أنت هنا

الزرقاوي.. رحلة الحياة والممات
13 جمادى الأول 1427

رغم سنواته الـ39 فقط التي قضاها في السفر والجهاد ومطاردة الأمريكيين وأعوانهم، كان أبي مصعب الزرقاوي من القلائل الذين وضعوا بصماتهم في الدنيا، وقاموا بأعمال خرجت عن دائرة (رد الفعل) الذي يعانيه الغالبية العظمى من الناس، وتحوّل إلى فاعل حقيقي في الحياة السياسية والعسكرية والاجتماعية وغيرها.

39 عاماً لم تكن تكفي لوصول أي من الرؤساء الأمريكيين للسلطة، ولم تكن تكفيهم أيضاً لدخول انتخابات الرئاسة، ولم تكف غالبية المشاهير من الوصول إلى شهرتهم التي وصلوها بعد سنوات طويلة.. أما الزرقاوي، فقد ساهمت أعماله ونشاطاته التي يراها البعض جهادية، ويراها البعض الآخر تخريبية؛ أن يصل إلى درجة أثار نبأ موته جميع وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية. وحتى قبل موته، لم تخل الغالبية العظمى من وسائل الإعلام في العالم من الحديث عنه وذكر أعماله وبياناته وتسجيلاته المصورة والمسموعة.

ولد أحمد فضيل نزال الخلايلة (الذي يتنمي إلى قبيلة بني حسن) في مدينة الزرقاء بالأردن، في 20 أكتوبر 1966، وفي الثمانينيات، عندما كان لا يزال شاباً يافعاً، سافر إلى أفغانستان للجهاد ضد الاحتلال السوفيتي إلى جانب المجاهدين الأفغان والعرب الذين هبوا للدفاع عن بلد مسلم من احتلال شيوعي ملحد.

وبعد أن كتب الله لهم النصر على السوفييت، بقي الزرقاوي في مدينة بيشاور الأفغانية يعمل هناك. وتؤكد الوثائق والتقارير والشهود هناك أن الزرقاوي لم يدخل في أي من الصراعات التي نشبت فيما بعد بين بعض الفصائل الجهادية بأفغانستان بعد التحرير، وبقي ملتزماً بمبدأ الجهاد ضد المحتلين فقط.
ثم قرر العودة إلى الأردن بهدف مواصلة الجهاد ضد الاحتلال "الإسرائيلي" في فلسطين، وفي عام 1991، حاول العبور عبر الحدود الأردنية الفلسطينية لدعم المجاهدين هناك وتقديم خبرته العسكرية التي اكتسبها في أفغانستان، إلا أن السلطات الأردنية اعتقلته، وأودعته السجن، وحاكمته بتهمة بيعة الإمام، وقضت المحكمة العسكرية وقتها عليه بالسجن 15 عاماً. وفي السجن، تعرّف الزرقاوي على عصام محمد البرقاوي، الملقب بـ (أبو محمد المقدسي) الذي تأثر بأفكاره إلى حد كبير.

وفي عام 1999، خرج الزرقاوي بناءً على عفو ملكي، إلا أن السجن لم يكن ليوقف طموحه ورغبته في الجهاد ضد الصليبيين واليهود، فحاول تنفيذ عملية تفجير ضد سياح "إسرائيليين" في الأردن. وحكمت عليه المحكمة الأردنية غيابياً بالإعدام، فتوجه إلى أفغانستان.
وعندما دخلت قوات الاحتلال الأمريكية أفغانستان، شارك الزرقاوي مجدداً إخوانه السابقين والجدد في الدفاع عن البلاد المحتلة، وانضم إلى صفوف المجاهدين في معارك تورا بورا، ونجا من القصف الأمريكي لها. قبل أن يقرر التوجه إلى العراق، بغية مقارعة الاحتلال الأمريكي الذي دخلها في مارس 2003.
قبل ذلك بأشهر، نفّذت عناصر فدائية عملية مسلحة ضد أجانب في الأردن، قتل خلالها الدبلوماسي الأمريكي لورانس فولي، ما اعتبرته السلطات الأردنية والولايات المتحدة أول عملية فدائية لجماعة الزرقاوي التي كانت في طور التشكيل.

استقر الزرقاوي في بداية الأمر، شمال العراق، وانضم إلى تنظيم (أنصار الإسلام) الكردي، الذي تصفه الولايات المتحدة أنه تنظيم سلفي.
الإدارة الأمريكية التي أحرجها عدم وجود أنشطة بيولوجية أو كيميائية في العراق، حاولت ادعاء وجود روابط بين النظام العراقي السابق وبين تنظيم القاعدة، فاستغلت وجود الزرقاوي في العراق، مدعية أنه صلة الوصل بين نظام الرئيس السابق صدام حسين وبين تنظيم أسامة بن لادن!! إلا أن تلك الادعاءات التي أطلقها كولن باول (وزير الخارجية الأمريكي) في فبراير 2003_قبيل اجتياح العراق_ ما لبثت أن تلاشت أمام العديد من الوقائع التي أثبتت عدم وجود أي صلة بين الجانبين.
وخلال احتلالها العراق، قصفت القوات الأمريكية معسكراً لتنظيم أنصار الإسلام، فقتل العشرات، إلا أن الزرقاوي نجا من القصف الأمريكي مجدداً، قبل أن يقرر خوض المعركة ضد الأمريكيين من وسط العراق.

هناك، أنشأ الزرقاوي _الذي بات أحد أهم المجاهدين المخضرمين ذوي الخبرة العسكرية_ تنظيماً جهادياً أطلق عليه اسم "جماعة التوحيد والجهاد" في أغسطس 2003، الذي استطاع منذ نشأته تنفيذ عمليات غاية في الدقة والقوة، منها تفجير مقر الأمم المتحدة الذي قتل فيه المبعوث الدولي في العراق، وتفجير ضريح شيعي في النجف لقي فيه محمد باقر الحكيم (زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الشيعية في العراق) حتفه هناك.

في أكتوبر 2004، بايع الزرقاوي أسامة بن لادن زعيماً له، ليتحول تنظيمه الجديد إلى "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" وليصبح ذراعاً عسكرياً للقاعدة ضد الأمريكيين في العراق.
نشر تنظيم الزرقاوي الجديد نوعاً مستحدثاً من العمليات الجهادية، ساهمت إعلامياً بكسر شوكة أمريكا التي كانت تتابع بهلع شديد الدقائق التي تمر من عمر رهائن أمريكيين بيد الزرقاوي، ليجهز عليهم بسكينه أمام كاميرا التصوير.
وباتت مناظر قطع الرؤوس مشهداً يتكرر في واقع وأحلام الأمريكيين والغربيين، الذين لم يتعودوا أن يروا قوة مناهضة للأمريكيين بهذه الخشونة، ولم يتعودوا أيضاً أن يتابعوا عبر وسائل الإعلام الفضائية؛ ما تحاول الإدارة الأمريكية إخفائه عنهم، من مناظر لقتل أمريكيين.

ففي مايو 2004، قطع الزرقاوي بيده رأس الرهينة الأمريكي نيكولاس برغ، ونشر مقطع الفيديو عبر الإنترنت، وفي سبتمبر من نفس العام، قطع بيده رأس الرهينة الأمريكي يوجين ارمسترونغ أيضاً ونشره عبر الإنترنت. فضلاً عن العديد من المقاطع التي تم تصويرها، وحظرتها وسائل إعلام مختلفة، لقطع رؤوس غربيين ومتعاونين عراقيين مع الاحتلال الأمريكي.

وفي 17 مايو 2004، أرسل الزرقاوي سيارة مفخخة لتغتال عز الدين سليم (رئيس مجلس الحكم العراقي آنذاك)، ما شكّل صفعة جديدة للموالين للاحتلال الأمريكي، رغم براعة التحصين والحماية.
كما أرسل سيارة مفخخة أخرى، قتلت 125 مجنداً في قوات الأمن العراقي بمدينة الحلة في فبراير 2005. ما حدا بالأمريكيين إلى وضع جائزة مالية قدرها 25 مليون دولار، مكافئة لإلقاء القبض عليه أو قتله.
وقام خلال شهر يناير 2006 بتفجير سيارات مفخخة لتعطيل الانتخابات البرلمانية، أسفرت عن مقتل 130 شخصاً على الأقل.

استطاع الزرقاوي مد أذرعه العسكرية، وصولاً إلى العاصمة عمان، التي نفّذ فيها مهاجمون تفجيرات في 3 فنادق، قتلت 60 شخصاً، ما أثار حفيظة عدد كبير ضده.
كما تحدثت أنباء أخرى عن وجود أتباع للزرقاوي في لبنان وفلسطين المحتلة.

في يناير 2006، أعلن الزرقاوي انضمامه لمجلس شورى المجاهدين، المؤلفة من 6 تنظيمات مسلحة في العراق.
وواصل الزرقاوي عملياته ضد القوات الأمريكية المحتلة وأعوانها من القوات العراقية الموالية لها، والميليشيات الشيعية التي كانت تستهدف العراقيين السنة، في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تضع فيه استراتيجيات عديدة لقتله وإبعاده عن الساحة الجهادية في العراق.

وفي مساء يوم الأربعاء، 7 يونيو ، أسقطت طائرات أمريكية نصف طن من المتفجرات على منزل بالقرب من مدينة البعقوبة، أسفرت عن مقتل الزرقاوي وعدد من مساعديه، لتنتهي حياة رجل بات حديث العالم لفترة طويلة.