التلبية بالتوحيد وأمل جديد
8 ذو الحجه 1436
د. خالد رُوشه

ومهما كان الشعور بتفرق الأمة والألم لتقطع أوصالها , فإن الحج يأتي ليرطب الجراح العميقة , ويخفف الأحزان المتشعبة , ويعطي الأمل في وحدة الصف , واجتماع الكلمة .

 

 

ومهما سادنا شعور بالاستيئاس , وضعف بريق الآمال في استرجاع قوة أمتنا الإسلامية وعودة مكانتها , واستعادة عزتها وكرامتها , فإن التلبية بالتوحيد تأتي ليجتمع المسلمون من أقاصي الأرض وأدانيها , كلهم تملؤهم العزة بدينهم , ويحدوهم الأمل في قرب تحقيق موعود ربهم الذي لا يتخلف بالنصر والتمكين .

 

 

فالحج يجمع الشمل، وينمي الولاء ويعيد الحب ويدعو إلى النصرة، وإذا كان المسلمون يجمعهم مصدر واحد في التلقي وقبلتهم واحدة، فهم في الحج يزدادون صلة واقتراباً، حيث يجمعهم لباس واحد، ومكان واحد، وزمان واحد، ويؤدون مناسك واحدة.

 

 

إنها أمة التوحيد , تجتمع لترفع شعار لا إله إلا الله , محمد رسول الله , وتصدع بالحق تلبية يملؤها التوحيد والبراءة من الشرك .

 

 

و في الحج ترسيخ لعقيدة البراء من المشركين ومخالفتهم؛ يقول ابن القيم: "استقرت الشريعة على قصد مخالفة المشركين لا سيما في المناسك".

 

 

لقد لبى النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، خلافاً للمشركين في تلبيتهم ، وأفاض من عرفات مخـالـفـاً لقريش حيث كانوا يفيضون من طرف الحرم، كما أفاض من عرفات بعد غروب الشمس مخالفاً أهل الشرك الذين يدفعون قبل غروبها.

 

 

ولما كان أهل الشرك يدفعون من المشعر الحرام (مزدلفة) بعد طلوع الشمس، فخالفهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، فدفع قبل أن تطلع الشمس.

 

 

وأبطل النبي صلى الله عليه وسلم دعوى الجاهلية كما في خطبته في حجة الوداع، حيث قال : " كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع" أخرجه مسلم ..

 

 

 يقول ابن تيمية في الاقتضاء : "وهذا يدخل فيه ما كانوا عليه من العادات والعبادات  مثل: دعواهم يا لفلان، ويا لفلان، ومثل أعيادهم، وغير ذلك من أمورهم"

 

 

ونحن لا نزال نجتمع في الحج معلنين عزتنا بتوحيدنا , وبراءتنا من كل صور الشرك , داعين الله سبحانه على الثبات عليه حتى ان نلقى ربنا سبحانه بكلمة النجاة , فإن لهذه الأمة سمتها التوحيدي المتميز , ولها شعارها ودثارها الخالي من دنس الشرك , التي به تسبق الأمم , وتستقر في جنة عرضها السموات والأرض .

 

 

إن التلبية دعوة واضحة لجميع العالمين للدخول في التوحيد , وإعلان عالمي باستمساكنا بتوحيدنا وثباتنا عليه , وبكل ما يدعونا إليه الإله الحق الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدا .

 

 

لقد علمنا ربنا سبحانه أن النصرة إنما تأتي بكمال التوحيد والإخلاص فيه لله سبحانه , وان الصبر والثبات على التوحيد هو طريق الانتصار في كل المعارك , " فإن النصر مع الصبر وإن مع العسر يسرا " أخرجه أحمد

 

 

يقول ابن كثير " وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها ; ولهذا قال تعالى : " ألا إن نصر الله قريب " وفي حديث أبي رزين : " ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده ، و قرب غيره ، فقال أبو رزين : أويضحك الرب عز وجل ؟ قال : نعم . فقال : لن نعدم من رب يضحك خيرا " .( صححه الألباني في " الصحيحة " 6 / 732)