أنت هنا

والخديعة مستمرة في بلاد العجائب
22 رمضان 1427

لم تهدأ المعارك في لبنان ، انتقلت إلى الداخل بعد أن توقفت على الحدود .
كان ( حزب الله ) يتمنى وقف القتال ويستعجل له لأن هناك خسائر في صفوفه لم تنقلها وسائل الإعلام العربية، وكان الحزب يخاطب الحكومة بلهجة ناعمة ويؤيد ما تتخذه من قرارات وهو مشارك في الحكومة .
وسعت الحكومة لوقف القتال ووضعت كل إمكانياتها الدبلوماسية واتصالاتها بالعالم .فلما توقف القتال تنمر الحزب للحكومة واتهمها بشتى الاتهامات، اتهمها بأنها وراء القرار ( 1701) وهو الذي كان السبب في هذا القرار ومجيء القوات الدولية ولكن المقصود هو إسقاط الحكومة إرضاء للنظام السوري الذي يريد إعادة الفوضى إلى لبنان وحتى لا تتشكل المحكمة الدولية .
كان خلق الوفاء يتطلب من الحزب شكر الذين ساعدوه على الخروج من مأزقه ولكنه جعل هذا وراء ظهره وعاد يهدد ويتوعد ويذكي نار الفتنة الطائفية ، وشعر اللبنانيون بخطر هذا التصعيد الذي لا مبرر له وتخوفوا من عودة الأمور إلى الوراء .

ومن العجيب أنه بعد أن ظهرت نوايا الحزب وانكشفت بعض أوراقه ما يزال المخدوعون به كثر. وما رأيت كاليوم أناسا يرون إخوانهم في العراق يذبحون على الهوية ويهجرون من بيوتهم ومدنهم حتى يصفو الجنوب لدولة طائفية باطنية ثم يستمر هؤلاء في تأييد هذا التوجه وكأننا في بغداد عام 656 عندما كان الجندي التتري يقول للفئة الكثيرة من المسلمين : انتظروا حتى أحضر السيف .

ومن العجائب أيضا أن من يدعي العقلانية وينادي بها صباحا ومساء وتفوح منه رائحة العصرانية يؤيد أعتى الفرق اتباعا للخرافة واللاعقلانية في عقائدها وتصرفاتها . وهؤلاء وغيرهم من الذين يسمون أنفسهم ( مثقفين ) يقولون في مناقشاتهم لغيرهم : ليست الأمور كما ترونها إما أبيض أو أسود، بل هناك ألوان كثيرة بينهما ولكن عند التطبيق يناقضون أنفسهم فيقولون : هناك مشروع أمريكي يسمى الشرق الأوسط الكبير وهناك مشروع إيراني ومن يتبعه من أهل المنطقة ( وأنا لا أصدق أن المشروع الثاني يعارض الأول من كل الوجوه ، فإذا كان المشروع الأول من أهدافه تفتيت المنطقة فأصحاب المشروع الثاني يمارسون هذا التفتيت في العراق) .

ولكن لنفرض أن هناك مشروعان فهل إذا لم أكن مع المشروع الثاني فمن الحتم والإلزام أن أكون مع الأول ولماذا لا يسمح لي أن أعارض المشروعين لأنهما يتعارضان مع مبادئي وسياستي . أليست الأمة بأكثريتها تملك مشروعا مختلفا ، وهو وإن لم يكن قويا بما فيه الكفاية فيجب علينا أن نقويه ونظهره ونبينه للناس، وإنني كمسلم يجب أن أقف مع الحق ولو بقيت وحدي كما جاء في الحديث ( ولو أن تعض على أصل شجرة ) .

ومن العجائب أن بعض الناس يقولون لا تدخلوا الدين أو العقيدة في السياسة أو في كل حدث كبير فما وقع في لبنان هي أمور سياسة ولا دخل للمذهبية الطائفية فيها . هؤلاء يتكلمون دائما عن الحرب الصليبية التي تشنها أمريكا على العالم الإسلامي ، فلماذا يدخل عامل الدين هنا ولا يدخل هناك وكيف نفسر ما يفعلونه في العراق ، وكيف نفسر هذا الالتواء في الكلام وهذه التقية وهذا الغدر من الحزب وهو الذي قبل كل ما تقوم به الحكومة ثم ينقلب فجأة لإسقاطها .

ومن العجائب أن بعض أصحاب الفكر القومي ( الناصريون بشكل خاص ) وقفوا مع المشروع الإيراني الصفوي الذي يتعارض مع المشروع العربي بل هو عدو له فكيف خفي على هؤلاء هذا الكيد ، أم أنهم على طريقة الأبيض والأسود فإذا كانوا ضد المشروع الأمريكي فلا بد أن يصطفوا مع المشروع الآخر، وهذه سذاجة سياسية متناهية؛ لأن المشروع الآخر ليس بعيدا عن الأول ، بل هناك من أيد المشروع الإيراني وهو قريب جداً من أمريكا، فهل في الأمر شيء لا نعرفه أم هو تلاق بين المشروعين !!!