سباق نحو الجنان...
24 ربيع الأول 1427
علي الزباني

(الجزء الثالث من سلسلة موضوعات للكاتب بعنوان: جدد حياتك العائلية)
إن الآباء والأمهات حقاً هم من يفكرون أن يجتمع شمل أسرتهم في الجنة فنزرع الخير فيهم لنحصده غداً وكم من والد لم ينل مرتبته من الجنة وفقه الله بالوصول إليها بصلاح ابنه وحفظه للقرآن الكريم فلنعود أبناءنا على الخير ونحثهم عليه فإن الخير عادة وإليك بعض الأفكار المعينة على ذلك:
• علمهم القرآن واجعل بينهم منافسات في حفظه فمن يحفظ جزءا في شهر ينال جائزة كبرى وهكذا حتى يختم كثير منهم كتاب الله _جل وعلا_.
• الصلاة الصلاة فهي شعار البيوت المؤمنة ومن صلحت صلاته صلح عمله كله.
• البذل والصدقة فلنتصدق في ثياب لم نلبسها أو لعب لم نستعملها وغيرها مما يصلح للصدقة ويستحب ترغيبهم في مثل هذه الصدقات والذهاب بهم أيضاً لأماكن الفقراء والمساكين والأيتام وغيرهم حتى يحسوا بقيمة النعمة التي يعيشون فيها.
• يستحب أيضاً ترغيبهم في النوافل كصلاة الضحى والسنن الرواتب وغيرها صيام يوم من أهل البيت جميعاً من أعظم ما يقوي إيمانهم وحبذا لو كان الإفطار في مكان خارج المنزل
• حثهم على المبادرة للمسجد والحرص على الصف الأول والاتفاق مع إمام المسجد للثناء عليهم.
• الذكر حصن حصين فليكن لهم منه نصيب في يومهم وليلتهم ومتابعتهم على ذلك.
• علم أولادك صلة الأرحام بأخذهم معك إلى أقاربهم وأهليهم.
• الخلق الحسن شعار المؤمنين فليكن لأولادك نصيب من محاسن الأخلاق وجوامع الآداب فذكرهم بآداب المخبر والمظهر بآداب التحية والاستئذان آداب الزيارة والمحادثة والصحبة والضيافة والآداب مع الوالدين وعيادة المرضى وغيرها من الآداب التي حثت عليها شريعتنا المطهرة.
• شاركه العبادة وكن معه ليلة من الليالي.
• الاشتراك في عمرة وحبذا الذهاب مع أحد الأبناء لتتوطد العلاقة فيما بينكم.
• هناك مجموعة كثيرة من الآباء والأمهات يشكون مع مشاكل مع أولادهم المراهقين فخذ أحد هؤلاء الأبناء المراهقين واذهب معه في عمرة ثم عش معه يومين أو ثلاثة في ذلك المكان الرائع ثم ابدأ بعد ذلك في معالجة وتغيير وبأسلوب جميل ورائع وهادف وسترى أثر هذه الرحلة بعد ذلك.

مكتبة الطفل:

يحتاج عقل الطفل لاهتمام بالغ لجميع المؤسسات التربوية ولذا فإن فكرة إنشاء مكتبة الطفل من الأمور الهامة لتغذية فكره وتنمية عقله وتنشيط خياله وتربية وجدانه ومشاعره وتهذيب نفسه كذلك وبناء على هذا فإنه واجب اليوم على المختصين إعداد مكتبة نموذجية للطفل وتكون في متناول يده فإن العلم لا يكون سراً ويمكن وضع مكتبة في المنزل أو مكتبة متنقلة أو تطوير مكتبة المدرسة وهكذا وينبغي المسارعة في هذه المشاريع فإن القراءة رافداً مهماً للرقي والتحضر وبنظرة عاجلة لحركة نشر كتب الأطفال في العالم يتضح لك الأمر جلياً واضحاً فقد جاءت إحصائية التعاون والاهتمام بالأطفال في مجال القراءة كالتالي:
الطفل الأمريكي: نصيبه من الكتب في العام 13260 كتاباً.
الطفل الإنجليزي: نصيبه من الكتب في العام 3838 كتاباً.
الطفل الفرنسي: 2118 كتاباً
الطفل الإيطالي: 1340 كتاباً
الطفل الروسي: 1485 كتاباً في العام

أما المكتبة العربية: فكتب الأطفال قد وصل عددها في أحد الأعوام 322 كتاباً فقط وأكثر من 54 مليون طفل يمثلون 42% من العدد الكلي للسكان وتشير إحصائية منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) إلى أن متوسط قراءة الطفل في العالم العربي لا يتجاوز 6 دقائق في السنة وأكد المنظمة الدولية إلى أن مجموع ما تستهلكه كل الدول العربية مجتمعة من ورق ومستلزمات الطباعة أقل من استهلاك دار فرنسية واحدة فلنبدأ في تكوين مكتبة تكون زاداً لأبنائنا في حياتهم وتربيتهم بها ليحصل تربية لأولادهم بعد ذلك ولنحسن في اختيار الكتب المناسبة للأسرة جميعاً من كتب مصورة وكتاب تفسير وفقه وحديث وأدب ورحلات ومسابقات وأشرطة سمعية ومرئية وانظر بدايته في القراءة إلى أن يصل إلى سن المراهقة.

وتعجبني قصة ذكرها الدكتور: محمد الوهابي أشرككم فيها أيها الإخوة لتشعروا بأهمية القراءة وتربية الأبناء يقول الدكتور محمد الوهابي –وهو أديب وطبيب للأطفال:
بينما أنا عائد يوماً من هولندا إلى بلجيكا بالقطار كان بجانبي سيدة هولندية بمعية ابنها الصغير وفجأة بدأ الصغير في البكاء ففتحت أمه حقيبة يدها وسلمت له ماذا أيها الإخوة ؟
سلمت له مالاً ؟
أو حلوى ؟
أو عصيراً ؟
لا إنها سلمت له كتاباً وراح يقرأ بأعجوبة وارتياح وانقطع عن البكاء واستغربت من هذه الحادثة؛ لأنني ظننت أن الهولندية ستسلم لابنها الحلوى فإذا بها تقدم له زاداً نفسياً لا ينضب معينه وهو الزاد الفكري والذي يحتاجه أطفالنا كثيرا.

وثمة تجربة قامت بها أحد الأخوات فقد وضعت في أحد أركان المنزل كرسياً مريحاً وله وسادة للقدمين ومزود بإضاءة موضوعة بجانبه ويعرب هذا الكرسي في وسط العائلة بكرسي القراءة وإلى جانبه وضع جدول ليقوم الأب بوضع مواعيد لحجز الكرسي للقراءة وبجوار الكرسي كان هناك منضدة وضع عليها الكثير من الكتب المتنوعة والمجلات.

إنها تجربة والأفكار كثيرة لتفعيل هذه القضية المهمة في حياة أبناءنا إننا يجب أن نوقن -أيها الآباء أيتها الأمهات أيها المربون- أن أمة لا تقرأ أمه لا تنهض فلنحرص على هذه القضية أيتها الإخوة والأخوات.

فتى القرآن:
إن ربط أبنائنا بالقرآن سبب من أسباب ثباتهم على الطريق المستقيم _بإذن الله جل وعلا_ فينبغي على الوالدين تعليم الطفل القرآن الكريم منذ صغره وقد قال السيوطي:
تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام فينشؤون على الفطرة وتسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الأهواء منها وسوادها بأكدار المعصية والضلال.

ولهذا قد تولى هذه المهمة كبار أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_، فقد روى أبو يعلى أن سعد بن أبي وقاص _رضي الله عنه_ كان يأخذ ولده مصعب، ويقول له: قد قال نبينا _صلى الله عليه وسلم_: خياركم من تعلم القرآن وعلمه ثم يأخذ بيد مصعب ويبدأ في تعليمه القرآن الكريم وكان أنس _رضي الله تعالى عنه_ يجمع أهله وأولاده بعد ختمه للقرآن وهاهو ابن عباس _رضي الله تعالى عنه_ قرأ المحكم وهو ابن عشر سنين واستمر الناس على مثل هذا الخلق العظيم فلقد كان القاضي الورع عيسى بن مسكين بعد صلاة العصر في كل يوم يدعوا ابنتيه وابنتي أخيه يعلمهن القرآن والعلم وكذلك فعل أسد بن الفرات بابنته أسماء بل من القصص العجيبة التي ذكرها الذهبي _رحمه الله_ في السير: أن الضحاك بن مزاحم معلم القرآن كان يطوف على حماره لكثرة طلابه فقد بلغ طلابه ثلاثة آلاف طالب وهذا يدل على اهتمام سلفنا الصالح بالقرآن الكريم.

والبيت الذي يُتلى فيه هذا القرآن بيت خير وبركة ولهذا قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: إن البيت الذي يُتلى فيه القرآن يتسع بأهله ويكثر خيره وتحضره الملائكة وتخرج منه الشياطين وأن البيت الذي لا يُتلى فيه كتاب الله -عز وجل- يضيق بأهله ويقل خيره وتخرج منه الملائكة وتحضره الشياطين وإذا أراد الإنسان أن يعرف هل هو محب لله ورسوله فليرَ اعتناءه بهذا القرآن العظيم قال ابن مسعود _رضي الله عنه_ لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا بالقرآن فإن كان يحب القرآن ويعجبه فهو يحب الله ورسوله.

ولذا فإنه من المناسب -أيها الإخوة والأخوات- إحياء مثل هذه البرامج التي تتعلق بكتاب الله -عز وجل- حتى يكون في بيوتنا لدينا فتى القرآن وكذلك فتاة القرآن.

ومن البرامج العملية والأفكار التي يمكن أن يستغلها ويستفيد منها الوالدان في إحياء كتاب الله -عز وجل- داخل بيوتهم الأفكار التالية:
• حكاية قصص وأمثال كتاب الله _سبحانه وتعالى_ فالله -عز وجل- يقول: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ" (يوسف:3) وأسلوب القصة له حلاوة وتشويق وله أثر مباشر وسريع أيضاً على السامع والقارئ والقصص في كتاب الله -عز وجل- كثيرة منها ما هو قديم في الأمم السابقة ومنها ما هو غيبي سيأتي.

فلهذا لنقص على أطفالنا قصص القرآن حتى نربطهم بهذا الكتاب العظيم وحتى يتعلقوا به ويبدؤوا في حفظه والاهتمام به فلنقص عليهم مثلاً: آداب العفة من خلال قصة يوسف وأدب العلماء في قصة موسى والخضر وطاعة الأب والأم في قصة إبراهيم ووالده الحرف وعمل اليد في قصة صناعة السفينة من قبل نوح _عليه السلام_ عن الإخوة وآدابها في قصة يوسف علامات آخر الزمان في نزول عيسى وقصة يأجوج ومأجوج وقصة الدابة إذا أردنا مثلاً أن نحدثهم عن الشر ونحدثهم عن طلب الشيطان وعن فرعون والسحرة وعن أصحاب الفيل وعن النمرود وغير ذلك إن هذه القصص لا شك أنها ستربطهم في هذا الكتاب برباط الحب والشوق والإعجاب وأنهم دائما ًيتشوقون لسماعه وسماع قصصه.

ولهذا أيها الوالدان الكريمان أيها المربي الفاضل: حبب القرآن إلى أبنائك من خلال جلسة يومية أو أسبوعية أو شهرية كل منهم يحمل القرآن بين يديه ويسمع ما يقصه عليهم والدهم أو تقصه عليهم أمهم بطريقة وبصورة مشوقة ومحببة.

• ومن الأشياء والأفكار التي تربطهم أيضاً بكتاب الله _جل وعلا_ المنافسة والمسابقة فيما بينهم فالتسابق بين النفس وخاصة هؤلاء الأبناء الذين يكونون في عمر الزهور والنشاط والحيوية يحبون التسابق والتنافس ولا شك أن المسابقة والمنافسة لها أهمية كبيرة في حياة الأبناء فالتسابق والتنافس ينمي فيهم الروح الجماعية والابتعاد عن الفردية ويدربهم على فهم الحياة فتارة يربح وتارة يخسر ومرة يعرف الجواب ومرة لا يعرف ولهذا جاءت السنة النبوية بحث الناس على التسابق في هذا القرآن الكريم.

فالنبي _صلى الله عليه وسلم_ يقول في الحديث الصحيح: "اقرأ وارتق ورتل فإن منزلتك عند أخر آية تقرأها" ويقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ أيضاً: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها" ويقول _عليه الصلاة والسلام_ أيضاً فيما أخرجه أحمد ابن ماجه: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة".
كل هذه الأحاديث تدلنا على أهمية إحياء التنافس بين أبناءنا في هذا القرآن الكريم حتى يتعلقوا به ويحرصوا على تلاوته وحفظه.

ولهذا حببهم في هذا القرآن من خلال التنافس فيما بينهم في مسابقة كأن تقول لهم: من يخبرني كم جزءا في القرآن ؟ وكم حزب فيه ؟ كم عدد السور ؟ كم عدد الآيات ؟ كم عدد مواضع سجود التلاوة ؟ ما هي أسماء الأنبياء ؟ أو أسماء البلدان في القرآن ؟ أو الأقوام ؟ أو أسماء الحيوانات ؟ أو النباتات ؟ أو ما هي المهن التي ذكرت في كتاب الله -عز وجل- ؟ من يذكر لي سبب نزول سورة كذا ؟ أي سورة تعدل ثلث القرآن ؟ ما اسم عروس القرآن ؟ أي سورة تعصم من الجدال ؟ ما السورة التي تقرأ عند النوم ؟ وغيرها وغيرها من الأسئلة التي لا شك تحيي روح التنافس بين أبنائك والخلاصة -أيها الوالدان الكريمان-: اجعلا القرآن الكريم موضوع المسابقة والمنافسة بين الأبناء وأنت ذاهب إلى المدرسة وفي السيارة وفي النزهة وفي رحلة طويلة أو قصيرة حتى يتعلق الأبناء بكتاب الله -عز وجل- ويكون حبهم له أوسع.

• ومن الأفكار العملية أيضاً: أن تلتقي الأسرة في آخر كل أسبوع أو في يوم يحدد لهم في مكان رائع وهادئ وجميل تلتقي الأسرة فيه ويبدأ كل واحد منهم بتلاوة شيء من كتاب الله _جل وعلا_ وحبذا لو كان هناك تعليق من الأب أو الأم.

• ومن الأفكار العملية أيضاً: أن يكون القرآن شفيعاً له في الدنيا فلقد ثبت عن نبينا _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "البقرة وآل عمران تشفعان لصاحبهما" وفي الحديث الآخر أيضاً عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال: "يأتي القرآن والصيام شفيعاً يوم القيامة" فلم لا نجعل القرآن أيضاً شفيعاً لأبنائنا في هذه الحياة الدنيا فنقول مثلاً لابننا الحافظ أو الذي انتهى من ورده وقد ارتكب إساءة معينة نقول له سامحناك لأنك قرأت جزءاً أو حفظت سورة الكهف أو قرأت سورة الكهف يوم الجمعة إننا بهذه الطريقة سوف نحببهم في القرآن ونجعلهم يتعلقون به ويحبوه لأنه كان لهم شفيعاً في الدنيا قبل الآخرة.

ومن خلال هذه البرامج التي ذكرناها أو الأفكار العملية يمكن فعلاً أن يتعلقوا بكتاب الله -عز وجل- إلا أننا ينبغي أن نضيف إليها فكرة أخرى وبرنامجاً مهماً حتى يتعلقوا بهذا القرآن الكريم حفظهم لسور منه أو حفظه كاملاً وهذه أهم مرحلة تجعلهم يتعلقون بكتاب الله _سبحانه وتعالى_ ويمكن أن نجعل الحفظ بمستويات مختلفة على حسب أعمار الأبناء فنجعل مثلاً آيات منثورة أو سور معينة أو أجزاء ويمكن أيضاً أن يختلف أسلوب الحفظ فتارة قد يكون أسلوب فردي أو ثنائي أو جماعي من خلال حلقة قرآن كريم أو غير ذلك.

ومن المهم عندما نبدأ معهم في هذا المشروع في داخل بيوتنا أو إلحاقهم بحلقة تحفيظ للقرآن الكريم أن نذكرهم بأمور:
• أن نذكرهم بفضل العمل الذي يقومون به.
• وأن من حفظ كتاب الله -عز وجل- لن تمسه النار كما ذكر ذلك النبي _صلى الله عليه وسلم_ كما في جامع الترمذي.
• تقديم مكافأة لهم بين مدة وأخرى وينبغي أن تتعدد أشكال المكافأة ولا تكن دائماً مكافأة مالية.
• أيضاً متابعته فإن بعض الأبناء يحفظ جزءاً كبيراً من كتاب الله جل وعلا ولكن لا يجد متابعة في داخل البيوت وحبذا لو تابع الوالد والوالدة الحفظ الموجود عند ولدهم وتشجيعه في الاستمرار في حفظ كتاب الله _سبحانه وتعالى_.
• يمكن أيضاً تكريمه بحفل خاص به لتجاوزه لعشرة أجزاء أو خمسة أجزاء أو جزء إن كان صغيراً في السن.
• إشراكه في المسابقات سواء كانت المسابقات على مستوى المسجد أو على مستوى منطقة معينة أو غير ذلك.
• ومن الأشياء اللطيفة التي ينبغي أن يحرص عليها الوالدان مصاحبته إلى الحلقة كأن يذهب به الوالد إلى الحلقة حتى يشعر الولد باهتمام والده به.
وهذه الأفكار ستعينه _بإذن الله تعالى_ وستعينك أيها الوالد في تحبيبه بالحفظ وأن تجعله أيضاً مستمراً فيه حتى ينجز أكبر قد ممكن في فترة قليلة على أن يكون حفظه قوياً وثابتاً أيضاً في صدره.

البخاري الصغير:
ومن البرامج العملية أيضاً: وهو آخر هذه البرامج في هذا السلسلة المباركة _بإذن الله تعالى_ علمهم سنة نبيهم _صلى الله عليه وسلم_ .
لقد دعا رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ بالنضارة لمن حفظ أقواله _عليه الصلاة والسلام_ واعتنى بها فقد قال _صلى الله عليه وسلم_: نضر الله امرأ سمع مقالتي ووعاها.

إن حفظ أحاديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من أبواب محبته إضافة لما له من الأجر العظيم في حفظها وأيضاً الاهتمام في حفظ هذه الأحاديث يجعل الإنسان يعيش مع سنته _صلى الله عليه وسلم_ فتحقق للإنسان كمال الإقتداء والحب هذا الحب الذي كان أو تحقق في جمادات فأحبته حتى بكت لفراقه كما في حنين الجذع وكان الحسن _رحمه الله تعالى_ إذا حدث بحديث حنين الجذع بكى وقال: هذه خشبة تحن إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ فأنتم أحق إلى أن تشتاقوا إليه وصدق الشاعر حينما قال:




أعميت عيني عن الدنيا وزينتها   فأنت والروح شيء غير مفترق
إذا ذكرتك وافى مقلتي أرق   من أول الليل حتى مطلع الفلق
وما تطابقت الأجفان عن سنة   إلا وأنت بين الجفن والحدق

وأحمد بن حنبل الإمام الحافظ المقتدي بهدي نبينا _صلى الله عليه وسلم_ لقد لقننا درساً حينما قال: ما كتبت حديثاً إلا وقد عملت به حتى مر بي أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ احتجم وأعطى أبا طيبة ديناراً فأعطيت الحجام ديناراً حينما احتجمت بل ينقل صاحبه إبراهيم ابن هانئ واقعة أغرب من الخيال فيقول إبراهيم اختبأ عندي أحمد بن حنبل ثلاث ليال ثم قال لي: اطلب لي موضعاً حتى أدور قلت يا إمام إني لا آمن عليك يا أبا عبد الله فقال الإمام أحمد: النبي صلى الله عليه وسلم اختفى في الغار ثلاثة أيام وليس ينبغي أن نتبع سنته في الرخاء ونتركها في الشدة.

ومن القصص الظريفة في هذا المعنى أن تلميذاً كان يأتي إلى شيخه فيقول له: أريد أن أرى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في المنام فاستضافه ليلة عنده وقدم له وجبة العشاء وكانت مليئة بالملح ثم أكل ذلك التلميذ وكان جائعاً فلما انتهى من عشائه احتاج الماء فإن كثرة الملح تصيب الإنسان بكثرة العطش فلم يعطه أو قال له إن الماء غير موجود في هذا المنزل ثم نام ذلك الشاب فلما استيقظ بعد ذلك سأله الشيخ: وقال له: ماذا رأيت في منامك؟ فقال: رأيت الأمطار تمطر والأنهار تجري وبحار تسير فقال الشيخ: صدقت نيتك فصدقت رؤيتك ولو صدقة محبتك لرأيت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ولذا كان مالك بن أنس يقول: ما نمت ليلة إلا ورأيت النبي _صلى الله عليه وسلم_ في المنام.




وما تأخري جسمي عن لقائكم   إلا وقلبي شيق عجل
وكيف يقعد مشتاق يحركه   وبكم الحافزان الشوق والأمل
فإن نهضت مالي غيركم مطر   وإن قعدت فمالي غيركم شغل
وكم تعرض للأقوام بعدكم   يستأذنون على قلبي فما وصلوا

فلنَخُضْ غمار هذه التجربة, من خلال:
• إحياء أحاديث رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ في بيتنا, قولاً وعملاً.
أيضاً تحفيظ أبنائنا سنة النبي _صلى الله عليه وسلم_ ولنبدأ معهم مثلاً: بتحفيظهم الأربعين النووية, أو جمع أحاديث مختارة بعناية لصحابي واحد, وتكون صحيحة إما في البخاري أو في مسلم وتكون هذه الأحاديث قصيرة جداً ومن المناسب جداً أن يوضع في كل صفحة, ثلاثة أحاديث وتكون لصحابي واحد كأبي هريرة _رضي الله عنه_, ويكون الكتاب المخرج منه هذه الأحاديث هو كتاب واحد كالبخاري مثلاً, أو مسلم ثم يعطى لهذا الولد ثم يبدأ في حفظها, وهذه الأحاديث لاشك أنها سترسخ في ذهنه, خاصة إذا كانت ألفاظها قصيرة وغير طويلة .

أيها الإخوة والأخوات: لقد سعدت في السلسلة معكم في طرح هذه البرامج العملية التي نحاول من خلالها تجديد حياتنا العائلية.
وأذكر الإخوة والأخوات جميعاً أننا بهذه البرامج سوف نضفي جواً أخر داخل بيوتنا شعارنا فيه المودة والألفة والتفاهم, وكسر كل الحواجز داخل بيوتنا, ولكي نستفيد فعلاً من هذه البرامج, لا بد من التدرج في تطبيقها, والبدء بما يناسب أفراد الأسرة.
أسأل الله -عز وجل- أن يقر أعيننا جميعاً بصلاح أولادنا وأن يبارك لنا فيهم, وأن يوفقنا لكل خير.