المرآة الجديدة
29 شوال 1435
د. خالد رُوشه

لو نظرنا إلى كثير من الناجحين المؤثرين أصحاب الإنجازات , لوجدنا أنه ليس مهما في حياتهم ابدا متى بدؤوا ولا ما هي ظروف بداياتهم , بل المهم والأكثر تأثيرا أنهم بالفعل استقرت قلوبهم ونفوسهم وعقولهم في حالة تآلفية مع ما يريدون إنجازه . بالأمس القريب نظرت ورائي فتألمت كثيرا وتحسرت على اشياء فاتتني من الخير , لكن هذا الألم لم يعن لي شيئا إلا التحسر والنكد حتى الآن , وسيظل كذلك إلى أن أحوله إلى طاقة مؤثرة أستجمع فيها ما تيسر لي لأنجز شيئا أحبه وأشعر فيه بأنني قدمت شيئا يرضي ربي وينفع الناس ويصلح عالمي الذي أحيا فيه . كثير منا خطط لأشياء كثيرة وطافت به أحلامه نحو أماني كثيرة , لكنه أخفق ولم يستطع تحقيقها , وبعض هؤلاء قد اصابته النكسة والخذلان فقعد وعجز , وبعضهم أكمل طريقه وصبر وثبت واستعان بالله سبحانه وبدا من جديد بعزم جديد و استطيع أن أزعم أن كثيرا من هؤلاء قد حقق الآن شيئا إيجابيا . لذلك فمن أهم الدروس التي يحكيها الحكماء هو قولهم " ضع لحظتك الراهنة نصب عينيك .. تستطيع أن تفعل فيها إنجازك " هذا أيضا مفهوم مدعوم من الرؤية الإسلامية , فأنت مطالب – دينيا – بواجب اللحظة - , ومن واجب اللحظة إتقان العمل " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" ( أخرجه الطبراني وصححه الالباني ) . كما أن من واجب اللحظة التوبة على ما فات من تراجع في طريق الإيمان وتقصير في جنب الله سبحانه . كما أن من مهام اللحظة إصلاح ما أفسدت وإقامة ما تسببت في اعوجاجه . إن المؤثرين الكبار لم ينكسروا أمام عقبات الحياة , سواء أكانت تلك العقبات مشقة أو فقرا أو غيرها , إنهم لم يجعلوا أنفسهم مثل غيرهم , ولم يجعلوا آثارهم مثل آثار غيرهم تندثر بعد سني حياتهم . لكنهم قهروا أجسادهم وأتعبوها في سبيل آمالهم العظيمة , سأل ابن الإمام أحمد والده يوما – وقد رآه مريضا متعبا مرهقا – فقال : ياأبت متى الراحة؟ فقال له الإمام : عند أول قدم أضعه في الجنة .. وفي صحيح مسلم لما سئلت عائشة رضي الله عنها:" هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا ؟ قالت نعم , بعدما حطمه الناس " .. نستطيع إذن أن نضحي براحتنا في مقابل الآمال العليا , نستطيع أن نتكبد المشاق من أجل الأهداف الكريمة , من أجل تحقيق إنجازات نحقق بها ذواتنا ونصلح بها مجتمعاتنا ونرضي بها ربنا . لاشك أن أجسادنا لم تتعود ذلك , ونفوسنا لم تألفه و لكن علينا أن نعودها ونربيها على عظائم الأمور حتى لو لم تكن تألفها , فخير الأعمال من الصالحات ما أكرهت عليه النفس . نستطيع تقليل ساعات الراحة وتكثير ساعات التعلم , نستطيع أن ندرب أنفسنا على التفكير الإيجابي وتقييم قدراتنا وإمكاناتنا , وعندما نصل إلى تلك الخطوة علينا أن ندرب أنفسنا تدريجيا لنصل بها إلى ما نريد . علينا كذلك أن نتابع حركتنا الإنجازية متابعة تشجيع , وندون بطريقة علمية نقاط وعلامات طريقنا الذي نسير فيه ايا كان الاختيار . من ثم ينبغي علينا الاهتمام بالجانب العلمي فيما نريد تحقيقه وبخبرة العلماء والخبراء فسؤالهم ومناقشاتهم ستوفر عليك وقتا وجهدا وزمنا . وبالتدريج والتدريب سنجد أن نفوسنا وأجسادنا وأوقاتنا تعطينا شكلا آخر , ووجها آخر لدرجة أننا قد لا نعرف أنفسنا –من التغيير الإيجابي – بعد فترة قليلة !