أنت هنا

الأطفال بعد النساء..مأساة بيت حانون: "إن تكونوا تألمون.."
17 شوال 1427

كم تبقى من خيارات أمام الفلسطينيين؟! كم تبقى من خيارات لدى الرئيس الفلسطيني؟! كم من خيارات تبقت لدى رئيس الوزراء الفلسطيني؟! كم تبقى أمام رئيس وزراء الكيان الصهيوني؟! كم تبقى أمام الحكام العرب؟! وكم تبقى لدى الشعوب العربية؟! وما الذي يمكن أن يقوله الإعلام العربي من جديد؟!
أي ثمن يدفعه الأطفال ولِمَ تزهق أرواحهم؟
في الحقيقة لا تبدو ثمة أية جدوى من تكرار الحديث عن أن الكيان الصهيوني قد ارتكب مجزرة جديدة، فالحديث دوماً عن قتل الأطفال لم يوقف النزيف منذ بحر البحر ودير ياسين وكفر قاسم، إنما الجدوى المرجوة هو في تحريك الراكد فيما يخص الحصار المضروب عربياً من قبل الدول العربية وبنوكها والطغمة المتصهينة من الطابور الخامس في داخل الفصيل الآخذ بزمام السلطة والمال في فلسطين من بقايا مناضلي الفنادق، إذ المطلوب الآن هو ضغط القوى الوطنية والإسلامية في سائر البلدان الإسلامية من أجل نسف المساهمة العربية في خنق الشعب الفلسطيني ودفعه نحو تقديم تنازلات مؤدلجة ومشرعنة تحت طائلة لظى النيران وسياسة التجويع الممارسة عالمياً وعربياً.
الخيارات لدى الجميع باتت محدودة أكثر من أي وقت مضى، فالموقف مأزوم عند الأطراف جميعها، والضغوط تطال كل قوة لها تأثيرها بدءاً من قاذف الصواريخ وانتهاء براجم الحجر، ومن ثم يألم الجميع فيها "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون"، فالعدو الصهيوني جرب جميع ما في ترسانته واستهدف المقاومين والنشطاء، وشرع في عمليات خبط العشواء التي يلجأ إليها كلما ضلت أجهزته الأمنية عن تحقيق مراداتها، تماماً مثلما فعل في الجنوب اللبناني حينما ختم حربه العدوانية على الجنوب اللبناني بمجزرة قانا الرهيبة، إذ يأس العدو من وقف إطلاق الصواريخ من بيت حانون ومن غيرها برغم ارتقاء 90 شهيداً وجرح أكثر من مائتين، وهو ما عبر عنه كبار المحللين العسكريين الصهاينة الذين أعربوا عن استحالة وقف هذه الصواريخ برغم حملة غيوم الخريف التي ألقت بظلالها الداكنة على الحياة الفلسطينية والعربية والصهيونية والأمريكية على حد سواء، فالفلسطينيون تجعلهم الضربات المتوالية للحملة الصهيونية تحت مكبس التشكيل الشائه للنظام السياسي بعد التدخل الصهيوني من أجل تقوية من يسميهم ليبرمان بالمعتدلين في السلطة الفلسطينية على حساب أصحاب القضية الفلسطينية الحقيقيين الذين عبرت عنهم السيدة جميلة الشطي ورفيقاتها اللائي ضربن مثالاً عجزت عن تقديم معشاره الدوائر العربية المستديرة والدوائر الاستخبارية الفلسطينية المستطيرة، لكن المأزق الذي تجد الحكومة التي تنتمي إلى حركة حماس الفلسطينية المسؤولة مع غيرها في أسر الجندي الصهيوني جلعاد شاليط نفسها فيه تجعلها مدفوعة تحت خيانة "الأصدقاء" الشركاء في صياغة الموقف الرسمي الفلسطيني ولظى الحمم المتساقطة على أجساد الأطفال الغضة، إلى اتخاذ موقف من الشراكة في الحكم يتفق مع مبادئها ولا يكبل يدها المقاومة ولا يسلم في الوقت ذاته جزءاً من مقاليد السلطة الفلسطينية إلى ميليشيات أمنية تحكم قبضتها على الشعب الفلسطيني وتتاجر بدمه من دون أن تدفع في المقابل قطرة في أي معركة مع الصهاينة.
والرئيس الفلسطيني الذي أدان إطلاق الصواريخ بعد قليل من وقوع المجزرة الرهيبة، لم يعد يملك هو الآخر من خيارات كبيرة وهو يجد أن كثيراً من هذه العمليات من حيث لا تريد تسهم في تقوية خصومه المناضلين، وتعري موقفه المتخاذل أمام شعبه.
والدول العربية تجد نفسها في موقف شديد الحرج وفضائياتها تنقل صور أشلاء الأطفال وهي تلحظ أن أي موقف لم تكن تمنحه لائقاً للعلمانيين الفلسطينيين أصلاً بالأمس، سيصب في خانة المناضلين الفلسطينيين الذين تتهم "الصديقة" الأمريكية بالإرهاب.
والولايات المتحدة الأمريكية لم يعد بوسعها لا أن تدين أو أن تؤيد، أو بالأحرى لم يعد هذا الموقف أو ذاك ذا تأثير أو أهمية، ولم يعد أحد ينتظره منها، لا لأن موقفها معلوم مسبقاً فحسب، بل لأنه لم يعد له تأثير يذكر، لأن 99% من أوراق اللعبة لم يعد في يدها كما كان الرئيس المصري السابق السادات يقول، وإنما متأرجحة ما بين يد فلسطينية راجمة، وطائرة صهيونية قاذفة.. وكلاهما رغم حديث المتخاذلين فاعل..
رحم الله أطفال بيت حانون، ورضي الله عن النسوة، ووفق كل مقاوم هناك... وسحق الله أشباه الرجال.