أنت هنا

رمضان العراقي.. ثلاثي الأهلة!!
4 رمضان 1427

مزقوا البلاد، ذبحوا العباد، نهبوا النفط، أرهبوا المسلمين وروعوا الآمنين، حتى هلال رمضان عمدوا إليه فمزقوه!!
إنه الاحتلال المزدوج الأمريكي/الإيراني الذي لم يترك معلماً واحداً للوحدة العراقية إلا طمسه ولا مقوماً لبناء وطن واحد عرفه التاريخ وامتزج به مفهوم الحضارة فأصبح واحداً من مفرداتها القليلة في العالم إلا هدمه.
قالوا: إن العراق ليس عربياً، فهو يحوي أقلية كردية تستحق أن تخرج بالشمال عن المفهوم العربي للعراق، فتقبل البعض ذلك على مضض مادام الإسلام محفوظاً، لا بل نفذ البعض من نافذة الإسلام لفرسنة الدستور وتغيير قوانين الأحوال الشخصية لتوافق هوى طائفياً، ثم السماح بحشود بمئات الآلاف لإقامة طقوس تعبدية تنقض من عرى الإسلام ولا تستمسك بها، وكل هذا باسم الإسلام لاعتباره الموحد الأوحد للشعب العراقي ـ بعد استبعاد العربية كمقوم وحدوي في العراق لأسباب قومية أخرى لا دينية في الحقيقة ـ لكن هذا المقوم الأوحد وفقاً للتفسيرات الطائفية أيضاً قد طرأ عليه ما طرأ، فالعراق في هذا الشهر الفضيل يعاني مشهداً هزلياً قل أن تجد له في التاريخ نظيراً، لا يؤشر إلا على عبثية عراق ما بعد الاحتلال، فلقد صام العراق على ثلاث مراحل، الوقف السني أعلن عن صيام السبت كأول أيام رمضان المبارك، والتزم بذلك معظم المسلمين السنة وخالف جمع من الأكراد صاموا الأحد توافقاً مع دول أخرى، واتبع الشيعة إعلان السيستاني بأن الاثنين هو أول أيام الشهر المبارك، فكان هذا هو العراق المسلم الموحد الذي تريده العمائم السوداء والدبابات الصفراء.
إن هذا ليس سوى لافتة يمكننا أن نضع تحتها الكثير من المفردات القاسية عن جريمة احتلال العراق من قبل الأصوليين اليمينيين بشقيهم الغربي والصفوي، فبذور التفسخ والتحلل في البنية الاجتماعية العراقية قد زرعت في ربوع بلاد الرافدين وكثير منها أصبح الحديث عنه رتيباً لكثرة ما قيل عنه، وأضحى التكرار فيه غير مجد بدرجة كبيرة، بيد أن ثمة ما يمكن الإفادة من قراءته في رمضان العراقي هذا العام، فهو قد أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الحوزة العلمية الصامتة ـ إلا على السنة ـ/بزعامة علي السيستاني، والحوزة العلمية الناطقة/بزعامة مقتدى الصدر قد تعمدا على مر سنوات الاحتلال الأربعة أن يخالفوا السنة في رؤية الهلال مثلما يخالف المسلمون أهل الكتاب، ولم يجعلا الهلال ورؤيته محلاً لخلاف سائغٍ مقبولٍ كمثل الحادث بين الدول الإسلامية التي تعتمد آراءً فقهيةً معتبرٌ الخلاف فيها تفرق أحياناً بين رؤية وأخرى في هذا البلد الإسلامي أو ذاك، وإنما تعمد إلى المخالفة إلى زمان يتجاوز عقلاً كل من يحيط بهم من الدول، ويتجاوز الحد الطبيعي من الخلاف في الرؤية إلى الخلاف في الرؤى السياسية غير الشرعية أو المشروعة، إذ كيف يتصور إنسانٌ أن يفرق رمضان في الرؤية بين شخصين يسكنان في ذات الحي في بدئه يومين كاملين، وهل في رؤية الهلال بالعين المجردة خلاف بين علي ومعاوية _رضي الله عنهما_!!
إننا نعاين الآن هلالاً مسيساً يراد به أن يكرس تمزقاً طائفياً، لا بل ويقدم لانفصال إقليمي إن في الجنوب العراقي أو في شماله اللذين يستعدان لمفاجأة العالم الإسلامي بانفصلاهما الرسمي بعد أن انفصلا عملياً، وغير الهلال الحائر بين عيون تراه وعيون تتعمد ألا تراه ثمة شعب كامل يعاني مثلما يعاني هلال رمضان العراقي حيرة وتمزقاً وحزناً في لحظات الفطر وأيام شرع الله فيها الصيام عن الطعام فضلاً عن سفك الدم الحرام..