القاعدة الثانية عشرة: لا تتعد حدود الله في شؤون الزوجية
28 شعبان 1439
أ. د . ناصر بن سليمان العمر

قال الله سبحانه : ﴿تِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعتَدُوهَا﴾

ورد التَّحذير من تعدِّي حدود الله تعالى وتجاوزها، في سبع آيات قرآنيّة، وقد وردت هذه الآيات جميعًا في سياقاتٍ تتعلَّق بالحياة الزوجيّة، حال قيامها أو بعد الطّلاق:

 

ففي سورة البقرة، وعند الحديث عن الاعتكاف، جاء قوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُم عَٰكِفُونَ فِی ٱلمَسَٰجِدِ تِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقرَبُوهَا﴾

 

وفي سورة البقرة في سياق الكلام عن الطّلاق، قال تعالى: ﴿ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمسَاكُ بِمَعرُوفٍ أَو تَسرِیحُ بِإِحسَٰن وَلَا یَحِلُّ لَكُم أَن تَأخُذُوا مِمَّاۤ ءَاتَیتُمُوهُنَّ شَیءًا إِلَّاۤ أَن یَخَافَاۤ أَلَّا یُقِیمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِن خِفتُم أَلَّا یُقِیمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَیهِمَا فِیمَا ٱفتَدَت بِهِۦۗ تِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعتَدُوهَا وَمَن یَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُولَٰۤئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِن بَعدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوجًا غَیرَهُۥۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَیهِمَاۤ أَن یَتَرَاجَعَاۤ إِن ظَنَّاۤ أَن یُقِیمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ یُبَیِّنُهَا لِقَوم یَعلَمُونَ ﴾

 

وفي سياق آيات المواريث، من سورة النساء، قال تعالى: ﴿تِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ یُدخِلهُ جَنَّٰت تَجرِی مِن تَحتِهَا ٱلأَنهَٰرُ خَٰلِدِینَ فِیهَا وَذَٰلِكَ ٱلفَوزُ ٱلعَظِیمُ وَمَن یَعصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ یُدخِلهُ نَارًا خَٰلِدا فِیهَا وَلَهُۥ عَذَاب مُّهِین﴾

 

وبعد أن بيَّن الله تعالى حكم المظاهرين من نسائهم، في سورة المجادلة، قال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ لِتُؤمِنُوا بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلكَٰفِرِینَ عَذَابٌ أَلِیمٌ ﴾

وفي أوّل سورة الطَّلاق، قال تعالى: ﴿یَٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَاۤءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحصُوا ٱلعِدَّةَ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ رَبَّكُم لَا تُخرِجُوهُنَّ مِن بُیُوتِهِنَّ وَلَا یَخرُجنَ إِلَّاۤ أَن یَأتِینَ بِفَٰحِشَة مُّبَیِّنَة وَتِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن یَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَد ظَلَمَ نَفسَهُۥۚ﴾

 

وهذا الارتباط بين العلاقة الزوجيّة، والتحذير من تجاوز حدود الله، له دلالات عميقة، تؤكد ما ذكرناه من أنَّ الزّواج عقدٌ وميثاق غليظ، ودينٌ وعبادةٌ وطاعةٌ لله ورسوله، له أحكام وحدود بينتها الشريعة، وقد جاء التحذير من الاقتراب من حدود الله، أو تعدِّيها.

 

ونلحظ أنَّ هذا التحذير من تعدّي حدود الله تعالى، أكثر ما يرد في آيات الطلاق، لأنَّ الطلاق مظنّة تجاوز لحدود الله تعالى ، بسبب ما يحدثُ في سياقه من غضب أو شحناء أو غير ذلك، فلا غرو أن يتكرر التذكير، فيقرأ الزوج: ﴿تِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقرَبُوهَا﴾، وقوله تعالى: ﴿تِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعتَدُوهَا﴾، فلا تعدٍّ ولا اقتراب؛ لأنه إذا قربها أوشك أن يقع فيها، (كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ) ، فالذي يستهينُ بالقرب من حرمات الله تعالى، قد ينتهكها ويتجاوزها، ولهذا ندب إلى الفضل في العلاقة الزوجية.

 

والمقصود هنا أن هذه الآياتُ سياجٌ عظيم يحفظ العلاقة الزوجية، ويساعد على تماسك المجتمع، فلو أنَّ كلَّا من الزوجين، تأمّل فيما تتضمَّنه من الوعيد المرتّب على تعدي حدود الله، في الزواج والطّلاق وغيرهما، لارتدع عن أسباب فساد كثيرة!

 

بل إن من يتفكَّر في تلك الآيات جديرٌ بأن تتولد في قلبه مشاعر الخشية من الله تعالى ، فيحفظ الحقوق ويرعى العهود.

 

إن هذه الآيات تدفع كلًّا من الزوج والزوجة، إلى طلب السَّلامة والبعد عما يُغضب الله ورسوله، فيا أيُّها الأزواج، ﴿تِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعتَدُوهَا﴾، ﴿تِلكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقرَبُوهَا﴾، من أجل أنفسكم، ومن أجل أولادكم، بل من أجل مجتمعكم، بل من أجل دينكم، لا تعتدوها بل لا تقربوها! وأبشروا عندئذٍ بالسَّعادة والهناء والاستقرار.

 

* للاطلاع على القاعدة الحادية عشرة..
وجوب الرَّدِّ إلى الله ورسوله عند الاختلاف

* للاطلاع على القاعدة الثالثة عشرة..
(وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُم)