أنت هنا

(الحق أحق أن يتبع ) حول أحداث لبنان
13 رجب 1427

الشيء الملفت للنظر في الأحداث الجارية وغيرها من الأحداث الكبيرة في المنطقة العربية والإسلامية أن لغة الحديث يجب أن تكون ضبابية وأن تغلف بالاحتمالات والاستثناءات والكلمات الدبلوماسية التي ليس لها معنى ومنهم من يظن أن إمساك العصا في الوسط وفي كل الحالات هو من السياسة الحصيفة ، ولا بد من الموقف الرمادي حتى لا يتهم من قبل الآخرين ، فيخرج برأي لا لون له ولا طعم ولا رائحة ، وأما الذي يبدي وجهة نظره بشكل واضح وصريح ، لا لف فيه ولا دوران ، فيتهم بأنه متشدد وأن صراحته جارحة ، وحتى الدول والدول الغربية خاصة تمارس هذا النوع من النفاق السياسي ، الذي يحتوي على كثير من الأهداف والأهواء المبطنة ، وحتى تفسر كل كلمة بعدة تفسيرات ، فلا أخلاق في السياسة كما يزعمون أو كما يريدون .

ولكن هذا النوع من التحليل السياسي يجب ألا يمارسه المفكر والعالم والداعية ، فهل يجوز له ألا يظهر رأي بصراحة ، أو يبدي قناعته. وهل يصح له ألا يقول كلمة الحق في وقت الناس بأشد الحاجة إليها. خاصة عندما تكون الصورة ملتبسة ومشوشة ، وعندما تكون فتنة كبيرة تجعل بعض الناس الذين لا يستطيعون التمييز بين الحق والباطل يقعون في مهاوي الضلالة .

هل من السياسة أن نزيد الصورة غموضا وارتباكا ، وهل هذا من الدين حيث أخذ على العلماء أن يقولوا الحق ولو كان مراً . أم إن السطحية الرخيصة قد سادت وتجذرت وأصبح القادة أتباع لعواطف الناس التي لا تنبع من دين أو عقل ، بدل أن يكونوا متبوعين وهم الذين يفصلون في مثل هذه الأمور بعد التحقيق والتدقيق لكشف ما وراء الحدث ، ألم يخوض الناس في الفتنة عام 1991 دون علم ودون معرفة بالواقع ؟ فهل يرذل الناس في كل عام وهم لا يتذكرون ولا يعقلون؟ هل نتغاضى عن التاريخ لفهم ما يجري في الحاضر ونستمع للذين يقولون : لا تدخلونا في التاريخ و ما جرى في الماضي فالواقع اليوم شيء آخر، ولكن هؤلاء أنفسهم عندما يتكلمون عن اليهود يذكرون تاريخهم وعقليتهم وما جاء في القران الكريم عنهم وعندما نتكلم عن أمريكا نرجع إلى الماضي ، إلى نشوء هذه الدولة والعقلية التي أبادت شعبا من الهنود الحمر . ونتحدث عن التاريخ الاستعماري لبريطانيا ، فاللحظة الحاضرة يمكن أن ترى على ضوء الماضي ، يقول الكاتب الصحفي المعروف (روبرت فيسك) : " إننا نعجز عن تخطي التاريخ والهروب منه ، لم أكن قد ولدت في زمن وعد (بلفور) ولا معاهدة (سايكس بيكو ) ولكنني أعيش نتاجهما في كل لحظة من حياتي" (1)

ألا ندخل عامل الدين عندما نتحدث عن جنوب السودان أو أطماع الحبشة . أو ( المحافظون الجدد) في الولايات المتحدة بل نستطيع أن نقول: إن أشد الحروب فتكا في المجتمعات والأفراد هي الحروب الثقافية التي تخطط لتحويل الناس عن ثوابتهم وثقافتهم وعن أخلاقهم وأصالتهم ، فهل نترك الناس الذين لا يدركون خطورة المخطط الصفوي ومحاولته الهيمنة على المنطقة العربية أو التأثير في مجريات الأحداث ، هل نترك الناس لينزلقون في الضلال والابتعاد عن دينهم وعقيدتهم ، مع وضوح هذا المخطط وضوح الشمس ، ففي الصباح والمساء ينعق ( حكيمهم ) في العراق بفصل وسط وجنوب العراق باسم الفدرالية ، وإبعاد أهل السنة عن كل تأثير في السياسة أو حكم العراق . ولذلك يتم التهجير من بغداد ، الأمر الذي لم يعد خافيا على أحد.

إننا لا نهول ولا نضخم الأمور كما يظن بعض الناس ، ونعلم أن الباطل لا يدوم ، وقد لا تقوم له قائمة ، ولكن من الحزم والحمية الدينية التنبه إلى مواقع الخطر على هذه الأمة التي ابتليت بهؤلاء طوال التاريخ الإسلامي. هل أصبح كلامنا مغشوشا كالصناعات المغشوشة التي نستوردها من دول جنوب شرقي آسيا ، ولم نعد نتقن الكلام الصريح الجريء ، فقد قيل: إن الصنعة الجيدة لا تصدر عن أخلاق صارمة واجتهاد في العمل إنه لا يكفي أن ننطق بالحق ، بل نحتاج إلى من يصغي إليه.

______________________


1- الحياة 21/7/2006