أنت هنا

"الأنفال الباكستانية".. جريمة بلا محاكمة!
10 شوال 1427

يبدو أن العالم لا يرى الجرائم إلا بعد وقوعها بأكثر من 18 عاماً كما في "الأنفال" التي ينسب الأمريكيون والإيرانيون وكثير من الأكراد مسؤوليتها للجيش العراقي السابق وقائده الأعلى الرئيس صدام حسين، أو هو أحياناً يراها للتو إذا كانت ستصب في مصلحة طغمة البغي المعروفة باسم الأسرة الدولية كما في عملية اغتيال (رئيس الوزراء اللبناني الراحل) رفيق الحريري وما استتبعها من المتاجرة بقضيته متى ارتأت الولايات المتحدة وأوروبا مصلحة في إبراز ورقتها في منطقة الشام أو إخفائها وفقاً لمعايير لا أخلاقية.
ما عدا ذلك لا يمكن للعالم غير الحر أن يرى الجرائم المرتكبة في وضح النهار مهما كانت بشعة ومهما اخترقت من معايير ومهما جمعت من مفردات الخسة، مادام المجرم يتوافر على قوة طاغية وعلى غطاء صهيوني يحميه من قوانين الأرض.
حُمل نظام صدام حسين جريمة الأنفال برغم أن تقارير الأمم المتحدة ذاته وتقارير أمريكية دقيقة قالت إن العراق لم يكن يملك السلاح الكيماوي المستخدم في الجريمة التي طالت الآلاف من الأكراد في بلدة حلبجة على الحدود العراقية الإيرانية، وإنما كانت إيران هي التي تملكه وحدها في المنطقة في ذلك الحين، لكن مهما يكن من شيء بعد؛ فإن قصف قرية على الحدود بين دولتين قد يجعل سبيلاً لتملص كلٍ منهما من ارتكاب المجزرة، ويمنحهما فرصة تقاذف المسؤولية متى كان لذلك من مبررات يمكن تسويقها، بيد أن الغريب في المجزرة الباكستانية التي وقعت أول من أمس أن الجيش الباكستاني بدلاً من أن يعترف بسيادة بلاده المنتهكة من قبل الأمريكيين استحسن أن يبوء بإثم الجريمة وإثم التبجح بالاعتراف بها كأنها مفخرة يمكن أن تضاف لرصيد جيشه القتالي..
إن الجيش الباكستاني في هذا البلد المسلم المتدين لم يكن ليقع في حمئة هذه المجزرة سواء بارتكابها أو بتبني مسؤوليتها لولا تسلط طغمة متنفذة على القرار فيه، ولولا انسياب الطابور الخامس الأمريكي فيه ليصبح المتحدث باسمه والمنفذ لأجندة الأمريكيين في منطقة آسيا، بما قد دنس هذا التاريخ المشرف للجيش الباكستاني في أكثر من محفل واقعة.. إن قتل طلاب المدارس الدينية غيلة هو أكثر من جريمة حرب بالمعنى المتعارف عليه للجريمة، فدون لا إنسانيتها تكمن حقيقة العداء لأولياء الله وأهل القرآن ، شابهت في خستها جريمة ارتكبها نفر من عضل والقارة يوم الرجيع حينما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم أهل الصفة وأهل القرآن يعلمونهم القرآن فقتلوهم.. وأي وصمة عار هذه التي باء بها كل من سكتوا أو نفذوا أو افتخروا بارتكاب هذه الجريمة من الرسميين الباكستانيين، ومن برروها من الراكسين في غياهب ظُلَم السياسة الباكستانية وإعلامها، المدعين بأن الاشتباه لتنظيم ما يعطي صك غفران لقصف من علو الجبال على نيام برآء آمنين!
وهل يفاخر جيش قد حارب الهندوس مراراً اليوم بأنه تمكن من قتل صبية من القراء وهم يتأهبون لصلاة الفجر في قلب باكستان ـ لا على تخومها ـ، وبأنه قد قتلهم من علو شاهق عبر أفعوان أمريكي/طائرة كوبرا بدلاً من مواجهتهم على الأرض أو التحقق من شخصياتهم وهوياتهم، إذ الاشتباه مبررٌ لقتل المسلمين في ديارهم وفي مدنهم وقراهم من قبل حكومتهم ونظامهم.. إن القتلة المجرمين وهم يسترخصون دماء الصبية أو الأطفال الأبرياء إن زعموا أو برروا لن يطاولوا قامات الصغار مهما علت بهم كوبراهم، ولن يفلتوا من عار يسكن أفئدتهم ويلطخ جباههم.. فأما الصغار، فحين رأينا جثثهم تذكرنا الصادق المصدوق _صلى الله عليه وسلم_ حيث يقول: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة"، فرجونا أن يكونوا قد عرجوا إلى جنان عرضها الأرض والسماوات.. وأما حملة نياشين الخزي، ممن أقروا أو شاركوا، فما عساهم إلا أن يروا علياً _رضي الله عنه_ حينما جاءه ابن جرموز قاتل عبد الله بن الزبير _رضي الله عنه_ مسروراً بقتله ظناً أن ذلك يرضي الخليفة الحكيم، فعاف علي أن يأذن له بالدخول عليه.. وقال لمن معه: "بشر قاتل ابن صفية بالنار"..