أنت هنا

"مغامرتي غير محسوبة"!!
4 شعبان 1427

(لا بأس من المغامرة في سبيل استرداد الحقوق السليبة).. هذا كان مضمون حديث زعيم "حزب الله" اللبناني حسن عبد الكريم نصر الله في إحدى رسائله التليفزيونية في بداية العدوان الصهيوني على أرض لبنان الشهر الماضي، حينها كان يستهجن زعيم الحزب الموالي لإيران التصريحات العربية التي اعتبرت عملية "الوعد الصادق" التي نفذها الحزب وأسر عن طريقها جنديين درزيين من الجيش الصهيوني "مغامرة غير محسوبة"، وهذه المغامرة التي دافع عنها زعيم "حزب الله" لاحقاً كونها استبقت ـ من حيث لا يحتسب الحزب ـ حرباً قال إنها كانت تعد "إسرائيليا" في شهر سبتمبر أو أكتوبر القادمين لها ما يبررها من أجل إنجاز وعد قطعه حسن عبد الكريم على نفسه بتحرير الأسرى اللبنانيين.
بيد أن عبد الكريم عاد بالأمس لا ليؤكد بأن ما قام به هو مغامرة فحسب بل "مغامرة غير محسوبة" كذلك وفقا لنص حديثه التالي والذي عرضته شبكة "تلفزيون الجديد مساء أمس": إن قيادة حزب الله "لم تتوقع ولو واحدا بالمئة أن عملية الأسر ستؤدي إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم، لأنه وبتاريخ الحروب هذا لم يحصل.. لو علمت أن عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا."
إن من جميل الإنصاف أن نذكر أننا لا نحاسب الناس بنتائج أعمالهم ولا باجتهاداتهم الخاطئة ما دامت استوفت حقها من الدراسة والتمحيص ومادامت متناغمة مع تطلعات الأمة الإسلامية، وما ظلت تدندن حول أهداف ترنو إلى عز المسلمين ومنعتهم، ولذا ما نلوم يوماً أن أخطأ فصيل فلسطيني مقاوم الاجتهاد في عمل نضالي أو ما نحوه ما كان يبغي ارتفاعاً لهذه الأمة وجاهداً في حفظ مكتسباتها والحفاظ على مقدراتها، لأن العبرة ليست دوماً بالنتائج، إذ تظل الأعمال بالنيات. أما وقد كانت النوايا ملتبسة والأهداف غائمة والأفعال تطرح من رصيد الأمة ولا تضيف إليه، فساعتئذٍ لا ننظر إليها بعين الارتياح، وحينئذ لا نعذر أصحابها أن اعترفوا بخلل الحساب وسوء التقدير، لاسيما إن تعلق سوء التقدير هذا بمقدرات وأرواح المئات وتدمير قطاع كبير من بلد عربي مسلم، وبتحقيق العدو الصهيوني لبعض المكتسبات وبإعادة احتلال جزء عزيز من الوطن وفقاً لتقدير لم يستفد من طول فترة الإعداد لعملية "الوعد الصادق" التي بلغت ستة أشهر وفقاً للأمين العام لـ"حزب الله" حسن عبد الكريم في قراءة الظرف الإقليمي والدولي، فكيف إذا كانت الأهداف ملتبسة والأفعال مضطربة، ناهيك عن أن اضطراب الخطاب الحزبي هذا يمهد الطريق لمن يسيء الظن بالحزب الذي يطلق عبارات ثم يسحبها، فيتحدث عن دقة الحسابات ثم يعترف بسوء تقديره، ويتكلم عن إقدام الحزب على عملية الأسر وهو يعرف أن العدو يعد العدة للحرب ثم يزعم أنه لم يكن يعلم أن العدو سيتخذها ذريعة للحرب،
وهاتان العبارتان المتناقضتان توحيان بشيء من ذلك :
"فكل المعطيات التي تم التوصل إليها أن قرار الحرب كان متخذا ونحن فاجأنا الإسرائيلي بالتوقيت. هو وقع في الفخ وليس نحن".. (فالتوقيت هنا هو توقيت الحرب الذي لم يكن عبد الكريم يتوقعها بهذه السعة : "لم تتوقع ولو واحداً بالمئة أن عملية الأسر ستؤدي إلى حرب بهذه السعة وبهذا الحجم، لأنه وبتاريخ الحروب هذا لم يحصل.. لو علمت أن عملية الأسر كانت ستقود إلى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا".
ويخاطب الجميع عن عملية ناجحة وعن دقة في رصد كل صغيرة وكبيرة في الجنوب اللبناني ثم يتبين أن أحد مقاتليه قد تم أسره في عملية "الوعد الصادق" ولا يعترف بذلك إلا بعد أن يؤكد العدو الصهيوني ذلك.
ليس من العيب أن يكتنف النضال أخطاء، شريطة أن يكون منطلقاً من رؤية واضحة ورغبة في تحقيق طموحات أمة لا دغدغة مشاعر جماهير عبر مغامرة حزب أو مناوشة من دولة راعية.