أنت هنا

القادم من جنوب الفلبين
21 رجب 1429
في بلاد كانت تدعى عاصمتها "أمان الله" ثم صارت مع الاستعمار الغربي "مانيلا" يشعر المسلمون بأن الدائرة لم تكن على مر العقود الماضيات، ويتنسم المواطنون المسلمون في إقليم مينداناو الجنوبي نسمات العيش في ظل أحكام الإسلام العادلة، ولو مرت تلك الآمال بمراحل متدرجة كالتي تسعى حركة مورو الإسلامية هناك أن تسلم واحدة لأخرى طمعاً في أن يكون للمسلمين يوماً شيئاً من الخصوصية التي تهيئ لأبنائهم حياة طيبة في كنف الشريعة السمحاء.
وفي مناطق الأقليات الإسلامية أو ممالك الإسلام السابقات، تتنازع المسلمين ـ كما في بلدان العالم الإسلامي بأغلبياته المسلمة ـ صراعات نفسية ورؤى فكرية متعارضة في كثير من الأحيان حول الطرق المثلى لنيل الحقوق والمطالب العادلة.
ويبدو الطريق الأسهل لدى البعض هو رفع السلاح من أجل نيل الاستقلال أو لتحقيق مكتسبات عادة ما لا تتحقق عبره فقط.. يُسر هذا الطريق ليس في فاتورة الدماء المدفوعة، وإنما في بساطة التبرير والتفسير والمباشرة التي لا تفضي عادة إلى تخوين صاحبها، لأنه في النهاية يبذل دمه من أجل تحقيق المصلحة للمسلمين، ويقدم تفسيراً سهلاً لمبادرته إلى رفع السلاح إلى الأبد، لكن الأصعب من ذلك هو بناء الاستراتيجيات المفضية إلى نيل المراد من حقوق العباد وفهم اللحظة والتعامل معها بما ينبغي، وفي سبيل بناء الاستراتيجيات هذه قد يكون من الواجب مثلاً في دول كفلسطين أو الفلبين أو العراق وغيرهم نيل الحقوق بالمقاومة المشروعة بكل السبل والوسائل الشرعية المتاحة، وقد يكون بمزج هذه بالتفاوض وتحقيق بعض المطالب دون سفك الدماء، مثلما تفعل حركة مورو الإسلامية في الفلبين وحركة حماس بفلسطين وجناح شيخ شريف في الصومال، وقد لا ترى جماعات أخرى إلا السلاح ترفعه دون أن تستثمر ما تفعله لتحقيق مكاسب سياسية مثلما فعلت جماعة أبو سياف الفلبينية.
والسؤال الذي يلح اليوم مع تحقيق حركة مورو الفلبينية بعض التقدم في مباحثاتها مع رئيس الفلبينجلوريا ماكاباجال ارويو، عبر موافقة الأخيرة على إرجاء الانتخابات في جنوب البلاد من أجل إفساح المجال لترتيبات سياسية جديدة في سبيل منح المسلمين مزيداً من الاستقلالية والخصوصية في إقليم مينداناو الجنوبي، في حين كان البعض عبر البحار يتهمها بالخيانة، رغم قيامها بدور مقاوم للاحتلال الفلبيني "المسيحي" في الجنوب معتبراً أن لا سبيل إلا سبيل أبو سياف "الثائر" الإسلامي الذي ذبح عدداً من الجنود الفلبينيين وغيرهم لكن جماعته لم تكن تتوافر على أهداف سياسية أو رؤية استراتيجية يمكنها أن تحدث فعلاً مقاوماً ملتزماً بالشرع ولا يسرف في القتل في غير الحرب وأوجهها، له بعده النافع في خارج ميدان المقاومة.. السؤال الآن: من كان أنفع للمسلمين في البلاد؟ وأيهما كان الأكثر واقعية لحد الآن؟ وأيهما يمكن البناء السياسي على ما فعل؟ وأيهما يملك الأثر الإسلامي الفاعل في الجنوب الفلبيني، يمكنه من تحسين وضع الأقلية المسلمة؟
ثم السؤال الأهم: كيف يمكن نرى المقاومات الملتزمة بالشرع ـ لا حركات العنف الجائرة ـ تبني خططها المقاومة على أسس سياسية سليمة؟