أنت هنا

أهمية استغلال أوقات شهر رمضان
1 رمضان 1437
اللجنة العلمية

لما كان الوقت هو الحياة، وهو العمر الحقيقي للإنسان، كان حفظه أصل كل خير، وتضياعه منشأ كل شر، ولما كانت أيام شهر رمضان وساعاته ودقائقه ذهبية لا تُعوض، كان لابد من وقفة تُبين قيمة الوقت في يوم الصائم وليله. فإنه إذا عرف الإنسان قيمة شيء ما وأهميته حرص عليه وعزَّ عليه ضياعه وفواته، وهذا شيء بدهي، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصًا على حفظه واغتنامه فيما يقربه من ربه، وها هو الإمام ابن القيم -رحمه الله- يُبين هذه الحقيقة بقوله: "وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مرَّ السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوباً من حياته.... فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته"([1]).

 

 

ويقول ابن الجوزي -رحمه الله-: "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم فيه الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمة من غير فتور بما لا يعجز عنه البدن من العمل"([2]).

ولقد عني القرآن الكريم والسنة بالوقت من نواحٍ شتى وبصور عديدة، فقد أقسم الله به في مطالع سور عديدة بأجزاء منه مثل الليل، والنهار، والفجر، والضحى، والعصر، ومعروف أن الله إذا أقسم بشيء من خلقه دلَّ ذلك على أهميته وعظمته، وليلفت الأنظار إليه وينبه على جليل منفعته. وقد جاءت آيات كثيرة تحثُّ على استغلال بعض الأوقات نحو قول الله "جل جلاله":(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا)([3])،ومثل وصف ما كان عليه حال المتقين نحو قول الله تعالى (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)([4])، وجاءت آيات أُخرى تحثُّ على المسابقة في تحصيل الخير استغلالاً للوقت كما في قوله تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) ([5]).

 

 

وجاءت السنة لتؤكد على أهمية الوقت وقيمة الزمن، وتقرر أن الإنسان مسئول عنه يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل "رضي الله عنه" أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يـُسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه"([6]). وأخبر النبي "صلى الله عليه وسلم" أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت، وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، يقول "صلى الله عليه وسلم": "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ"([7]).

 

 

والوقت الذي هو الليل والنهار هو كرأس مال الإنسان في التجارة، يحافظ عليه العاقل، ويتحفظ في تصرفه أن يذهب إن أساء العمل، أو نقص فيخسر ويندم. فهكذا عمره في هذه الحياة هو الذي يربح إذا استغله في الخير والعلم والعمل الصالح، ويخسر في ضد ذلك، فيجب على العاقل أن يهتم بشغل فراغه فيما يعود عليه بالفائدة العائدة عليه بالخير في دنياه وأخراه، متذكرًا أنّه مسئول ومحاسب عن زمانه، ولعل من الأسباب المعينة على استغلال هذه الأيام المعدودات استشعار قيمة الوقت، وأن له شأناً عند الله، وأن يعلم الصائم أن هذا الوقت هو رأس ماله؛ فإن ضيعه ضاع رأس ماله، وإن حفظه فالربح حليفه. وعلينا أن ندرك أن مفاتيح استغلال الوقت بأيدينا نحن وليس علينا سوى أن نُشمر عن ساعد الجد، فإنما هي أيام معدودة وليال قليلة.

 
 
([1]) الداء والدواء لابن القيم، ص (239).
([2]) صيد الخاطر (1/3).
([3]) الآية رقم (79)، من سورة الإسراء.

([4])  الآية رقم (17)، من سورة الذاريات.

([5]) الآية رقم (133)، من سورة آل عمران.

([6]) أخرجه بهذا اللفظ الطبراني في المعجم الكبير، رقم (111)، وغيره بألفاظ مختلفة، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم (3593).

([7]) أخرجه البخاري، في كتاب الرقائق، باب ما جاء في الصحة والفراغ وأن لا عيش إلا عيش الآخرة، رقم (6049).