أنت هنا

6 سنوات على الانتفاضة.. الدم لم يجف
8 رمضان 1427

"ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" دخل (زعيم حزب ليكود الصهيوني) آرييل شارون المسجد الأقصى.. اشتعلت الأجواء.. كيف لسفاح صابرا وشاتيلا أن يدنس أولى القبلتين بزيارته؟ خشي البلدوزر مغبة الغضب الإسلامي المتنامي، اختصر الزيارة وغادر على الفور والخزي يلاحقه، ظل الخزي كذلك رفيقه في الدنيا حتى أوشك أن تدركه الهلكة من دون أن يذكره أحد أو يلتفت له أحد.
لسنوات خمسة لا يفارقه الخذلان في كل خطوة يخطوها، حتى وهو يزهو باغتيال شيخ فلسطين ورفاقه لم يتخل عنه فشله السياسي، لم يرج لجبار الأرض والسماء وقاراً إذ عادى أولياء الله، وقد توعد الله نظرائه في الحديث القدسي: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب"... ظل ذكر شارون يغوص في أعماق النسيان وهو على قيد الحياة؛ فكان للناس آية..
"من عادى لي ولياً فقط آذنته بالحرب".. حنانيك ربنا، فكيف لو كانوا أولياء لا ولياً واحداً، وما أهون خلق الله عليه إن عصوه؛ فانبتر ذكرهم، وانقطع تأثيرهم.
نعم استشهد الطفل محمد الدره في مثل هذا اليوم ولحقه 4348 شهيداً و 83603 جريحاً هم مجموع ما يمكن اعتباره خسائر جسدية لهذه الانتفاضة على مدى ستة أعوام انقضت وتغير معها وجه فلسطين قلب العالم ومفتاح تغيير خرائطه.. بنا شارون المتأرجح بين الحياة والموت منذ ثمانية أشهر أو يزيد، جداراً عازلاً رجاء أن يحميه وجنوده من رعب الانتفاضة فهلك بعد أن سمع أصوات الصواريخ تسقط بالقرب من مزرعته التي شهدت تخثر دمائه في عروقها.. واغتال ثلة مباركة من الزعماء والقادة الأماجد والشباب المؤمن، ونجح في تحقيق هدنة طالت بعض الشيء.. تغيرت في سني الانتفاضة أحداث عالمية لم تجر في صالح الفلسطينيين في معظمها، غير أن هام المقاومين الأشراف أبداً ما انحنت، ولا كسرت الأحداث ظهورهم، ولا ترى المشهد الختامي من وراء المستقبل إلا في صالحهم؛ فخصمهم قد ذاق مرارة الهزيمة مراراً وكفر بنفسه وبقدرته الأسطورية، وعجز مراراً على الاختراق، ورضي بدنية لم يكن يرضى بها من قبل، وشابه حكام المنطقة في تدوير التصريحات وتكرارها مع عجز كامل عن التحريك بالطريق الذي يريد أو الذي يحقق له الحسم، وستة أعوام مدة زمنية كبيرة لصمود أسطوري قل أن يحقق شعب نظيره.. ومهما بدت الأحداث تجري في غير صالح الفئة المؤمنة؛ فإن سنة الله ماضية ووعده حق، ومهما نظرنا إلى المعادلة فوجدناها توريطاً لأهل الخير في أزمة شعبية، وبعداً عن مناخ المقاومة النقي، ووجدنا البوصلة قد تحركت في يد المواطن الفلسطيني قليلاً، ووجدنا الظرف الدولي في غير صالح المقاومين، والظرف المحلي والإقليمي خانقاً، إلا أننا موقنون بأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسراً، وأن تلك الفاتورة من شهداء الانتفاضة وجرحاها ليسوا أعداداً تحصى وإنما أفعالاً تنشط وتتحرك لا تعرف الموت ولا الذبول، ولا حتى الاستكانة والصمت، إنها آثاراً لا تنمحي، تأتي على زبد المتاجرين بالقضية الفلسطينية من لاعقي أحذية الصهاينة والناطقين باسمهم والمختزلين لروزنامة النضال في ورقة وحيدة سوداء.. ورقة الاعتراف بالكيان الصهيوني باعتباره مبتغى نضالهم الفندقي ـ فتذهبه، وتبقى هي طليعة هذه الأمة الرائدة.."فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".