الهدي النبوي في التربية... (7) (الرفق والرحمة- الثناء والتشجيع)
4 صفر 1440
سليمان بن جاسر الجاسر

•    الرفق والرحمة
قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].
لقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الرفق سببًا من أسباب الكمال والنجاح؛ فعن عائشة ل قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه»(1). وفي حديث جرير بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حُرِمَ الرفق حُرِمَ الخير»(2).

 

على هذه القاعدة العظيمة في التعامل كان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعَلِّمُكم؛ فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها...»(3)، فتأمل كيف ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأسلوب اللطيف في التعليم، وكم سيكون له من أثر في نفس السامع وقبول لما يُلقى عليه..!
 

•    الثناء والتشجيع
الثناء والتشجيع وتسليط الضوء على مكامن الخير في النفس البشرية والإشادة بها منهج نبوي كريم في التربية، يراد منه بعث النفس على الاستزادة، وإثارة النفوس الأخرى نحو الإبداع والمنافسة، وهو مشروط بأن يكون حقًا، وأن يُؤمن من افتتان الممدوح، وأن يكون بالقدر الذي يحقق الهدف.

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث...»(4)، فهذا التشجيع منه صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة كفيل بأن يبعث أبا هريرة ت على زيادة الحرص والمثابرة في طلب العلم والاستزادة من المعرفة.
 

ومن ذلك، ما جاء عن حذيفة رضي الله عنه قال: جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، ابعث إلينا رجلًا أمينًا، فقال: «لأبعثن إليكم رجلًا أمينًا حقَّ أمينٍ، حق أمين» قال: فاستشرف لها الناس، قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح ـ وفي رواية ـ فأخذ بيد أبي عبيدة فقال: «هذا أمين هذه الأمة»(5).
 

وأيضًا، جاء عن أُبيَّ بن كعب رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «أبا المنذر، أي آية معك من كتاب الله أعظم؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «أبا المنذر، أي آية معك من كتاب الله أعظم؟» قال: قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] قال: «فضرب صدري، وقال: ليهن لك يا أبا المنذر العلم»(6).
 

وعن أبي أيوب رضي الله عنه أن أعرابيًا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها، ثم قال: يا رسول الله، أو يا محمد، أخبرني بما يقربني من الجنة وما يباعدني من النار. قال: فكفَّ النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: «لقد وُفِّق أو لقد هدي» ثم يُقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: «كيف قلت؟...» الحديث(7)، انظر كم في هذه الأحاديث من تشجيع واهتمام ومزيد رعاية وعناية، وكم سيكون لها من الأثر على نفس السامع، وأثر في قبول الكلام الملقى عليه.
 

فيالله كم يبعث التشجيع في نفس المتعلم من حب للعلم وحث على الصبر فيه، والاستزادة منه، وكم يساعد في تسارع خطوات التربية نحو الأمام، وذلك على عكس ما تأتي به كثرة التأنيب والعتاب واللوم، أو السكوت عن الثناء عند كل نجاح وتفوق، وعدم المبالاة، فإن لذلك من الأثر السلبي على التربية ما لا يخفى على عاقل، فما أحوجنا إلى هذا الهدي النبوي.
 

___________________________

(1) رواه مسلم (2593).
(2) رواه مسلم (2592).
(3) أبو داود (8)، وهو حديث حسن.
(4) رواه البخاري (99).
(5) رواه البخاري (4380) عن حذيفة
(6) رواه مسلم (810).
(7) رواه مسلم (13).