أنت هنا

الشيخ يوسف القرضاوي.. الكلمة ذات الأثر
21 رمضان 1429




على قدر الرجل وأثر كلمته في العالم كانت ردود الأفعال العنيفة والحملات المسعورة من الزعامات الدينية والإعلامية الشيعية، وضجت الأقلام السنية في المقابل منافحة عن هذا العالم الجليل.

 

الفاجعة التي أطارت صواب مرجعيات الشيعة في العالم أن العلامة القرضاوي بما له من تأثير في السواد الأعظم من المسلمين قد بدأ في غسل يديه من مسألة الصمت على الجرائم الشيعية رجاء تحقيق بعض المكاسب للمسلمين سواء في إيران أو في العراق أو ما عدا ذلك، لاعتبار أنه لا يمكن للسنة إلغاء الشيعة كما يستحيل العكس، وبالتالي ظل الشيخ القرضاوي طامعاً في يحصل نوع من التوافق بين علماء السنة والشيعة حول قضايا تمس الأعداء الخارجيين.

 

المفاجأة كانت أن أكثر العلماء في العالم الإسلامي شهرة واتصافاً بالوسطية والاعتدال في الأوساط العلمية والإعلامية هو من أطلق تحذيراً من المبتدعة الشيعة وشدد على بعدهم عن منهج الحق بسبهم الصحابة وكفرهم بها وتغييرهم لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتبرهم فرقة ضالة خارجة عن الفرقة الناجية من هذه الأمة.

 

وما أطار صوابهم، أن الدكتور القرضاوي لم يلق بالاً بوجود أسماء لمرجعيات شيعية في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه، ولما للشيخ من قوة تأثيرية عند النخبة أيضاً كانت رد الفعل زائدة وعنيفة وكالعادة لاذت الأبواق الشيعية بالشتائم واللعائن والأكاذيب والأباطيل.

 

في الجانب الآخر كان رد فعل عدد من علماء المسلمين السنة سريعاً؛ فقد قال الشيخ الدكتور سلمان العودة في برنامج حجر الزاوية "إن الشيخ يوسف القرضاوي، هو عالم من كبار علماء المسلمين, ورجل صاحب قدم صدق وسبق وفضل وعلم وجهاد كبير في ميادين الحياة المختلفة، وقضى ثمانين عاما من عمره أو يزيد في مجالات كثيرة جداً، من التأليف والبرامج الفضائية، والجهود المختلفة، وإقامة المشاريع الإسلامية، والتجوال في أنحاء العالم الإسلامي.وأوضح الشيخ سلمان أن الشيخ القرضاوي يتعرض في حالات عديدة لحملات إعلامية ينبغي أن تتوقف وأن يحذر أصحابها"، مبدياً قدراً من التضامن مع العالم الكبير بالقول: "إن القصة ليست فقط موقف الشيخ يوسف القرضاوي أو غيره؛ فكل علماء المسلمين يمكن أن يتقبلوا الكلام الجيد، و هم يدعون إلى التعايش، ويسعون إلى تجنب الفرقة والتصادم بين الناس، ولكن أيضاً لن يكون هناك قبول ولا ترحيب بأن تتحول بلاد المسلمين في إفريقية أو في الشام أو في مصر أو في أي مكان آخر إلى ميادين للتنافس والتبشير بهذا المذهب أو ذاك.واختتم الشيخ العودة بقوله: أعتقد أنه يجب أن يكون هناك كف واضح، واحترام لقامات العلماء الذين يحترمهم أهل السنة، ويقدرونهم ويعرفون لهم مكانتهم وفضلهم، ويصدرون عن رأيهم في كثير من الأمور..  ".

 

والشيخ القرضاوي الذي ولد في العام 1926 بإحدى قرى محافظة الغربية المصرية، وأتم حفظ القرآن وعلوم التجويد وهو دون العاشرة، وتلقى العلوم في كلية أصول الدين وأجيز للتدريس في كلية اللغة العربية، وتأخرت إجازته للدكتوراة إلى العام 1973 بسبب سجنه لمواقفه الإسلامية من نظام الرئيس عبد الناصر، حيث اشتهر حينها بقرض الشعر الحماسي الذي لم يزل مشتهراً في الحركة الإسلامية في مصر والغوص في ميادين الأدب المختلفة خلال عقد الستينات، بدأت علاقته بدولة قطر حينما أعير لها في العام 1961 ليصبح عميدًا لمعهدها الديني الثانوي، ثم يعود مرة أخرى لمصر، ثم إلى قطر بعد نيل الدكتوراة بامتياز مع مرتبة الشرف، ليتولى فيما بعد تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، ولعام دراسي واحد1990/1991  يعار من دولة قطر إلى جمهورية الجزائر ليترأس المجالس العلمية لجامعتها ومعاهدها الإسلامية العليا، ثم يعود بعد ترك ذكرى عطرة لدى الجزائريين لم يزل يشتم شذاها العلمي هناك، لاسيما حينما كانت الجزائر تمر سياسياً بمنعطف خطير، كاد يودي بها في اتجاه التغريب الكامل واتخاذ سياسة الاستئصال الديني التي يسميه العلمانيون بـ"تجفيف منابع الإرهاب".

وقد حصل الشيخ القرضاوي على جوائز إسلامية عالمية كجائزة الملك فيصل والعطاء العلمي المتميز من جامعة ماليزيا وغيرهما، ويضرب الدكتور القرضاوي بأسهم في كثير من أوجه الخير والدعوة، في الخطابة والتوجيه والمؤتمرات والندوات والفقه والفتوى و الزيارات والمحاضرات و العمل الاجتماعي والخيري والإغاثي و ترشيد الصحوة و المشاركة في عضوية المجالس والمؤسسات و الاقتصاد الإسلامي والتأليف العلمي الذي له فيه يد طولى بأكثر من مائة مؤلف في شتى أنواع العلوم الشرعية، التي بين بعضها في معرض دفاعه المشروع عن نفسه في بيانه الأخير للرد على افتراءات المراجع والمواقع الشيعية، والذي أوضح من خلاله مناظراته للعلمانية عبر كتبه، وللصهيونية ومواقفه تجاهها، والتي تسببت في طلب المدعي العام الصهيوني باغتياله وتسببت في منعه من السفر لبريطانيا للعلاج والولايات المتحدة للدعوة.

 

وفي هذه الأزمة الأخيرة أكد الدكتور القرضاوي فيه إيمانه بأن الشيعة مبتدعون، وأن كنوز الدنيا لن تغريه لأن ينافق إيران، وكشف عن أنه قد رفض جائزة إيرانية لمعرفته مغزى منحها له..

لقد كسب الشيخ القرضاوي ودعوته كثيراً من أزمته مع الشيعة بينما خسرت المراجع الشيعية أي بقية من احترام لدى بعض المخدوعين داخل الوسط السني.