أعيادنا بهجة وعطاء
1 شوال 1432
سلوى المغربي

نتيجة لمرور الزمن وتدافع الأحداث ولكثرة الأعباء قد يفقد الكثير من الكبار الفرحة بقدوم كل عيد , بل وربما يخشون قدومه , ولا يعيد إلى قلوبهم تلك الفرحة إلا رؤيتها في أعين أطفالهم , فما أجمل هذه الأيام المباركات التي منحها الله لعباده المؤمنين لمن صام وقام إيمانا واحتسابا جائزة من الله عز وجل لعباده على صبرهم وتسليمهم وحسن اتباعهم .

 

وحق على كل مسلم أن يسعد ويفرح بقدوم العيد , وواجب عليه أن يدخل السعادة على أهل بيته ومن حوله , كما ينبغي عليه أن يحرص على نشر الفرحة بالعيد في المحيطين به بأن يقوم بواجباته تجاه الفقراء والمحتاجين , فأعيادنا دائما ما تكون تعبيرا عن خضوع المسلم لله عز وجل في الطاعة والعمل القلبي والبدني والعطاء المادي .

 

فعيد الفطر يأتي بعد الصيام والقيام وتلاوة القرآن وتدارسه والاعتكاف , ويأتي عيد الأضحى بعد أداء فريضة الحج لمن يسر الله له حج بيته الحرام , ويأتي بعد اغتنام العشر الأوائل من ذي الحجة في طاعة الله عز وجل والعبادة لمن لم يقدر له الحج , فتكون الفرحة الحقيقية يفرح المسلم بتمام نعم الله عليه وفضله وكرمه فكما يقول سبحانه " قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" .

 

ويخطئ بعض الناس في تعاملهم مع أسرهم في الأعياد حيث يحرم نفسه وأطفاله من الفرحة به والسعادة فيه ,  فيحمل بعض الآباء والأمهات أطفالهم فوق طاقتهم ويجعلون من العيد أيام هم وغم لوجود مشكلات خاصة بهم أو مشكلات عامة بالمسلمين ويظنون أن هذا هو الخلق الإسلامي في الأعياد ويظنون أنهم يتقربون بفعلهم هذا إلى الله سبحانه .

 

فالطفل يظل دائما وأبدا طفلا له الحق في أن يقضي طفولته في مرح وسعادة بقدر استطاعة الأبوين مع تذكير متقطع بقضايا المسلمين لكي لا تمل نفوسهم , فكما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التعامل مع الأبناء في هذه المناسبات , فقد رخص صلى الله عليه وسلم في اللهو المباح والمرح وإظهار السعادة في تلك الأيام المباركة لأنه شعيرة من شعائر الإسلام , فرُوي عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : إن أبا بكر دخل عليها والنبي عندها في يوم فطر أو أضحى، وعندها جاريتان تغنيان بما تَقاوَلَت به الأنصار في يوم حرب بُعاث، فقال أبو بكر: أمزمار الشيطان عند رسول الله! فقال النبي: "دَعْهما يا أبا بكر؛فإن لكل قوم عيدًا، وإن عيدنا هذا اليوم".

 

ولكن هناك أمورا يجب أن نقف عندها حتى لا تنسينا الفرحة بالعيد واجباتنا وعبادتنا , وعلينا كآباء وأمهات الانتباه إلى أن يرانا أبناؤنا قدوة صالحة لهم , وألا تلهينا فرحتنا الواجبة في العيد التزامنا بآداب وأحكام العيد , فينشأ الأبناء في جو إيماني ويسعدوا بحبهم للعطاء والبذل للفقراء والمحتاجين , ونغرس في نفوسهم حب الغير وترك الأنانية 

 

وهناك مقترحات وأفكار عملية حتى نقرب أبناءنا من تعاليم الدين في تلك المناسبات , ولإشاعة الفرحة بين عموم المسلمين  :

- تحديد مبلغ ولو بسيط وتوزيعه على كل فرد من أفراد الأسرة , وأن يقوم كل واحد بالبحث عن فقير أو محتاج ممن حوله وإعطائه ذلك المبلغ .

-  المشاركة في توصيل الصدقات لمستحقيها , فيمكنهم الذهاب مع الوالد لمن يعرفهم من المحتاجين وإعطائهم الهدايا والنقود لكي يعتادوا العطاء .

 

- مراجعة الملابس التي تكتظ بها خزائن حفظ الملابس الخاصة بأطفالنا , فتخرجها الأم بمساعدة أبنائها , ويختاروا بأنفسهم ما تطيب نفوسهم بإخراجه  بشرط أن تكون مناسبة أن يرتديها غيرهم بأن لا تكون معيبة في ذاتها , حتى ينالوا أجر المشاركة في الصدقة بما يملكون , وأن تكرر الأم عليهم أثناء ذلك قول الله سبحانه " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ " .

 

وكذلك يمكن اختيار أغراض ليسوا في حاجة لها , أو يستطيعون شراء غيرها حتى لو كانت لا تزال جديدة , وإعطائها لمن يحتاجها بعد تغليفها وتقديمها لهم بطريقة حسنة .

-  يمكن أن تصطحب الأم أبناءها إلى السوق , وتشتري لبعض من فقراء الحي أو العائلة ملابس خاصة بهم جديدة تناسب احتياجاتهم حتى تعلمهم أن العطاء ليس فقط بما يُستغنى عنه .

- تعويد الأبناء على التبسم في وجه من يعطونه تلك الصدقات , بل يمكن تعطيرها وكذلك تعطير النقود قبل إعطائهم إياها فهي تقع في يد الله عز وجل قبل أن تقع في أيدي المحتاج عملا بسلوك أم المؤمنين رضي الله عنها.

-  إخبار الأبناء أن الأغنياء  أكثر حاجة لهذا البذل وهذه الصدقات , وهم أكثر استفادة من الفقراء بها , لأن الأغنياء يرجون بهذا الثواب من الله عز وجل والعفو والعافية والجنة , وأن الجنة أغلى من أي ثمن يدفع لها , ففي الحديث الذي رواه الطبراني عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أدخل على أهل بيت من المسلمين سرورا لم يرض الله ثوابا دون الجنة " .

- وفي صبيحة يوم العيد تقوم الأم بإعداد وجبة إفطار خفيفة وسريعة قبل الذهاب إلى صلاة العيد , فهي سنة عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وتحرص على وجود التمر فيها إتباعا للسنة المطهرة  .

- الذهاب جميعا إلى المصلى حتى وإن كان هناك عذر شرعي يمنع الأم أو بناتها من أداء الصلاة , فالأمر لا يقتصر فقط على الصلاة , بل مشاهدة تجمع المسلمين وإحياء لسنة الحبيب , فقالت أم عطية الأنصارية رضي الله عنها :" أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نُخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيّض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين ".

وبمثل هذه الأفكار التي قد لا تنتهي بحسب اجتهادات كل أم وبحسب معرفتها بأبنائها وبطبائعهم , فيكون يوم العيد يوم فرحة تملأ كل القلوب ويوم عطاء بلا حدود , ويتعلم أبناؤنا أن رمضان لم ينته في قلوبنا , بل سيظهر السلوك الرمضاني جليا في طاعتنا لأمر الله ورسوله بعد رمضان في إخراج الصدقات ومنها زكاة الفطر , ليعيشوا معنا المعنى السامي لتلك العبادة ويتعلموا أنها قربة لله عز وجل وتطهير للنفوس وجبر للصيام بإخراجنا إياها فتتأصل عندهم فكرة أن ما نخرجه للفقراء نحن أحوج إليه منهم .

وبمثل هذه التصرفات تشيع السعادة في نفوس المؤمنين أغنياء وفقراء , صغارا وكبارا

تقبل الله طاعتكم كل عام وانتم بخير