الجندر..وثقافة الأفاعي
12 جمادى الثانية 1429
يحيى البوليني

من المؤكد أنه قد واجهنا جميعا حين خطونا أول خطوة نحو إنشاء بريد إلكتروني وطلب منا وضع بياناتنا الشخصية واجهنا جميعا اختيار الـ Gender ولعل معظمنا فهم من هذا الاختيار أنه يقصد به النوع ذكر أم أنثى وظننا كما ظن الجميع أن: Male = man)) , Female = women)) ولم نعر للأمر اهتماما يذكر , واعتبرناه مما تسعه اللغة الانجليزية , وتكرر ذلك في كثير من جداول البيانات المقدمة لكثير من المؤسسات وصار الأمر لا يشغل حيزا من تفكيرنا والحقيقة أن الأمر لا يبدو بمثل هذا التسطيح الذي تعاملنا نحن به مع الفارق بين الكلمتين , وإن شئت الدقة بين مصطلحين وإن أردت الحقيقة المرة فهو فارق بين عقيدتين . ولك أن تتخيل وتتعجب أن مصطلح (الجندر) قد ورد وتكرر في جميع مؤتمرات الأمم المتحدة حيث ظهر في مقررات مؤتمر السكان في نيروبي 55 مرة، وفي مؤتمر بكين 233 مرةً، وحتى وثائق الطفل لم تستثن منه. فلم هذا الحرص الشديد على تعميق هذا المصطلح وتطبيع التعامل به ؟ إن مفهوم الجندر هو نوع خبيث من الثقافات المعاصرة التي يتم طرحها بقوة على العالم كله وبالأخص على العالم الإسلامي بهدف إيجاد نوع من الفوضى الجنسية الخلقية بين الناس ويستهدفون المسلمين بصورة خاصة في ذلك فالنوع male) ) : لا يعني المذكر بل يعني كل إنسان يمارس العملية الجنسية بوضع إيجابي والنوع (female): أيضا لا يعني التأنيث بل يعني كل إنسان يمارس العملية الجنسية بوضعية سلبية وبهذا التقسيم يمكن للراجل أن يكون (male) أو (female) والمرأة كذلك إن الهدف من هذا التقسيم هو إلغاء التقسيم الإلهي للبشر إلى نوعين كما قال الله " وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى" بل جعله تقسيما لكل الكائنات وقال " وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون َ" - واستبداله بتقسيم آخر وهو الموجب والسالب فتتساوى كما يريدون ويزعمون العلاقات السوية بين الرجل والمرأة مع العلاقات غير السوية المحرمة , فيتساوى في نظرهم الزواج مع العلاقات المحرمة مثل اللواط والسحاق ونكاح المحارم وغيرها من المنكرات الخلقية , بل وأسموا الزواج باسم العلاقة النمطية أو التقليدية بين الرجل والمرأة وأسموا ما سواه من العلاقات بالعلاقات غير النمطية أو غير التقليدية إن إشاعة مفهوم الجندر والذي تحرص عليه المؤسسات الدولية هو إشاعة للفاحشة بين الناس ببث عدم إنكاره حتى يتقبله الناس ولا يستنكرونه وتقوم هذه الفلسفة على إنكار الفروق البيولوجية بين الذكر والأنثى وإلغاء آثار تلك الفوارق البيولوجية بينهما وبالتالي فهي تنتصر حسب زعمها للمرأة التي تصر على أن حقوقها مهدرة وتتلاعب بالنساء من هذا الجانب ويستدلون بزعمهم الخبيث على ذلك بأن الدين ينتصر للرجل على المرأة , فيستفتحون صلواتهم ويتعبدون لثلاثة آلهة هي الأب والابن والروح القدس وكلهم يبدأون بلفظ ( he) الذي يعبر عندهم عن الذكورة , ولذا فالتحرر والمروق من الأديان كلها ومن العبادات هدف أساسي لمفهوم الجندر الخبيث الجديد ومن مفاهيم الجندر القضاء على الأدوار الثابتة بين الرجل والمرأة في الأسرة فيقولون: لماذا لا تعمل المرأة مثل الرجل ولماذا لا يرعى الرجل الأبناء مثل المرأة وابتكروا لذلك المطاعم الجماعية ودور رعاية الأطفال التي تساعد كلها في إقامة تلك المنظومة المتكاملة من الانحلال الخلقي والجنسي فكما هو موجود عندهم الانفلات الخلقي والجنسي خاصا بالرجل فيطالبون بأن يكون جسد المرأة ملكا تاما لها تعطيه لمن تشاء في الوقت التي تشاء دون قيد يسمى بقيد الزواج والشرع والدين والفضيلة فكما ينادون بحق المرأة في الإجهاض إذا قررت ذلك وينادون بتعليم الأطفال ما يسمى بالجنس الآمن بتوفير وسائل الوقاية من انتشار الأمراض المعدية ووسائل منع الحمل , ولهذا لا نتعجب أن تكون المنح والهبات التي توهب للحكومات العربية والإسلامية من شروطها الأساسية أن توجه إلى ما يسمى بتنظيم الأسرة . إن هذا المفهوم لا يعد تنظيرا فكريا فحسب فيعد من الترف الفكري الوقوف عنده ولكنها خطوات عملية تنفيذية ملزمة بقوانين سنصطلي بنارها قريبا إن لم نتداركها لأن هناك اتفاقيات أبرمت بين الدول في المؤتمرات الدولية للصحة والسكان ومنها اتفاقية السيداو (CEDAW ) والتي أقرتها ووافقت عليها دول عربية وإسلامية كثيرة وكان من بنودها الإقرار بتعدد أنواع الأسرة , فالأسرة المكونة من رجل وامرأة بعقد زواج صحيح هي الأسرة النمطية , وهناك أنواع يطالب باعتبارها من الأسر وهي الأسرة التي تقوم على علاقة رجلين معا بعقد زواج أو امرأتين أيضا بعقد زواج وقد أقرت النوعين بعض مؤسسات دينية غربية مؤخرا , وفي هذا تقنين وإقرار لوضع الشواذ والمنحرفين في المجتمعات , وتسعى الاتفاقية أيضا لتحقيق حصول المرأة على نفس حقوق الرجل مثل حق الزوجة في اتخاذ عشاق وعشيقات بعلم زوجها كما هو معمول به في الغرب، وتقييد الزواج بزوجة واحدة كما هو معمول به اليوم في بعض الدول الإسلامية، والسفر بدون إذن الزوج، وحرية المرأة في جسدها والقضاء على قوامة الرجل في الأسرة , والأخطر على الإطلاق هو فرض حالة من الحرب الدائمة بين الرجل والمرأة بدلا من المودة والسكن كما استهدف الإسلام من تلك العلاقة . ان فهمنا لهذا المفهوم الجديد وخاصة أن الأمم المتحدة تأخذه إقراره وتنفيذه على محمل الجد بلا كسل ولا تسويف , ويقيننا أنه يعارض الفكرة الإسلامية تماما ليشعرنا أننا في مرحلة حاسمة من الصراع الفكري الذي لابد فيه من إظهار الحقائق وفهم المصطلحات حتى لا نجد في أوطاننا كل من يتحدث عن الدين والشريعة والخلق القويم يجد نفسه متعرضا للسجن بسبب مقال أو خطبة يبين فيها حكم الشرع في اللواط أو السحاق ولا تحسبوا أن هناك مبالغة فهذا مما اتفقت عليه الدول في مؤتمر السيداو ووقعت على مقرراته , وتقول البوفيسيرة (كاثرين فورت) - وهي ليست مسلمة- : "إن التوقيع عليها توقيع كلي يعني التوقيع شامل على كل المواثيق والمناقشات واللوائح والمذكرات التفسيرية الجانبية المؤسسة على هذه الاتفاقية، وتقول إن معارضة الشذوذ الجنسي في بعض الدول الآن حتى ولو برسم كاريكاتيري في جريدة تعرضك للمساءلة القانونية، وهناك محاولات لمنع الوعظ الديني المخالف للشذوذ الجنسي لكونه يعارض حقوق الإنسان!! وتقول : إن المواثيق والاتفاقات الدولية التي تخص المرأة والأسرة والسكان .. تصاغ الآن في وكالات ولجان تُسيطر عليها فئات ثلاثة: (الأنثوية المتطرفة) و (أعداء الإنجاب والسكان) و(الشاذون والشاذات جنسيا)..وإن لجنة المرأة في الأمم المتحدة شكلتها امرأة اسكندنافية كانت تؤمن بالزواج المفتوح، ورفض الأسرة، وكانت تعتبر الزواج قيدا، وأن الحرية الشخصية لابد أن تكون مطلقة“. إن ثقافة الجندر لم تكن وليد اليوم بل سبقها تمهيد لها فتسللت تسلل الأفاعي بلمسة ناعمة وسم ناقع قاتل , فوقع فيه كثير من المثقفين العرب والمسلمين حينما تبنوا الآراء المنادية كذبا وزورا بتحرير المرأة والتي خدع ببريقها الكثيرون ممن ظنوها خلاصا من واقع أليم وهو – إن كان موجودا - لم يكن الإسلام طرفا في إحداثه بل كانت الأعراف القبلية والتقاليد الاجتماعية وغيرها والإسلام منه برئ , فما عرف الإسلام يوما هضما لحقوق المرأة لا من الناحية المادية ولا المعنوية وقد بين العلماء والباحثون ذلك مما يغني عن الخوض فيه الآن وبينوا ما كرم الإسلام به المرأة وأعطاها حقوقها التي ما نالتها في تشريع ولا قانون سبقه ولا تلاه