أنت هنا

كاراجيتش.. السفاح الذي تحاكمه عصابته
21 رجب 1429
أخيراً أعلن عن وقوع الذئب في المصيدة، ونقول "أعلن" لأننا عن يقين لا ندري متى تم "إلقاء القبض" على رادوفان كاراجيتش، ولا كون الذئب قد وقع في المصيدة بالفعل!! ذاك أنه من الصعب أن نتعامل مع الكاذبين بحسن النية ونظن بهم الصدق في أي خبر يلقونه إلينا؛ فلا مبرر لدينا لاعتبار أن السفاح هو قيد الاعتقال منذ أيام فقط، ولا أنه كان مجهول العنوان كل هذه المدة، حيث الموازنات والحسابات قد تكون داعية إلى الإعلان عن ذلك الآن.
ومهما يكن من أمر؛ فالطبيب النفسي الذي أسس حزب الخضر ذا الطبيعة البيئية الوادعة، ثم أسس الحزب الديمقراطي الصربي في العام 1990 ذا المسمى اللطيف الذي يوحي بخلاف ما كان عليه، والشاعر الرقيق المشاعر فيما يبدو للناس، لم يكن في الحقيقة إلا مجرم حرب، وسفاح، وعتل أثيم.
لم تزد هذه المكونات الشخصية عن أن تكون غلافاً يحوي بداخله الشر المستطير، والشره إلى الدم والمجازر وترميل الأطفال أو ذبحهم، وتشريد الآباء والأمهات أو قتلهم، يحوي رغبة جموح إلى التهجير القسري بكل ما يرافقه من آلام القتل واليتم والدموع والدماء.
ولد رادوفان كاراجيتش في العام 1945 في الجبل الأسود، بعد شهر واحد من انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومضى والده أعواماً طويلة في السجن لأسباب سياسية، في حياة ابنه رادوفان، وتنقل في دراسته للطب النفسي من سراييفو إلى نيويورك، وكان الشعر جسره إلى السياسة التي قذفه تعصبه الديني والقومي إلى أن يكون أحد أشهر مجرمي القرن العشرين، والمسؤول بشكل مباشر عن جريمة سريبرينتسا التي وقعت قبل انتهاء العدوان الصربي على المسلمين البوسنيين أواسط التسعينات.
وفي العام 1995 وضع اسم كاراجيتش على قائمة المحكمة الجنائية الدولية بسبب ارتكابه جرائم حرب بعد أن قاد ما يسمى بدولة صرب البوسنة إلى جوار قائد جيشه راتكو ميلاديتش المدعوم بلا حدود من جيش الصرب بجمهورية الصرب، لكن كاراجيتش اختفى منذ ذلك الحين، وكان معلوماً ـ لدى المسلمين على الأقل ـ أن السفاح قد أخفي بتواطؤ دولي وإقليمي حينها، وقد كان كاراجيتش قد أطل على الإعلام من خلال صحيفة التايمز البريطانية في العام 1996 معتبراً أن "المحكمة لو كانت فعلا جسما قضائيا لكان ذهب من تلقاء نفسه ليشهد أمامها" إلا انه وصفها حينها بـ"الجسم السياسي الذي لا يعنى إلا في إلقاء اللوم على الصرب في كل ما جرى".
وبرغم أن كاراجيتش عدو لنا كمسلمين بلا جدال، إلا أننا نصدقه هنا من حيث إن المحكمة الجنائية ليست جسماً قضائياً نزيهاً، والدليل سيكون في نتائج حكمها على السفاح الذي سيكون حكمه في النهاية مخففاً عليه، ولن يدفع أبداً ثمن جرائمه بالقصاص الذي نرتضيه، كما الدليل في التزامن المريب في الإعلان عن توقيف كاراجيتش بعد أيام فقط من التهديد بملاحقة الرئيس السوداني عمر حسن البشير.
فكاراجيتش قاتل مأجور استنفذ الغرض منه ولم يعد هناك حاجة لحمايته أكثر من هذا، وهو مهما اشتهر لم يكن سوى رئيس جمهورية لم يعترف بها سوى الصرب، وانتهت بعد ذلك، وهي جمهورية صرب البوسنة، ولم يعد يمثل سوى تاريخ قبيح، أما الرئيس البشير فهو رئيس في سدة الحكم يحجز أساطين النفط الغربيين على استغلال نفطه.. الفارق إذن "جنائيا" كبير جداً..!!