أنت هنا

باكستان نموذجاً..الفصام النكد بين الشعوب والقيادات المفروضة
7 رمضان 1429

لم ينتظر البيت الأبيض ولو من باب الكياسة الدبلوماسية أو اصطناع الموضوعية،ليعرب عن غبطته البالغة بوصول حليفه القديم/الجديد آصف زرداري إلى سدة رئاسة الجمهورية في باكستان،بعد اضطرار العم سام إلى الاستغناء عن أداته الوفية:الجنرال برويز مشرف،لأسباب خارجة عن إرادة السيد وشهوة العبد معاً!!

والصلة الوطيدة بين حزب ذو الفقار علي بوتو والولايات المتحدة ليست سرّاً ولا مفاجأة إلا للسذج وغير المتابعين لحقيقة ما يجري في بلد من أهم البلدان الإسلامية:بشرياً وجغرافياً وعسكرياً.صحيح أن آلة الدعاية لدى الجانبين حرصت على اصطناع خصومة مكذوبة لتمرير الغايات الهدامة المشتركة،وساعدهما في هذه المهمة السيئة ذرائعية الساسة الأمريكيين ما قبل بوش الصغير وباطنية عائلة بوتو المستمدة من موروثها الإسماعيلي.

كما أن مسارعة نظام آيات قم إلى الترحيب بزرداري ليست بمستغربة،فلم يكن لنجاد ومرشده أن يحلموا بخضوع إسلام أباد لسيطرة شركائهم من غلاة الباطنية،وبخاصة أن الشعب الباكستاني في غالبيته الساحقة ينتمي إلى أهل السنة والجماعة،ويمتلك وعياً متميزاً بخطر الرافضة على الإسلام والمسلمين.

بل إن التقاء طهران ولندن وواشنطن على التهليل العاجل والفوري بقفز خليفة بينظير بوتو على مقعد الرئاسة في باكستان ليس مصادفة ولا أمراً وقع بغتة،وإنما هو حصيلة مؤامرة عريقة بين الصليبية الجديدة والصفوية المجوسية،وقد أن أوان الجهر بها بعد انتفاء الحاجة نسبياً إلى التظاهر بعداء لا وجود له إلا في وسائل التضليل الدعائية.

فها هما يتقاسمان النفوذ الاستراتيجي في منتهى الجلاء في كل من العراق وأفغانستان ولبنان،ويتركون لمساكين المسلمين الشعور بالصدمة أو الجلوس في مقاعد النياحة والبكاء على اللبن المسكوب،بالرغم من أن أكثر البلدان المسلمة ينطبق عليها في هذا المجال القصة الرمزية المعبّرة،وخلاصتها:لقد أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض.

وها هي باكستان –البلد النووي اليتيم بين دول الإسلام-تصبح رهينة في قبضة المحافظين الجدد والمجوس الجدد،وهي خسارة عميقة الغور وبعيدة المدى،على الأقل في المدى المنظور.

وإذا كان لهذه الخسارة الفادحة من تعويض فلن تكون بغير أيدي الشعب الباكستاني،الذي أثبتت التجارب العديدة،قدرته على إفشال المؤامرات المتتالية التي يحيكها الغرب الصليبي بالتعاون مع العدو الهندوسي والخصم المجوسي ويوكل تنفيذها لأدواته المحلية ذات التاريخ المديد في الخيانة والرهان على الخارج الحاقد.

إن تاريخ باكستان على مدى ستة عقود ليس سوى تكرار لأزمة أكثر البلدان المسلمة،المبتلاة بنخبة صنعها الاستعمار الصليبي على عينه،وحدّد لها مهمة تغريب مجتمعاتها بالقوة العارية والقمع الفظيع.

أجل!إنه فصام نكد بين نخبة مفروضة بالحديد والنار،وشعوب تعتز بدينها وتتمسك بثوابتها،وتدرك أنها أقوام أعزها الله بالإسلام وأنها مهما ابتغت العزة بغيره أذله الله.

وهذا ليس اعتقاداً صليباً ويقيناً راسخاً فحسب،وإنما حقيقة ثابتة تاريخياً وواقعياً،فالقدس-على سبيل المثال لا الحصر-تحررت من الأعداء مرتين في ظل الخليفة الراشد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه،ثم على يد القائد المجاهد صلاح الدين الأيوبي.لكن محاولات تحريرها المزعومة اليوم على أيدي العلمانيين بشعاراتهم القومية والوطنية فلم تزد الأمة إلا هزائم نكراء،ولم تزد العدو اليهودي إلا قوة!!

وخلاصة الدرس الذي يرفض العملاء أن يصغوا إليه،أنه لا مستقبل للتغريب في ديار الإسلام،طال الزمان أم قَصُرَ.وهي حقيقة ساطعة في أفئدتنا وعقولنا،ولن تُفْلح أضاليل الأعداء مهما تنوعت ثيابهم المستعارة في خداعنا عنها،فهي عقيدة تفديها الأرواح الطاهرة وتنصرها السواعد المخلصة.ومن لم يتعظ بمصير أسلافه المخلوعين والهالكين فقد اختار نهايته الأكيدة طريداً شريداً منبوذاً حتى لدى سادته أنفسهم،ومحتقراً من أمته حاضراً ومستقبلاً.