أنت هنا

أبو معتق.. رب بيت الشهداء
25 ربيع الثاني 1429

نزلت عليه الصاعقة؛ فلم يزد أن قال "حسبنا الله ونعم الوكيل لا حول ولا قوة إلا بالله".. دموع ذرفها تملأ أنهار الحزن ويعتصر لهولها الكون.. نحيب وكلمات تتناثر من بين شفتيه لكن الله يسمعها.. يسمع كلمات المظلوم، التي ليس بينها وبين الله حجاب.
لقد أحاطت به الهموم فانتحب وردد كلمة دونها أسلحة الدمار الشامل.. تتصاغر أمامها كل ترسانات الجيوش؛ فلقد قال ابْنِ عَبَّاسٍ يوماً: "[حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ]، قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِىَ فِى النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالُوا: [إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ]" (البخاري: 4563)، وكانت تجري الكلمة على نحو عفوي على لسان "أبو معتق"، لكنها أثقل من الجبال الرواسي تقع على رؤوس الصهاينة.
بفطرة سليمة منحها أحمد أبو معتق، أدرك أن لا إدانة ستصدر ولا انتقام سيجري له بعد أن قامت قوات الاحتلال الصهيوني بقصف منزله الواقع قرب عزبة عبد ربه في بلدة بيت حانون شمال القطاع بثلاث قذائف أسفرت عن استشهاد الأم ميسر أبو معتوق (40 عاما) وأربعة من أطفالها بينهم طفل رضيع يبلغ عمره عاما واحدا اسمه مسعد والطفل أحمد (4أعوام) والتوأم ردينة وهناء (6 أعوام) .
هناك لاذ "أبو معتق" الأب بحصن منيع يقيه من ذهاب عقله على إثر فلذات الكبد الذين ودعهم في لحظة واحدة لم يبخل فيها أعداء الآدمية عليه بلقب شهداء لأولاده الذين كان يرجوهم كشهيده السابق البطل مسعد أبو معتوق من زوجه الأولى الذي قضى في ساحة النزال مدافعاً عن الدين والعرض والوطن.. حسبنا الله ونعم الوكيل.. ثم إلى شجرة في الجنة تُزرع في دنيانا اسمها "لا إله إلا الله".
هكذا، وإلا فمن يعوضه في عالم الظلم والطغيان من العدو والغفلة والركوع من بني جلدته عن أسرته الوادعة التي جادت بها نفوسهم في لحظة مع الشهادة والطعام معاً.
من يمنح "أبو معتق" الأمن والعدالة والطمأنينة إلا الله سبحانه وتعالى، في زمن تتضافر فيه ألوان القهر والاستبداد والظلم من القريب قبل البعيد؛ فعلاوة على أن أحداً من البشر لن يعوضه فقدان أهله، لم يزل المحيطون سادرون؛ فلا كلمة إدانة سمعت، ولا احتضان عربي للرجل المكلوم، ولا فصيل ـ غير حماس والجهاد ـ لوح بالانتقام.
إنها مأساة متكاملة الأركان، تنضاف إلى جملة من المآسي المفجعة التي مني بها الفلسطينيون في الأعوام الأخيرة، من دون أن نحس ممن حولهم من أحد أو نسمع ركزا؛ فعائلة عبد الرحمن محمد علي عطا الله (62 عاماً) في مارس الماضي استشهد منه ستة من أفراد العائلة في قصف صهيوني، من بينهم ثلاث نساء، وعائلة الطفلة هدى الغالية غالية ارتقى منها سبعة شهداء قبل عامين، وفي العام نفسه ارتقى تسعة من أفراد عائلة الدكتور نبيل أبو سلمية، هم الأب والأم وسبعة من أبنائه شهداء جراء قصف صهيوني، وعائلة أبو مطر خلال اغتيال الشهيد صلاح شحادة حيث فقدت العائلة سبعة شهداء.
إنها سلسلة من أسر الشهداء ليس لها إلا أن تقول "حسبنا الله ونعم الوكيل.. لا حول ولا قوة إلا بالله"، ثم لا نجاوز إذ نشاهد الجريمة إلا أن نفزع قليلاً ونتمتم بطلب الرحمة.. ثم من بعد ـ للأسف ـ ندير إلى قناة تليفزيونية أخرى!!