بالثَّبات ندخل الجنَّات
26 رمضان 1432
سعد العثمان

ها هو رمضان قد أوشك على مفارقتنا، ولا ندري إن كنَّا سنستقبله في العام القادم أم لا، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون قد جعلنا من عتقاء هذا الشهر الكريم، ولكن!! ماذا بعد هذا الشهر؟!.

من الكياسة أن تكون بعد رمضان أفضل مما كنت قبله، وحينئذ تدخل في الصالحين.

هناك فرق بين أن تعمل الصالحات، وبين أن تكون من الصالحين.

هناك فرق بين أن تلعب ألعابًا رياضية، وبين أن تكون بطلاً!!.

قال الله تعالى:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) العنكبوت: 9، من كثرة ما عملوا الصالحات أطلقنا عليهم لقب البطولة أبطال الصلاح، وهذه لا بد لها من منهج، فلنقرأ الحد الأدنى من المنهج الذي يجعلك من الصالحين، والصالحون متفاوتون ولكنَّهم زمر كثيرة، أقلُّ ما ينبغي لكي تخرج من الذين آمنوا وعملوا الصالحات إلى بطولة الصالحين، أن تراعي هذه الوقفات بعد شهر رمضان المبارك:

 

الوقفة الأولى: رمضان ضيف.

رمضان حل علينا ضيفاً عزيزاً، ولكلِّ ضيف يوم لا بد أن يغادر فيه، وأنا وأنت ياعبد الله على هذه الدنيا ضيوف، لا بد أن نغادرها يوماً ما، فلنستعد لهذا اليوم بالطاعة والصلاح والتقوى والإيمان.

 

الوقفة الثانية: رمضان والإنسان.

رمضان يشبه الإنسان، حين يأتي يفرح أهله بقدومه، ويضحك الجميع بمولده، ورمضان كذلك يفرح كل مؤمن بقدومه، ويتبادلون التهاني بحضوره، وعندما يغادر الإنسان هذه الدنيا يبكي على فراقه القريب والحبيب، ورمضان كذلك يبكي على وداعه كل مؤمن.

 

الوقفة الثالثة: رمضان لك أو عليك.

رمضان انطلق بعد أن حل ضيفاً عزيزاً غالياً علينا لمدة 30 يوماً، ولكن!! هل سيكون شاهداً لنا بالحسنات والقيام والصيام، أم سيشهد علينا بالسيئات والمعاصي والغفلة عن طاعة الله؟؟ ورحل وهو يبكي حسرة علينا وعلى أحوالنا ... نسأل الله أن يتقبل منا رمضان كما بلغنا رمضان، ووفقنا لصيامه وقيامه وتلاوة القرآن أناء ليله وأطراف نهاره.

 

الوقفة الرابعة: احذر أن تكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا.

احذر أخي أن تكون مثل امرأة مجنونة كانت بمكة، اسمها ريطة بنت سعد، كانت تغزل طول يومها غزلاً قويًا محكماً، ثم تنقضه أنكاثا، أي: تفسده بعد إحكامه، فقال تعالى:(وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل:92.ومعنى: (تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) أي: تعاهدون قوماً على أن تكونوا معهم، وهذا العهد خديعة، فإذا وجدتم أمة أربى منهم ـ أي: أكثر وأعز ـ غدرتم بعهد الأولين وعاهدتم الآخرين.

أخي الحبيب: ماذا تقول لامرأة جلست طوال شهر كامل تصنع ملبساً من الصوف بالمغزل حتى ما إن قرب الغزل من الانتهاء نقضت ما صنعته.
هذا المثل يمثل حال بعضنا؛ فبمجرد انتهاء شهر رمضان، سرعان ما يعود إلى المعاصي والذنوب؛ فهو طوال الشهر في صلاة وصيام وقيام وخشوع وبكاء ودعاء وتضرع وهو بهذا قد أحسن غزل عباداته... لدرجة أن أحدنا يتمنى أن يقبضه الله على تلك الحالة التي هو فيها، من كثرة ما يجد من لذة العبادة والطاعة، ولكنه ينقض كل هذا الغزل بعد مغرب أخر يوم في رمضان.

 

الوقفة الخامسة: احذر أخي من أن تكون مثل بلعم بن باعوراء.

وهو رجل من بني إسرائيل، ذاق حلاوة الإيمان وآتاه الله آياته، ثم انقلب على عقبيه واشترى الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، وانسلخ من آيات الله كما تنسلخ الحية من جلدها. قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الأعراف:175- 176.

وهذا التحذير القرآني ينطبق على من ذاق حلاوة طاعة الله تعالى في رمضان، فحافظ فيه على الواجبات وترك فيه المحرمات، حتى إذا انقضى الشهر المبارك انسلخ من آيات الله وأصبح صاحباً ورفيقاً للشيطان.

 

الوقفة السادسة: أخي المسلم احذر الشيطان بعد رمضان.

إن الشياطين يُطلق سَرَاحُها بعد رمضان وتفكُّ قيودها، ولكنَّ كيد الشيطان ضعيف كما أخبرنا ربنا سبحانه، ومن اعتصم بالله عصمه الله من مكايد الشيطان.

الشيطان عدو يغفل عنه الكثير ولا يعمل له حساب إلا من رحم ربي رغم علمنا بعداوته لنا وتحذير الله لنا بقوله:(إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ )فاطر6.

 الشيطان عنده رسالة وهي أن يدخلك النار وعنده أهداف واضحة لتلك الرسالة، وهي أن يجعلك تقع في المعاصي والذنوب التي تكون سبباً في دخولك النار، وكي تهدم كل ما فعلته في رمضان من طاعات، وأنا وأنت ما هي رسالتنا في الحياة ؟؟ ما هي أهدافنا ؟؟ ما واجبنا تجاه ديننا ؟؟. أم أننا نعيش لنأكل ونشرب ونتزوج.

 

الوقفة السابعة: الله الله في المحافظة على الصلوات الخمس جماعة وخصوصًا صلاة الفجر.

فنحن أثبتنا لأنفسنا في رمضان؛ أننا قادرون على أداء صلاة الجماعة في المسجد، وقادرون على صلاة الفجر يومياً، فلنحافظ بعد رمضان على الصلوات في المسجد قدر استطاعتنا، الصلاة نور لك في حياتك، وفي قبرك، وعند الصراط، الصلاة بركة في المال والعيال، الصلاة إن صلحت صلح سائر العمل، فالله الله لا نُفرط في الصلاة بعد رمضان. ولا تحرم نفسك أيضا من قيام الليل ولو يوم واحد في الأسبوع.

 

الوقفة الثامنة: لا تهجر القرآن بعد رمضان.

لا تكن ممن يقرأ القرآن في رمضان فقط، ويهجره سائر العام، فالقرآن أنزل لنتلوه في رمضان وغير رمضان. أنت استطعت أن تقرأ كل يوم جزء، أو جزئيين، أو ثلاثة، واجتهدت في ذلك، وخصصت وقت لذلك، من يومك فحاول أن تجعل لنفسك ورد يومي ثابت من القرآن ولا تكن ممن قال تعالى عنهم جل جلاله على لسان النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم:( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً )الفرقان:30.
الوقفة التاسعة: أكثِرْ من ذكر الله.

اجتهد بعد رمضان على أن تكون من الذاكرين لله والذاكرات، يحميك من شر كلِّ ذي شر، وتنال الأجر العظيم، حافظ على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وأذكار الخروج من المنزل، استغل وقت فراعك في العمل، أو ذهابك إليه، بذكر الله.

 

الوقفة العاشرة: الصحبة الصالحة.

اختر من يعينك على طاعة الله بعد رمضان، فالمرء على دين خليله، والأخلاء يوم القيامة بعضهم لبعض عدو إلا المتقين، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، فاختر صاحباً إذا رأى منك معصية حذَّرك، ودلَّك على طريق الخير، وكما تريد أنت صديق حسن الخلق؛ فصديقك يريد أيضاً صاحباً يشدُّ على يديه فانوِ الخير في نفسك لتنال ما تريد.

الوقفة الحادية عشرة: ما المقبول في رمضان؟؟ وما المردود ؟؟.

* من علامة قبول الطاعة، الطاعةُ بعدها، فاحرص على الطاعة والخير، والقرآن، والإيمان، والصدقة، والصيام بعد رمضان لتكن من المقبولين إن شاء الله.
* حاول بعد رمضان أن تحدث تغييرا في حياتك بعد رمضان إلى الأحسن وأن تنتصر على نفسك وشيطانك.

* لا تغتر بعبادتك، ولا تقل لقد صمت رمضان كاملاً، بل احمد الله أن وفَّقَك وبلغك شهر رمضان، شهر الخير والإحسان، واحمدْه أن وفََّقك أيضاً لصيامه وقيامه، فكم من محروم وممنوع!! واستغفر الله، فتلك عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد كل طاعة.... الاستغفار.

* الهدف من الصيام هو التقوى كما قال تعالى في كتابه:( يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )البقرة:183. إذاً فالهدف
من الصوم هو التقوى، فإذا تحققت فيك التقوى، مع نهاية الشهر؛ فقد قبل منك رمضان بفضل الله، لقد سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع. رواه مسلم. وروى مسلم أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله، ما دووِم عليه، وإن قل ). فعلى المسلم أن يلزم نفسه بقدر من العبادات، يستطيع أن يداوم عليها، ولو كانت قليلة، فإنها ستكون كثيرة بالمداومة عليها، وسيكون محببا إلى رب العزة سبحانه وتعالى.

 

الوقفة الثانية عشر: لا تنس صيام ستٍ من شوال.

من الأعمال الصالحة التي تشرع لنا بعد رمضان، صيام ستة أيام من شوال، عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم:( من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فذلك صيام الدهر ) رواه مسلم.

وذلك أنَّ شهر رمضان بعشرة أشهر؛ لأنَّ الحسنة بعشر أمثالها، وستة أيام بستين يوماً أي: بشهرين، وذلك يعادل أجر صيام سنة كاملة، فلا يفوتكم هذا الفضل العظيم.

ولا يشترط في هذه الأيام الستة التتابع، ولا أن تكون مباشرة بعد يوم العيد، بل يجزئ صيام أي ستة أيام من شوال. ويمكن أن يجعلها في أيام الاثنين والخميس أو في غيرها.

عزيزي القارئ: وفقني الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.