أنت هنا

قراءة الواقع في المسألة الصومالية
12 شعبان 1427

أحد أبرز الاتهامات المعولبة للإسلاميين أنهم يتخذون الدعوة إلى الإصلاح ذريعة للوصول إلى السلطة، يفرط في ذلك دوماً أعداؤهم لاعتبار أن الحديث عن مسائل الإصلاح ومعارضة الفساد بأشكاله المختلفة وضرورة ابتعاد دولهم عن الغرب والتصدي لمخططات المحتلين هو قاطرة الإسلاميين لتولي الحكم في بلدانهم.
وفي حين يبدو هذا المطلب مشروعاً في ظل أنظمة تدعي التعددية وانتهاج النموذج الديمقراطي في الحكم، ينتزع هذا الحق من الأحزاب والقوى الإسلامية تحت ذريعة أنهم لا يصبرون على التعددية، وإذ يسمى حلول حزب مكان آخر في الحكومات تداولاً للسلطة يسحب هذا الحق من الإسلاميين في "التداول السلمي للسلطة" لتأخذ رغبتهم في التغيير مسمى جائراً هو "الاستيلاء على السلطة"، ولعل الذاكرة العربية في الشمال الإفريقي تذكر أن حركة إسلامية معروفة عندما نجحت بقوة في انتخابات النقابات المهنية المختلفة شاعت عبارة "الاستيلاء على النقابات المهنية" وكأن هذه الحركة قد دخلت النقابات بالدبابات!
والحق أن قسماً لا يستهان به من الشعوب المسلمة ومنها كثيرون من المنتمين لتيارات إسلامية يرغبون بإخلاص في أن يتحقق الإصلاح في بلدانهم ولو لم يكونوا في الصدارة أو في كراسي الحكم لأن هذه الرغبة تتسق وضرورة زوال الفساد ولو كانوا في زواله جنوداً مجهولين.
وثمة مثال بارز الآن لقوة إسلامية برزت بسرعة في الساحة الصومالية، وتوقفت عن الزحف باتجاه مقر الحكومة الصومالية لبسط كامل نفوذها على التراب الصومالي الشرقي حقناً للدماء ورغبة في الإصلاح التشاركي وتحمل الجميع لمسؤوليتهم في لملمة الجراح الصومالية، صحيح أنه من المبكر جداً الارتكان إلى تجربة ناشئة لم تدخل بعد مختبر السياسة الشاق وتمر بمنعرجات وعرة في طريق الإصلاح، إلا أنه يمكننا قراءة المشهد حتى اللحظة بما نلحظ منه انطباعاً بأن قوات المحاكم الإسلامية ـ وهي الأقوى من الناحية العسكرية في الصومال بعدما هزمت أمراء الحرب الموالين للولايات المتحدة الأمريكية ـ لا تفرط في طموحاتها السياسية للحد الذي يجعلها تقلب الطاولة على الجميع فتضار من حيث تريد الإفادة للبلاد واستقلالها.
وأمس وقعت قوات المحاكم الصومالية والحكومة الصومالية اتفاقاً يقضي بتشكيل جيش مشترك من قوات المحاكم وقوات الحكومة وبعض بقايا الميليشيات، كما يدعو "الاتفاق إلى احترام مبدأ حسن الجوار وعدم تدخل أي دولة من دول الجوار في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى"، في إشارة إلى إثيوبيا التي تقول المحاكم الإسلامية إنها أرسلت قواتها إلى الصومال في يوليو الماضي لحماية الحكومة المؤقتة. هذا الاتفاق يجلي هذه الرغبة التشاركية لدى إسلاميي المحاكم الشرعية الصومالية وسعيهم نحو حل يحقن الدماء ويعيد السلم إلى ربوع هذا البلد الإسلامي العربي الفقير، والذي يعاني من مشكلة اقتصادية مزمنة.
أيضاً إذا كان الحديث مبكراً للغاية للحكم على جدوى الاتفاق في تحقيق ما كانت تصبو إليه المحاكم الإسلامية وما إذا كان وارد التنفيذ، إلا أنه يبقى معبراً ـ حتى اليوم ـ عن زهد نسبي كبير للمحاكم الإسلامية في الحكم المباشر للصومال من جانب، ومن جانب آخر قراءة واعية للواقع الإقليمي والدولي الذي سيضع العراقيل أمام استقلال كامل للصومال الذي يتمتع بموقع استراتيجي فريد، ما قد يؤدي إلى مزيد من إراقة الدماء واستمرار البلاد في دائرة الاقتتال الداخلي المفرغة.