أنت هنا

ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها
29 ربيع الأول 1429
عبدالعزيز الجليّل

رسالة نصح وبراءة إلى بعض الإعلاميين في بلاد الحرمين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإبراءً للذمة ونصحاً لمن ابتلاهم الله بتوجيه الأمة عبر وسائل الإعلام المهمَّة من صحافة وإذاعة وتلفاز وقنوات، نتوجه بالنصح والتحذير إلى هؤلاء في بلاد الحرمين بخاصة، وفي بلدان المسلمين بعامة، علَّها أن تجد قلوباً مفتوحة وآذاناً صاغية. والدافع إلى هذه النصيحة والبراءة إنما هو النظر إلى هؤلاء القوم هداهم الله بعينين:
العين الأولى:
عين الحكم القدري: الذي يقتضي الرحمة بهؤلاء والشفقة عليهم من هذا الابتلاء العظيم الذي ابتلاهم الله به, وموعظتهم بأن يدافعوا قدرهم هذا بقدر التوبة النصوح مما يمارسونه من تضليل للأمة في أفكارها وأخلاقها قبل مباغتة الأجل وعندها لا ينفع الندم.
كما أن النظر بهذه العين إلى هؤلاء المفتونين ليحتم بذل النصيحة الخالصة لهم عل الله عز وجل أن ينقذهم مما هم فيه من بلاء وفتنة إذ لا بلاء أشد من أن يكون الإنسان سبباً في إفساد نفسه وإفساد غيره، والحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به فإن قلوب العباد بين أصابع الرحمن.
وهذه النصيحة إنما هي موجب حقهم والرحمة بهم والشفقة عليهم من سخط الله عز وجل وعذابه في الدنيا والآخرة وذلك عندما يلاقون ربهم (وهم يحملون أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء مايزرون).
وهذه النصيحة تقتضي:
أولاً: تذكيرهم بموعظة الله عز وجل وتحذيره للمفسدين وذلك في قوله سبحانه: {ولا تـُفـْسِدُوا في الأَرض ِ بـَعدَ إصـْلاحِها وادعـُوهُ خَوفاً وطَمَعاً إنّ رَحْمَتَ اللهِ قـَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنين} [سورة الأعراف:56] ومطالبتهم بأن يقوموا قومة صدق مع الله عزَّ وجل ويتفكروا فيما يقدمونه للناس من كلمة مقروءة أو مسموعة أو منظراً مشاهداً ويسأل كل واحداً نفسه أو زميله هل هذا المكتوب أو المسموع أو المرئي الذي قام به يعد من الإفساد الذي يسخط الله عز وجل وتهدم به أخلاق الأمة أو هو من الإصلاح الذي يحبه الله عز وجل؟ إنكم إن قمتم لله عز وجل وتفكرتم في عملكم بتجرد فسترون الإجابة المفزعة لكم وهي الفساد والإفساد وغضب الجبار عز وجل هذا إن كان في القلوب حياة.
ونظرة سريعة إلى مايكتب في الصحف المحلية في الرياض والوطن وعكاظ والجزيرة أو مايكتب في الصحف الخارجية المحسوبة على هذا البلد كالحياة والشرق الأوسط أو ماتقوم به القنوات المملوكة لأبناء هذا البلد كالعربية وmbc وغيرها تطلعنا على هذا الإفساد والتضليل وتوزيع الأدوار بين هذه الصحف.والقاسم المشرك بينها موضوع المرأة وحجابها وإخراجها من بيتها، أو لمز القائمين على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتتبع أخطائهم، أو الهجوم على حلقات تحفيظ القرآن للبنين والبنات والتنفير منها، أو السخرية من الجهاد وأهله ووصف من يقوم به في الثغور أو من يدعمه بالإرهاب وضلال الفكر أو الدعوة إلى موالاة النصارى وعدم تكفيرهم، بل قد وصل الحال إلى نشر الإلحاد والزندقة, وغير ذلك مما من شأنه محاربة العقيدة والفضيلة وبث الشبهات والشهوات.
ولقد كان للمرأة نصيب الأسد في هذه الحملات المشبوهة حيث دأبت الصحف المحلية والصحف الخارجية المحسوبة على هذا البلد والقنوات التابعة لأبناء هذا البلد منذ سنوات في الحديث عن المرأة وحجابها وحقوقها المسلوبة بزعمهم, وحقها في العمل والرياضة واختلاطها بالرجال وحريتها في السكنى والسفر وتمردها على
قوامة الرجل.هذه الأطروحات المحمومة وكأن المرأة في بلدنا تعيش في حالة من الظلم والذلة والضياع. وقد انتشر طرح مثل هذه الأمور في الأشهر الأخيرة وكأنهم يسارعون الزمن ويراهنون على تحقيق أهدافهم قبل أن تذهب الفرصة التي بأيديهم وقد لايجدون مثلها بعد حين.
وإن المتابع لأطروحات القوم حول المرأة ليقف على أمر خطير ألا وهو سيرهم في أطروحاتهم على مخطط مرسوم قد توزعوا فيه الأدوار بين بعضهم. كما أن كتاب الصحيفة الواحدة قد وزعوا الأدوار في الصحيفة الواحدة بينهم فهذا يكتب عن عمل المرأة واختلاطها بالرجل وآخر عن بطاقتها وثالث عن سفرها وسكنها بلا محرم ورابع عن نواديها الرياضية وخامس عن قيادتها للسيارة وهكذا إلى آخر هذه المنظومة المنظمة المتوادة بينها في الحياة الدنيا.
وأسألكم بهذه المناسبة إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وإن كنتم تعلمون أن الله يعلم سركم ونجواكم وأن الله علام الغيوب ما هدفكم مما تطرحون؟ هل تشعرون في ضمائركم بأنكم بقومتكم هذه تريدون وجه الله عز وجل وجنته وتريدون إصلاح المرأة وإصلاح أسرتها بما ينفع البلاد والعباد؟ إننا لا نريد الجواب الذي تظهرونه لنا في الدنيا. بل نريد الجواب الذي تقولونه لربكم يوم تعرضون عليه لا تخفى منكم خافية يوم يشهد عليكم سمعكم وأبصاركم وجلودكم بما كنتم تعملون.
ياقوم تذكروا يوم الحسرة والندامة يوم يتبرأ منكم الأتباع وتتبرأون من الأتباع ولكن حين لاينفع الندم والاستعتاب ولا التبرؤ والتنصل{إذ تـَبَرأ الذِينَ اُتـّبِعُوا مِنَ الذِينَ اتّبَعُوا وَرَأُوا العَذَابَ وَتـَقَطّعـَت بِهِمُ الأسْباب} [سورة البقرة: 166].
ثانياً: إن لم ينفع واعظ الله سبحانه والدار الآخرة فيكم شيئا فلا أقل من أن يوجد عندكم بقية مروءة وحياء وشهامة تمنعكم من إفساد أخلاق الأمة وعقيدتها وتمنعكم من السخرية بالمصلحين الداعين إلى توحيد الله عز وجل ومعالي الأمور والأخلاق.
إن المتأمل في حال قومنا في هذا البلد اليوم ليأخذه العجب والحيرة من أمرهم! فمالهم وللمرأة الحيية التي تقر في منزلها توفر السكن لزوجها وترعى أولادها, ماذا عليهم لو تركوها في هذا الحصن الحصين تؤدي دورها الذي يناسب أنوثتها وطبيعتها ماذا يريدون من عملهم هذا ؟! ثم ماذا عليهم لو تركوا أولاد المسلمين يتربون في حلق القرآن على الخير والدين والخصال الكريمة؟ ماذا يريدون من إفسادهم وتسليط برامج الإفساد ا المختلفة عليهم؟ هل يريدون جيلا منحلاً يكون وبالاً على مجتمعه ذليلاً لأعدائه عبداًً لشهواته ؟ إن هذه هي النتيجة.
وإن من يسعى لهذه النتيجة الوخيمة التي تتجه إليها الأسر المسلمة اليوم لهو من أشد الناس خيانة لمجتمعه وأمته وتاريخه.
العين الثانية:
عين الحكم الشرعي: فكما أن عين القدر السابق ذكرها تقتضي الرحمة بهؤلاء المبتلين ودعوتهم إلى التوبة والنصح لهم والشفقة عليهم من سخط الله وعذابه, كما تقتضي النصح لهم بما سبق ذكره إن كانوا يحبون الناصحين فإن النظر هنا بعين الحكم الشرعي يقتضي الأمور التالية:
أولاً: البراءة مما يفعله المفسدون من أرباب الصحف والقنوات والمشاركين فيها بمقروء أو مسموع مما هو مخالف لعقيدة التوحيد ولأحكام الله عز وجل وما يقومون به من نشر للزندقة والفساد.
ثانياً: الإنكار الشديد على فعالهم السيئة وحملهم بقدر مانستطيع على لزوم أوامر الله عز وجل وترك مسا خطه بوازع القرآن إن نفع فيهم وإلا بوازع السلطان ممن يملك السلطان.
ثالثاً: فضحهم وفضح مخططاتهم الإفسادية ومن يقف وراءها من رموز الفساد وتعريتهم للناس وتحذير الناس من شرهم وشبهاتهم.
وهذا ضرب من الجهاد المسمى بجهاد الحجة والبيان. وهذا يحتم تكاتف أهل العلم والإصلاح وتوزيع الأدوار فيما بينهم كما المفسدون يوزعون المهمات فيما بينهم،{فـَأمـّا الزّبَـدُ فَـيَـذْهَـبُ جفاء وأمـّا مايـَنفـَعُ النـّـاسَ فـَيمـْكـُثُ في الأرض} [سورة الرعد:17] وقد عزم المصلحون على ذلك إن شاء الله تعالى.
رابعاً: دعوة عوائل أولئك القائمين على هذه الصحف ومن يكتب فيها إلى أن يقوموا بواجبهم بدعوتهم إلى التوبة وإلا فيهجروهم ويعلنوا براءتهم منهم.
خامساً: تحصين المجتمع والأسرة المسلمة من شبهات هؤلاء المفسدين وشهواتهم ودعوة المجتمع إلى مقاطعة هذه الصحف وعدم شرائها لأن ذلك دعما لها وبابا من التعاون على الإثم والعدوان.
ومن التحصين تربية الناس على الخوف من الله عز وجل ومحبته وتعظيم حرماته والبعد عن كل مايسخطه من الأفكار والأقوال والأعمال، وهذا يوجب على المصلحين استخدام كل وسيلة متاحة لنشر الخير ومحاربة الفساد والشر وما أكثر الوسائل المتاحة لأهل الصلاح في زماننا اليوم والحمد لله.
وأختم هذه الورقات بأبيات بديعة للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى فيها ملخص لما سبق تفصيله من المواقف من أهل
الفساد، يقول رحمه الله:
وانظر إليهم بعين الحكم وارحمهم بها *** إذ لا ترد مشيئة الديان
وانظر بعين الأمر واحملهم على *** أحكامه فهما إذاً نظران
واجعل لقلبك مقلتين كلاهما *** من خشية الرحمن باكيتان
لو شاء ربك كنت أيضا مثلهم *** فالقلب بين أصابع الرحمن
[النونية 1/131].
أسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين وأن لا يزغ قلوبنا بعد إذ هدانا وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه وليه ويذل فيه عدوه ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنه على كل شيء قدير والحمد لله رب العالمين.