أنت هنا

وثيقة مكة المكرمة
29 رمضان 1427

بينما كان الشيخ أحمد عبد الغفور السامرائي رئيس ديوان الوقف السني العراقي، والدكتور محسن عبد الحميد رئيس مجلس شورى إخوان العراق ضمن أكثر من عشرين من شيوخ ومراجع سنية وشيعية يضعون اللمسات الأخيرة على وثيقة مكة التي وقعت أمس، كانت الأنباء تفيد من بغداد أن نائب الأول ونجل الثاني ياسر عبد الحميد قد وقع في قبضة الميليشيات من دون أن ترشح أي معلومات حتى بعد توقيع الوثيقة عن مصيره..
الدكتور السامرائي الذي عينته حكومة الجعفري السابقة خلفاً للشيخ عدنان الدليمي على خلفية مواقف سياسية مستقلة للأخير، لم يسلم ديوانه من العبث بأمنه في أعلى التراتبية الوظيفية فيه، بما يؤشر ـ عبر هذا المشهد المصغر ـ لتعاطي الميليشيات مع ما ورد في وثيقة مكة المكرمة.
المتفائلون في العراق وخارجه يحدوهم أمل أن تجد هذه الوثيقة محلا من التطبيق في بلاد الرافدين، وأن تتجاوز حدود الدبلوماسية والابتسامات والعبارات التي أفرطت في تفاؤلها لحد اعتبار أن ما يفرق المذهبين هو في غير أصول الإيمان أو أركان الإسلام ـ على حد ما ورد في الوثيقة ـ، إلا أن هذا الأمل سيصادم جملة من المعطيات يزكيها الواقع وتسعرها الباطنية، فلا أقل من أن أهم الشخصيات المؤثرة في الحالة الدينية الشيعية استنكفت عن الحضور كالسيستاني والحكيم والصدر واكتفت بعبارات ظل المسلمون يستمعون إليها فيما الدم العراقي يجري بنهر ثالث في العراق المنكوب على أيدي ميليشيات تابعة لهم وتأتمر بأمرهم، ولا أقل من أن الوثيقة قد وقعت بعدما صار العراق ثلاث دول بالفعل وانحاز كل فريق بما يهيمن عليه ولم يبق إلا الاعتراف المتبادل بين الدول العراقية!! ولا أقل من أن مقتدى الصدر الذي زار مكة في الحج الماضي أبدى تحفظه على أن يكون توقيع الوثيقة "خارج العراق" متجاوزاً قدسية البلد الحرام ودلالة الزمان..
وثيقة مكة المكرمة سعى وراء توقيعها مخلصون من أجل حقن الدماء، منهم فريق من السنة وبعض عقلاء الشيعة ممن لا ينخرطون في سفك الدماء المحرمة، لكن بالتأكيد ثمة من زكاها باللسان وهو بعد ما زال والغاً في الدم الحرام يبطن المعاداة ويظهر المودة، وقد تكون الوثيقة سعت إلى عزل هؤلاء الأخيرين أو على الأقل إحراجهم أمام أتباعهم، وهذا قد يكون إيجابياً بعض الشيء على الأقل في الحد من هيستريا الموت التي أصيبت بها الميليشيات، لكنه لن يمنح العراق استقراراً أو أمناً يتوق إليه لأن جذور المشكلة لم تقتلع بعد، ولأن الوثائق شأنها أن تسكن أدراج الأرشيف، فيما ترفع خرائط الحرب الميدانية وخطط التوسع الإمبراطوري على سطح الطاولة..