أنت هنا

زاد الخرق اتساعاً فازداد صوت المخاوف ارتفاعاً
15 شعبان 1427

عندما تتعرض الأمة لفتنة تتشظى الآراء رفضاً أو وقوعاً فيها أو سكوتاً عنها أو رعياً حول حمى التردد ووضع القدمين في ميدانين مختلفين، وإذا ما سكنت بعض أمواجها أوقفت الآراء أمام محكمة التاريخ والحساب، فإذا ما كانت النفوس تصفو مخلصة لله سبحانه وتعالى أمكن أن تُتجنب الأخطاء وتُراجع المواقف بكل شفافية وتجرد، وإلا بعدت المسافات ونأت الاجتهادات بجانبها عن أن تتفهم وجهات نظر الآخرين فضلاً عن أن تتفاعل معها وتأخذ آراء المخالفين بالاعتبار.
رأي بعض علماء السنة فيما يخص التحذير من الاستراتيجية الشيعية الآخذة بالامتداد في الحوض الإسلامي كان لها وجاهته، وكان له على النقيض معارضون من علماء وقادة رأي في العالم الإسلامي ارتأوا أن إثارة الخلافات الطائفية في العالم الإسلامي من شأنه أن يزيد الهوة ويفتح الطريق أمام المزيد من المناوشات والاحتراب بين السنة وغلاة الطائفة الشيعية، ولم يكن أحداً يشك في إخلاص هذا الفريق أو ذاك، لكن الأحداث جرت رويداً رويداً لتبين أن خيوط التقارب بين السنة وغلاة الشيعة آخذة في التقطع مع دماء مسلمة سنية بريئة تهراق كل يوم على مليشيات طائفية مجرمة في العراق أزهقت أرواح عشرات الآلاف من المسلمين على الهوية السنية، وصحيح أن الخلافات العقدية بين أهل السنة والجماعة من جهة والشيعة الإمامية من جهة أخرى بعيدة العمق إلا أن الخلافات السياسية ـ في العراق خصوصاً ـ وما اجترته من مذابح لم يعد من سبيل للسكوت عليها حدت بالفريق الثاني لأن يراجع نفسه بعدما صدته ابتسامات من الملالي تخفي خناجر مسمومة عرفت طريقها إلى الظهر السني الذي فقد بلدين مسلمين (العراق وأفغانستان) ودفع فاتورة غالية من علمائه التقنيين وطياريه وأطبائه وغيرهم في صدر قائمة ضحايا اغتيالات فاقت مائتي ألف سني في العراق جاوزوا بكثير ما دفعه المسلمون في فاتورة الاحتلال ذاته.
وقد كانت مسألة الحرب اللبنانية لأول وهلة مدعاة عند الفريق الثاني لأن تبيض وجه غلاة الشيعة بسبب القتال الدائر حينها بين ميليشيا "حزب الله" الشيعي اللبناني و"إسرائيل"، والذي عده البعض عملاً نضالياً مقاوماً، بيد أن القراءة السياسية لهذه الحرب إثر انتهائها قد أفضى إلى غير ما بغى مسعروها، حيث دخل كثير من العلماء والمفكرون السنة بسببها في مساجلات ونقاشات قدم الجميع حججهم من خلال كتابات ومقالات وتصريحات تناثرت في وسائل الإعلام المختلفة، وخاب ظن بعض العلماء السنة بالفريق الشيعي الذي لم يقابل اليد الممدودة منهم بقدر من التقدير الواجب، وخلصوا إلى أن مساعيهم للتقارب بين أهلي السنة والشيعة لن تكلل بنجاح يحد من حالة العداء الشديدة التي تكنها الميليشيات الشيعية ومنظروها الدينيون لأهل السنة، ويدفع بهذه الطائفة إلى نوع من المراجعة السياسية والعقدية، وكانت قنبلة من العيار الثقيل أطلقت من عالم سني شهير وتبعه عدد من الكتاب والمفكرون يدينون المسلك الشيعي العدائي استناداً إلى أن صمتهم عن إدانة أفعال الميليشيات لفترة زمنية سابقة رجاء تهيئة الأجواء لحوار يرفع من غائلة الظلم عن كاهل المسلمين السنة في العراق وإيران لم يحُل دون تفاقم هذا الظلم واضطراده للحد الذي بات من أكبر التهديدات التي تخشاها الأمة الإسلامية في العقد الحالي.
زاد الخرق الشيعي اتساعاً وزادت الهوة ولم يجد المسلمون السنة ولا الفريق الداعي للتقارب ما يمكن أن يقال في صدد التقريب بين الفريقين، فازدادت المخاوف وعلت الأصوات المحذرة من الاستراتيجية الشيعية التي تنفذها الدولة الإيرانية وأتباعها من أجل بسط سيطرتها السياسية والدينية على رقعة واسعة من العالم الإسلامي، ورغم النقد الذي لاقوه المحذرون من هذا المخطط بادئ الأمر إلا أنه قد بدا الآن أنهم الفريق الأقرب للصواب، وشأن المخلصين أن يراجعوا مواقفهم كل حين ولا يستنكفوا عن إعادة التدقيق في اجتهادهم وشأن المصيبين منهم أن يقتربوا من مخالفيهم ويقللوا من حجم الفجوة معهم ترفعاً عن لوم الآخرين.