أنت هنا

..و"زلة لسان" أسترالية أيضاً!!
27 شعبان 1427

قبل أسبوع، لم يكن أحد يتصور أن أحد أبرز الموصومين في الغرب والشرق بـ"التسامح الديني"، وأحد أكبر دعاة "الحوار بين الأديان"، ممن يتجنبون وسم مخالفيهم بالكفر ولو نطقوا به، سيعلن ـ من دون اكتراث بردات فعل العالم على حديثه ـ أن بابا الفاتيكان قد كفر.
وكيف يسمح مراقب لنفسه أن يمنح لخياله فرصة لأن يسبح في فضاء يقول فيه شيخ الجامع الأزهر بأن "بابا الفاتيكان قد سكت دهراً ثم نطق كفراً" مثلما نقلت رويتر عنه ذلك بالأمس؟ ذاك أن شيخ الأزهر رجل قد اشتهر دوماً بنأيه عن كل ما يلامس عبارات التكفير وإقصاء المسيحيين عن مرمى سهام التكفير، وكثيراً ما اعتبره مخالفوه من المسلمين مهادن لأصحاب الملل والديانات الأخرى بأكثر مما يمكن تفهمه، ويتوقعون رجوعه عن آرائهم النادرة التي تأخذ منحى حاداً بعد أن تهدأ الخواطر وتهمد الموجة.
وإذا كان الرجل بهذه الصفة وقد قال ما قال، فهل يمكننا حساب ردود أفعال غيره إن من العلماء وقادة الرأي، أو من الشعوب التي فاض بوزر المحتلون والهازئون بدينهم الكيل، إنه بالتأكيد مؤشر على سعة الغضبة واتساعها بل وتقررها لدى الجميع لأن الناس ألفوا أن يكون بعض العلماء السياسيين خلفهم لا قدامهم في تلك المواقف الغاضبة، وزهدوا منهم عبارات الدعوة إلى الحكمة والتعقل والسكون.
هذا التحول لدى من يوصفون بالاعتدال وإجبارهم على اتخاذ مواقف حادة هو ما جناه كاهن روما ومحازبوه، وآخرهم هذا الكاهن الكاثوليكي الأكبر في أستراليا، الذي أكد بجلاء عداء الفاتيكان بكافة فروعه للإسلام، وبرهن على سوء القصد في كلمات البابا، حيث قال: "غضب المسلمين من تصريحات بينيديكت السادس عشر المسيئة للإسلام دليل على صلة الإسلام بالعنف."
الكاردينال "جورج بيل" كبير الأساقفة الكاثوليك بأستراليا أكد في بيان صادر عنه :" : ردود الفعل العنيفة في العديد من أجزاء العالم الإسلامي تبرر مخاوف البابا بينيديكت التي أبداها في تصريحاته"..."أظهرت ردود الأفعال الصلة بين الإسلام والعنف، ورفضهم للرد على النقد بطريقة عقلانية.".."الدين عند الغربيين يعني السلام، بينما الدين عند المسلمين يعني الاستسلام لأوامر القرآن وهو أمر مشين ومعيب."
تصريحات البابا والتأييد الكنسي لها من أقصى الشرق/أستراليا وحتى الغرب الأمريكي، أكبر دليل على أن الرجل لم يكن يعبر عن نفسه فقط وإنما يعبر عن العقل الجمعي الكاثوليكي والغربي، ناهيك عن التأييد السياسي القوي له إن من داخل بلده الأصلي/ألمانيا إلى البلد الذي جير محاضرته للتأصيل الديني لتوسعها الإمبراطوري في بلاد الإسلام/الولايات المتحدة الأمريكية الذي يشي بحقيقة أن كل عمل امبريالي غربي في بلدان العالم الإسلامي هو محل تأييد كنسي يوجد له على الفور القوة الروحية الدافعة ـ إن جاز التعبير ـ ويحظى مطلقوه بقداسة دينية تجعلهم خارج النقد الديني على جرائمهم الإبادية التي قال الشيخ القرضاوي _حفظه الله_: إنهم صدروها للعالم عبر نموذجي الإبادة الجماعية (المليونية) الرهيبة لسكان البلاد الأصليين في الغرب الأمريكي وأستراليا، واللذين للمفارقة هم أكثر من أيد ترهات البابا.
إن ما قام به البابا وما أوجدته له كل الفعاليات السياسية والدينية والإعلامية في الغرب أكبر حافز لأن تفرغ المنطقة التشاركية التي كان البعض يعول عليها ـ على سوء تقدير منه ـ في العالم الإسلامي مع الغرب المسيحي إن على المستوى العلمي والمتمثل في دعاة "الحوار بين الأديان"، أو على المستوى السياسي الذي ما زال بعض قادته ينظرون للغرب وأوروبا على أنهم "أصدقاء"!!