أنت هنا

الحانونيات الحانيات.. نساء بألآف الرجال
14 شوال 1427

قيل إنهن ضللن قوى الاحتلال الصهيونية، حين سلكن طريقاً آخر في التجمع حول مسجد بلدة بيت حانون الفلسطينية سهل طريقاً لعشرات المقاومين الذين كانت قوى الاحتلال تضرب حصاراً حول المسجد الذي يتحصنون به، وتوشك أن تقتلهم أو تعتقلهم بعد أن شرعت في هدم المسجد، فانساب 73 مقاوماً من بين الآليات الصهيونية.
وقيل إنهن نجحن في اقتحام المسجد برغم سقوط شهيدات وجريحات منهن، ودفعن بملابس نسوية أحضرنها معهن فارتداها بعض المقاومين مختفيين بها، وخرج الجميع من المسجد وسط اضطراب المجرمين الصهاينة.
وأياً ما كانت الرواية، فإن الماجدات الفلسطينيات يكن بذلك قد نجحن في تسهيل خروج المقاومين الذين يمثلون أطياف المقاومة الفلسطينية (وإن كان معظمهم من كتائب القسام 51 قسامياً)، وسطرن بدمائهن أروع صور الجهاد والمقاومة.
في بلدة بيت حانون، حيث الفداء والنضال فطرة أهل الإيمان، الباذلين دقائق حياتهم لوعد الله العزيز "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليها حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله"، انطلقت المسيرة النسائية بعد صلاة الفجر، تتقدمها نائبة المجلس التشريعي الفلسطيني جميلة الشنطي عن حركة حماس الفلسطينية، تلج ألسنة النسوة بالتكبير والذكر، متجهة إلى حيث أول مهمة لها برجم الصهاينة الذين جمعوا رجال البلدة من غير المقاومين المتحصنين بالمسجد في صعيد واحد لإجراء تحقيق مهين بشأن المقاومة والمقاومين، ثم لما نجحن في مهمة فض هذا الاحتجاز القسري، عمدن إلى مسعاهن لفك الحصار عن المقاومين والدفاع عن مسجد البلدة، ما أثار حنق الصهاينة فأطلقوا عليهن النيران، فسقط بعضهن على الأرض بين شهيدة وجريحة.
لم تكترث كالعادة وسائل إعلامنا العربية بهذه البطولة المذهلة، ولم تأخذ الحادثة نصيباً في شاشاتنا ـ إلا قليلاً ـ المشغولة بأخبار نساء أخريات امتهن بيع الجسد في أسواق النخاسة الفضائية.. وأنى لتلك الوسائل أن تلقي بالاً بقصة كأنها قد اخترقت حجب الزمن، وجاءتنا من عهود الكرامة، حيث كان للنساء كرامة كما الرجال الأقدمين، أنى لها وهي المعنية بحوادث التبذل والخنا والفجور والتحرش وما على شاكلتها؟! أيفيض الملح عسلاً أو يمنح الخمر الصلاح؟!
إن تلك الوسائل مبرمجة في معظمها على استلاب مفردات القدوة من واقع المسلمين، وإذا التفتت إلى الماضي فللتشويه والإقصاء، فإذا ما وجدت قصة كتلك سرعان ما يجرفها فيضان النسيان، لتعود الشعوب إلى مخدرات العقول وماحيات الذاكرة الجمعية.
لم تكترث أيضاً بهذه القصة شبكات من المنظمات النسائية المهمومة بخصلات شعر النساء بأكثر مما تعنيها مشاعرهن ومشاركتهن في هموم الأمة!
لم تكترث بالحادثة أخيراً عصابات فرق الموت وميليشيات أجهزة الأمن الوقائي الجاهزة دوماً لإطلاق النار على المقاومين وبث الفوضى والرعب في الشوارع كبديل (وقت السلم) للاحتلال، والمستعدة كل يوم لاقتحام مؤسسة تشرف عليها حماس، لأنهم لا يعرفون للنضال إلا معنى واحد، هو ذاك الذي يقود زعماءهم إلى فنادق أوروبا، وأفرادهم ـ اليوم ـ إلى الجحور كالجرذان.