أنت هنا

أبعد من السودان نفسه!!
14 رجب 1429

 

الرئيس السوداني عمر البشير ليس فوق المساءلة والنقد، فهو رجل دولة وشخصية عامة، ومن يعمل في الحقل العام ينبغي له أن يكون مستعداً لتقبل آراء الآخرين فيه، بل حتى أن يخضع للمحاكمة. ذلكم من بديهيات الأمور-من حيث المبدأ-لكن السؤال الضروري هو: من الذي يحق له مساءلة رأس الدولة - أي دولة -؟

إن الأمة هي التي تحاسب قياداتها، ما داموا بشراً غير معصومين!! فهذا هو الحق الذي لا مراء فيه، وإذا كان لدينا- نحن المسلمين - نابعاً من مبادئ ديننا الحنيف وركناً من أركان نظريته السياسية الفريدة باعتبار مصدرها الإلهي السامي، فإن الدساتير والقوانين الوضعية على عوجها الرهيب، لا تخرج عن هذه القاعدة الموضوعية.

بيد أن الواقع يشهد بأن الغرب الذي أدمن الكذب والنفاق كجزء أصيل في بنيته السياسية و"الأخلاقية" النفعية والفوقية معاً، هذا الغرب يمارس مبدأ القانون بحسب هوية الناس الذين سوف يطبق عليهم،فما يحق لـ"أهل روما" لا يحق لـ"البرابرة".

فهذا الغرب الأفّاق يسعى إلى ابتزاز السودان وإخضاعه وتفتيته، نكايةً بدوره التاريخي كنقطة انطلاق لبث نور الإسلام في القارة الإفريقية ولاسيما جنوبي الصحراء الكبرى.

وفي الوقت الذي تصدر مذكرة اعتقال في حق رئيس السودان، يرفض الغرب المتاجر بالشعارات أن يقبل دعوى من أهالي سربرنتسا المدينة البوسنية التي اغتيل ثمانية آلاف من سكانها العزل على أيدي عصابات الصرب الهمجية،والذين تواطأت  مع إجرامهم الدموي النذل،الكتيبة الهولندية التي تضع خوذات الأمم المتحدة وترفع رايتها!! بل إن هؤلاء الخنازير الحاقدين منعوا الشيوخ والنساء الفارّين من وحشية الصرب المدججين بالسلاح منعتهم حتى من اللجوء إلى مقرها!!

هؤلاء المساكين ممنوعون من حق مقاضاة مجرمين الحرب، مع أن الضحايا زرق العيون وبيض البشرة، لكن ما يَحُول بينهم وبين الدخول في "فردوس الرومان" ليس سوى كونهم مسلمين!!

وأما ضحايا دارفور الذين يتباكى الغرب المنافق الأشِر عليهم، فهم مسلمون لكن الجلاد المزعوم لهم مسلم، فلا بأس بالتنكيل به واتخاذ محنة دارفور سلّماً لبلوغ حلم كنسي قديم جديد هو تفكيك السودان والانتقام من مسلميه الذين هزم أجدادهم المجاهدون البواسل "الاستعمار" البريطاني ومشروعه الفظيع لبتر السودان وتمزيق أواصره ومنعه من القيام بمهمته التاريخية العريقة كنقطة إشعاع حضاري.

والوسيلة المهيأة لمشروع التفكيك الصليبي الحقود جاهزة وتتمثل في أولئك العملاء الذين أدخلوا دارفور في جحيم الاحتراب وفي سوق النخاسة الغربية، وهم يرفعون مظالم قد يكون بعضها صحيحاً، لكن المريض العاقل لا يستعين بالذئب المتربص به حتى لو ارتدى ملابس الأطباء..

إن الغرب - لو كان صادقاً وهو لم يكن صادقاً في تاريخه قط - لما تعامى عن مجازر اليهود المستمرة في حق الفلسطينيين منذ ستة عقود، ولما تجاهل فظائع الأمريكيين في العراق وأفغانستان وجوانتنامو  والسجون الأمريكية السرية الطائرة التي تتم بتواطؤ مع الحكومات الغربية "الديمقراطية" جدا جدا جدا!! 

وحسناً فعل السودانيون بإجماعهم على رفض المسرحية الغربية السفيهة، بمن فيهم الذين يعارضون نظام البشير جزئياً أو كلياً. فقد فهموا الغاية الدنيئة الحقيقية لتجار العدالة والمتشدقين بحقوق الإنسان.

وإن من حق الشعب السوداني الصبور أن يتولى بنفسه مساءلة حكامه عن كل تصرف سياسي يرى فيه خللاً أو جوراً، وليس من حق الغرباء أن يتدخلوا في هذا الشأن حتى لو كانوا صادقين فكيف والجميع - وفيهم بعض الشرفاء والأحرار في الغرب ذاته - يعلمون علم اليقين أن الساسة الغربيين المنادين بمحاكمة البشير وغيره مجرمو حرب محترفون، وأنه لو كان البشير – جدلاً - يستحق المحاكمة مرة، فهم أجدر بالمحاكمة والشنق ألف مرة.