أنت هنا

عندما تضيع الفرصة
13 جمادى الأول 1426

هناك مسألة مهمة يغفل عنها بعض طلبة العلم أو بعض الدعاة، ألا وهي عدم التنبه إلى تغير الظروف والأحوال، وتبدل الدول والأمم، إنهم يظنون أن الأمور كما هي في السابق والجمود هو المسيطر، وكأن الزمن توقف، ولا يعلمون أن هذا ليس من طبيعة الأشياء، ولا من سنن الله في الخلق، فقد تتغير سياسة دولة أو سياسة مؤسسة أو جماعة، أو عقلية مفكر أو عالم، والذي لا يلاحظ هذا التغير يستمر في نظرته القديمة ومحاكمته للقضايا قبل عشر سنين أو عشرين سنة، ويصر على آرائه التي بناها في الماضي، وهنا ستكون قراراته وقراءاته أقرب إلى الوهم والغلط، وستكون تصرفاته مغايرة لما يجب أن يكون.

إننا في الواقع المشاهد نجد أناساً حصل لهم تحول في أفكارهم وانتقلوا من مواقع إلى مواقع أخرى، انتقلوا مثلاً من فكر علماني أو قومي أو عصراني إلى فكر إسلامي ومنهج إسلامي، والذي لا يتابع هذا التطور سينظر إلى هؤلاء نظرة الناقد، ويحذر الناس من أفكارهم، ومن ثَمَّ لا يستفيد من كتاباتهم المتأخرة.

هناك دول بدأت تتفهم ما يجري حولها، وما يجري في العالم، وراحت تتعامل مع الناس بطريقة مختلفة، والذي لا يدرك هذا التغيير سيظل محصوراً وأسيراً لأفكاره السابقة. هناك علماء ودعاة كان لهم اجتهاد في بعض القضايا ثم رأوا أنهم كانوا على خطأ، وبادروا إلى تصحيح هذا الخطأ، فيظن الذي لا يتابع ما يجري على الساحة الفكرية أن هؤلاء الدعاة غيروا وبدلوا، ويبدأ بالطعن عليهم.

يقول ابن خلدون وهو يحلل سير التاريخ والمجتمعات، ويتكلم بعمق عن هذه الظاهرة: "ومن الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن تبدل الأحوال في الأمم والأجيال بتبدل الأعصار ومرور الأيام، وهو داء دويّ شديد الخفاء، ذلك أن أحوال العالم والأمم وعوائدهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو انتقال من حال إلى حال وكما يكون ذلك في الأشخاص، فكذلك يقع في الأقطار والأزمنة والدول، سنة الله في عباده.."(1).

___________
(1) مقدمة ابن خلدون 1/320.