أنت هنا

أمريكا إذ تتسول النصر من فقراء دارفور
20 شعبان 1427

السرعة التي صدر بها قرار مجلس الأمن الدولي 1706 بشأن الوضع في دارفور يعبر عن مأزق وجدت الإدارة نفسها فيه في أعقاب سلسلة من الانتكاسات المتلاحقة التي جعلتها توعز إلى نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية بزيارة السودان مرافقة لصدور القرار الأممي الجديد، كمحاولة عبثية لتحقيق نصر ديبلوماسي أو سياسي تكنس بموجبه هذه الإدارة السمعة العسكرية المتدنية لجيشها في كامل ربوع المعمورة.
المسافة الفاصلة بين قراري مجلس الأمن الدولي بشأن لبنان والسودان (1701 و 1706)، هي دليل دامغ على عشوائية السياسية الأمريكية، فالتشابه في أرقام القرارين وضيق المدة الزمنية بينهما إنما أوصلتا رسالة غير حكيمة لارتباط القرارين بعضهما ببعض، فلا أحد يكاد يقول بأن "إسرائيل" ربيبة الولايات المتحدة الأمريكية وذراعها الإمبراطوري في المنطقة العربية قد انتصرت في عدوانها على لبنان ولا أنها قد أنجزت مهمتها في الجنوب اللبناني أو حققت ما أعلنته من أهداف، وكان تراجعها ـ بغض النظر عن أي ترتيب بين القوى الدولية أفضى إلى حدوث الهدنة ـ مخزياً إلى حد بعيد، ولقد كانت الأجواء التي صدر فيها القرار 1701 توحي بأن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية تعانيان من إخفاق عسكري مزمن، فـ"إسرائيل" فقدت توازنها البري بعد عجز الميركافا التي ظلت تفاخر بها في الجنوب اللبناني ـ من بعد جندها الجبناء ـ بعد أن كانت المقاومة الفلسطينية قد شفت وساوس الصهاينة بعملياتها المباركة الخلاقة للحد الذي جعل القوات الصهيونية تفرق من مجرد التفكير في غزو غزة برغم وجود الجندي "الإسرائيلي" جلعاد شاليط في غزة أسيراً.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فليس حالها بأفضل من حليفتها الاستراتيجية إن في العراق الذي شهد في يوليو الماضي أعلى معدلات في خسائر الجيش المحتل فاقت الـ 38 شهراً من عمر الغزو الأمريكي لبلاد الرافدين، أو في أفغانستان التي تنتقص الأراضي التي تبسط الولايات المتحدة وحلفاؤها هيمنتهم عليها من أطرافها، وحتى في قلبها حيث يرتعد الحليف الأفغاني الأصل والأمريكي الجنسية والهوى حامد قرضاي بين حراسه الأمريكيين هلعاً من أن تتمكن عملية فدائية كتلك التي اقتربت حثيثاً من السفارة الأمريكية بالعاصمة الأفغانية كابول وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات من الغزاة وأذنابهم قبل أيام قلائل أعقبت سقوط عدد كبير من البريطانيين/ثالث أضلاع المثلث العدواني قتلى بعد أن دمرت طائراتهم في سلسلة عمليات تنسب إلى الفصيل الأقوى الآن في أفغانستان/حركة طالبان، ناهيك عن الآثار السلبية الكبيرة التي تركها الاعتراف الضمني بطالبان الباكستانية من قبل النظام في إسلام آباد، وازدياد نفوذ الإسلاميين في القرن الإفريقي/إحدى المناطق الاستراتيجية الهامة في العالم بعد نجاح قوات المحاكم الإسلامية الصومالية في الحصول على اعتراف ضمني رسمي في الداخل الصومالي وفي العالم العربي بعد أن اكتسحت معظم خصومها العلمانيين من أمراء الحرب الموالين للدولة العظمى/المريضة.
في هذه الأجواء صدر القرار 1706 بشأن دارفور للمقامرة بنجاح ينتظره الجمهوريين وهم على أعتاب انكسار مرتقب في الانتخابات تعلقاً بحبال التدخل الناجح في دارفور، ديبلوماسياً ثم عسكرياً.. ربما ظنت الولايات المتحدة الأمريكية أن دارفور هي خاصرة رخوة للمسلمين، برغم دعوات الجهاد ضد الغزاة فيها، ربما تبحث عن الثروة المخبوءة في أراضيها أو تلهث خلف سراب انتصار لم تألفه ولم يألفها في غرب السودان، ربما .. لكن فقراء دارفور لن يمنحوا العام سام ما يتمناه في دارفور وإن تسوله بعبارات منمقة صيغ بها القرار الأممي، فجاءت مبرراته أطول حديثاً من توصياته وقراراته، تسولاً من السودان الإسلامي العريق أن يقبل بإملاءات أو بالأحرى تسولات الغرب الغازي..