص315.
([133])   (المصفى في أصول الفقه) ص513 والزيدية فرقة من فرق الشيعة، ثم انقسمت الزيدية إلى فرقٍ يجمعها القول بإمامة زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أيام خروجه، وكان ذلك في زمن الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك. (الفَرْق بين الفِرَق) ص22 – 23.
([134])   (الفصول في الأصول) للجصاص 1/71 – 72 و(تقويم الأدلة) للدبوسي ص129 و(أصول السرخسي) 1/194 و(الوافي) للسغناقي 1/234.
([135])   هو محمد بن علي بن الطيب البصري، أصولي متكلم معتزلي المذهب، أخذ عن القاضي عبدالجبار وغيره، من كتبه (الفائق في أصول الدين) و(غرر الأدلة) و(تصفح الأدلة) توفي سنة 436هـ. (طبقات المعتزلة) لابن المرتضى ص118 و(وفيات الأعيان) لابن خلكان 4/271.
([136])   انظر كتابه (المعتمد) 1/249 – 250 وراجع (تلقيح الفهوم) للعلائي ص418.
([137])   (البحر المحيط) 3/121 و(شرح الكوكب المنير) 3/207 و(إرشاد الفحول) 1/541. 
([138])   (الإحكام في أصول الأحكام) لابن حزم 5/835. 
([139])   هو محمد بن محمد الطُّوسي الغزالي، فقيه شافعي أصولي، من كتبه (إحياء علوم الدين) و(المستصفى) و(المنخول) في أصول الفقه و(الوجيز) في الفقه، و(بداية الهداية) و(جواهر القرآن) توفي سنة 505هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 1/293. 
([140])   انظر كتابه (المستصفى) 2/147 ولم يذكر المسألة في (المنخول). 
([141])   هو علي بن محمد الطبري، المعروف بإِلْكِيَا الهَرَّاسي، فقيه شافعي أصولي من النُّظَّار، له كتب منها (شفاء المسترشدين) و(نقض مفردات أحمد) توفي سنة 504هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 1/288. 
([142])   (البحر المحيط) 3/122 و(إرشاد الفحول) 1/543. 
([143])   انظر كتابه (المحصول) 2/377 ولم يذكر المسألة في (المعالم)، وراجع (البحر المحيط) 3/121. 
([144])   (تنقيح محصول ابن الخطيب) للتبريزي 2/252 و(الحاصل) لتاج الدين الأرموي 2/319 و(التحصيل) لسراج الدين الأرموي 1/359 و(منهاج الوصول إلى  علم الأصول) للبيضاوي 1/462.
([145])   انظر كتابه (نهاية الوصول) 4/1369 وراجع (البحر المحيط) 3/122 و(إرشاد الفحول) 1/543 لكن الهندي في كتابه (الفائق) 2/221 مال إلى مذهب الجمهور. 
([146])   هو  الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق الرَّبَعي المصري أبو عليّ، فقيه مالكي أصولي انتهت إليه رئاسة المذهب بالديار المصرية، توفي سنة 632هـ. (الديباج المذهب) 1/333 وليس فيه ولا في سائر المصادر ذكر شيء من كتبه. قلت: وهو غير الشاعر الأندلسي الحسين بن عتيق بن الحسين بن رشيق التغلبي، يكنى أيضاً أبا عليّ، وتوفي بعد سنة 674هـ، أخباره في (الإحاطة) 1/472 – 476.
([147])   انظر كتابه (لباب المحصول) 2/576 – 577.
([148])   (المصفى في أصول الفقه) ص513.
([149])   يعني ولم يقل: (ويكون فيما عداه مجملاً) كما قالته الحنفية. هذا ومعنى اختصاص النفي المذكور بالسياق أن نحو قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) يختص بحالة النعيم والعذاب لقوله: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُون). انظر (العقد المنظوم) للقرافي 1/339 – 340 و(شرح تنقيح الفصول) ص186.
([150])    هومحمد بن عبدالواحد السيواسي السَّكَندري، فقيهٌ حنفي أصولي مشاركٌ في فنون كثيرة، من كتبه (فتح القدير) شرح على (الهداية) في الفقه، وله (التحرير في أصول الفقه)، توفي سنة 861هـ. (الفوائد البهية) ص180.
([151])   هو محمد بن الحسن البَدَخْشي، فقيه حنفي أصولي منطقي، من كتبه (مناهج العقول في شرح منهاج الأصول) و(حاشية على تحرير القواعد المنطقية في شرح الرسالة الشمسية) توفي سنة 922هـ. (كشف الظنون) 2/1063 و(معجم المؤلفين) 9/99 ولعل البدخشي نسبة إلى بلدة (بَدَخْش) بالدال والذال، ويقال (بَدَخْشان) وهما بلدة واحدة كما صرح به ياقوت الحموي في (معجم البلدان) 1/360 وانظر (آثار البلاد) للقزويني ص306.
([152])  هو محب الله بن عبدالشكور البَهَاري، فقيه حنفي أصولي، من كتبه (سلم العلوم) في المنطق، و(رسالة في المغالطات) و(مسلَّم الثبوت) في الأصول، توفي سنة 1119هـ. (نزهة الخواطر) 6/252.
([153])   (التحرير) مع شرحه (تيسير التحرير) 1/250 و(مناهج العقول) 2/71.
([154])   (تيسير التحرير) 1/250 وعزاه العطار في (حاشيته) 2/20 إلى البدخشي في شرح (المنهاج) ولم أجده فيه.
([155])   يعني كون كل واحدٍ منهما شيئاً.
([156])   (مسلم الثبوت) مع شرحه (فواتح الرحموت) 1/289 وعنه المطيعي في (سلم الوصول) 2/350 – 351.
([157])   من الآية 20 سورة الحشر.
([158])   (تيسير التحرير) 1/250 و(فواتح الرحموت) 1/289 و(سلم الوصول) 2/351.
([159])   (تيسير التحرير) 1/250 وعزاه العطار في (حاشيته) 2/20 إلى البدخشي في شرح (المنهاج) ولم أجده فيه.
([160])   (المحصول) 2/377.
([161])   (الحاصل) 2/319 و(التحصيل) 1/359 و(منهاج الوصول) 1/462.
([162])   راجع المطلب الثالث من المبحث الأول.
([163])   هو حسن بن محمد العطار الأزهري المغربي المصري أبو السعادات، فقيه شافعي أصولي مشارك في فنون عدة وتولى مشيخة الأزهر، من كتبه (رسالة في كيفية العمل بالاسطرلاب) و(المجيب والبسائط) و(حاشية على جمع الجوامع) و(حاشية على شرح الأزهري) في النحو، توفي سنة 1250هـ. (معجم المؤلفين) 3/285.
([164])   كذا نقله عن البدخشي، وليس هو في كتابه (مناهج العقول).
([165])   يعني بالآية قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ).
([166])   (حاشية العطار) 2/20.
([167])   هو محمد بن أسعد التُّسْتَري، فقيه شافعي أصولي مشارك في فنون، أخذ عنه جمال الدين الإسنوي وغيره، من كتبه (شرح مختصر ابن الحاجب) و(شرح منهاج البيضاوي) في أصول الفقه، و(شرح الغاية القصوى) في الفقه، و(شرح طوالع الأنوار) توفي نحو سنة 732هـ. (طبقات الشافعية) للإسنوي 1/319.
([168])   (مجمع الدرر) للتستري ق130/أ.
([169])   (المعتمد) 1/250 وانظر في معناه أيضاً (أصول السرخسي) 1/143.
([170])   من الآية 36 سورة آل عمران.
([171])   من الآية 19 سورة فاطر، ومن الآية 58 سورة غافر.
([172])   (التحرير) لابن الهمام ص89.

 

***

 

قاعدة عموم نفي المساواة وأثرها في الفقه الإسلامي (2-4)

 

المطلب الثالث
أدلة القولين ومناقشتها
وإليك الآن أهم دلائل الفريقين في المسألة وما ورد على كلٍ منها من الإيرادات.
أولاً: أدلة الجمهور:
استدل القائلون بأن نفي المساواة دالٌ على العموم بأدلة، منها:
الدليل الأول:
أن مفهوم قولنا: (يستويان) أعم من أن يكون في بعض الأمور أو في جميع الأمور، بدليل صحة انضمامه إلى كل واحدٍ منهما من غير تناقض في المعنى ولا تهافت في اللفظ؛ إذْ يصح أن يقال: (يستويان في بعض الأمور) ويصح أن يقال: (يستويان في جميع الأمور).
ومَوْرد التقسيم يجب أن يكون مشتركاً، ونفي المفهوم العام ينفي كل فرد من أفراده؛ فإن نفي (الحيوان) يقتضي نفي كل واحد من أفراده كالإنسان والفرس والأسد وغيرها من أفراد أنواعه.
فإذاً؛ قولنا: (لا يستويان) يقتضي نفي كل فرد من أفراد (يستويان)([1]).
•           ويمكن الاعتراض على هذا الدليل بأنه معارَضٌ بمثله على ما سيأتي في أدلة الحنفية([2]).
الدليل الثاني:
أن قولنا: (لا يستوي كذا وكذا) في معنى قولنا: (لا مساواة بينهما) فيفيد نفي المساواة من كل وجهٍ؛ لأن الجملة نكرة، وكذلك توصف بها النكرة، فوجب التعميم كغيره من النكرات المنفية([3]).
•           واعترض على هذا الدليل من وجوه:
أحدها: لا نسلم أن الفعل (يستوي) نكرة، ودليله تصريح النحاة بأن التعريف والتنكير من خواص الاسم، وهذا ينفي كون الجملة نكرة([4]).
•           وأجيب عن هذا الاعتراض من وجهين:
أ‌-            أن المراد بتنكير الجملة أن المفرد المؤول منها نكرة، فمعنى (لا يستوي) أي: لا مساواة([5]).
ب‌-   أن تعريف الأفعال محالٌ؛ لأنها لا تضاف كما أنه لا يضاف إليها؛ ولأن الاسم إنما اختص بتعريفه بالألف واللام لأنها يشير بها المتكلم إلى عهدٍ بينه وبين مَنْ يخاطبه، والأفعال غير مقصورة على شيءٍ واحد حتى تُعَرِّف بذلك الشيء.
ولأن الأفعال جملٌ كما ذكرنا، ودخول الألف واللام على الجمل محال؛ ولأنها لا تَتَعَرَّف بالموضع إلا أن يُسَمَّى بها رجلٌ أو امرأة، فإذا سمي بها رجعت إلى أحكام الأسماء وجاز فيها جميع ما يجوز في الأسماء([6]).
ثانيها: أن هذا قياس في اللغة([7])، ومسألتنا مبناها على اللغة، والقياس في اللغة ممنوع.
•           ويمكن الجواب عن هذا الاعتراض من وجهين:
أ‌-            لا نسلم منع القياس في اللغة، بل هو عندنا جائز.
ب‌-       سلمنا منعه في اللغة، لكن ما ذكرناه في الدليل ليس قياساً في اللغة، بل هو استدلال بالاستقراء([8]).
ثالثها: سلمنا جواز القياس في اللغة، لكن خصوصية المادة – وهي الاستواء المنفي – مانعة من العموم؛ وذلك لحصول المساواة من بعض الوجوه كالمعلومية والشيئية وغيرهما، والقياس مع وجود المانع فاسدٌ([9]).
•           ويمكن الجواب عن هذا بأن المراد نفي المساواة في الوجوه الممكن نفيها.
رابعها: أنه وإن سُلّم أن ما نحن فيه نكرة منفية مفيدة للعموم، إلا أن العمل بعموم نفي المساواة بينهما من كل الوجوه متعذر؛ لحصول المساواة بين الشيئين في الوجود وغيره، فوجب الاقتصار في نفي المساواة على ما دل عليه سياق الكلام؛ لأن صيغة العموم إذا أضيفت إلى محل لا يقبل العموم فإنه يراد به أخص الخصوص([10]) الذي دل عليه الكلام([11]).
وعليه فإن قولكم: «الجمل نكرات، والنكرة في سياق النفي تعم» محله حين لا يكون العقل مخصِّصاً، فإن كان مخصِّصاً كانت من قبيل العام المخصوص([12]).
•     ويمكن الجواب عن هذا من قِبَلِ الجمهور بأننا قيدنا المسألة بنفي الأحكام الشرعية التي يمكن نفيها، وتساوي أصحاب النار وأصحاب الجنة مثلاً في الجسمية والناطقية وغير ذلك لم يكن مراداً للشارع أصلاً حتى يدخل في العموم، فلا يصح دعوى خروجه حتى يجعل سنداً يمنع من إرادة التعميم.
الدليل الثالث:
أنه إذا قال القائل: (لا مساواة بين زيد وعمرو) فإن النفي داخل على مسمى المساواة، فلو وُجِدتْ المساواة بينهما من وجهٍ، لما كان مسمى المساواة منفياً، وهو خلاف مقتضى اللفظ([13]).
•     ويمكن أن يعترض على هذا على طريقة الحنفية بأن ما نحن فيه لا يمكن حمله على العموم؛ لأننا نعلم يقيناً تساوي الشيئين من وجهٍ أو أكثر ولو نُفي التساوي بينهما، وذلك كاستوائهما في الوجود والمعلومية وغير ذلك، وعلى هذا فلا نسلم أن مقتضى اللفظ نفي التساوي من كل وجه.
•     ويمكن أن يجاب عن هذا الاعتراض بأن يقال: المراد بقولنا في الدليل: (لو وُجِدت المساواة بينهما من وجهٍ) أي من وجوه الأحكام الشرعية، لأن الشارع لا يمكن أن يكون مراده نفي الجسمية والوجودية والمعلومية ونحو ذلك من الأوصاف العقلية أو الحسية؛ لأن النص الشرعي جاء لبيان الأحكام الشرعية، فهي المرادة عند الإثبات أو النفي.
الدليل الرابع:
أنه لو كَفَى في إطلاق نفي المساواة بين الشيئين نفيها ولو من بعض الوجوه؛ لَصَدَق إطلاق نفي المساواة على كل شيئين؛ لأن كل شيئين لابد أن يستويا من بعض الوجوه وأقله التعيين والوجود.
وإذا صدق على كل شيئين أنهما لا يستويان؛ وجب أن لا يصدق عليهما أنهما يستويان، ضرورةَ كونهما متناقضين في العرف، ألا ترى أن مَنْ قال: (هذان الشيئان يستويان) فمَنْ أراد تكذيبه من أهل العرف قال: (إنهما لا يستويان)؟!
ولولا أنهما متناقضان لما استعملا في التكاذب، لكنه([14]) باطلٌ لأمرين:
أولاً: لأن أهل اللغة والعرف يطلقون من غير نكير على المِثْلين أنهما يستويان، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
ثانياً: لأن كل شيئين لابد أن يستويا في أمورٍ نحو الشيئية والمعلومية والمذكورية، ومتى صدق المقيَّد صدق المطلق، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم، فيلزم أن لا يكفي في إطلاق نفي المساواة بين الشيئين نفي المساواة بينهما من بعض الوجوه، بل من كل الوجوه وهو المطلوب([15]).
•           وأجيب عن هذا الدليل من وجهين:
أحدهما: مَنْعُ سند الدليل، وبيان ذلك: أن قولكم: (إنهما يستعملان في التكاذب عند أهل العرف مطلقاً) ممنوعٌ، بل إنما يتكاذبان بواسطة القرينة الحالية أو المقالية الدالة على تعيُّن ما فيه الاستواء أو عدمه([16]).
قلت: يمكن جوابٌ آخر بالمعارضة، والمعارِض هو ما سيأتي في الدليل الأول للحنفية وموافقيهم.
ثانيهما: أن كون الشيئين في إثبات التساوي للخصوص – أي للتساوي من بعض الوجوه – على الوجه الذي قررتموه منافٍ لمطلوبكم؛ لأنكم جعلتم التساوي عاماً في النفي باعتبار الخصوص حيث قلتم إنما ينفي خصوص الوجوه الممكنة لا كل الوجوه، وذلك القدر هو المعتبر في خصوص الإثبات، فكان النفي والإثبات إما خاصين وإما عامين، وحينئذ فلا منافاة بينهما ولا تناقض، وبناء دليلكم على تناقضهما([17]).
الدليل الخامس:
أن العمل بالعموم واجب ما أمكن؛ لأن العمل بالنص الشرعي على ما يقتضيه واجبٌ بحسب الإمكان، وإذا تعذر العمل بالعموم في بعض الأفراد لم يلزم منه سقوط العمل به فيما بقي وراء ذلك، وهذا كالعام المخصوص، ألا ترى إلى قول الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ([18]) لمَّا لم يمكن العمل بعمومه بدلالة العقل؛ فإن ذات الله تعالى وصفاته لم تدخل تحته، بقي فيما وراء ذلك على العموم.
فكما أن دليل الخصوص فيما يحتمل العموم لا يُخْرِج العام عن الحكم بثبوت كونه حجة فيما وراء ذلك، فكذلك عدم احتمال العموم حساً لا يخرج العام عن أن يكون حجة فيما يحتمله([19]).
•     وأجيب عن ذلك بأن حاصل الدليل هو التسوية بين محتمل الحال([20]) وبين محتمل اللفظ فيما يثبت بصيغة العام من الحكم، وفيما يثبت من الشبهة المانعة من العلم به قطعاً.
ونحن نقول: ما ذهب إليه الخصم تحقق فيه الحرج الذي هو مدفوع، وهو الوقوف على مراد المتكلم ليعمل به فيما يحتمل العموم، واعتبار الإرادة المغيرة للعموم عن حقيقتها فيما يحتمل العموم؛ حتى لا يكون موجباً قطعاً فيما تناوله، وذلك غير جائز شرعاً، وبه تبيَّنَ فساد التسوية بين محتمل الحال ومحتمل اللفظ، وتبيَّن أن موجب العموم لا يثبت فيما لا يمكن العمل بعمومه لانعدام محل العموم([21]).
ومسألتنا كذلك؛ لأن نفي المساواة بين شيئين لما لم يقبل العموم لعدم صدوره في محل العموم لم ينعقد للعموم أصلاً؛ لأن الشيء ينتفي بانتفاء محله، وصار كأنه قيل: (إنهما لا يستويان في بعض الصفات) فكان نفي المساواة في معنى المجمل، فيجب الاقتصار على ما دلت عليه صيغة النص وعلى ما يتيقن به أنه مراد.
والقياس على العام المخصوص لا يصح؛ لأن العام الذي خُصَّ قد انعقد للعموم ثم خُصَّ بعض أفراده بعارضٍ لحقه بطريق المعارضة، فيقتصر على قدر المعارض، فيبقى ما وراءه على العموم، وما نحن فيه ليس كذلك لأن محل الكلام لا يقبل العموم، فكان قياساً فاسداً لفقدان الوصف الجامع([22]).
ثانياً: أدلة الحنفية ومَنْ وافقهم:
 استدل القائلون بأن نفي المساواة غير دالٍّ على العموم بأدلة، منها:
الدليل الأول:
أن حَدَّ المجمل وحقيقته حاصلة في نفي المساواة، فلذلك دخل في جملته؛ لأن المجمل هو الخطاب الذي لا يفهم المراد منه على التعيين إلا باعتبار غيره، ونفي المساواة لا يفهم المراد منه إلا باعتبار غيره؛ فإن القائل إذا قال: (زيدٌ وعمرو لا يستويان) حَسُنَ من السامع أن يقول: فيم؟ وحُسْنُ هذا الاستفهام دليلُ إجمالهِ([23]).
•     ويمكن الاعتراض على هذا الدليل بعدم تسليم حُسْن الاستفهام المذكور في اللغة؛ وذلك لقيام الأدلة على اقتضاء نفي المساواة في اللغةِ العمومَ.
ولو سُلِّمَ حُسْن السؤال المذكور فلأنَّ احتمال الخصوص قائم، فلا يكون عمومه مراداً فيحسن الاستفهام حينئذ، ألا ترى أن صيغ العموم الأخرى تفيد الشمول وذلك لا يمنع الاستفهام عن التعميم أو بعض الأفراد([24])؟! أَوْ لا ترى أن المنطوق يدل على حكم المسكوت ولا يمنع ذلك السؤال عنه؟! أَوْ لا ترى أن الأمر المطلق يفيد الوجوب ولم يكن ذلك مانعاً من الاستفهام عن غير الوجوب؟!
وغاية الأمر أن المدعي للعموم في مسألتنا لا يقول بالقطعية، بل نفي الاستواء ظاهر في العموم، فلا يجزم بنفي احتمال ضده وهو الخصوص، فمن هنا حَسُنَ الاستفهام([25]).
الدليل الثاني:
أنه لو كَفَى في إطلاق لفظ المساواة بين الشيئين([26]) استواؤهما من بعض الوجوه؛ لوجب أن يصدق على كل شيئين أنهما يستويان؛ لأن كل شيئين لابد أن يستويا من بعض الوجوه وأقله التعيين والوجود.
وإذا صدق على كل شيئين أنهما يستويان، وجب أن لا يصدق عليهما أنهما لا يستويان؛ ضرورةَ كونهما متناقضين في العرف، ألا ترى أن مَنْ قال: (هذان الشيئان لا يستويان) فمَنْ أراد تكذيبه من أهل العرف قال: (إنهما يستويان)؟! ولولا أنهما متناقضان لما استعملا في التكاذب، لكنه باطلٌ([27]) لأمرين:
أولاً: لأن أهل اللغة والعرف جميعاً يطلقون من غير نكير على الضدين والنقيضين([28]) أنهما لا يستويان، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
ثانياً: لأن كل شيئين لابد أن يتفاوتا في بعض الأمور نحو التعيُّن والتشخص([29])، فيصدق عليهما أنهما لا يستويان فيه، ومتى صدق المقيد صدق المطلق؛ ضرورةَ كونه جزءاً منه، وإذا بطل اللازم بطل الملزوم، فيلزم أن لا يكفي في إطلاق لفظ المساواة على الشيئين المساواة من بعض الوجوه، بل من كل الوجوه، وإذا اعتبر الكلي في جانب الإثبات وجب أن يعتبر الجزئي في جانب النفي، لما سبق أنهما متناقضان، ونقيض الموجب الكلي هو السالب الجزئي، فإذا كان قولنا: (استوى زيدٌ وعمرو) مفيداً للتسوية من كل وجه، ثبت أن قولنا: (ما يستوي زيد وعمرو) مفيد للتسوية بينهما في جزئية واحدة أي وجه واحد([30]).
•           واعترض على هذا الدليل من وجهين:
أحدهما: أنه معارَضٌ بما ذُكر في الدليل الرابع([31]).
•           وقد سبق ذكره وذكر ما أُوْرِد عليه.
ثانيهما: أنه لا يشترط في صدق التساوي الاستواء في جميع الوجوه؛ إذْ لو اشترط لما صدق التساوي على شيئين أصلاً؛ لاستحالة التساوي في المعيَّن، وإذا كذب التساوي على كل شيئين يلزم أن يصدق على كل شيئين أنهما غير متساويين([32]).
الدليل الثالث:
أن نفي المساواة في الجملة أعم من نفي المساواة من بعض الوجوه ومن نفيهِ من كل الوجوه، بدليل صحة تقسيمه إليهما([33])، ومورد القسمة يجب أن يكون مشتركاً، والدال على القدر المشترك بين القسمين لا دلالة له على الخصوصيات أصلاً.
وبيان هذا: أن الاستواء ينقسم إلى الاستواء من كل وجه، وإلى الاستواء من بعض الوجوه؛ ولهذا يصدق قول القائل: (استوى زيدٌ وعمرو) عند تحقق كل واحد من الأمرين، والاستواءُ مطلقاً أعمُّ من الاستواء من كل وجه، ومن الاستواء من وجهٍ دون وجه، والنفيُ إنما دخل على الاستواء الأعم، فلا يكون مشعراً بأحد القسمين الخاصين، فإذاً: لا دلالة لنفي الاستواء على نفي الاستواء من كل وجه ولا من بعض الوجوه([34]).
•           وقد اعترض على هذا الدليل من وجوه:
أحدها: لا نسلم أن نفي الاستواء في الجملة أعم من نفيه من بعض الوجوه ومن نفيه من كل الوجوه؛ وذلك أننا نمنع أن (لا يستويان) نفي للاستواء وأنه أعم من نفي الاستواء من كل وجه؛ لأن أداة النفي دخلت على الاستواءِ، والاستواءُ يصدق على المتساويين من جميع الوجوه على ما قررناه في أدلتنا، والاستواء من جميع الوجوه أخص من نفس الاستواء، فبطل بهذا التقرير إحدى المقدمتين من دليلكم، فيبطل الدليل([35]).
ثانيها: أنه معارَضٌ بمثله، بأن يقال: إن المساواة في الجملة أعم من المساواة في بعض الوجوه ومن المساواة في كل الوجوه، بدليل صحة تقسيمه إليهما، والمنقسم إلى شيئين أعم من كل واحدٍ منهما، فنفي الاستواء نفيٌ للعام، فيقتضي نفيهما جميعاً؛ لأن نفي العام يقتضي نفي كل أنواعه وأفراد أنواعه قطعاً، فالدالُّ على انتفاء نفس الاستواء دالٌّ على انتفاء كل واحد من الخصوصين، فبطل ما ذكروه وهو أنه دالُّ على القدر المشترك وأن الدال عليه لا دلالة له على الخصوصيات([36]).
•           وقد أجيب عن هذا الاعتراض من وجهين:
أ‌-            لا نسلم أن نفي الاستواء عامٌّ؛ لأنه لما دل عليه السياق اختصَّ النفي به، فلا يكون عامَّاً([37]).
ب‌-       أن هذا الاعتراض لا يستقيم على مذهبكم؛ لأنكم جعلتم فيه نفي الاستواء أعم من نفي الصورتين([38])، ومذهبكم أنه لنفي الاستواء من جميع الوجوه فحسب([39]).
 ثالثها: أن ما ذكرتم من عدم إشعار الأعم بالأخص إنما ذلك يكون في طرف الإثبات([40]) وليس كلامنا فيه، فأما في طرف النفي فغير مسلَّم؛ لأن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص ضرورةً؛ لأنه نفيٌ للحقيقة، ويلزم من انتفاء الحقيقة والماهية انتفاء كل فرد؛ لأنه لو وجد منها فرد لكانت الماهية موجودة.
ولهذا فإنه لو قال القائل: (ما رأيت حيواناً) وكان قد رأى إنساناً، فإنه يعدُّ كاذباً؛ لأن (الإنسان) ينتفي بانتفاء (الحيوان) قطعاً، ولولا ذلك لجاء مثله في كل نفيٍ فلا يصح نفيٌ أبداً؛ إذْ يقال في (لا رجل) هو أعم من (الرجل) بصفة العموم فلا يُشْعِر به، وهذا خلاف ما ثبت بالدليل([41]).
•           وأجيب عن هذا الاعتراض من وجوه:
‌أ-     أن ما قلتموه – وهو أن نفي الأعم مستلزمٌ نفي الأخص في طرف النفي – مسلَّمٌ إذا لم يمنع منه مانع عقلي، ومعلوم أن العقل يقطع ببطلان نفي مطلق الاستواء وحقيقته التي تقتضي انتفاء كل فرد من أفرادها؛ لأنَّ نقيضَ هذا النفي الذي هو الاستواء بوجهٍ متحققٌ، فالماهية موجودة فيه قطعاً، فلا يصح أن يكون النفي هذا لعموم السلب.
وعليه فقياس هذا على قول القائل: (ما رأيتُ حيواناً) وكان قد رأى إنساناً عُدَّ كاذباً: قياسٌ مع الفارق([42]).
‌ب-   أن مطلوبكم بهذا الاعتراض منع انتفاء العموم، وما ذكرتموه في بيان الملازمة لا يفيده؛ لأن الخصوص يجوز أن لا ينتفي لا أنه يجب أن لا ينتفي، فإذا انتفى فإن العموم ينتفي بالنفي، وإذا لم ينتفِ فإن العموم لا ينتفي؛ لأن عدم استلزام نفيِ العمومِ نفيَ الخصوص أعم من استلزام نفي العموم عدم انتفاء الخصوص([43]).
‌ج-    أن الاستواء شيء واحد ومدلوله واحد، وهو الاستواء من كل وجه، وما يحصل بين الشيئين من الاشتراك في بعض الوجوه ليس هو المساواة الحقيقية، وإذا كان كذلك فلا فرق فيه بين جانب الإثبات وجانب النفي([44]).
الدليل الرابع:
أنه لو كان نفي المساواة عامَّاً – أي يقتضي نفيها من كل وجه – لما صدق نفي المساواة حقيقةً على شيئين أصلاً؛ لأنه ما من شيئين إلا ويستويان من وجهٍ وأقله نفي ما سواهما عنهما، وهو خلاف الأصل؛ لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة([45]).
وإذا ثبت أنه خلاف الأصل، فما يستلزمه يكون كذلك خلاف الأصل([46]).
•           واعترض عليه من وجهين:
أحدهما: منع الملازمة، وذلك بتخصيص الدعوى؛ لأنه إذا قيل: (لا مساواة بين كذا وكذا) فإنما يراد مساواةٌ يصح انتفاؤها، فهذا مما خصَّصه العقل، فتبيَّن بهذا أن دليلكم ليس وارداً في محل النزاع([47]).
•     وأجيب عن هذا الاعتراض بأنه إقرارٌ بعدم العموم؛ لأن الاستغراق شرط في العموم، هذه حقيقة العام وهي متعذرة في مسألتنا، وإذا كانت الحقيقة متروكة يصار إلى مجاز تدل عليه القرينة، وهو ما دل عليه سياق النص، ففي قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([48]) المراد نفي المساواة في الفوز بالجنة لقرينة قوله سبحانه: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) فيحمل عليه اللفظ، وفيما عدا ذلك يكون كالمجمل، وهكذا يقال في سائر المواضع([49]).
ثانيهما: أن قولكم: (الأصل في الإطلاق الحقيقة) إنما يصح حين لا يدل دليلٌ على خلافه، فإن دل الدليل على خلاف هذا الأصل فالعمل على المجاز حينئذ، وههنا قد دل الدليل على المجاز، ودليله هو ما ذكرناه([50]).
قلت: هذا الأخير مبني على القول بأن العام المخصوص مجازٌ فيما بقي، ولو مُنع هذا لم يتوجه رأساً.
الدليل الخامس:
أن معنى الاستواء بين الشيئين في اللغة هو اشتراكهما في جميع الصفات، فإذا افترقا في بعض الصفات فما استويا في جميع الصفات، فيصح حينئذ أن يقال: إنهما لم يستويا.
ومعلوم قطعاً أن المسلم والذمي مثلاً قد افترقا في كثير من الصفات، فيصدق بهذا أنهما لا يتساويان، من غير حاجة إلى التعميم([51]).
•           ويمكن الاعتراض على هذا الدليل من وجهين:
أحدهما: أننا نمنع كون مدلول (استوى) في لغة العرب هو الاشتراك في كل الصفات، بل يصح أن يقال: (تساوى زيدٌ وعمرو) ولو لم يكن تساويهما إلا في صفة واحدة.
ثانيهما: أن الفعل (استوى) ونحوه في قوة النكرة كما سبق، والمسألة مفروضة في وقوعه منفياً، فيفيد العموم، ولا يصدق حينئذ إلا بإيقاعه على مقتضاه وهو نفي كل الوجوه الممكن نفيها من الأحكام.
الدليل السادس:
أن الشيء لا يساوي غيره مطلقاً وإلا لاتّحدا، ولا يباينه مطلقاً وإلا لما اشتركا في المعلومية والمحكومية([52])، فإذاً لابد من تقييد المساواة بما فيه التساوي([53])، ولمَّا لم يذكر في النص الشرعي كان مجملاً لا عامَّاً([54]).
•     واعترض على هذا الدليل بأن قولكم: (الشيء لا يساوي غيره مطلقاً وإلا لاتّحدا) كلام يقتضي نفي المتساويين والمِثْلين مطلقاً، وقد اتفقوا على أنَّ لنا مِثْلين متساويين في الأحكام الشرعية، كوجوب صلاة الصبح في يوم السبت وفي يوم الأحد، فلو شُرِط في المثلين الاتحاد لانتفت الأمثال لأنها تكون حينئذ واحداً، والواحد ليس بمثلين.
فإذاً ليس من شرط التساوي حصول التساوي من كل وجهٍ حتى التعين، بل لابد من المباينة في التعيين([55]).
•     وأجيب عن هذا الاعتراض بأنه غير متوجه؛ لأن قولنا: (الشيء لا يساوي غيره من جميع الوجوه وإلا لاتّحدا) معناه: أنه لا يشترط في تساوي الشيئين تساويهما من كل وجهٍ؛ لأنه لو شرطنا ذلك يلزم اتحاد الشيئين وهو محال.
بيان لزوم ذلك: أننا نتكلم على تقدير الاشتراط في تساوي شيئين تساويهما من جميع الوجوه، ومن جملة الوجوه ما به التعيُّن، فيلزم اتحاد الاثنين حينئذ، واللازم باطل فالملزوم كذلك.
ونحن لا ندعي اشتراط ما به التعيُّن في تساوي الشيئين في نفس الأمر حتى يرد علينا ما ذكرتموه، بل نقول: لا يشترط في تساوي شيئين تساويهما من كل وجه؛ إذْ لو اشترط ذلك لزم الاتحاد المذكور، فهو نافٍ للاشتراط المذكور.
والحاصل أنه فرقٌ بين دعوى الشيء تقديراً ودعوى الشيء في نفس الأمر([56]).
الدليل السابع:
أن الفعل في سياق النفي إما أنه يفيد الإطلاق أو يفيد العموم، فإن كان يفيد الإطلاق فالمطلق يصدق بالصورة الواحدة، وما نحن فيه فعلٌ في سياق النفي فيكون كذلك.
وإن قلنا يفيد العموم، فإنه يكون مطلقاً في ذلك المفعول وأنَّ له مفعولاً غير معينٍ محتملٍ لأمور غير متناهية، فإذا قلنا: (لا تضرب زيداً)([57]) والمضروب غير معلوم وإن كنا نعلم أن له مضروباً في نفس الأمر فهو مجملٌ في المضروب.
وما نحن فيه كذلك؛ فإن قوله تعالى: (لا يستوون) ([58]) فعلٌ في سياق النفي، فيكون عاماً في نفي مصادره، وأما مفعوله الذي يقع الاستواء فيه فلم يُذكر، فهو محتملٌ لما لا يتناهى من المفاعيل، ولم يتعين شيء منها فكان مجملاً في المفاعيل([59]).
•     ويمكن الاعتراض على هذا الدليل بأن العموم في نحو: (لا تضرب زيداً) ليس في مفعوله، وإنما في الفعل نفسه، حيث أفاد النهي عن كل وجوه الضرب، وكذلك ما نحن فيه؛ فإن (لا يستوي) نفي لجميع وجوه المساواة.
وقولكم: (وأما مفعوله الذي يقع الاستواء فيه فلم يذكر) فجوابه أن المفعول معلوم من كون النصوص جاءت لبيان الأحكام الشرعية، فهي المقصودة في الإثبات والنفي.

المطلــب الرابع :
سبب الخلاف:
ذكر الأصوليون في هذه المسألة جملة من أسباب الخلاف فيها، يلوح بعضها مما سبق تقريره من أدلة الفريقين وما ورد عليها من إيرادات، فمن تلك الأسباب:
السبب الأول:
وقد ذكره جماعة منهم شهاب الدين القرافي([60])، وصلاح الدين([61]) العلائي([62])، وتاج الدين السبكي([63])، وجمال الدين([64]) الإسنوي([65])، وبدر الدين الزركشي([66])، ومحمد بن علي([67]) الشوكاني([68]).
حيث قال تاج الدين السبكي: «والخلاف دائرٌ على حرفٍ واحد، وهو أن لفظ (ساوى) و(استوى) و(ماثلَ زيدٌ عمراً) و(زيدٌ مثل عمرو) والمتماثلات كلها والاستواءات هل مدلولها في اللغة المشاركة في جميع الوجوه حتى يكون مدلولها كلاً شاملاً ومجموعاً محيطاً ؟ أو مدلولها المساواة في شيءٍ هو أخص الأوصاف حتى يصدق بوجدانه وإن انتفى ما عداه؟
ذهب أبو حنيفة إلى الأول، وعلماؤنا إلى الثاني؛ فلذلك اختلفوا حالةَ النفي، فمَنْ عَمَّمَ في جانب الإثبات خَصَّصَ في جانب النفي، وبالعكس» اهـ([69]).
هكذا قال ابن السبكي وسكت([70])، فأمَّا عَصْرِيُّه العلائي فذكر هذا السبب ثم قال: «والمأخذان متقاربان» اهـ([71]).
•     وأما القرافي فإنه قال بعد ذكره هذا السبب: «والذي أعتقده في المسألة أن الحق غير القولين، وأن مسمى (استوى) إنما هو الاستواء في المعنى الذي سيق الكلام لأجله لا في مطلق المعنى ولا في جميع المعاني، فإذا قالت العرب: (استوى الماءُ والخَشَبةَ) فليس المراد من جميع الوجوه حتى يحصل الاستواء في مائية الماء وخشبية الخشبة، بل التباين واقع قطعاً في هذين الوجهين وفي وجوه كثيرة جداً، والأصل في الاستعمال الحقيقة، فيكون الكلام حقيقة فيما سيق الكلام لأجله، وهو الاستواء في الارتفاع عن الأرض بسبب كثرة الماء، وليس المراد مطلق المعنى؛ لأن ذلك حاصل والماء بعيد من الخشبة في كونهما جسمين أو متحيزين([72]) أو مرئيين أو ممكنين أو معلومين إلى غير ذلك من الوجوه التي حصل الاستواء فيها.
مع أن العرب لا تقول في هذه الحالة([73]): (استوى الماءُ والخشبةَ) ألبتة، فلو كان ما ذكره الشافعية صحيحاً لقالت ذلك([74]).
وكذلك الآية المذكورة فنفي الاستواء إنما وقع فيها باعتبار ما سيق الكلام لأجله، وهو حالة النعيم والعذاب، وإلا فأصحاب الجنة والنار مستوون من وجوه كثيرة؛ فإنهم أجسامٌ ومُجَزَّأون ومدركون إلى غير ذلك من الوجوه التي وقعت الشركة فيها، فكان لا يصح النفي بمقتضى قولهم، لكن النفي صحيح قطعاً، ولكن باعتبار ما ذكرته وهو ما سيق الكلام لأجله.
وكذلك القول في (المماثلة) فإذا قلنا: (زيدٌ مثل الأسد شدةً) إنما تريد العرب بهذه العبارة المماثلة في الشدة فقط.
وكذلك: (السواد مثل البياض) في الافتقار للمحل، لو قلنا هو يساويه في ذلك، لا بقول أئمة اللغة: إن هذه العبارة مجاز بل حقيقة، وعلى هذه الطريقة لا تكون الآية تقتضي نفي القصاص؛ لأن الأمر إذا كان مقيداً بما دل عليه السياق كان ما عداه مسكوتاً عنه» اهـ([75]).
•     أقول: وعليك أن تلاحظ أن قول القرافي: (أن الحق غير القولين) أي في معنى كلمة (استوى) حال الإثبات ولهذا مَثَّلَه بقولهم: «استوى الماءُ والخشبةَ»، وسائر ما ذكره من أمثلة([76])، فأمَّا مسألتنا فلا يختلف مذهب القرافي ومذهب الحنفية ومتابعيهم في النتيجة وهو عدم إجراء نفي المساواة على العموم، غير أن القرافي عَبَّرَ بأنه يختص بما دل عليه سياق النص ويكون الباقي مسكوتاً عنه، والحنفية قالوا: أن ما دل عليه السياق يكون مراداً بنفي التساوي لتيقنه، ويكون فيما عداه كالمجمل([77]).
السبب الثاني:
وقد ذكره جماعة منهم نجم الدين([78]) الطُّوفي([79])، وبدر الدين الزركشي([80])، والشوكاني([81])، وصديق حسن خان([82]) القِنَّوْجي([83]).
حيث قال الطوفي: «وقد رجع الخلاف إلى أن صيغة (لا يستويان) هل تقتضي عموم نفي التسوية؟ أو نفي عموم التسوية؟
والفرق واضح بين عموم السلب وسلب العموم، فعموم سلب الحقيقة يمنع ثبوت شيء من أفرادها، وسلب عموم الحقيقة لا يمنع ثبوت بعض أفرادها، وقد ظهر ذلك في قوله:
قد أصبحتْ أمُّ الخيارِ تدَّعي ***  عَلَيَّ ذنباً كلُّه لم أَصنعِ([84])
برفع (كله) على عموم السلب، وبنصبه على سلب العموم.
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين([85]) رضي الله عنه: «كلُّ ذلك لم يكنْ» ([86]) برفع (كل) لا غير على عموم السلب؛ لأنه أراد نفي النسيان وقصر الصلاة جميعاً، وقول الشاعر:
وقالوا تَعَرَّفْها([87]) المنازلَ من مِنىً ***  وما كلُّ مَنْ وافَى مِنىً أنا عارفُ([88])
على سلب العموم.
والفرق بينهما من جهة التركيب أن العموم والسلب أيهما تقدم لفظه أضفتَه إلى الآخر، فإن تقدم لفظ العموم على أداة السلب فهو (عموم السلب) كما في الحديث، وإن تقدم لفظ السلب فهو (سلب العموم) كالبيت الأخير، وأما البيت الأول فيحتملهما بناءً على أن تقديره: (كله لم أصنعه) أو (لم أصنع كله) فعلى الأول: هو عموم سلب الصنع، وعلى الثاني: هو سلب عموم الصنع.
وعلى هذا التقرير ربما ظُنَّ أن (لا يستوي كذا وكذا) من باب سلب العموم لتقدم حرف السلب، وليس كذلك.
والفرق بينهما أن سلب العموم شرطه أن يدخل حرف السلب على لفظٍ عام تحته متعدد، فإذا سُلِبَ عمومه بقي الحكم في بعض أفراده، نحو: (لم أضربْ كل الرجال) بخلاف: (لا يستويان) فإن حرف السلب دخل في المعنى على ماهية الاستواء فنفاها، والماهية من حيث هِيَ هي لا تعدد فيها ولا اتحاد، فلم يبقَ بعد سلبها شيء يثبت له الحكم، فلهذا قلنا: إن صيغة: (لا يستوي كذا وكذا) من باب عموم السلب لا سلب العموم.
وهذا بحثٌ استطردناه بديهةً فلك النظر فيه » اهـ([89]).
•     أقول: وقول الطوفي: «وعلى هذا التقرير ... » الخ هو احتراز من أن يظن ظانٌّ رجحان مذهب مَنْ مَنَعَ التعميم في المسألة بناءً على تقريره المذكور، كما هي عبارة الزركشي حيث قال: «فإن قلت: فهذا يرجح مذهبهم؛ لأن حرف النفي سابقٌ ...»الخ ثم ساق كلامَ الطوفي([90]).
السبب الثالث:
وقد انفرد بذكره – فيما رأيتُ – أبو صالح([91]) السجستاني([92]).
وهو بناء الخلاف في مسألة عموم نفي المساواة على الخلاف في مسألة عموم المقتضَى([93])، ومعلوم أنَّ المالكية([94]) والشافعية([95]) والحنابلة([96]) قائلون بعموم المقتضَى، وأما الحنفية([97]) فيقولون: لا عموم للمقتضَى.
مثاله: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ عن أمتي الخطأُ والنسيانُ»([98]) ومعلوم أن نفس الخطأ والنسيان واقعان في الأمة لم يُرْفَعا، فالنص إذاً يقتضي – ليصدق الكلام – مقدَّراً، وهو: رفع عن أمتي حكمُ الخطأ والنسيان.
فإذا قلنا بعموم المقتضَى كان المراد رفع الحكم الدنيوي والأخروي، وإن لم نَقُلْ بعمومه كان المراد رفع الحكم الأخروي؛ حيث قام الدليل على إرادته، فلا يتناول غيره وهو الحكم الدنيوي لأن المقتضَى لا عموم له.
•   ووجه بناء الخلاف في عموم نفي المساواة على الخلاف في عموم المقتضَى هو أن الله تعالى قال: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ)  ([99]) ومعلوم أنهما يستويان في الجسمية والناطقية وغير ذلك، فاقتضى النص مقدراً، وهو: لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة في الحكم.
فإن قلنا بعموم المقتضَى كان المراد عدم استوائهما في الحكم الأخروي وفي الحكم الدنيوي فلا يقاد مسلمٌ بذميّ، وإن لم نقل بعمومه كان المراد عدم استوائهما في الحكم الأخروي حيث قام الدليل على إرادته فلا يتناول غيره وهو الحكم الدنيوي لأن المقتضى لا عموم له، فلا يلزم بهذه الآية عدم قتل المسلم بالذمي.
ونحو هذا يقال في سائر أمثلة المسألة.
وإليك عبارة السجستاني، حيث قال: «ثم ما يثبت بمقتضى اللفظ لا عموم له عندنا، وعند الشافعي – رحمه الله – له عموم.
وقال الشافعي: ولهذا قلتُ بأن الكافر لا يساوي المسلم في حق الأحكام نحو القصاص والدية وغيرهما لقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ)  ولم يُرِد به المساواة في حق الوصف الحقيقي فكان المطلوب من اللفظ الحكم الشرعي، فكأنه قال عز ذكره: لا يستويان في الحكم.
وأصحابنا – رحمهم الله – احتجوا فقالوا بأن المقتضَى ليس بمذكور في اللفظ، واللفظ ما وضع له، ولا يقتضي الثبوت باللفظ لغة أيضاً، إنما يثبت شرعاً ضرورةَ تصحيح الكلام، وجعلُ المعدوم الذي ليس بمذكور بمنزلة المذكور قلبٌ للحقيقة، فيصار إليه لأجل الضرورة، وضرورة تصحيح اللفظ بالأدنى، فلا يثبت ما هو الأعم.
فإن قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ينبيء عن انتفاء المساواة بينهما، ولا يتعرض للحكم، وإنما صرفناه إلى الحكم ضرورةَ تصحيح اللفظ» اهـ([100]). أي: فلا يتوسع فيه لأن ضرورة تصحيح اللفظ حصلت بالحد الأدنى فلا يثبت ما هو أعم منه؛ لأن المقتضَى لا عموم له.
السبب الرابع:
وقد انفرد بذكره ابن بَرْهان فيما رأيت.
حيث قال: «وسِرُّ المسألة من الجانبين أن علماءنا نظروا إلى التساوي في كل صفة على الخصوص، وجعلوا اللفظ عاماً في نفي ذلك، ومقتضى هذا النظر أنه إذا وجد التساوي في صفةٍ واحدة فما قَضَى حق اللفظ.
والخصم يجعل التساوي خُطَّةً([101]) واحدة، فمتى وجد التساوي في صفة واحدة فقد تحقَّق معنى مقتضى اللفظ » اهـ([102]).
السبب الخامس:
وقد ألمحَ إليه الزركشي، وكذا الشِّرْبِيني([103]).
حيث قال بدر الدين الزركشي: «مما يتفرع على أن النكرة المنفية للعموم نفي المساواة بين الشيئين، فهو عامٌّ عندنا، وخالفت الحنفية ومنعوا عمومه » اهـ([104]).
 وكذا الشربيني، فإنه قال عند ذكر دليل الجمهور من كون الفعل نكرة وهو واقع في سياق النفي فيعم، قال: «وقد تقدم أن تركيب النكرة المنفية وُضع لنفي جميع الأفراد، خلافاً للحنفية » اهـ([105]).
•     أقول: بناء الخلاف في المسألة على هذا السبب ضعيف؛ للغلط فيما نُسب إلى الحنفية؛ وذلك أن الحنفية قائلون بإفادة النكرة المنفية للعموم وضعاً لغوياً([106])، وإنما خالف ابن الهمام([107]) وابن عبدالشكور([108]) فقالا بأنها تقتضي العموم عقلاً أي من جهة اللزوم، وأنتَ ترى أنه على كلا الاحتمالين أن الحنفية قائلون بإفادتها العموم.
 

----------------------------------------------

([1])   (نهاية الوصول) 4/1365 و(الفائق) 2/219.
([2])   سيأتي ما يعارض هذا في الدليل الثالث من أدلة الحنفية وموافقيهم، إن شاء الله تعالى.
([3])   (نهاية الوصول) 4/1365 – 1366 و(الفائق) 2/219 و(الإشارات الإلهية) للطوفي 3/337 و(أصول الفقه) لابن مفلح 2/826 و(نهاية السول) 1/464 و(تحفة المسؤول) 3/124 و(شرح مختصر ابن اللحام) للجراعي ص228.
([4])   (حاشية التفتازاني) 2/114.
([5])   المصدر السابق.
([6])   (الإيضاح) للزجاجي ص120.
([7])   (شرح العضد على مختصر ابن الحاجب) 2/114 و(تحفة المسؤول) 3/124 و(فصول البدائع) ص221.
([8])   المصادر السابقة، والجواب الأول من تقييدي.
([9])   (الردود والنقود) للبابرتي 2/149.
([10])   إنما قالوا: (يراد به أخص الخصوص) لكونه هو المتيقن. (التبيين) لأمير كاتب 1/276.
([11])   (الكافي) للسغناقي 2/849 – 850.
([12])   (سلم الوصول) 2/353.
([13])   (الإحكام) للآمدي 2/247 و(منتهى السول) 2/31 و(تلقيح الفهوم) ص418.
([14])   الضمير في (لكنه) عائدٌ لقوله: (وجب أن لا يصدق عليهما أنهما يستويان).
([15])   (نهاية الوصول) 4/1366 و(الفائق) 2/219.
([16])   (نهاية الوصول) 4/1369.
([17])   (الردود والنقود) 2/151.
([18])   من الآية 16 سورة الرعد، ومن الآية 62 سورة الزمر.
([19])   (أصول السرخسي) 1/143 و(كشف الأسرار عن أصول البزدوي) 2/190 – 191.
([20])   كتب في هامش (أصول السرخسي) 1/143 منقولاً من هامش إحدى النسخ المخطوطة للكتاب: (أي حال المحل عند قبوله العموم في العمل بالعموم بقدر الإمكان فيهما).
([21])   (أصول السرخسي) 1/143.
([22])   (كشف الأسرار عن أصول البزدوي) 2/191 و(الردود والنقود) 2/151 و(التقرير) للبابرتي 2/886 وراجع (بديع النظام) 1/70 – 71.
([23])   (صفوة الاختيار) ص116.
([24])   وذلك أن مَنْ سمع قول القائل: (زيد وعمرو لا يستويان) فقال: فيم؟ أنَّ مراده: فيم يستويان، أفي كل الصفات أو صفةٍ ما؟
([25])   وإنما حسن الاستفهام في هذه الصور كلها لأنَّ به ينتقل السامع من الدلالة الظنية إلى الدلالة القطعية، وهو مقصود حسنٌ عند العقلاء.
([26])   يعني في طرف الإثبات.
([27])   الضمير في (لكنه) عائدٌ إلى قوله: (وجب أن لا يصدق عليهما أنهما لا يستويان).
([28])   الفرق بين الضدين والنقيضين: أن الضدين يمكن ارتفاعهما ولا يمكن اجتماعهما، مثل (السواد) و(البياض)، وأما النقيضان فلا يمكن ارتفاعهما ولا اجتماعهما، مثل (الحركة) و(السكون). انظر (فروق اللغات) للحسيني ص164.
([29])   التشخص: هو المعنى الذي يصير به الشيء متميزاً عن غيره بحيث لا يشاركه شيء آخر أصلاً، و(التشخص) و(الجزئية) متلازمان، فكل شخص جزئي، وكل جزئي شخص. (الكليات) ص313 وقال التهانوي: التعيُّن والتشخص سواء. (كشاف اصطلاحات الفنون) 1/489 وراجع (التوقيف على مهمات التعاريف) للمناوي ص190.
([30])   (المحصول) للرازي 2/377 – 378 و(تلقيح الفهوم) ص419 و(الكاشف عن المحصول) 4/357 و(نهاية الوصول) 4/1367 و(الفائق) 2/220 و(أصول الفقه) لابن مفلح 2/827 و(تحفة المسؤول) 3/125 – 126 و(فصول البدائع) ص221.
([31])   هكذا أجاب الهندي في (نهاية الوصول) 4/1367 وانظره مفصَّلاً في (الإحكام) للآمدي 2/248 و(أصول الفقه) لابن مفلح 2/827 و(تحفة المسؤول) 3/126.
([32])   (الكاشف عن المحصول) 4/358.
([33])   فصحة التقسيم دليلٌ، وهناك دليل آخر وهو صحة الاستفسار، فإن مَنْ قال: (زيدٌ لا يساوي عمراً) صح أن يقال له: هل هما لا يستويان من كل الوجوه؟ أو أنهما لا يستويان من بعض الوجوه؟ فحُسْن الاستفهام دليلٌ في الطرفين، أي دليل شمول نفي الاستواء مطلقاً لهما. (الإشارات الإلهية) 3/337.
([34])   (المحصول) للرازي 2/377 و(الإحكام) للآمدي 2/247 و(الكاشف عن المحصول) 4/356 – 357 و(تلقيح الفهوم) ص419 و(نهاية الوصول) 4/1367 – 1368 و(الفائق) 2/220 و(أصول الفقه) لابن مفلح 2/826 و(تحفة المسؤول) 3/125 و(فصول البدائع) ص221.
([35])   (الكاشف عن المحصول) 4/358 و(نهاية الوصول) 4/1368 و(الإبهاج) 4/1290 – 1291.
([36])   (الكاشف عن المحصول) 4/358 و(نهاية الوصول) 4/1368 و(تحفة المسؤول) 3/125.
([37])   (العقد المنظوم) 1/341.
([38])   الصورتان هما نفي كل الوجوه، ونفي بعض الوجوه.
([39])   (العقد المنظوم) 1/341.
([40])   مثال عدم إشعار الأعم بالأخص – أي عدم دلالته عليه – أنه لو قال قائل: (في الدار حيوانٌ) فإن لا يدل على خصوص الحيوان الناطق أو الحيوان الصاهل. (الكاشف عن المحصول) 4/357.
([41])   (الإحكام) للآمدي 2/248 و(شرح العضد على مختصر ابن الحاجب) 2/114 و(تلقيح الفهوم) ص419 و(نهاية السول) 1/464 و(تيسير الوصول) 3/279 – 280 و(شرح مختصر ابن اللحام) ص229.
([42])   (فصول البدائع) ص222 – 223 و(سلم الوصول) 2/353.
([43])   (الردود والنقود) 2/150.
([44])   (رفع الحاجب) 3/149 و(الإبهاج) 4/1291 – 1292.
([45])   (الإحكام) للآمدي 2/247 و(منتهى السول) 2/31 و(أصول الفقه) لابن مفلح 2/827 و(تحفة المسؤول) 3/125.
([46])   (الفائق) 2/220.
([47])   (أصول الفقه) لابن مفلح 2/827 و(تحفة المسؤول) 3/125.
([48])   من الآية 20 سورة الحشر.
([49])   (الردود والنقود) 2/150.
([50])   (الإحكام) للآمدي 2/248.
([51])   (بذل النظر) ص187 – 188.
([52])   يعني كون كلٍّ منهما معلوماً ومحكوماً عليه.
([53])   أي يقتضي صفةً ما غير معينة من غير شمول فلابد من تعيينها. (نفائس الأصول) 4/1882.
([54])   (تنقيح محصول ابن الخطيب) للتبريزي 2/252 وعنه القرافي في (العقد المنظوم) 1/341 و(نفائس الأصول) 4/1881.
([55])   (الكاشف عن المحصول) 4/359 و(نفائس الأصول) 4/1881.
([56])   (الكاشف عن المحصول) 4/359.
([57])   كذا في المصدر المنقول منه، ولعل الصواب حذف كلمة «زيداً».
([58])   من الآية 19 سورة التوبة، ومن الآية 18 سورة السجدة.
([59])   (العقد المنظوم) 1/342.
([60])   (نفائس الأصول) 4/1876 و(العقد المنظوم) 1/338 – 339.
([61])   هو خليل بن كَيْكَلْدي بن عبدالله العلائي، فقيه شافعي أصولي من حفاظ الحديث، أخذ عنه الذهبي وغيره، من كتبه (القواعد) و(عقيلة المطالب في ذكر أشرف الصفات والمناقب) و(تلقيح الفهوم) و(منحة الرائض بعلوم آيات الفرائض) توفي سنة 761هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 3/91.
([62])   (تلقيح الفهوم) ص418.
([63])   (رفع الحاجب) 3/148 – 149.
([64])   هو عبدالرحيم بن الحسن الإسنوي، فقيه شافعي أصولي، من كتبه (شرح المنهاج) في الأصول، و(كافي المحتاج في شرح المنهاج) في الفقه، و(الكوكب الدري) و(المهمات) توفي سنة 772هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 3/98.
([65])   (التمهيد) للإسنوي ص339.
([66])   (البحر المحيط) 3/121.
([67])   هو محمد بن علي بن محمد الشوكاني، فقيه أصولي من كبار علماء اليمن وأحد المكثرين من التصنيف، من كتبه (إرشاد الفحول) و(نيل الأوطار) و(الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة) و(فتح القدير) في التفسير، توفي سنة 1250هـ. (الأعلام) 6/298.
([68])   (إرشاد الفحول) 1/543.
([69])   (رفع الحاجب) 3/148 – 149.
([70])   وكذلك صنع في كتابه (الإبهاج) 4/1288 – 1289.
([71])   (تلقيح الفهوم) ص418.
([72])   التحيُّز: كون الشيء في مكانٍ ما. (الكليات) ص316.
([73])   قوله: (في هذه الحالة) أي حين يكون الماء بعيداً من الخشبة.
([74])   أي: لوجود التساوي بين الماء والخشبة في المعلومية والتحيُّز وسائر ما ذكر.
([75])   (العقد المنظوم) 1/339 – 340.
([76])   ولأن كلامه فيه، حيث قال قبله: «واعلم أن البحث في تحقيق مسمى (استوى) في صيغة الثبوت؛ فإن النفي يتفرع على الثبوت...» ثم ذكر طريقة الشافعية في معناه حال الإثبات، ثم طريقة الحنفية، ثم قال عقبه: «والذي أعتقده في المسألة أن الحق غير القولين...» الخ. (العقد المنظوم) 1/338 – 339.
([77])   (أصول السرخسي) 1/194 و(المغني) للخبازي ص140 و(بديع النظام) 1/70 – 71 و(التبيين) 1/275 – 276 و(التقرير لأصول البزدوي) 2/886 و(الردود والنقود) 2/150 و(حاشية الإزميري) 1/463 ومعنى مذهب الحنفية ظاهرٌ وقد سبق عند ذكر الخلاف في المسألة، لكن لزيادة الإيضاح يقال: نفي المساواة بين الشيئين لما تعذر حمله على العموم لوجود الاشتراك بينهما في صفات كثيرة وجب صرفه للخصوص، وهذا الخصوص وجهان: وجهٌ نعلمه ووجهٌ لا نعلمه، أما الأول فهو الصورة التي دل عليها السياق فيحمل عليه نفي المساواة لتيقنه، وأما الثاني الذي لا نعلمه فهو ما عدا ذلك من الصور، فيكون مجملاً لعدم علمنا بكونه مراداً بالنفي المذكور، فيتوقف فيه إلى حين البيان.
([78])   هو سليمان بن عبدالقوي الطوفي الصَّرْصري، فقيه حنبلي أصولي مشارك في فنون عدة، وأحد المكثرين من التصنيف، من كتبه (الرياض النواظر في الأشباه والنظائر) و(الإكسير في قواعد التفسير) و(مختصر المحصول) و(دفع التعارض عما يوهم التناقض) و(مختصر الروضة) و(شرح مختصر الروضة) و(معراج الوصول) في أصول الفقه، توفي سنة 716هـ. (الذيل على طبقات الحنابلة) 4/404.
([79])   (الإشارات الإلهية) 3/337 – 339.
([80])   (البحر المحيط) 3/121.
([81])   (إرشاد الفحول) 1/543.
([82])   هو محمد صديق خان بن حسن بن علي القنوجي، فقيه أصولي، كان حاكم إقليم (بهوبال) في الهند، من كتبه (أبجد العلوم) و(فتح البيان في مقاصد القرآن) و(عون الباري) في الحديث، و(البلغة في أصول اللغة) و(حصول المأمول من علم الأصول) و(الروضة الندية) في الفقه، توفي سنة 1307هـ. (الأعلام) 6/167.
([83])   (حصول المأمول) ص211.
([84])   البيت لأبي النجم العِجْلي، فانظر (ديوانه) ص150 و(تخليص الشواهد) ص281 وأم الخيار المذكورة في البيت هي زوجة الشاعر، ولم أقف لها على ترجمة.
([85])   هو الخِرْباق بن عمرو السُّلمي، صحابي جليل من بني سليم، يقال له (ذو اليدين) لطولٍ كان في يديه، ولا تعرف سنة وفاته. (الإصابة) لابن حجر 2/271 و(شرح صحيح مسلم) للنووي 5/70.
([86])   الحديث أخرجه البخاري 482، 714، 1229 ومواضع أخرى، ومسلم 573.
([87])   تَعَرَّفْها: أي تأمَّلْها، وهو فعل أمر. (لسان العرب) 9/237 مادة (عرف).
([88])   البيت لمزاحم بن الحارث العُقَيلي، فانظر (ديوانه) ص28 و(الكتاب) لسيبويه 1/146 والشطر الأول لم يرد في كلام الطوفي.
([89])   (الإشارات الإلهية) 3/337 – 339.
([90])   (البحر المحيط) 3/121 وقد ساق كلام الطوفي باختصار يسير من غير عزوٍ إليه.
([91])   هو منصور بن إسحاق بن أحمد بن أبي جعفر السجستاني، فقيه حنفي أصولي، له كتاب في (أصول الفقه) توفي سنة 290هـ. (كشف الظنون) 1/114 و(هدية العارفين) 2/472 وذكر محقق كتابه (الغنية في أصول الفقه) ص8 – 9 أنه لم يعثر له على ترجمة إلا في هذين المصدرين وأن ما ذكر في سنة وفاته خطأٌ؛ لأنه ينقل في كتابه عن أبي زيد الدبوسي المتوفى سنة 430هـ.
([92])   (الغنية في الأصول) ص84 – 85.
([93])   المقتضَى: هو المقدَّر المحذوف الذي يتطلبه النص ليصدق الكلام أو يصح عقلاً أو شرعاً. مثل قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 184] التقدير: فأفطر فعدة. انظر في دلالة الاقتضاء (الإحكام) للآمدي 3/64 و(شرح تنقيح الفصول) ص53 و(شرح المحلي على جمع الجوامع) 1/239 و(تيسير التحرير) 1/91 و(شرح الكوكب المنير) 3/474 و(نشر البنود) 1/86.
([94])   (إحكام الفصول) للباجي 2/513 – 514 و(تحفة المسؤول) 3/127.
([95])   (تخريج الفروع على الأصول) للزنجاني ص279 وفي بعض المصادر أن الشافعية لا يقولون بعمومه، فانظر (الإحكام) للآمدي 2/249 واشتهر في كتب الحنفية أن الشافعية قائلون بعموم المقتضَى.
([96])   (المسودة) 1/242 و(شرح الكوكب المنير) 3/197.
([97])   (أصول السرخسي) 1/248 و(فواتح الرحموت) 1/294.
([98])   الحديث أخرجه ابن ماجه 2045 وابن حبان 7219 والدارقطني 4351 والبيهقي 15094 – 15096 والحاكم 2/198 وصححه ووافقه الذهبي، وحسَّنه النووي وأقره ابن حجر، وصححه أحمد شاكر وكذا الألباني. انظر (نصب الراية) 2/64 و(جامع العلوم والحكم) ص694 و(التلخيص الحبير) 2/464 و(المقاصد الحسنة) ص228 و(إرواء الغليل) برقم 82.
([99])   من الآية 20 سورة الحشر.
([100])   (الغنية في الأصول) ص84 – 85 باختصار.
([101])   الخُطَّة: الطريق، ويأتي بمعنى الأمر أو الحالة. (تاج العروس) 10/239 و(المعجم الوسيط) 1/244 مادة (خطط). فمعنى قول ابن برهان: (خطةً واحدةً) أي: مسلكاً واحداً، أو حالةً واحدةً.
([102])   (الوصول إلى الأصول) 1/314.
([103])   هو عبدالرحمن بن محمد بن أحمد الشِّرْبِيني المصري، فقيه شافعي أصولي ممن تولى مشيخة الأزهر، من كتبه (تقرير على جمع الجوامع) في الأصول، و(فيض الفتاح) في البلاغة، توفي سنة 1326هـ. (الأعلام) 3/334.
([104])   (البحر المحيط) 3/121 باختصار.
([105])   (تقريرات الشربيني) 2/19.
([106])   (فواتح الرحموت) 1/261 حيث حرر الأنصاري مذهب الحنفية في أن النكرة المنفية تقتضي العموم وضعاً أو عقلاً، ثم خلص إلى اقتضائها العموم وضعاً لغوياً.
([107])   (التحرير مع شرحه تيسير التحرير) 1/201.
([108])   (مسلم الثبوت) 1/261.

 

***

 

 

 

 قاعدة عموم نفي المساواة وأثرها في الفقه الإسلامي (3-4)

المطلب الخامس:
الترجيح
الحق أن الخلاف في المسألة خلافٌ قوي يعسر معه الجزم بتصويب أحد القولين، غير أن الأقرب إلى الرجحان في نظري القاصر – والله أعلم – هو مذهب الجمهور؛ وذلك للأمور التالية:
أولاً: أنَّ (لا يستوي) نفيٌ دخل على الجملة المكونة من الفعل وفاعله، والجملة نكرة، والنكرة في سياق النفي تعمّ([1])، وهذا المقام كافٍ في المطلوب من غير حاجة لمدلول الاستواء في الإثبات.
وقد أقر النحاة بهذا حيث قال أبو الحسن الوَرَّاق([2]): «الأفعال مع فاعلها جُمَلٌ، والجمل نكرات»اهـ([3])، وحكى أبو القاسم الزَّجَّاجي([4]) الإجماع عليه، حيث قال تقي الدين الجُرَاعي([5]): «حكى الزجاجي إجماع النحاة على ذلك» اهـ([6]).
وإليك عبارة الزجاجي بحرفها من كتابه (الإيضاح) وذلك لأهميتها؛ حيث قال: «ما دليلكم على أن الأفعال كلها نكرات؟
الجواب أن يقولوا: الدليل على ذلك إجماع النحويين كلهم من البصريين والكوفيين على أن الأفعال نكرات، ولم يكونوا ليجتمعوا على الخطأ، ولا يُعِيْنَه واحدٌ منهم على ذلك مع كثرة علماء الفريقين وفحصهم عن دقائق النحو وغوامض المسائل» اهـ([7]).
وقال أيضاً: «قال النحويون كلهم: الدليل على أن الأفعال نكرات أنها لا تنفكُّ من الفاعلين، والفعلُ والفاعل جملة يستغنى بها وتقع بها الفائدة، والجمل نكرات كلها؛ لأنها لو كانت معارف لم تقع بها فائدة؛ لأنها قد كان يعرفها المخاطب فلا يقع له بها فائدة.
فلما كانت الجمل مستفادة عُلِمَ أنها نكرات، ولذلك لم تجز الكناية عن الجمل؛ لأن المكاني([8]) معارف والجمل نكرات فلذلك لم تضمر، وكذلك الأفعال لما كانت مع الفاعلين جملاً كانت نكرات ولم يَجُز إضمارها» اهـ([9]).
q   وعلى هذا المرجح عَوَّل ابن الحاجب وهو من كبار علماء العربية، بل جعله ابن الحاجب أهم مرجح في المسألة، حيث قال بعد فراغه من أدلة الفريقين ومناقشاتها: «والتحقيق أن العموم من النفي» اهـ([10]) يعني: لا أن عمومه حاصلٌ من كونه نقيض قضية جزئية.
q   وقد أورد قطب الدين الشيرازي([11]) على هذا تشكيكاً حيث قال: «ولا يخفى عليكَ أن التمثيل بـ (لا يستوي) ليس بحسن؛ لأن المراد من النكرة اسم الجنس، و(يستوي) ليس كذلك، ولكن المتخاصمينَ لا يفرقون بينهما، ويسلّمون أن النفي في (لا يستوي) دخل على نكرة أيضاً ولكن تقديراً لا صريحاً » اهـ([12]).
وقد أجاب التفتازاني([13]) عن هذا الإيراد بقوله: «المحققون من النحاة على أن المراد بتنكير الجملة أن المفرد الذي يُسْبَك منها نكرةٌ، وعموم الفعل المنفي ليس من جهة تنكيره بل من جهة أن ما تضمَّنه من المصدر نكرةٌ، فمعنى (لا يستوي زيدٌ وعمرو): لا يثبت استواءٌ بينهما» اهـ([14]).
ثانياً: أنه إن سلَّمنا أن دلائل الفريقين قد تعارضت وتكافأت، فإنه يترجح مذهب الجمهور من جهة أخرى وهو أنهم يطلبون بدليلهم إثبات العموم، والحنفية ومَنْ وافقهم يطلبون بها الإجمال، والعموم أولى من الإجمال.
q   وعلى هذا المرجح عَوَّل صفي الدين الهندي([15]) حيث قال: «لمَّا تعارضت الدلائل كان الترجيح معنا؛ لأن التعميم أولى من الإجمال» اهـ([16]).
ثالثاً: أن نفي المساواة بين الشيئين يدخله الاستثناء، وذلك نحو: (لا يستوي زيدٌ وعمرو إلا في كذا وكذا) وقد قال علماء الأصول: الاستثناء معيار العموم([17]).
وشاهده في مسألتنا من الكتاب العزيز قول الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) ([18]) فقوله: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) استثناء([19]) من قوله: (لَا يَسْتَوِي) لا من قوله: (الْقَاعِدُونَ) فثبت أن نفي المساواة للعموم لقبوله الاستثناء من غير عدد.
q   وقد أوضح تقي الدين ابن تيمية([20]) ذلك، حيث قال بعد أن ساق الآية الكريمة: «فالله تعالى نفى المساواة بين المجاهد والقاعد الذي ليس بعاجز، ولم ينفِ المساواة بين المجاهد وبين القاعد العاجز، بل يقال: دليل الخطاب([21]) يقتضي مساواته إياه، ولفظ الآية صريحٌ اسْتُثْنِيَ أولو الضرر من نفي المساواة، فالاستثناء هنا هو من النفي، وذلك يقتضي أن أولي الضرر قد يساوون القاعدين وإن لم يساووهم في الجميع.
ويوافقه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في غزوة تبوك: «إنَّ بالمدينةِ رجالاً ما سِرتُم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، قالوا: وهم بالمدينة؟! قال: وهم بالمدينةِ، حَبَسَهم العذرُ»([22]) فأخبر أن القاعد بالمدينة الذي لم يحبسه إلا العذر هو مثل مَنْ معهم في هذه الغزوة، ومعلوم أن الذي معه في الغزوة يثاب كل واحد منهم ثواب غازٍ على قدر نيته، فكذلك القاعدون الذين لم يحبسهم إلا العذر » اهـ([23]).
رابعاً: ودعوى الحنفية أن نفي المساواة من قبيل المجاز؛ لعدم صدق العموم لخروج التساوي بين الشيئين في الوجود والتعيّن وبين المسلم والذمي مثلاً في الجسمية والناطقية إلى آخر ما ذكروه في هذا المقام، دعوى ضعيفة؛ لأن هذه الوجوه لم تكن داخلة تحت اللفظ العام أصلاً؛ لأن النص الشرعي جاء لبيان الأحكام الشرعية، فهي المرادة بالإثبات أو النفي.
*   وعلى هذا المرجح عَوَّل بدر الدين التُّسْتَري حيث قال: «إن المقصود نفي الأحكام الشرعية، فالنفي داخل على هذه المساواة الخاصة.
وأيضاً يمتنع أن يراد سلب المساواة في الصفات الذاتية؛ لاشتراك الفريقين فيها، بل سلب المساواة مطلقاً إلا باعتبار أمرٍ يتميز به أحدهما عن الآخر، فإنه لا مدخل له في الأحكام الشرعية، فَسَلْبُه يستلزم المطلوب، وهو ظاهر.
ومنه عُلم أن ما ذكره الحنفية نصبٌ للدليل في غير محل النزاع» اهـ([24]).
وكذلك عَوَّل عليه ابن بَرْهان([25])، وكذا ابن قيم الجوزية([26]) بعبارة رشيقة، حيث قال ابن القيم بعد قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ)  ([27]) قال: «وهذا يقتضي نفي مطلق المساواة بين المسلم والكافر، لا نفي المساواة المطلقة؛ فإنها منتفية عن كل شيئين وإن تماثلا » اهـ([28]).

تنبيهـــات:
وههنا تنبيهات وفوائد تتعلق بهذا المبحث الثاني، فمنها:
أولاً: اختلف موضع هذه المسألة في كتب الأصول، فذكرها الجمهور في باب العموم، وذكرها أكثر الحنفية في باب الحقيقة والمجاز([29]).
فأما الجمهور فالمناسبة على مذهبهم ظاهرة؛ إذْ هم قائلون – كما سبق – بأن نفي المساواة يفيد العموم.
وأما الحنفية فمناسبة إيرادهم المسألة في باب الحقيقة والمجاز أنهم قالوا: إن الحقيقة تُتْرَك بخمسة أشياء، فمنها تَرْكُ الحقيقة بدلالة محل الكلام([30])، كأن يقول: «واللهِ لا آكلُ من هذه النخلة» فلا يحنث لو أكل من عين النخلة؛ لأن الحقيقة وهي أكل النخلة عينها قد تُركتْ؛ لأن المحل غير قابلٍ للأكل، فينصرف كلامه إلى المجاز وهو الأكل من ثمرها.
ومن هذا القبيل قول الله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) ([31]) فإنه بدلالة محل الكلام يُعْلَم أن نفي المساواة بينهما على العموم غير مراد؛ لتساويهما في الوجود والإنسانية والعقل وغير ذلك من الصفات، فيرجع النفي إلى البَصَر؛ لأن صيغة العموم إذا أُضيفت إلى محلٍ لا يقبل العموم فإنه لا يراد بها حقيقتها وهو التعميم، بل مجازها وهو أخصُّ الخصوص([32]).
ثانياً: سبق معنا أنَّ من أسباب الخلاف في المسألة هو اختلافهم في مدلول المساواة حال الإثبات، فإن كان عاماً كان في مسألتنا خاصاً، وإن كان في الإثبات خاصاً كان في مسألتنا عاماً؛ لأن النفي نقيض الإثبات، والكلي نقيضه جزئي([33]).
ومسألة المساواة بين الشيئين في الإثبات هي مسألة أصولية برأسها، يُعَبَّر عنها بقولهم: مساواة الشيء بالشيء (أو تشبيه الشيء بالشيء) هل يقتضي تساويهما من جميع الوجوه الممكنة أَوْ لا؟ ذكرها بعض الأصوليين([34])، ومن أمثلتها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة([35]) رضي الله عنها: «كنتُ لكِ كأبي زَرْعٍ لأمِّ زَرْعٍ»([36]) لا يلزم منه وقوع الطلاق على عائشة([37])؛ لأن تشبيه الشيء بالشيء لا يقتضي تماثلهما من كل وجه([38]).
وقد ذكر هذه المسألة – أعني المساواة بين الشيئين في الإثبات – جمال الدين الإسنوي في كتابه (التمهيد) وفرَّع عليها، وذكر مسألتنا في أثنائها، فالذي ذكره الإسنوي من الفروع المخرَّجة بقوله كما هي عادته: «إذا علمتَ ذلك فمن فروع المسألة ... » الخ([39]) إنما هو تخريج على مساواة الشيء للشيء أو تشبيهه به، وليس تخريجاً على مسألتنا، فليتنبه لهذا.
وهذا على خلاف صنيع الزنجاني([40]) في كتابه (تخريج الفروع على الأصول) فإنه ذكر مسألتنا وفَرَّع على الخلاف فيها([41])، وسيأتي النقل عنه في المبحث الأخير إن شاء الله تعالى.
ولم تتعرض بقية المصنفات المطبوعة في علم تخريج الفروع على الأصول للمسألتين هاتين فيما رأيت.
*   هذا ومن الفروع التي خرجها الإسنوي على مسألة المساواة بين الشيئين:
1-         إذا قال: (أحرمتُ كإحرام زيدٍ) فإنه يصير محرماً بعين ما أحرم به زيدٌ من حجٍ أو عمرة، ومن قرانٍ أو تمتع أو إفراد.
ولو قال (أحرمتُ كإحرام زيدٍ وعمرو) وكان أحدهما محرماً بالحج، والآخر محرماً بالعمرة، صار قارناً.
2-         لو قال: (أوصيتُ لزيدٍ بمثل ما أوصيتُ لعمرو) فإنه يكون وصية بذلك المقدار وجنسه وصفته([42]).
ثالثاً: فرق بدر الدين الزركشي([43]) والناقلون عنه([44]) بين مذهب الحنفية وبين مذهب إِلْكِيَا الطبري وصفي الدين الهندي، فجعلوا الحنفية قائلينَ بعدم إفادة نفي المساواة للعموم، وجعلوا إِلْكِيا والهندي قائلينِ بأنه مجمل.
وهذا التفريق ليس بشيءٍ، فإن كتب الحنفية مصرِّحة بأنه من قبيل المجمل([45])، وحَمْلُ الحنفية إياه على أخص الخصوص وهو ما دل عليه السياق هو بسبب تيقنه، ويبقى فيما عداه كالمجمل يتوقف فيه إلى حين البيان على ما سبق إيضاحه.
والعجيب أن الزركشي – رحمه الله تعالى – ذكر مع الحنفية في المذهب الثاني جماعة منهم الغزالي وأبو الحسين البصري، ولم يجعلهما مع المذهب الثالث القائلين بالإجمال على ما ظَنَّه، مع أن الاثنين ذكرا أن نفي المساواة من قبيل المجمل([46])، كما أن إِلْكيا والهندي ذكراه من قبيل المجمل!!
*    هذا وقد عَبَّرَ نجم الدين الطوفي عن مذهب المانعين للعموم في مسألتنا بأن نفي المساواة من قبيل المطلق.
وذلك أن الطوفي ساق الآية الكريمة وهي قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([47]) ثم قال: «ذهب قوم إلى أن هذا يقتضي عموم نفي المساواة بين الفريقين من كل وجه، حتى أدرج تحته أن الذمي لا يكافيء المسلم ليقتل به، وذهب آخرون إلى أنه لا يقتضي العموم، وقد انتفت المساواة بينهما في أحكام كثيرة، ولا دليل على عدم التساوي بين المسلم والذمي في القصاص حتى تندرج تحت نفي التسوية المستفادة من الآية، فيقتل المسلم بالذمي...
وحاصل الأمر أن نفي التسوية في هذه الآية عامٌّ فيتناول نفي التسوية بينهما في القصاص؟ أو مطلقٌ فلا يتناول؟» اهـ([48]).
رابعاً: سبق معنا في أدلة الجمهور أن الفعل (يستوي) نكرة، ولذا عَمَّ في سيـاق النفي – وهي مسألتنا – ولم يعم في سياق الإثبات، وقد يقال: لماذا عَمَّتْ في النفي ولم تعم في الإثبات؟
والجواب عن هذا السؤال جاء في كلام أبي محمد الجويني([49])، حيث قال: «النفي في النكرة يعمُّ، والإثبات في النكرة يَخُصُّ ولا يعم.
والفرق بينهما فرقُ جمعٍ على الحقيقة، وبيان هذا: أن الرجل إذا قال: (رأيتُ رجلاً) فقد أخبر عن رؤيته رجلاً واحداً، فلو حملنا لفظهُ على أكثر من واحد كُنَّا قد استفدنا من لفظه ما لم يوضع اللفظ له، وإذا قال: (لم أَرَ رجلاً) فقد نفى رؤيته لا في رجلٍ بعينه، فاقتضى نفي الرؤية على العموم، وإذا حكمتَ بأنه رأى رجلاً ولم يَرَ غيره صار مُكَذَّباً في قوله: لم أَرَ رجلاً»اهـ([50]).
خامساً: قال العز بن عبدالسلام([51]): «نفي التسوية بين الفعلينِ، أو الفاعلَيْنِ، أو الجزائينِ إنْ رجع إلى تفاوتهما في الرتبة دلَّ على تفضيل أحد الفعلين على الآخر، وإن رجع إلى الثواب والعقاب دلَّ على الأمر والنهي، وإن رجع إلى مدح أحد الفعلين وذم الآخر رجع إلى أن أحدهما مأمورٌ والآخر منهيٌّ.
مثال نفي التساوي في رتبة الثواب قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) ([52]) وقوله: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ) ([53]).
ومثال نفي التسوية بين الجزائين قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) ([54]) أي: في جزائيهما؛ ولذلك أردفه بقوله: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ) ([55]) وفي الكلام حذفٌ، تقديره: (أجعلتم أهل سقاية الحاج وأهل عمارة المسجد الحرام كمَنْ آمن بالله) إذْ لا تصلح المفاضلة بين فعل وفاعل.
وقوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) ([56]) أي: ثواباً وعقاباً؛ ولذلك أردفه بقوله: (أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ) ([57]).
وقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([58]) ظاهرٌ في جزائيهما بدليل قوله: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) ([59]).
وقد نفى الله سبحانه وتعالى المساواة بين الفعلينِ والفاعلَيْنِ والجزائينِ في آية واحدة فقال: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ) ([60]) فالأعمى: الكافر، والبصير: المؤمن، والظلمات: الكفر، والنور: الإيمان، والظل: الجنة، والحرور: النار، ثم بالغ في نفي تساوي الفاعلينِ بقوله: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ) فإن التفاوت بين الحي والميت أبلغ من التفاوت بين الأعمى والبصير.
ونفي التسوية بين الفاعلَيْنِ يرجع إلى نفي تساوي الفعلينِ أو الجزائين» اهـ([61]).
وهذه المقالة لابن عبدالسلام نقلها ابن قيم الجوزية باختصار([62]).

______________________

([1])   إنما  احتيج لهذا التقرير مع أن المسألة غير محصورة في دخول النفي على فعل المساواة بل تجري في دخوله على اسم المساواة؛ لأن معظم ما ذُكِرَ من أمثلة المسألة كان أفعالاً منفية.
([2])   هو محمد بن عبدالله بن العباس النحوي المعروف بابن الوراق، نحوي عالم بالقراءات، من كتبه (علل النحو) و(الهداية شرح مختصر الجَرْمي) توفي سنة 381هـ. (بغية الوعاة) 1/129.
([3])   (علل النحو) لأبي الحسن الوراق ص364.
([4])   هو عبدالرحمن بن إسحاق الزجاجيّ، من كبار علماء العربية، أخذ عن الزَّجَّاج وابن دُرَيد وأبي بكر ابن الأنباري وغيرهم، من كتبه (الجُمَل) و(الإيضاح) و(اللامات) و(المخترع في القوافي) و(شرح خطبة أدب الكاتب) توفي سنة 339هـ وقيل غير ذلك. (بغية الوعاة) 2/77.
([5])   هو أبو بكر بن زيد الجُرَاعي الصالحي، فقيه حنبلي أصولي، من كتبه (غاية المطلب) في الفقه، و(نفائس الدرر في موافقات عمر) و(تحفة الراكع والساجد في أحكام المساجد) و(شرح أصول ابن اللحَّام) و(حلية الطراز في مسائل الألغاز) توفي سنة 883هـ. (السحب الوابلة) لابن حميد 1/304.
([6])   (شرح مختصر ابن اللحام) ص229.
([7])   (الإيضاح في علل النحو) ص119.
([8])   المكاني: جمع مُكْنَى عنه.
([9])   (الإيضاح في علل النحو) ص119 – 120 ونقل بعضَه الزركشيُّ في (سلاسل الذهب) ص235 – 236.
([10])   (مختصر المنتهى) 2/114.
([11])   هو محمود بن مسعود بن مصلح الشيرازي، فقيه شافعي أصولي محقق، من كتبه (شرح مختصر ابن الحاجب) في الأصول، و(شرح الكليات) في الطب، و(شرح مفتاح السَّكَّاكي) توفي سنة 710هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 2/237.
([12])   (شرح مختصر ابن الحاجب) لقطب الدين الشيرازي ق207/أ وعنه الجراعي في (شرح مختصر ابن اللحام) ص229.
([13])   هو مسعود بن عمر التفتازاني سعد الدين، عالم بالعربية ومشارك في عدة فنون، من كتبه (شرح التلخيص) في البلاغة، و(حاشية على شرح العضد) و(الإرشاد في النحو) توفي سنة 791هـ. (بغية الوعاة) 2/285 والتفتازاني ممن اختلفوا في مذهبه الفقهي أكان شافعياً أو حنفياً؟ وقد صنف الفقيه الحنفي إبراهيم المختار بن أحمد بن عمر الجبرتي كتاباً في هذا الموضوع رجَّح فيه أنه من الحنفية، وعنوان كتابه هو: (القول الأصوب في أن سعد الدين التفتازاني حنفي المذهب) منه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية، انظر (فهرست مخطوطاتها) 2/224.
([14])   (حاشية التفتازاني على شرح العضد) 2/114.
([15])  سبق أن صفي الدين الهندي اختار أن نفي المساواة مجملٌ وذلك في كتابه (نهاية الوصول) أمَّا في كتابه (الفائق في أصول الفقه) فقد رجح مذهب الجمهور.
([16])   (الفائق) 2/221.
([17])   (نهاية السول) 1/458 و(مختصر ابن اللحام) ص109 و(شرح المحلي على جمع الجوامع) 1/417 و(شرح الكوكب المنير) 3/153.
([18])   من الآية 95 سورة النساء.
([19])   على نصب (غير) وهي قراءة نافع وأبي جعفر وابن عامر والكسائي وخلف. (النشر في القراءات العشر) 2/251 وراجع (معاني القراءات) ص132.
([20])   هو أحمد بن عبدالحليم الحراني المعروف بابن تيمية، فقيه حنبلي مشارك في فنون كثيرة، من كتبه (الإيمان) و(الاستقامة) و(منهاج السنة النبوية) توفي سنة 728هـ. (الذيل على طبقات الحنابلة) 4/491.
([21])   (دليل الخطاب) مصطلحٌ مرادف لمفهوم المخالفة، وهو: دلالة النص على ثبوت نقيض حكم المنطوق للمسكوت. راجع في تعريفه (الحدود في الأصول) لابن فُوْرَك ص141 و(الحدود في الأصول) للباجي ص50 و(البرهان) 1/298 و(المستصفى) 2/196 و(التقرير والتحبير) 1/115 و(شرح الكوكب المنير) 3/489.
([22])   الحديث أخرجه البخاري 2839، 4423 ومسلم 1911.
([23])   (الزهد والورع والعبادة) لابن تيمية ص160 – 161.
([24])   (مجمع الدرر) ق 129/ب باختصار.
([25])   انظر كتابه (الوصول إلى الأصول) 1/313.
([26])   هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزُّرَعي الدمشقي، فقيه حنبلي مشارك في فنون عدة، من كتبه (زاد المعاد) و(إعلام الموقعين) و(بدائع الفوائد) توفي سنة 751هـ. (الذيل على طبقات الحنابلة) 5/170.
([27])   من الآية 20 سورة الحشر.
([28])   (أحكام أهل الذمة) لابن القيم 1/219.
([29])   وخالف من الحنفية الأُسمندي حيث ذكرها في باب العموم في كتابه (بذل النظر) ص187 وكذا ابن الهمام في (التحرير) ص88 وابن عبدالشكور في (مسلم الثبوت) 1/289 وإن كان هؤلاء الثلاثة كسائر الحنفية غير قائلين بعموم نفي المساواة، فأما أبو بكر الجصاص فذكرها في كتابه (الفصول في الأصول) 1/71 في باب المجمل، ومناسبة ذلك غير خافية.
([30])   محل الكلام: أي المخبَرُ عنه. (ضوء الأنوار) للأولوي ص158.
([31])   من الآية 19 سورة فاطر، ومن الآية 58 سورة غافر.
([32])   (الفصول في الأصول) 1/72 و(تقويم الأدلة) ص129 و(المغني) للخبازي ص140 و(بديع النظام) 1/70 – 71 و(كشف الأسرار شرح المصنف على المنار) 1/274 و(الوافي) 1/430 – 431 و(حاشية الإزميري) 1/462 – 463 وغيرها.
([33])   (الكلي): هو الذي لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه، مثل: «الإنسان ». و(الجزئي): هو الذي يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه، مثل «زيد» علماً على شخص. (تحرير القواعد المنطقية) ص45.
([34])   انظر مثلاً (أصول السرخسي) 1/190 و(الرسالة في أصول الفقه واللغة) ص363 و(الوافي في أصول الفقه) 1/306، 468 و(كشف الأسرار عن أصول البزدوي) 2/192.
([35])   هي عائشة بنت أبي بكر عبدالله بن عثمان التَّيْمية القرشية أم عبدالله، الصديقة بنت الصدّيق رضي الله عنهما، أم المؤمنين وأحب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليه، مناقبها كثيرة، توفيت سنة 58هـ. (الإصابة) 8/16.
([36])   الحديث أخرجه البخاري 5189 ومسلم 2448.
([37])   حيث إن أبا زرعٍ طلَّق أم زرع كما جاء في القصة.
([38])   ولأن كنايات الطلاق لا تقع إلا بالنية. (شرح صحيح مسلم) للنووي 15/216.
([39])   (التمهيد) للإسنوي ص340.
([40])   هو محمود بن أحمد بن محمود الزنجاني شهاب الدين، فقيه شافعي أصولي من القضاة، له كتب منها (تنقيح الصحاح للجوهري) و(تخريج الفروع على الأصول) و(تفسير القرآن) توفي سنة 656هـ.(طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 2/126 و(الأعلام) 7/161.
([41])   (تخريج الفروع على الأصول) ص303.
([42])   (التمهيد في تخريج الفروع على الأصول) ص342 – 343.
([43])   (البحر المحيط) 3/121، 122.
([44])   (التحبير شرح التحرير) 5/2421، 2422 نقلاً عن (شرح النبذة الألفية) للبِرْماوي وهو ناقلٌ عن شيخه الزركشي، و(إرشاد الفحول) 1/541، 543.
([45])   (الفصول في الأصول) 1/72 و(أصول السرخسي) 1/194 و(التقرير لأصول البزدوي) 2/886 و(توضيح المباني) ص295 وغيرها.
([46])   (المعتمد) للبصري 1/250 و(المستصفى) للغزالي 2/147.
([47])   من الآية 20 سورة الحشر.
([48])   (الإشارات الإلهية) 3/336 – 337.
([49])   هو عبدالله بن يوسف بن عبدالله الجويني، فقيه أصولي من أكابر الشافعية وهو والد إمام الحرمين، له كتب منها (تفسير القرآن) و(التعليقة في الفقه) و(الفروق) و(التبصرة) في فقه العبادات، توفي سنة 438هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 1/209.
([50])   (الجمع والفرق) 1/46.
([51])   هوعبدالعزيز بن عبدالسلام بن أبي القاسم السلمي، فقيه شافعي أصولي يُعرف بسلطان العلماء، أخذ عن الآمدي وغيره، من كتبه (القواعد الكبرى) و(شرح أسماء الله الحسنى) و(اختصار النهاية) في الفقه، و(الفتاوى الموصلية) و(شرح مختصر ابن الحاجب) و(الإمام في أدلة الأحكام) توفي سنة 660هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 2/109 و(هدية العارفين) 1/580.
([52])   من الآية 95 سورة النساء.
([53])   من الآية 10 سورة الحديد.
([54])   من الآية 19 سورة التوبة.
([55])   من الآية 20 سورة التوبة.
([56])   الآية 18 سورة السجدة.
([57])   الآيتان 19 – 20 سورة السجدة.
([58])   من الآية 20 سورة الحشر.
([59])   من الآية 20 سورة الحشر.
([60])   الآيات 19 – 22 سورة فاطر.
([61])   (الإمام في بيان أدلة الأحكام) ص139 – 142.
([62])   (بدائع الفوائد) لابن القيم 4/8.

 

***

 

قاعدة عموم نفي المساواة وأثرها في الفقه الإسلامي (4-4)

 

المبحـــث الثالث
الآثـــار الفقهية للمسألة
كان لقاعدة عموم نفي المساواة والخلاف فيها أثرٌ ظاهر في الفروع الفقهية، وإليك بعضاً من هذه المسائل:
المسألة الأولى
حكم قتل المسلم بالذميّ
أ‌-        المذاهب في المسألة:
اختلف الفقهاء في المسلم إذا قتل ذمياً عمداً عدواناً فهل يقاد به المسلم؟ وكان خلافهم على قولين:
القول الأول: أن المسلم لا يقتل بقتله الذمي، وهذا قول المالكية([1]) والشافعية([2]) والحنابلة([3]).
القول الثاني: أن المسلم يقتل بقتله الذمي، وهذا قول الحنفية([4]).
ب‌- استدلال الجمهور بالقاعدة:
مما استدل به الجمهور في المسألة قول الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([5]) حيث نفى الله المساواة بين الكافرين وبين المسلمين، فدل على أن المسلم لا يقاد بالكافر وإلا لكان مساوياً له.
قال القاضي الماوردي([6]): «ودليلنا قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) فكان نفي التساوي بينهما يمنع من تساوي نفوسهما وتكافيء دمائهما»اهـ([7]).
وقال تقي الدين ابن النجار([8]) بعد أن ساق الآية الكريمة: «فنفى الله المساواةَ، ونفيُ المساواة في الصورة الإنسانية غير مراد، فدل على عدم تساويهما حكماً» اهـ([9]).
*   وقد رَدَّ الحنفية هذا الاستدلال وأنكروا إفادة نفي المساواةِ العمومَ؛ حيث قال الزيلعي([10]) في معرض الجواب عن أدلة الجمهور: «وقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ)  أي في الفوز ... ، ولا يلزم منه عدم الاستواء في العصمة؛ لأن مثل هذا الكلام لا عموم له » اهـ([11]).
وكذلك قال غيره من الحنفية([12]).
* ومما استدل به الجمهور مبنياً على عموم نفي المساواة قول الله تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) ([13]) فإنه استفهام إنكاري يفيد النفي كما تقرر في أول البحث.
قال ابن العربي([14]): «ولذلك لا يقتل المسلم إذا قَتَل الذمي، وتعلقوا في ذلك بقوله تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) وهو قولٌ عام يقتضي نفي المساواة بينهم في كل حالٍ وزمان»اهـ([15]).
وقال أبو عبدالله القرطبي([16]): «اقتضى ذلك نفي المساواة بين المؤمن والكافر؛ ولهذا مُنِعَ القصاص بينهما، وبذلك احتج علماؤنا [يعني المالكية] على أبي حنيفة في قتله المسلم بالذمي، وقال: أراد نفي المساواة ههنا في الآخرة في الثواب وفي الدنيا في العدالة.
ونحن حملناه على عمومه، وهو أصح إذْ لا دليل يخصّه» اهـ([17]).
*       وبناء هذه المسألة الفقهية على الخلاف في قاعدة عموم نفي المساواة بناءٌ مشهور، ذكره كثير من الأصوليين([18]).
وأوردها شهاب الدين الزنجاني في الفروع المخرجة على الخلاف في القاعدة، حيث قال: «ويتفرع عن هذا الأصل مسائل: منها أن المسلم لا يقتل بالكافر عندنا؛ لأن جريان القصاص بينهما يقتضي الاستواءَ، واللهُ تعالى قد نفاه بقوله: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ).
وعندهم يقتل؛ لأن نفي المساواة قد حصل بحكمٍ آخر، فالتسوية بينهما في هذا الحكم لا تمنع مدلول النص» اهـ([19]).
المسألة الثانية
حكم شهادة الفاسِقَيْنِ في النكاح
أ‌-            المذاهب في المسألة:
اتفق الفقهاء على صحةِ شهادة العدلَيْنِ في النكاح، وقبولِ شهادتهما ولو كانت عدالتهما ظاهرة([20]).
وإنما اختلفوا في شهادة الفاسقَيْنِ – أي اللذَيْنِ ظهر فسقهما – في النكاح، فهل تقبل شهادتهما أَوْ لا؟ وكان خلافهم على قولين:
القول الأول: أن الفاسقَيْنِ لا تقبل شهادتهما في النكاح، وهذا قول المالكية([21]) والشافعية([22]) والحنابلة([23]).
القول الثاني: أن الفاسقينِ تقبل شهادتهما في النكاح، وهذا قول الحنفية([24]).
ب‌-       استدلال الجمهور بالقاعدة:
مما يدل لمذهب الجمهور في المسألة قول الله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) ([25]) حيث نفى الله تعالى المساواة بين المؤمن وبين الفاسق، فيدل عموم هذا النفي على عدم استوائهما في الشهادة في النكاح، ومعلومٌ أن العدل تقبل شهادته في النكاح، فدل على أن الفاسق لا تقبل شهادته فيه وإلا لاستويا.
*   ونظير هذه المسألة مسألة ولاية الفاسق عقد النكاح، فقد استدل المانعون([26]) ولايةَ الفاسق بعين القاعدة، أعني قاعدة عموم نفي المساواة، حيث قال جلال الدين السيوطي([27]) بعد أن ساق نص الآية الكريمة السابقة: «استدل بعمومه مَنْ قال: إن الفاسق لايلي عقد النكاح»اهـ([28]).
وقال تقي الدين الجُرَاعي الحنبلي: «واستدلوا بالآية على أن الفاسق لا يلي عقد النكاح»اهـ([29]).
*       ومَنْعُ الحنفية هذا الاستدلال في المسألتين ظاهرٌ؛ لكونه استدلالاً بعموم نفي المساواة، وهم لا يقولون به([30]).
*       وبناء هذا الفرع الأخير – أعني ولاية الفاسق – على الخلاف في قاعدة عموم نفي المساواة بناءٌ مشهور، ذكره كثير من الأصوليين([31]).
المسألة الثالثة
حكم تولي العاميّ منصب القضاء
أ‌-        المذاهب في المسألة:
اختلف الفقهاء في حكم ولاية القضاء للعاميّ وهو الجاهل بالأحكام الشرعية، وكان خلافهم على قولين:
القول الأول: لا يجوز تولية العامي القضاء، وهذا قول المالكية([32]) والشافعية([33]) والحنابلة([34]).
القول الثاني: يجوز تولية العامي القضاء، و عليه أن يسأل العلماء، وهذا قول الحنفية([35]).
ب‌- استدلال الجمهور بالقاعدة:
مما استدل به الجمهور في المسألة قول الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) ([36]) فإنه استفهام إنكاري يدل على النفي، فتكون الآية قد نفت المساواة بين العالم والجاهل، وقد صح تولية العالم منصب القضاء، فلا يصح إذاً تولية الجاهل وإلا لاستويا.
قال القاضي الماوردي: «ودليلنا قول الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)والدليل فيها: أنه مَنَعَ من المساواة فكان على عمومه في الحكم([37]) وغيره» اهـ([38]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ومنه قوله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) قال القاضي([39]): يوجب المنع من التسوية بينهما في جميع الحالات، والمخالف [يعني الحنفية] يسوِّي بينهما في ولاية القضاء والحكم » اهـ([40]).
وممن بنى المسألة على القاعدة أيضاً تقي الدين الجُرَاعي([41]).
*   ومَنْع الحنفية هذا الاستدلال لعدم احتجاجهم بعموم نفي المساواة؛ ولهذا ردَّ شمس الأئمة السرخسي([42]) العموم من هذه الآية الكريمة، ومن الآية التي وردت في المسألة السابقة أعني شهادة الفاسق في النكاح، وكذا ردَّ العموم من الآية التي سبقت في المسألـة الأولى أعني قتـل المسلم بالذمي؛ حيـث قـال السرخسي: «ثم سَوَّى الشافعي – رحمه الله – فيما أثبته من حكم العموم بين ما يحتمل العموم وبين ما لا يحتمله لعدم محله فيما هو المحتمل، فجعل كل واحدٍ منهما حجة لإثبات الحكم مع ضَرْبِ شبهةٍ.
وبيان هذا في قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([43]) وقال تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) ([44]) وقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)  ([45]) فإن نفي المساواة بينهما على العموم غير محتمل، لِعِلْمِنا بالمساواة بينهما في حكم الوجود والإنسانية والبشرية والصورة...»اهـ([46]).
المسألة الرابعة
حكم قتل الحر بالعبد
أ‌-        المذاهب في المسالة:
اختلف الفقهاء في الحر إذا قتل عبداً فهل يُقاد به؟ وكان خلافهم على قولين:
القول الأول: أن الحر لا يقتل بالعبد، وهذا قول المالكية([47]) والشافعية([48]) والحنابلة([49]).
القول الثاني: أن الحر يقتل بالعبد، وهذا قول الحنفية([50]).
ب‌- استدلال الجمهور بالقاعدة:
مما يدل لمذهب الجمهور في المسألة قول الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ) ([51]) حيث نفى الله تعالى المساواة بين العبد المملوك وبين الحر، فلو كان الحر يقتل بالعبد لاستويا، وهو باطل لأن نفي المساواة يقتضي العموم.
*   والحنفية لا يرون عموم نفي المساواة فلا ريب أن خالفوا هنا؛ ولذا قال الزيلعي إيراداً لنقض مذهب الجمهور: «ولو اعتبرت المساواة في غير العصمة لما جرى القصاص بين الذكر والأنثى» اهـ([52]) يعني: لأن القرآن قد نفى التسوية بين الذكر والأنثى.
*   وهذه المسألة ذكرها الزنجاني من الفروع المخرَّجة على الخلاف في القاعدة إلا أنه بناها على نفي المساواة العامة بين المسلم والكافر، حيث قال: «ثم يتفرع عن نفي المساواة العامة بين المسلم والكافر أن لا يقتل حرٌّ بعبد عندنا؛ لقيام شبهة ما أوجب نفي المساواة بين المسلم والكافر وهو الكفر؛ فإن الرق من آثار المبيح فيعمل في الشبهة عمل أصله.
وعندهم: يُقتل به؛ لإنكارهم عموم نفي المساواة» اهـ([53]).
المسألة الخامسة
حكم ولاية المرأة عقود النكاح
أ‌-            المذاهب في المسألة:
اختلف الفقهاء في حكم تولي المرأة عقود الأنكحة، أي أنه هل يصح أن تعقد المرأة لغيرها فتزوِّج ابنها أو ابنتها مثلاً أو تكون وكيلة للرجل فتعقد له؟ أو أن تولي عقد النكاح مختصٌّ بالرجال؟ وكان خلافهم على قولين:
القول الأول: أن المرأة لا يصح توليها عقد النكاح، بل هو مختص بالرجال، وهذا قول المالكية([54]) والشافعية([55]) والحنابلة([56]).
القول الثاني: أن المرأة يصح توليها عقد النكاح، ولا يختص ذلك بالرجال، وهذا قول الحنفية([57]).
ب‌-       استدلال الجمهور بالقاعدة:
مما استدل به الجمهور في المسألة قول الله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) ([58]) حيث نفى الله تعالى المساواة بين المرأة وبين الرجل، ونفي المساواة يفيد العموم، وقد صح تولي الرجال عقد النكاح، فلا يصح تولي النساء وإلا لاستويا.
*   قال أبو الحجاج الفِنْدلاوي([59]) المالكي: «والدليل على صحة ما قلناه قوله عز وجل: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)  وهذا عامٌّ، فلو أجزنا لها عقد النكاح لكانت كالرجل، وذلك خلاف ما نَصَّ الله تعالى عليه؛ إذْ قد مَنَعَ جل وعلا من المساواة بينهما» اهـ([60]).
*       والحنفية لن يسلموا مثل هذا الاستدلال؛ لإنكارهم عموم نفي المساواة.
المسألة السادسة
أَثَر البيع الفاسد
أ‌-            المذاهب في المسألة:
اتفق الفقهاء على أنه لو باعه صاعاً من بُرٍّ مثلاً بصاعين من بُرّ فهو ربا فَضْلٍ محرمٌ([61])، وهذا عقد فاسد([62]).
ولكن الفقهاء يختلفون في أنه هل ينفذ البيع الفاسد؟ أو أنه يُفْسَخ كما تفسخ العقود المجمع على بطلانها كبيع الملاقيح؟([63]) وكان خلافهم على قولين:
القول الأول: أن البيع الفاسد لا يفيد الملك، بل يجب فسخُه وردُّ السلعة للبائع والثمن للمشتري ولا يحل التصرف فيهما، وهذا قول المالكية([64]) والشافعية([65]) والحنابلة([66]).
القول الثاني: أن البيع الفاسد يفيد الملك ونفوذ التصرف، فيملك كل واحد من المتبايعين ما أخذه من صاحبه ويصح تصرفه فيه، وهذا قول الحنفية([67]).
ب‌-       استدلال الجمهور بالقاعدة:
مما استدل به الجمهور في المسألة قول الله تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) ([68]) حيث نفى الله تعالى المساواة بينهما، ومعلوم أن البيع الفاسد خبيث، وقد أفاد البيعُ الصحيحُ النفوذَ والملكَ، فيكون البيع الفاسد غير مفيدٍ للملك والنفوذ وإلا لكانا متساويين، والآية تنفي استواءَهما على العموم.
*   قال أبو بكر بن العربي: «وبالآية احتج بعض علمائنا على أن البيع الفاسد يُفسخ، ولا يُمْضَى فيستوي في إمضائه مع البيع الصحيح، بل يُفسخ أبداً » اهـ([69]).
وكذلك قال أبو عبدالله القرطبي([70]).
*   وقال القاضي البيضاوي([71]): «قوله تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ)  حكمٌ عام في نفي المساواة عند الله سبحانه وتعالى بين الرديء من الأشخاص والأعمال والأموال وجيّدِها » اهـ([72]).
*       والحنفية لن يلتزموا مثل هذا الاستدلال؛ لأنهم لا يقولون بعموم نفي المساواة.
المسألة السابعة
دية الكتابيّ
أ‌-            المذاهب في المسألة:
اختلف الفقهاء في الكتابيّ إذا قُتِل هل تكون ديته كدية المسلم؟ أو تكون أقل منها؟ وكان خلافهم على قولين:
القول الأول: أن دية الكتابي لا تبلغ دية المسلم، وهو قول المالكية([73]) والشافعية([74]) والحنابلة([75]).
ثم إن المالكية والحنابة قَدّروها بنصف دية المسلم، والشافعية بالثلث([76])، غير أنهم يتفقون – وهو المقصود هنا – على أن ديته لا تساوي دية المسلم.
القول الثاني: أن دية الكتابي مثل دية المسلم، وهذا قول الحنفية([77]).
ب‌-       استدلال الجمهور بالقاعدة:
مما استدل به الجمهور في المسألة قول الله تعالى: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) ([78]) وقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([79]) وقـوله سبحانه: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) ([80]) حيث نفى الله تعالى المساواة بين المسلم وبين الكافر، ونفي المساواة بين شيئين يقتضي العموم، فلو جعلنا دية الكتابي مثل دية المسلم لاستويا، وهو باطل لأن الآيات تنفي استواءَهما.
فلهذا قال المُزَنيّ ([81]): «فلا يجوز أن يُجْعَلَ الكتابي كَفِيئاً ([82]) لمسلمٍ في دم ولا دية، ولا يبلغَ بدية كافرٍ دية مؤمن إلا ما لا خلاف فيه » اهـ ([83]).
وكذلك استدل شهاب الدين القرافي أيضاً ([84]).
*   وقد رَدَّ الحنفية هذا الاستدلال وأنكروا إفادة نفي المساواةِ العمومَ؛ حيث قال شمس الأئمة السرخسي في معرض الجواب عن استدلالهم بالآيات النافية للمساواة بين المسلمين والكافرين: «والمراد بالآيات نفي المساواة بينهما في أحكام الآخرة دون أحكام الدنيا؛ فإنا نرى المساواة بيننا وبينهم في بعض أحكام الدنيا، ولا يجوز أن يقع الخُلْف في خبر الله تعالى » اهـ ([85]).
*       وبناء هذه المسألة الفقهية على الخلاف في قاعدة عموم نفي المساواة بناءٌ مشهور صرَّح به غير واحد من الأصوليين ([86]).
وأوردها شهاب الدين الزنجاني في الفروع المخرجة على الخلاف في القاعدة، حيث قال: «ويتفرع عن هذا الأصل مسائل ... منها: أن دية الذمي والمستأمن ([87]) لا تبلغ دية المسلم عندنا.
وعندهم: تساوي دية المسلم» اهـ([88]).
مســــائل أخــــرى
وإليك الآن جملة أخرى من الفروع التي استدل بعض القائلين بها بقاعدة عموم نفي المساواة، وسأوردها موجزة إن شاء الله تعالى مجانباً للتطويل قدر الإمكان، فمنها:
1- اسْتُدِلَّ لبعض الفقهاء القائلين بعدم صحة الطهارة بماء البحر بقول الله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) ([89]) حيث نفى الله التسوية بين البحر المالح والبحر العذب، ومعلوم صحة التطهر بالعذب، فلا يصح إذاً بالمالح، وإلا لاستويا([90]).
2-     ذهب المالكية([91]) والشافعية([92]) والحنابلة([93]) إلى عدم صحة تولي المرأة منصب القضاء.
وخالفهم الحنفية([94]) فجوّزوا ولايتها القضاء.
ومما استدل به الجمهور قوله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) ([95]) فعموم نفي المساواة بينهما يوجب منعها من ولاية الحكم والقضاء.
وهذه المسألة بناها أبو عبدالله المازَرِيّ المالكي([96]) على القاعدة([97]).
3- استدل بعضهم على أن البصير أولى بإمامة الناس في الصلاة من الأعمى بالقاعدة في نحو قول الله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) ([98]) وقوله سبحانه: (قل هل يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ) ([99]) وقوله تعالى: (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) ([100]).
قال تاج الدين السبكي: «وكذلك في قوله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) ففيه دلالة على أن البصير أولى في إمامة الصلاة من الأعمى» اهـ([101]).
والعجيب أن هذا الاستدلال وقع في كلام بعض الحنفية، حيث قال أبو محمد المَنْبِجِيّ([102]): «يكره إمامة الأعمى؛ قال الله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) فمَنْ سَوَّى بينهما فقد خالف نص الكتاب» اهـ([103]).
4- استدل بعضهم على أن الجاهل لا يكون في النكاح كفؤاً للعالمة بقول الله تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) ([104]) حيث نفى سبحانه المساواة بينهما، ومعلوم أن العالم كفؤٌ للعالمة، فلا يكون الجاهل كفؤاً لها وإلا لكانا متساويين وهو خلاف الآية([105]).
5- استدل بعضهم على تقديم مَنْ جاهد بنفسه وماله قبل الفتح في قسمة الغنائم على مَنْ جاهد وأنفق بعد الفتح بقول الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا)([106]) حيث نفى الله تعالى التسوية بينهما فيقتضي عمومه تقديم المجاهد قبل الفتح على غيره في الأخذ من الغنائم وفي غيرها([107]).
6-     ذهب المالكية([108]) والشافعية([109]) والحنابلة([110]) إلى أنه لا يصح أن يشتري الكافر عبداً مسلماً.
وخالفهم الحنفية([111]) فجوَّزوا شراء الكافر عبداً مسلماً.
ومما استدل به الجمهور عموم قول الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) ([112]) وقوله سبحانه: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) ([113]) وقوله تعالى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى) ([114]) وغير ذلك من الآيات، فإن نفي المساواة يفيد العموم، ومعلوم صحة شراء المسلم عبداً مسلماً فلا يصح ذلك للكافر وإلا لاستويا.
وبناء هذا الفرع على الخلاف في القاعدة بناءٌ ظاهر، وذكره غير واحد من الأصوليين والفقهاء([115]).
7- استدل بعضهم على أن العبد لا يَمْلِك بالتمليك بقول الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ) ([116]) حيث نفى الله تعالى التسوية بين العبد والحر، ومعلوم أن الحر يملك بالتمليك، فلا يثبت هذا للعبد وإلا لكانا متساويين.
وقد ذكر غير واحد من الفقهاء هذه المسألة مبنية على القاعدة([117]).
8- استدل بعضهم على أن الغاصب لو بنى في المكان المغصوب وجب قلع البناء ولا يدفع له قيمة بنائه بقول الله تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) ([118]) ومثله قوله تعالى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) ([119]) واستدل أيضاً بقوله سبحانه: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ) ([120]) وقوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)  ([121]) فإن نفي التسوية بين الشيئين يقتضي العموم([122]).
9-   ومما يدل للقائلين بأنه يحرم على المُحْرِم غسل رأسه بالسِّدْر([123]) وأنَّ عليه الفدية قول الله تعالى: ( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ) ([124]) وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الـمُحْرِم الذي وَقَصَتْهُ([125]) راحلتُهُ فمات: «اغسلوهُ بماءٍ وسِدْرٍ»([126]) وإذا جاز هذا في حق المحرم الميت فلا يجوز في حق المحرم الحيّ؛ للآية الكريمة التي نفت المساواة([127]).
10- ومن المسائل الأصولية التي استدل بعضهم لها بالقاعدة مسألة حجية خبر الواحد العدل؛ وذلك بقول الله تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) ([128]) وقوله سبحانه: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) ([129]) وغير ذلك من الآيات.
قال ابن عبدالبر([130]): «فلو كان العدل إذا جاء يُتَثَبَّت في خبره ولم ينفذ؛ لاستوى الفاسق والعدل، وهذا خلاف القرآن قال الله عز وجل: (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ)... »اهـ([131]).
إلى غير ذلك من المسائل([132]).
وإنما استكثرت من إيرادها طلباً للفائدة وردَّاً على مَنْ قال: إن أمثلة القاعدة في أحكام الشرع عزيزة جداً([133])، وهو ردٌّ بطريق الأَوْلَى على مَنْ قال: إن كلامهم في المسألة مجرد جدل([134]).
الخــــــاتمة
وبعد الانتهاء من الكلام على مسألة عموم نفي المساواة يمكن تلخيص أهم ما ورد فيها في الأمور التالية:
أولاً: أن معنى القاعدة هو: أن ينفي الشارع التسوية بين شيئين فيدل ذلك على نفي استوائهما في كل وجهٍ ممكنٍ من وجوه الأحكام الشرعية.
ثانياً: أن مجال إعمال القاعدة هو النص الشرعي بقسميه أعني الكتاب العزيز والسنة المشرفة، وإن اقتصر الأصوليون في أمثلتها على النصوص القرآنية.
ثالثاً: أن في المسألة خلافاً قوياً بين الحنفية وموافقيهم القائلين بمنع عموم نفي المساواة، وبين الجمهور القائلين بالتعميم، بعد اتفاق الفريقين على أن الصورة الواردة في سياق النص مرادة بنفي المساواة، وإنما الخلاف فيما عداها من الصور.
رابعاً: أن الخلاف في المسألة خلاف عملي، حيث كان له أثرٌ ظاهر في الفروع الفقهية، تناول البحث كثيراً منها.
خامساً: أن للقاعدة ضوابط من أهمها – كما سبق – أن لا توجد قرينة مانعة من التعميم، فإن وُجِد في صورةٍ ما دليل أقوى يخالف مقتضى القاعدة؛ لم يعمل بعموم نفي المساواة في تلك الصورة، وهي بهذا تكون كسائر القواعد؛ فإنها تُتْرَك لمعارضة ما هو أرجح منها.
وعلى هذا فلا يصح استدلال الخوارج والمعتزلة على مذهبهم القائل بأن المسلم الفاسق في الآخرة مخلَّدٌ في النار بقول الله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ)  ([135]) وغيرها من الآيات النافية للتسوية بين المؤمن والفاسق.
وذلك أنهم قالوا([136]): قد عرفنا أن المؤمن مأواه الجنة والخلود فيها، فلو كان الفاسق مأواه الجنة والخلود فيها لاستويا، وهو خلاف مقتضى الآية([137]).
وأقول: إنما لم يصح استدلالهم بالقاعدة هنا لما سلف آنفاً أنَّ من شرط العمل بها أن لا يعارضها ما هو أقوى، وهو في هذه المسألةِ النصوصُ الصريحة التي لا تكاد تحصى الدالة على أن الله يغفر لبعض من استحق النار من عصاة الموحّدين، وكذا الدالة على خروج عصاة الموحّدين كلهم من النار ودخولهم الجنة خالدين فيها، وأنه لا يخلد في النار إلا الكافر.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعـين.

 

____________________

([1])   (المعونة) للقاضي عبدالوهاب 3/1302 و(الكافي في فقه أهل المدينة) لابن عبدالبر ص587.
([2])   (البيان) للعِمْراني 11/305 و(مغني المحتاج) للخطيب الشربيني 4/16.
([3])   (شرح منتهى الإرادات) 6/30 و(كشاف القناع) للبهوتي 5/524.
([4])   (المبسوط) للسرخسي 26/131 و(الهداية) للمرغيناني 4/160.
([5])   من الآية 20 سورة الحشر.
([6])   هو علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، فقيه شافعي من القضاة، له كتب منها (الحاوي) و(الأحكام السلطانية) و(أدب الدين والدنيا) توفي سنة 540هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 1/230.
([7])   (الحاوي الكبير) 12/11.
([8])   هو محمد بن أحمد بن عبدالعزيز الفُتُوحي، فقيه حنبلي أصولي من القضاة يُعرف بابن النجار، من كتبه (منتهى الإرادات) في الفقه، و(شرح منتهى الإرادات) و(مختصر في أصول الفقه) اختصره من (التحرير) للمرداوي، و(شرح المختصر في أصول الفقه) يعرف بالكوكب المنير، توفي سنة 972هـ. (السحب الوابلة) 2/854.
([9])   (معونة أولي النُّهَى) 8/161.
([10])   هو عثمان بن علي بن محجن الزيلعي فخر الدين، فقيه حنفي كان مشهوراً بمعرفة النحو والفقه والفرائض، من كتبه (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق) في الفقه، و(بركة الكلام على أحاديث الأحكام) يعني أحاديث كتاب (الهداية) للمرغيناني، و(شرح الجامع الكبير) توفي سنة 743هـ. (الفوائد البهية) ص115 وهو غير جمال الدين عبدالله بن يوسف الزيلعي صاحب (نصب الراية) المتوفى سنة 762هـ.
([11])   (تبيين الحقائق) 6/105.
([12])   انظر مثلاً (المبسوط) 26/134 و(طريقة الخلاف) للأُسمندي ص524 و(وسائل الأسلاف) لسبط ابن الجوزي ص654.
([13])   من الآية 28 سورة ص~.
([14])   هو محمد بن عبدالله بن محمد المعافري الإشبيلي، فقيه مالكي أصولي مفسِّر من القضاة، له كتب منها (أحكام القرآن) و(المسالك) و(القبس) كلاهما شرح على (الموطأ) ، و(المحصول في أصول الفقه) و(عارضة الأحوذي) توفي سنة 543هـ. (الديباج المذهب) 2/252.
([15])   (أحكام القرآن) لابن العربي 4/50 باختصار.
([16])   هو محمد بن أحمد بن أبي بكر الأنصاري القرطبي، فقيه مالكي مفسر، من كتبه (جامع أحكام القرآن) و(الكتاب الأسنى في أسماء الله الحسنى) و(التذكرة بأمور الآخرة) توفي سنة 671هـ. (الديباج المذهب) 2/308.
([17])   (الجامع لأحكام القرآن) 14/97 باختصار، وانظر (أحكام القرآن) لابن العربي 3/418.
([18])   انظر مثلاً (نهاية الوصول) 4/1364 و(كشف الأسرار عن أصول البزدوي) 2/191 و(شرح العضد على مختصر ابن الحاجب) 2/114 و(نهاية السول) 1/463 و(الغيث الهامع) 2/344 و(التوضيح في شرح التنقيح) ص161 و(التحبير) 5/2421 و(شرح الكوكب المنير) 3/208 وغيرها.
([19])   (تخريج الفروع على الأصول) ص304.
([20])   (الإفصاح) لابن هبيرة 8/37 وينبغي التنبه إلى أن الفقهاء يختلفون في وقت الشهادة، فهي عند المالكية تكون عند الدخول، وقال البقية تكون عند العقد. انظر مصادر المسألة الآتي ذكرها.
([21])   (مواهب الجليل) للحطاب 3/408 – 409 و(الشرح الصغير) 2/335.
([22])   (المهذب) لأبي إسحاق الشيرازي 2/52 و(مغني المحتاج) 3/144.
([23])   (شرح منتهى الإرادات) 5/149 و(كشاف القناع) 5/65.
([24])   (المبسوط) 5/31 و(بدائع الصنائع) للكاساني 2/255.
([25])   الآية 18 سورة السجدة.
([26])   هم الشافعية والحنابلة، فانظر (المهذب) 2/47 و(مغني المحتاج) 3/155 و(شرح منتهى الإرادات) 5/134 و(كشاف القناع) 5/54 وجَوَّز الحنفية ولاية الفاسق عقد النكاح، فانظر (بدائع الصنائع) 2/239 و(رد المحتار) لابن عابدين 3/54 فأما المالكية فهم وإن منعوا شهادة الفاسق في النكاح غير أنهم جَوَّزوا ولاية الفاسق فيه وذلك لأدلة خارجية، فانظر مذهبهم وأدلتهم في (المعونة) 2/739 و(الإشراف) للقاضي عبدالوهاب 2/691 و(تهذيب المسالك) للفندلاوي 4/27.
([27])   هو عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي جلال الدين، فقيه شافعي أصولي وأحد المكثرين من التصنيف، من كتبه (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) و(تحرير المنقول وتهذيب الأصول) و(الكوكب الساطع نظم جمع الجوامع) و(شرح الكوكب الساطع)، توفي سنة 911هـ. (هدية العارفين) 1/534.
([28])   (الإكليل) للسيوطي 3/1099.
([29])   (شرح مختصر ابن اللحام) ص228.
([30])   انظر (أصول السرخسي) 1/143 حيث أورد الآية التي وقع بها الاستدلال، ومَنَعَ دلالتها على العموم.
([31])   انظر مثلاً (الأشباه والنظائر) لتاج الدين السبكي 2/146 و(تشنيف المسامع) 2/686 و(الغيث الهامع) 2/344 و(شرح المحلي على جمع الجوامع) 1/423 و(الكوكب الساطع) 1/464 و(التحبير شرح التحرير) 5/2421 و(شرح الكوكب المنير) 3/208.
([32])   (المعونة) 3/1500 و(الكافي في فقه أهل المدينة) ص497.
([33])   (روضة الطالبين) للنووي 11/95 و(مغني المحتاج) 4/375 – 376.
([34])   (شرح منتهى الإرادات) 6/476 و(كشاف القناع) 6/295.
([35])   (بدائع الصنائع) 7/3 و(فتح باب العناية) لملا علي القاري 3/107.
([36])   من الآية 9 سورة الزمر.
([37])   أي الحكم بين الناس، وهو القضاء.
([38])   (الحاوي الكبير) 16/159 باختصار.
([39])   يعني به القاضي أبا يعلى، وهو محمد بن الحسين بن محمد الفَرَّاء، قاضٍ وفقيه حنبلي من أكابرهم، من كتبه (أحكام القرآن) و(الأحكام السلطانية) و(المجرد في المذهب) و(التوكل) و(الخلاف الكبير) و(العدة) و(الكفاية) كلاهما في أصول الفقه، توفي سنة 458هـ. (المنهج الأحمد) 2/354.
([40])   (المسودة في أصول الفقه) 1/267 وأبو يعلى لم يذكر مسألة عموم نفي المساواة في كتابه (العدة في أصول الفقه) فلعل ابن تيمية نقل عنه من كتابٍ آخر.
([41])   (شرح مختصر ابن اللحام) ص228.
([42])   هو محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، فقيه حنفي من أكابرهم، له كتب منها (شرح مختصر الطحاوي) و(المبسوط) و(أصول الفقه) و(شرح السِّيَر الكبير) توفي سنة 483هـ. (الفوائد البهية) ص158.
([43])   من الآية 20 سورة الحشر.
([44])   الآية 18 سورة السجدة.
([45])   من الآية 9 سورة الزمر.
([46])   (أصول السرخسي) 1/143.
([47])   (المعونة) 3/1300 و(الكافي في فقه أهل المدينة) ص587.
([48])   (روضة الطالبين) 9/151 و(مغني المحتاج) 4/17.
([49]) (شرح منتهى الإرادات) 6/30 و(كشاف القناع) 5/524.
([50])   (المبسوط) 26/129 و(فتح باب العناية) 3/321.
([51])   من الآية 75 سورة النحل.
([52])   (تبيين الحقائق) 6/103 ويمكن للجمهور أن يجيبوا بأننا لم نعمل بالقاعدة من قوله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)  [آل عمران 36] حيث أوجبنا القصاص من الرجل بقتله الأنثى؛ لأن القاعدة قد عارضها الأدلة الخارجية الأقوى، وترك الدليل لما هو أَوْلَى أمرٌ لا يُنْكَر.
([53])   (تخريج الفروع على الأصول) ص305.
([54])   (المعونة) 2/728 و(الكافي في فقه أهل المدينة) ص234.
([55])   (المهذب) 2/45 و(مغني المحتاج) 3/147.
([56])   (شرح منتهى الإرادات) 5/130 و(كشاف القناع) 5/49.
([57])   (بدائع الصنائع) 2/247 و(فتح القدير) لابن الهمام 3/255.
([58])   من الآية 36 سورة آل عمران.
([59])   هو يوسف بن دوناس المغربي الفِنْدلاوي، فقيه مالكي مغربي الأصل ثم صار مدرِّس المالكية بدمشق، وكان عالماً عابداً زاهداً أخذ عنه ابن عساكر وغيره، له كتب منها (تهذيب المسالك في نصرة مذهب مالك) و(فتوى الفندلاوي) توفي سنة 543هـ. (سير أعلام النبلاء) 20/209 ومقدمة تحقيق (تهذيب المسالك) 1/93.
([60])   (تهذيب المسالك) 4/10 باختصار.
([61])   (الإجماع) لابن المنذر ص133 و(مراتب الإجماع) لابن حزم ص151.
([62])   يسميه الجمهور (فاسداً) و(باطلاً) من غير تفريق لأن الحكم واحد وهو وجوب الفسخ، وأما الحنفية فيسمون ما نهي عنه لعينه (باطلاً) وما نهي عنه لوصفه (فاسداً) فالأول يوجب الفسخ، والثاني هو مسألتنا.وانظر (تيسير التحرير) 2/236 و(تحفة المسؤول) 2/97 و(الإحكام) للآمدي 1/131 و(شرح الكوكب المنير) 1/473.
([63])   الملاقيح: جمع (مَلْقوح) وهو جنين الناقة. (النهاية في غريب الحديث والأثر) 4/263، وانظر حكاية الإجماع على بطلان بيع الملاقيح في كتاب (الإجماع) لابن المنذر ص129.
([64])   (التفريع) لابن الجلاب 2/180 و(المعونة) 2/1074.
([65])   (العزيز في شرح الوجيز) للرافعي 4/122 و(روضة الطالبين) 3/410.
([66])   (شرح منتهى الإرادات) 3/237 و(كشاف القناع) 3/245.
([67])   (المبسوط) 13/22 – 23 و(فتح القدير) 6/404 – 405.
([68])   من الآية 100 سورة المائدة.
([69])   (أحكام القرآن) لابن العربي 2/156 بتصرفٍ يسير.
([70])   (الجامع لأحكام القرآن) 6/305.
([71])   هو عبدالله بن عمر بن محمد البيضاوي ناصر الدين، فقيه شافعي أصولي مناظر من القضاة، له كتب منها (شرح المحصول) و(شرح المنتخب) و(شرح مختصر ابن الحاجب) كلها في الأصول، و(الغاية القصوى) في الفقه، و(شرح الكافية) في النحو، توفي سنة 685هـ وقيل 691هـ. (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 2/172.
([72])   (أنوار التنزيل) للبيضاوي 1/465 والغريب أن البيضاوي في (المنهاج) 1/462 أنكر عموم نفي المساواة، غير أنه تابع فيه أصله وهو (الحاصل) 2/319 وصاحب (الحاصل) تابع أصله وهو (المحصول) 2/377.
([73])   (التفريع) 2/216 و(المعونة) 3/1336.
([74])   (روضة الطالبين) 9/258 و(مغني المحتاج) 4/57.
([75])   (شرح منتهى الإرادات) 6/98 و(كشاف القناع) 6/21.
([76])   انظر المصادر السابقة.
([77])   (بدائع الصنائع) 7/254 و(فتح باب العناية) 3/349.
([78])   الآية 35 سورة القلم.
([79])   من الآية 20 سورة الحشر.
([80])   من الآية 28 سورة ص~.
([81])   هو إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني المصري، فقيه شافعي من أكابرهم، وهو تلميذ الإمام الشافعي، من كتبه (المبسوط) و(المختصر) و(المنثور) و(الترغيب في العلم) و(المسائل المعتبرة) توفي سنة 264هـ. (طبقات الشافعية) للإسنوي 1/34.
([82])   كَفِيئاً: أي مثيلاً ومساوياً. (تاج العروس) 1/230 مادة (كَفَأَ).
([83])   (مختصر المزني) ص247 بتصرفٍ يسير.
([84])   انظر كتابه (الذخيرة) 12/356 والغريب أن القرافي ممن أنكر عموم نفي المساواة كما سبق في القسم النظري، وهذا عين ما وقع فيه القاضي البيضاوي كما سلف في المسألة السابقة.
([85])   (المبسوط) 26/85.
([86])   انظر مثلاً (كشف الأسرار في شرح المنار) للنسفي 1/275 و(الوافي في أصول الفقه) 1/235 و(كشف الأسرار عن أصول البزدوي) 2/191 و(الردود والنقود) 2/148 و(التقرير) للبابرتي 2/886 و(فصول البدائع) ص221، 486 وغيرها.
([87])   المستأمن: هو الكافر الذي دخل دار الإسلام بأمانٍ طَلَبَه. (المطلع) للبعلي ص262.
([88])   (تخريج الفروع على الأصول) ص304.
([89])   من الآية 12 سورة فاطر.
([90])   (الحاوي الكبير) 1/40 و(الأشباه والنظائر) لتاج الدين السبكي 2/145 – 146.
([91])   (الشرح الصغير) 4/187.
([92])   (مغني المحتاج) 4/375.
([93])   (شرح منتهى الإرادات) 6/475.
([94])   (بدائع الصنائع) 7/3.
([95])   من الآية 36 سورة آل عمران.
([96])   هو محمد بن علي بن عمر التميمي المازَرِيّ، فقيه مالكي أصولي يُعْرَف بـ (الإمام)، من كتبه (شرح صحيح مسلم) و(شرح التلقين) في الفقه، و(نظم الفرائد في علم العقائد) و(إيضاح المحصول من برهان الأصول) توفي سنة 536هـ. (الديباج المذهب) 2/250.
([97])   (إيضاح المحصول من برهان الأصول) ص311.
([98])   من الآية 19 سورة فاطر، ومن الآية 58 سورة غافر.
([99])   من الآية 50 سورة الأنعام، ومن الآية 16 سورة الرعد.
([100])   من الآية 24 سورة هود.
([101])   (الأشباه والنظائر) 2/146.
([102])   هو علي بن زكريا بن مسعود المنبجي، فقيه حنفي فاضل، كان من علماء الحنفية ببيت المقدس، أخذ عنه الحافظ البِرْزالي وغيره، من كتبه (اللباب في الجمع بين السنة والكتاب) و(شرح معاني الآثار) للطحاوي، توفي سنة 686هـ. (تاج التراجم) ص210 و(هدية العارفين) 1/713.
([103])   (اللباب في الجمع بين السنة والكتاب) 1/251.
([104])   من الآية 9 سورة الزمر.
([105])   (نكت القرآن) لابن القصَّاب 4/13 – 14 و(الإكليل) 3/1151 و(روح المعاني) للألوسي 12/237.
([106])   من الآية 10 سورة الحديد.
([107])   (شرح صحيح البخاري) لابن بَطَّال 5/79 وراجع مَنْ مَثَّل للقاعدة بالآية الكريمة أو استدل بها في (أحكام القرآن) لابن العربي 4/134 – 135 و(الجامع لأحكام القرآن) 17/206 – 207 و(الأشباه والنظائر) لابن السبكي 2/147 و(تشنيف المسامع) 2/687 و(النجم الوهاج) 2/363 – 364 و(مرقاة المفاتيح) 3/193 و(تحفة الأحوذي) 2/32.
([108])   (المقدمات الممهدات) 2/63.
([109])   (مغني المحتاج) 2/8.
([110])   (شرح منتهى الإرادات) 3/158.
([111])   (بدائع الصنائع) 5/135.
([112])   من الآية 20 سورة الحشر.
([113])   الآية 35 سورة القلم.
([114])   من الآية 19 سورة الرعد.
([115])   انظر (تهذيب المسالك) 4/309 و(الوافي في أصول الفقه) 1/235 و(أحكام أهل الذمة) 1/219.
([116])   من الآية 75 سورة النحل.
([117])   انظر (رؤوس المسائل) للشريف أبي جعفر 1/464 و(الحاوي الكبير) 5/266 و(البيان) للعمراني 7/245 و(أحكام القرآن) لابن الفَرَس 3/248 – 249 و(التفسير الكبير) للرازي 20/87 و(المغني) لابن قدامة 6/259 و(الذخيرة) 5/308 ، 309 و(اللباب في علوم الكتاب) لابن عادل الحنبلي 12/123.
([118])   من الآية 100 سورة المائدة.
([119])   من الآية 34 سورة فصلت.
([120])   من الآية 28 سورة ص~.
([121])   من الآية 21 سورة الجاثية.
([122])   (أحكام القرآن) لابن العربي 2/156 – 157 و(الجامع لأحكام القرآن) 6/304 – 305 و(أحكام القرآن) للتهانوي 4/35 – 36.
([123])   السِّدْر: هو شجر النَّبِق، أوراقه غسول طيب الرائحة. (لسان العرب) 4/354 مادة (سدر).
([124])   من الآية 22 سورة فاطر.
([125])   وَقَصَتْهُ: أي رمتْ به فانكسرت عُنُقُه. (النهاية في غريب الحديث والأثر) 5/214.
([126])   الحديث أخرجه البخاري 1849، 1850 ومواضع أخرى، ومسلم 1206.
([127])   راجع الخلاف في المسألة في (التجريد) للقدوري 4/1831 و(تهذيب المدونة) للبراذعي 1/596 و(البيان) 4/204 و(الحاوي الكبير) 4/122 و(المغني) 5/118.
([128])   من الآية 28 سورة ص~.
([129])   الآية 18 سورة السجدة.
([130])   هو يوسف بن عبدالله بن محمد بن عبدالبر النمري، فقيه مالكي من كبار المحدّثين، له كتب منها (الكافي) في الفقه، و(الاستذكار) و(التمهيد) كلاهما شرح للموطأ، و(جامع بيان العلم وفضله) و(بهجة المجالس وأنس المجالس) و(الاستيعاب) في تراجم الصحابة، توفي سنة 463هـ. (الديباج المذهب) 2/367.
([131])   (التمهيد) لابن عبدالبر 14/347.
([132])   انظر للاستزادة مسائل أخرى استدل لها بعضهم بالقاعدة في (الفصول في الأصول) 1/71 – 72 و(الحاوي الكبير) 8/331 ، 9/101، 9/104 ، 17/148 و(الانتصار) لأبي الخطاب 2/466 – 467 و(نكت القرآن) 4/13 – 14 و(أحكام القرآن) لابن العربي 1/318 و(الكشاف) للزمخشري 4/496 و(إيضاح المحصول من برهان الأصول) ص311 و(تهذيب المسالك) 3/701 و(شرح صحيح البخاري) لابن بطال 7/546 و(شرح التلقين) للمازري 2/666 ، 2/667، 2/683 و(البيان) 9/19، 9/121، 9/201 و(أحكام القرآن) لابن الفَرَس 3/248 – 249 و(المقدمات الممهدات) 1/353 و(المغني) 9/391 و(اللباب) للمنبجي 1/251 و(الجامع لأحكام القرآن) 4/69 و(الذخيرة) 7/162، 10/226 و(كشف الأسرار شرح المصنف على المنار) 1/274 – 275 و(الوافي) للسغناقي 1/235 و(الكافي شرح البزدوي) 2/851 و(كشف الأسرار) للبخاري 2/191 و(الغرة المنيفة) للغزنوي ص203 و(شرح مختصر الخرقي) للزركشي 4/256 و(أحكام أهل الذمة) 1/219 و(الردود والنقود) للبابرتي 2/148 و(التقرير لأصول البزدوي) 2/886 و(تبيين الحقائق) 6/229 و(فصول البدائع) ص221، 486 و(فتح الباري) 11/208 و(شرح منتهى الإرادات) 1/560 و(إرشاد العقل السليم) لأبي السعود 8/233 و(معونة أولي النهَى) 7/110، 9/60 و(اللباب) لابن عادل 12/123 و(حاشية على تفسير البيضاوي) لشيخ زاده 4/479 و(البدر التمام) للمغربي 5/369 و(روح المعاني) 14/254 – 255 وغيرها.
([133])   هو ابن الوزير في كتابه (المصفَّى في أصول الفقه) ص513 كما سبق في مقدمة البحث.
([134])   هو المَقْبَلي في كتابه (نجاح الطا لب) ص372 كما تقدم في المقدمة.
([135])   الآية 18 سورة السجدة.
([136])   ينبغي التنبيه على أمرين: أحدهما أن المعتزلة كما سبق في موضعه من البحث ليسوا قائلين بعموم نفي المساواة، وقد عملوا به ههنا!! إلا أن يكون من قبيل إلزام الخصم بدليلٍ يحتج به، وثانيهما أن المعتزلة والخوارج يتفقون على حكم الفاسق في الآخرة وهو دعوى خلوده في النار، فأما في الدنيا فيختلفون، فقال الخوارج بأنه ليس بمسلم بل كافر، وقال المعتزلة بأنه في منزلة بين المنزلتين، وإن حكى بعضهم خلافاً بين الخوارج أنفسهم، فانظر (الفَرْق بين الفِرَق) للبغدادي ص73، 115.
([137])   (تفسير الماتريدي) 8/340 وفيه جواب شبهتهم من وجوه أخرى.