أنت هنا

بدر بغداد.. وذات الشوكة
22 رمضان 1427

قبل أن يمضي يوم 17 رمضان وفيما كان الخطباء في المساجد يتنسمون عبق تاريخ فجر الإسلام ويستذكرون معركة الإسلام الأولى/بدر الكبرى، كان غير بعيد منهم وفي قلب بغداد الرشيد ثلة تتدارس بدر بطريقتها الخاصة.. أفراد من المقاومة العراقية اتخذت أماكنها واختبأت بحذر وهي لا تنتظر قافلة أبي سفيان وإنما قاعدة فالكون الأمريكية العملاقة في الحبانية ببغداد أن يغفو حراسها عن أسلحتهم لحظة فتعالجها القذائف بحممها الفاتكة وتشفي صدور قوم مؤمنين..
الظلام كان يلف القاعدة الأمريكية، فالجبن هو السيد عند المحتلين، والظلام قرين الظلم، وكانت ذات الشوكة حين أُمطرت القاعدة بقذائف الهاون فصيرتها كتلة هائلة من النيران.. ووجد الإعلام أن من المستحيل أن يستر هذه العملية النوعية الكبيرة إرضاء للأمريكيين شأن آلاف العمليات التي تحدث كل شهر ويتجاهلها إعلام "الإرهاب" عمداً لأنها ببساطة مبعث فخر للأمة الإسلامية والعربية كونها عملاً مقاوماً نظيفاً شريفاً لا يلتبس بشبهة ولا يخالجه ريب، فاضطر إلى الحديث عنها في وقت كانت بغداد تراها من خارج الشاشات، وكانت نارها تضيء طرقات بعيدة..
الكماة المغاوير لم يتنكبوا طريق المقاومة العسكرية الواضحة ضد المحتلين، فقاموا بعملية عسكرية لا يمكن بحال وضعها في خانة الإرهاب حتى لدى الأمريكيين أنفسهم، الذين لاذوا بكذب مردوا عليه أول الأمر، فقالوا بادي الرأي إنه حريق اندلع في القاعدة ثم أقروا بعد ذلك بالهزيمة النكراء والفضيحة العسكرية المجلجلة، لكنهم كعادتهم سعوا لاستلابها بريقها حين أعلنوا عن عدم سقوط إصابات، فيما كانت مستشفاهم تكتظ بالقتلى والجرحى وعتادهم قد صيرته المقاومة أكواماً من الحديد الخردة..
خرج الرئيس الأمريكي إلى وسائل الإعلام بعد يومين من الفضيحة العسكرية لا يدري ما يقول عن العراق فقدم عزاءه لنائب الرئيس العراقي وكأنه يستجدي فريقاً من السنة لكبح فريق آخر أذاقه مرارة الهزيمة وبالغ في تجريعه من كأسها المعتق حتى ثملت الولايات المتحدة الأمريكية وثمل رئيسها من وقع ضربات لا تقود جيشه إلا إلى الانكسار مثلما قال د. محمود خلف (الخبير العسكري المصري، ومستشار مركز دراسات الشرق الأوسط) :"لا تتوقع من المهزوم أن يعلن هزيمته، والقوات الأمريكية في ورطة، فهي لا تستطيع أن تبقى، وهي تود ذلك لكنها لا تستطيع، وتود أن ترحل، ولكنها أيضاً لا تستطيع، وهذا أسوأ اختيار توضع فيه أي قوة عسكرية في العالم؛ فالشعب الأمريكي يريدها أن ترحل، والقيادة العسكرية هناك تريد ذلك، ولكنها غير قادرة، لأنها لو رحلت تصبح هزيمة عسكرية ساحقة وماحقة لأمريكا في كل تاريخها بالكامل..وبالتالي قررت أن تبقى، وهذا خيار ستستنزف فيه يومياً، ولن تحقق شيئاً" [مجلة الأهرام العربي 14 أكتوبر]..
تتوالى العمليات العسكرية المباشرة ضد الأمريكيين كل يوم، من شاكلة الأعمال التي لا يمكن بحال وضعها في محل العمليات الإرهابية ـ بما لا يجعل مسلماً أو عربياً خجِلاً من وقوعها ـ، لكن عملية تدمير مخزن القاعدة الأمريكية فالكون كانت الأكثر ألماً للقوات الأمريكية؛ فعشرات الآليات وعديد الطائرات قد تحطم في تلك العملية النوعية الرائعة والعشرات من القتلى والجرحى قد سقطوا جراءها بما جعلها تستحق أن تكون هدية المقاومة العراقية للشعب العراقي والأمة الإسلامية في يوم بدر، وأن تكون قمينة بأن تتخذ اسماً مطابقاً له، وقد كانت جديرة بأن تهيمن على الإعلام العربي لولا أنه مشغول ـ في أفضل تجلياته "النضالية" هذه الأيام ـ بضبط الميكروفونات على منصة "السيد المقاوم الأوحد"!!