أنت هنا

زواج فريند.. لمن أراد الزواج بدون مسؤوليات!
2 جمادى الثانية 1427

مع تنامي المشاكل التي تقيّد الشباب المقبلين على الزواج، واستيراد أفكار ونماذج غربية في العلاقات الإنسانية، ونشوء أجيال من المسلمين في الدول الغربية ضمن بيئة مليئة بالإباحية والتحلل من أية أنظمة أو قوانين دينية أو أخلاقية، وجدت بعض الجهات العلمية الإسلامية حلولاً "عصرية" تتناسب مع الواقع الجديد الذي تفرضه الحياة المعاصرة، لضمان ما يرونه "صيانة العفاف" و"عدم السقوط في الرذيلة".

"زواج فريند"، أو ما يعرف أحياناً باسم "الزواج الميسّر" أحد أكثر أشكال الزواج جدلاً في العصر الحديث، يراه البعض نموذجاً عصرياً لاتقاء الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويراه آخرون "تشريعاً" لممارسات جنسية صرفة، بعيدة عن أي شكل من أشكال العلاقات الاجتماعية المعروفة، فيما يراه البعض الآخر حلاً معقولاً، يضعون فيه الإثم _إن وجد_ على عاتق من شرّع لهم هذه الطريقة.
وقد يرى آخرون أنه يفسح المجال لأخطار أكثر مما يجنب من مشاكل، فيما يعده كثير من الشبان والشابات، طريقة ميسرة تجعل الزواج سهلاً وممكناً، بعيداً عن تعقيدات الحياة ومتطلباتها التي لا تنتهي.

وخلال السنوات التي تلت ظهور هذه الفتوى "المثيرة للجدل" اعترتها بعض التحريفات، وطالتها انتقادات من قبل الكثيرين، وانبرى للدفاع عنها آخرون.
وبين هذه وتلك، نحتاج لوقفة مع أسباب ظهور هذه الفتوى، وخصائص وسمات هذا الزواج العصري، وأهم الانتقادات والإيجابيات التي يراها البعض.

زواج فريند بديلاً عن البوي فريند:
يقول الشيخ عبدالمجيد الزنداني، الذي أطلق قبل نحو 3 أعوام؛ فتواه الجديدة حول إباحة "زواج فريند": " فتوى زواج فريند.. جاءت عندما كنت أتحاور مع أحد الإخوة القادمين من أوروبا، فجاء ذكر حال الشباب وما يتعرضون له من ضغوط ومفاسد حتى لا يكاد الأب يسيطر على ابنه أو ابنته؛ لأن المجتمع ضاغط عليهم ضغطاً شديداً، بل يأتي الولد إلى بيت أبيه ومعه صديقته، والأب والأم يعلمان أنها صديقته وأنه يعاشرها، وكذلك الفتاة تحضر الشاب إلى بيتها على أنه صديقها، والصديق والصديقة قد يكونان من الشباب المسلمين.. فقال لي ذلك الأخ: إن مشكلتنا هي (boy friend - girl friend) الصديق والصديقة، فأنا قلت: إن علاج المشكلة هي زواج فريند(Zawaj friend) ".

ومن ذلك الوقت، بدأ الحديث يدور حول "زواج فريند" كشكل عصري وجديد و"منفتح" يقدّم البديل الشرعي لأحد نماذج العلاقات المحرّمة في الغرب، والتي بات العديد من المسلمين هناك يقومون بها بسبب احتكاكهم المباشر بالمجتمع، والضغوط النفسية التي يعانون منها.

ويرى الشيخ الزنداني أن هذا الزواج، هو زواج كامل الشرعية؛ لأن فيه كافة الشروط الشرعية الواجب توافرها في أي شكل من أشكال الزواج بين الناس، مشيراً إلى أن "المنزل" ليس شرطاً شرعياً، وإنما هو مطلب اجتماعي بالدرجة الأولى، وعن ذلك يقول الشيخ: " زواج فريند يستند أساساً إلى الأركان الواجب توافرها في الزواج الشرعي والمحددة بوجود المأذون والشاهدين وصيغة العقد والمهر المتراضى عليه، إضافة إلى ما يستوجبه من إشهار لعقد الزواج وإعلانه، وليس في هذه الشروط وجود منزل مع الزوج".

مواقف شرعية ضد زواج فريند:
ويبدو أن تسمية الزواج بهذا الاسم، فتحت على الشيخ الزنداني باباً من الانتقادات، من بينها ما أشار إليه الشيخ الدكتور محمد الطبطبائي (عميد كلية الشريعة الإسلامية في جامعة الكويت)، حيث قال في تعليق له على الفتوى: "إذا توافرت الشروط الشرعية في الزواج فهو صحيح شرعاً ولا يجوز تسميته "زواج فريند"؛ لأن ذلك يوحي بأنه نوع جديد من الزواج".
إلا أنه بيّن عدم حرمانية ذلك الزواج، قائلاً: "أما عدم وجود المسكن الواحد فذلك من شروط الزوجة ولها أن تتنازل برضاها عن بعض حقوقها من المبيت والنفقة وذلك مشروط برضاها متى ما طالبت بذلك. وفي المقابل فالواجب على الزوج تحقيقه لها لأنه حق للزوجة".

ويرى الدكتور عبدالله المعتوق (المتخصص في الشريعة الإسلامية وأحد الذين عاشوا في أوروبا بهدف الدراسة)، أن "صيغة الزواج الشرعي لا يمكن تطبيقها للشاب المسلم إلا بوجود أركانه الشرعية كي نطلق عليه زواجاً شرعياً".
أما من ناحية حقوق الزوجة وعدم وجود منزل للزوجية، فيقول الدكتور المعتوق: "إن الزواج له حقوق ثانية، مثلاً: إذا قصّر الزوج أو الزوجة عن بعض الحقوق تجاه الآخر (النفقة، الطاعة، وجودها في البيت...) لا يبطل الزواج، لكن يصبح آثماً، لأن فيه تقصير تجاه الآخر".
وأضاف " بالنسبة إلى هذه الفتوى، فهذا الزواج لا يقي شبابنا من الانحراف، كما أن "فقه الأقليات" كمن يقول "شرّ أهون من بعضه" أي أهون الشرور فأنا درست في أوروبا وقالوا لي: أنتم المسلمون لديكم استقرار أسري وهم معجبون بهذا، فهل نهدم استقرار الأسرة من أجل فتوى؟".

الدكتور محمد رأفت عثمان (العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر) اتخذ في الموضوع رأي مناقضاً للشيخ الزنداني فيما يتعلق بحل المشكلة، فهو يرى أن هذا الزواج قد يجلب من المضار ما يفيض على المصالح، يقول: " هذه الفتوى إذا كانت تشترط في العلاقة التي ستنشأ بين الشاب والفتاة أن تكون قائمة على عقد زواجٍ مستوفٍ أركانه وشروط صحته من الناحية الشرعية؛ فهي بلا شك تحل جانباً من مشكلات الشباب المسلم في الدول الغربية، إلا أنها قد تخلق مشكلة أخرى بين هؤلاء الأزواج إذا حدث حمل، فمن سيقوم بتربية الولد الذي سينشأ بين زوجين متباعدين، أم أنهما سيرسلان ابنيهما إلى إحدى مؤسسات رعاية الأطفال مجهولي النسب؟! بالإضافة إلى ضرورة أن يعرف المخالطون لأسرة الزوجين أنهما متزوجان زواجاً شرعياً وأنهما تراضيا على هذا الوضع حتى لا يساء الظن بهما".
ويضيف بالقول: "لهذا أرى أن هذه الفتوى رغم أنها تحل مشكلة إلا إنها ستنشأ عنها مشكلات أخرى يجب البحث عن علاج لها".

وذهب البعض لأبعد من ذلك، عبر تحريم هذه الفتوى، وهو ما أطلقه الدكتور نصر فريد واصل (مفتي مصر الأسبق) حيث أفتى ببطلان فتوى الشيخ الزنداني معللاً ذلك بكونها تحصر الزواج في الشهوة التي يتساوى فيها الإنسان والحيوان، مضيفاً أن فقه الأقليات الذي يستند إليه الزنداني يتوقف عند حدود المعاملات الإسلامية كالبنوك وأكل الذبائح.
وممن عارض الفتوى أيضاً الدكتور عبدالمعطي بيومي (عميد كلية أصول الدين بالأزهر) والدكتورة سعاد صالح (أستاذة الفقه المقارن بالأزهر).
كما ترى ملكة يوسف (أستاذ الفقه والقانون المقارن بكلية الحقوق بالقاهرة) أن "الفتوى ما هي إلا مجرد رأي في مسألة اجتماعية وضحت أحكامها الشرعية في القرآن والسنة".
وأكدت يوسف لوكالة الأنباء الكويتية في حوار سابق معها، أن "هذا النوع من الزواج باطل بطلانا مطلقا فقانون الزواج الإسلامي حاكم لا محكوم مهما تغيرت الظروف فالزواج ليس مجرد أركان مادية فهو ميثاق وعهد غليظ مع الله ولا بد أن يقام على أسس معينة وان يراعي الولي شروط اشترطها الله".
وتساءلت عن "شرط القوامة في هذه الحالة والمسؤوليات الشرعية التي على الزوج من دون توفير سكن لها وهو غير مقيم معها أو دون أن ينفق عليها ثم ما مصير الأطفال الذين يأتون نتاج ذلك الزواج".

على الحياد:
الكثير من العلماء فضّل الوقوف على الحياد في قضية "زواج فريند" مشددين على أن أي زواج تكتمل فيه شروط العقد الإسلامي الشرعي، فهو حلال.
الدكتور محمد سيد طنطاوي (شيخ الأزهر) يقول عن تلك الفتوى: " لا شك في أن كل ما يؤدي إلى الحلال فهو حلال، وكل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، وقد بيّن لنا الرسول _صلى الله عليه وسلم_ أن "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات" يجب البعد عنها حتى لا نقع في المحظور، فهذه مبادئ عامة، ونظراً لعدم تكامل الفتوى وعدم إجابتها عن الكثير من التساؤلات حولها وظروف عقد الزواج.. وهل هو متكامل شرعاً؟ وهل نية الزوج أنه مؤقت أو مؤبد؟ وغير ذلك الكثير فإنني أستطيع القول بأن هناك شروطا يجب توافرها في عقد الزواج ليصبح صحيحاً في الشريعة الإسلامية".

وأوضح شيخ الأزهر أنه إذا كان عقد الزواج الذي أشارت إليه الفتوى تتوافر فيه شروط العقد الصحيحة، فهو حلال؛ لأنه من حق المرأة التنازل عن حقها في السكن أو النفقة برضاها، وليس للزوج إجبارها على ذلك، فإذا اشترطا ذلك وتراضيا عليه فلا مانع شرعاً؛ لقول الرسول _صلى الله عليه وسلم_: "المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً"، وقوله "إن أحق الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج".

الرحلة من زواج فريند إلى الزواج المسيّر:
بعد أن أطلق الشيخ الزنداني فتواه حول زواج فريند، شاب الموضوع عدد من الأفكار والآراء والتصورات الدخيلة التي أطلقها البعض، والتي جعلت من "زواج فريند" صورة قد تبدو للوهلة الأولى، طريقة لا أخلاقية للزواج، أو محاولة إضفاء شيء من الشرعية على ممارسات جنسية صرفة.
إلا أن الشيخ الزنداني الذي بدأ يواجه انتقادات من قبل البعض، غيّر اسم الزواج إلى "الزواج الميسّر" رغبة منه في درء الشبهات عن الاسم الأول، وتبيان أن الفتوى تهدف إلى تيسير الزواج، لا إلى استقدام فكرة غربية إباحية.
وقد دافع بعض العلماء والكتاب والمثقفين عن فتوى الشيخ حول هذا الزواج الميسر، وخاصة أولئك الذين يعيشون في الغرب، ورأوا الحجم الكبير من الضغوط النفسية والانحلال الأخلاقي في تلك المجتمعات، من بين هؤلاء، محمد بن المختار الشنقيطي (مدير المركز الإسلامي في ساوث بلين بولاية تكساس الأمريكية)، الذي كتب يقول: " رأي الشيخ الزنداني تعرض للتحريف والتبديل، ومن أسباب سوء الفهم الذي تعرض له هذا الرأي، وعدم استيعاب البعض له، ورود مصطلح "زواج فريند" ملتبسا، وترجمه البعض خطأ بـ"زواج الأصدقاء"، مما أعطى إيحاء بأن هذا الزواج لا يختلف في جوهره عن العلاقة المحرمة المعروفة بالإنجليزية بمصطلح "بوي فريند" و"جيرل فريند"، وبالعربية بـ"الخلان" و"الأخدان". وقد أحسن الشيخ الزنداني صنعا؛ إذ سحب مصطلح "زواج فريند" مؤخرا، واستبدله بمصطلح "الزواج الميسر"".

ويقول الشيخ الزنداني:" إن التيسير في الفقه الإسلامي المعاصر ومسايرته لحالة نشوء الأقليات المسلمة في الغرب يقضي بتيسير الزواج أمام شباب هذه الأقليات إلى أقصى حد ممكن، دون إخلال -بطبيعة الحال- بشروط الزواج الشرعية المتعارف عليها، وذلك من باب مساعدتهم على اتقاء شرور الفتن المحيطة بهم من كل جانب".
ويضيف الشيخ الزنداني قائلاً: " إنه بدلا من أن يدخل الشباب المسلم في الغرب في علاقات "بوي فريند" و"جيرل فريند" تأثرا بما هو سائد في محيطه الاجتماعي الغربي الغالب يجب أن تتاح له فرصة بناء علاقة زوجية ميسرة".

زواج لتجنب المسؤوليات:
يبدو أن الفتوى أو الرأي العلمي الذي أطلقه الشيخ الزنداني هو في الأصل، يتمثّل بالإبقاء على الواجبات الشرعية في الزواج الإسلامي، مع تجنب الواجبات الاجتماعية التي فرضها المجتمع، وهي ما يعطي الزواج الجديد فرصة أوسع للتخلص من مسئولياته في تأمين المنزل والأثاث والتربية وغيرها.
ورغم أن الكثيرين يرون أن هذا الزواج بحال انتشر، سيكشف مشاكل كبيرة وعديدة في المجتمعات العربية والإسلامية خصوصاً، إلا أن الشيخ الزنداني يرى أنها شكل عصري لحياة عاشها المسلمون طويلاً. حيث يقول في حوار أجرته معه صحيفة (الراية) القطرية: " كانت المجتمعات الإسلامية تحل هذه المشكلة بكل بساطة.. فالولد الذي يتزوج يتم إفساح مكان له في منزل أسرته ليتزوج - وكانت البنت التي يتزوجها تدخل منزل أسرته في الوقت الذي تخرج منه أخته لتذهب إلى بيت آخر هو بيت زوجها.. وكانت هذه المسألة تتم بكل بساطة وليس فيها أي إشكال".
ويضيف بالقول: " لكن اليوم عقّد الناس هذا الأمر ووضعوا أمامه عوائق ليست من الشرع".

وقد أجرت العديد من الصحف ووسائل الإعلام الأخرى تحقيقات مع الشارع العربي حول تقبله لهذه الفكرة، وبينت بعض هذه التحقيقات أن غالبية الشباب مع هذه الفتوى التي تحل لهم أزمة. خاصة في دول مثل مصر التي يعتبر فيها الزواج أمراً غاية في الصعوبة، لاعتبارات المنزل وقلة الدخل وارتفاع البطالة وغيرها.

المجتمع العربي والفتوى الجديدة:
العديد من العلماء في العالم العربي والإسلامي، أيدوا هذا الشكل الجديد من الزواج، وعوّلوا عليه طريقة شرعية لحل مشاكل أخلاقية واجتماعية، ورأى فيه الكثيرين طريقة سليمة للخلاص من الإثم وانتشار الفاحشة التي باتت تدخل منازل الكثيرين من حيث يدري البعض أو لا يدري.
ورغم أن هذه الزواج أريد به في البداية، إيجاد حل شرعي للعلاقات المحرّمة في الغرب، إلا أن العالم العربي _الذي يعاني من مشاكل قد تبدو في ظاهرة أقل قدراً من مشاكل الغرب_ وجد في هذه الفتوى الجديدة، طريقة مثلى للخلاص من قيود اقتصادية واجتماعية ونفسية.

ومع أن المجتمعات العربية لا تتقبل _بمعظمها_ فكرة أن يتزوج الشاب من فتاة دون وجود مكان لإقامتهما فيه، إلا أن بعض الشباب والشابات الذين أعيتهم الحيلة، وسار فيهم قطار العمر سنوات طويلة دون بصيص أمل في محطة مضيئة قريبة، قرروا اللجوء إلى هذا الشكل الجديد.
فغالبية المجتمعات العربية تعيش ضمن عادات وتقاليد تفرض عليها قوانين أخرى ليست مكتوبة، إلا أنها محترمة من قبل الجميع، ويحذر الناس من تجاوزها أو تخطيها، خوفاً من المجتمع، فيكون كل شخص منهم عاملاً جديداً في تثبيت هذا العرف، وفرضه على الآخرين.

ومن هذه العادات والتقاليد، تجهيز بيت الزوجية قبل العرس من قبل الزوج والزوجة. ففي بعض المجتمعات، يقع تأسيس وتأثيث المنزل على عاتق الزواج، وفي مجتمعات أخرى يقع تأثيث المنزل على عاتق العروس، والذي يجب أن يكون في الغالبية العظمى من الحالات، منزلاً مستقلاً، يضم كافة الغرف المطلوبة للحياة الكاملة، من غرفة نوم واستقبال وضيوف ومطبخ، مع كافة المتطلبات الأخرى.

والكثير من الزوجات يؤكدن على مبدأ عدم الانتقال إلى بيت الزوجية إلى حين يكون قد استوفى الشروط الصالحة للسكن الكامل و"السعيد".
وكل هذه العادات باتت _في مجتمعات كثيرة_ عاملاً إضافياً في تأخر الزواج لدى الشباب والشابات، يضاف إلى عوامل أخرى، كالدراسة والبحث عن العمل وتأمين مصاريف المهر والذهب والعرس، وغيرها.

وقد استطاع عدد من الناس تخطي هذه الحواجز، وتطبيق "زواج فريند" في مجتمعاتهم التي قد تنكر هذا في البداية، إلا أن تزايد أعداد المقبلين على هذا الشكل الجديد من الزواج، سيفرض واقعاً جديداً في تلك المجتمعات، وقد يتحول في يوم من الأيام إلى الشكل الأكثر قبولاً في مجتمعات معينة، خاصة تلك التي تعاني في الدرجة الأولى من الحصول على غرفة أو شقة صغيرة للسكن.

"زواج فريند" في الميزان مع أشكال الزواج الأخرى:
يعتبر "زواج فريند"، أو "الزواج الميسّر" من الناحية الشرعية، زواجاً مكتملاً، نظراً لاشتماله على جميع شروط الزواج الشرعي الإسلامي، بحال تم تطبيقه على الوجه الذي أفتى به الشيخ عبدالمجيد الزنداني. وهو مقارنة مع بعض أشكال الزواج الأخرى، يلغي شروطاً اجتماعية مقابل الاحتفاظ بالشروط الشرعية.
على سبيل المثال، في الزواج العرفي، فإن حقوق المرأة تكون مهضومة تماماً، حيث تكثر القضايا في المحاكم حول محاولة إثبات نسب الابن _بحال أنجب الزوجان طفلاً_، وقضايا حقوق الزوجة، كحق النفقة وغيره. وهو ما يحدث بكثرة في بعض الدول، وبالأخص مصر.

كذلك فإن "زواج المتعة" الذي نهى عنه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قبل وفاته، بعد أن كان مجازاً، يعتبر زواجاً محرماً. وهو الزواج الذي يقوم به الشيعة على وجه الخصوص، عبر تحديد وقت معلوم للزواج، ينتهي الزواج بنهاية الوقت.
يقول الشيخ الطنطاوي: " زواج المتعة المحرم شرعاً، وقد كان زواج المتعة مباحاً للضرورة القاهرة في بعض الغزوات ثم نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة قائلاً:" يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم بالاستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً"، وأكد هذا النهي في حجة الوداع".
وقد يبيّت البعض النية خلال الزواج بالطلاق بعد فترة معينة، خاصة أولئك الذين يعيشون في الخارج من أجل العمل أو الدراسة، وهو ما قد يجعل هذا الزواج محرماً. كما يرى الكثير من العلماء.
أما زواج المسيار، وهو ربما أقرب أشكال الزواج بزواج "فريند"، فإنه مجاز شرعاً، وتكثر في دول الخليج خاصة، وهو أن تتنازل الزوجة عن بعض حقوقها لدى الزواج، كالمبيت في منزل الزوجية لأيام معينة، أو وجود منزل للزوجية، أو المهر، وغيرها.

وكما هو معروف، فإن لأي زواج إسلامي شرعي عدة أركان، هي:
1- الصيغة وهي: الإيجاب من ولي الزوجة، كقوله: زوجتك أو أنكحتك ابنتي، والقبول من الزوج: كقوله: تزوجت أو نكحت.
2- الزوج: ويشترط فيه الشروط التالية:
- أن يكون ممن يحل للزوجة التزوج به، وذلك بأن لا يكون من المحرمين عليها.
- أن يكون الزوج معيناً، فلو قال الولي: زوجت ابنتي على أحدكم لم يصح الزواج لعدم تعيين الزوج.
- أن يكون الزوج حلالاً، أي ليس محرماً بحج أو عمرة.
3- الزوجة: ويشترط في الزوجة ليصح نكاحها الشروط الآتية:
- خلوها من موانع النكاح.
- أن تكون الزوجة معينةً.
- ألا تكون الزوجة محرمة بحج أو عمرة.
4- الولي: فلا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها، سواء كانت صغيرة أم كبيرة، بكراً أم ثيباً، لقوله _صلى الله عليه وسلم_: "لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها" رواه ابن ماجه.
5/ الشاهدان: والدليل على وجوب وجود الشاهدين في عقد النكاح قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" رواه ابن حبان في صحيحه.

فإن اشتمل أي زواج على هذه الشروط والأركان؛ كان زواجاً صحيحاً، ويبقى الخلاف فيه حول بعض الأمور الجانبية كحقوق وواجبات كل من الزوجين تجاه الطرف الآخر.
وحول هذه الأمور، دارت أهم الانتقادات الموجهة لزواج فريند.

انتقادات اجتماعية:
يرى الكثير من المتابعين لفتوى الشيخ الزنداني، أنها فتحت ثغرات في جوانب الأسرة الإسلامية الواحدة، وزادت من حدة الضغوط على الأسرة، بدل أن تيسر تشكيله.
من ذلك ما يكشفه محمد بن المختار الشنقيطي بالقول: "إن الإشكال الأهم الذي قد يترتب على هذا الزواج الميسر إذن ليس فقدان الزوجة حقا تنازلت عنه اختيارا، فليس في ذلك إشكال أصلا، وإنما الإشكال الجوهري هو الأولاد. فماذا لو أنجب الزوجان أولادا في هذه المرحلة ثم تطلقا. فالقوانين الغربية لا تعتبر هؤلاء الأولاد أولادا شرعيين، ولا تجعل الأب ملزما برعايتهم أو الإنفاق عليهم، ما دام الزواج لم يتم في محكمة. وقد يؤدي ذلك إلى تضييع الأب حقوق أولاده، دون أن تطاله يد القانون. وليس من حق الزوجة التنازل عن هذه الحقوق؛ إذ ليست حقوقا شخصية لها".

وخلال برامج تلفزيونية، منها ما بثته قناة (الجزيرة) الفضائية حول فتوى الشيخ الزنداني، رأت العديد من المشاركات في برنامج (للنساء فقط) أن الدعوة إلى زواج "فريند" فيه إجحاف بحق المرأة الشرعي في السكن والإنفاق من قبل الرجل وهو ما يقره الدين الإسلامي والنصوص القرآنية الكريمة التي تشير إلى قوامة الرجل على المرأة قال تعالى: " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض... الآية.".
وأشارت المشاركات إلى أن زواج "فريند" الذي دعا إليه الشيخ الزنداني لا يمكن الأخذ به في القرن الواحد والعشرون كحل لمشكلات الشباب الإسلامي كون الحجة التي يقوم عليها هي تيسير الزواج وعدم توفر السكن وهو الأمر الذي يتوفر في الغرب بيسر وسهولة.
واعتبرن الدعوة لهذا الزواج باطلة إذا كانت تشمل الغرب لأن شباب المسلمين في الغرب لا يعانون من عدم توفر السكن إضافة إلى أن هذا الزواج يضعف الكيان الأسري ويفكك الأسرة.
وأوضحت المشاركات بأن في هذا الزواج إجحاف لحقوق المرأة فالتخلي عن السكن هو تخلٍ عن حقوق المرأة والله _سبحانه وتعالى_ يقول: " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم".