هل انتهى زمن التربية بالقدوة؟
24 محرم 1440
منذر الأسعد

عمَّت الشكوى لعموم البلوى!
أكثر البيوت في الوقت الحاضر، تشكو من فقد الأبوين زمام المبادرة، في تربية الأبناء والبنات؛ منذ تفشى الهوس بأجهزة الاتصال الحديثة مع الشبكة العنكبوتية وخاصة عقب ظهور منصات التواصل الاجتماعي.

 

ويجأر بالشكوى نفسها رجالات التعليم العام والجامعي.
فهل انقضى عصر التربية بالقدوة العملية، عندما كان نصيب العائلة والمسجد والمدرسة (والمعهد والجامعة) هو النصيب الأوفى في صياغة الشباب من الجنسين؟

 

بداية الطوفان
لا يختلف عاقلان على أن التلفزيون أحدث انقلابًا جوهريًا في حياة البشر، وخاصة منذ مرحلة الخمسينيات من القرن الميلادي العشرين.

 

وفي تلك الذرة العالمية دخل التلفاز إلى العالَم العربي بدءًا بالعراق ( 1954م) ثم تسلل إلى جميع الدول العربية.
 

ورغم أن التلفزيون سلاح ذو حدَّيْن، فإنه قوبل بانتقادات واسعة من قبل مفكرين وتربويين غربيين، ساءتهم غلبة الترفيه على برامجه، وتقزيم العمق الثقافي للفرد.
 

إلا أن ما جرى بعد انتشار البث الفضائي وظهور الشبكة العنكبوتية، جعل سلبيات التلفزة تلك دعابة عابرة أمام الآثار الجلية لهذه التقنيات تربويًا واجتماعيًّا وثقافيًّا وصحيًّا.
 

وفي النقطة التي نبحثها-البعد التربوي- تفاقم الاضطراب التربوي بتراجع تأثير العائلة والتعليم العام في الشباب.. وخاصة أمام مواقع التواصل الاجتماعي، التي جعلت الطفل أو الشاب يتلقى عشوائيًّا جرعات متناقضة من القيم والسلوكيات، وأصبح يشعر أنه يختار ما يهوى من دون الإصغاء إلى الوالدين والمحيط الاجتماعي والمعلمين.. بل إنه بات يرى كل هؤلاء قيودًا مرفوضة تمارس عليه الوصاية!
 

مسؤوليتنا التي نتجاهلها
يميل الإنسان – غالبًا- إلى محاباة نفسه فيحمِّل أوزار الأوضاع السيئة إلى الآخرين، وهذا سلوك تبريري يفسره علم النفس بحرص الإنسان على التوازن الذاتي ولو كان خادعًا للذات.

 

والدليل أن معظم هؤلاء الذين يرفعون صوتهم من الحالة الراهنة، يعفون أنفسهم من أي مسؤولية عما آلت إليه أوضاع فلذات أكبادهم.
 

أليسوا يهدون لأطفالهم أجهزة الآيباد والجوالات في سن مبكرة؟
هل يحدد هؤلاء لأطفالهم أوقاتًا معقولة للتعامل مع الإنترنت؟

 

ألا يتركون لتلك البراعم حرية شبه مطلقة لولوج ذاك العالَم بخيره القليل وشره المخيف، من دون متابعة أو حوار يساعدهم في تمييز الغث من السمين؟
 

في المقابل، أضرب لهم  مثلين سيصدمانهم، وكلا الرجلين أمريكي، وكلاهما من روّاد التقنيات التي نتباهى باستهلاكها استهلاكًا مرتجلًا ومؤذيًا.
 

أولهما بيل غيتس – الذي أتاح الحاسوب لعامة البشر!!- .
أغنى رجل في العالم ومؤسس شركة مايكروسوفت العملاقة..فقد أكد الرجل في حوار صحفي أجرته معه صحيفة “ذا ميرور” البريطانية،  أنه  لا يستخدم التقنيات التواصلية في منزله إلا قليلًا، وأفاد  أن لديه وزوجته نظرية خاصة في كيفية تربية أبنائهم الثلاث- بنتان وولد- خاصة بشأن استخدام الهواتف الذكية.

 

وكشف غيتس أنه قرر منع أبنائه من حمل هواتف ذكية خاصة قبل بلوغهم سنالرابعة عشرة، وكذلك الحال مع الأجهزة اللوحية، وحتى بعد بلوغهم هذه السن، أوضح  أنه يتعامل أيضًا مع الأمر بحزم، إذ أنه يرفض استخدام الهاتف في أوقات محددة، خاصة وقت التجمع على المائدة لتناول الطعام.
 

وبحسب دراسة صادرة في الولايات المتحدة الأمريكية، عام 2016، يمكن من السماح للأطفال بداية من عمر الـ 10 أعوام أن يتعاملوا مع الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، وذلك يدل على "تطرف"غيتس بالمعايير الأمريكية نفسها.
 

وهذا الموقف نفسه اتخذه الأمريكي الآخر ستيف جوبز، رئيس شركة آبل الراحل، عندما صرَّح لصحيفة “نيويورك تايمز”، أنه لم يسمح لأطفاله باستخدام أجهزة الآيباد، حتى سن متأخرة، وجدد الاستشهاد بمقولته الشهيرة “يجب الحد من استخدام الأطفال للأجهزة الذكية في المنزل”.