حارث سيلاجيتش: أوربا لا تريد بوسنة مسلمة وتبعد تركيا عنها..صرب البوسنة يريدون محوها ومشروعهم قائم
30 ذو الحجه 1431
عبد الباقي خليفة

أفسح الرئيس البوسني السابق الدكتور حارث سيلاجيتش، جانبا من وقته الثمين، للحديث " للمسلم " رغم مشاغله الكثيرة ، وهو ما يحتاج منا شكرا خاصا، على هذا التواضع والأدب الجم، لا سيما في هذه الظروف. وقد تحدث سيلاجيتش عن أكبر القضايا التي تشغله وبالتحديد قضية بلاده البوسنة والهرسك، حيث يقف على ثغرة هامة من ثغور الامة، في شرق أوربا. في هذا الحوار تحدث سيلاجيتش، عن الانتخابات، وعن مشاركته في الدورة 65 للجمعية العامة للأمم المتحدة. والتحديات التي تواجهها البوسنة، واستمرار الصرب في محاولاتهم تنفيذ مشروعهم التوسعي، والانفصالي، وفشل محادثات بوتمير، والدور التركي، والاقليمي، والدولي، في قضية بلاده، فإلى الحوار.

يصفونك بأنك مقاتل من أجل البوسنة باللباس المدني
قالوا لي بأني أعشق البوسنة.. بلى أعشق البوسنة وأعترف بذلك. يجب أن تحب بلادك، ونحن نتعاون مع الذين يحبون بلدهم والذين لا يحبون البوسنة لن نتعامل معهم.

 

حضرتم فعاليات الدورة 65 للجمعية العامة للأمم المتحدة وقدمتم صورة عن واقع البوسنة
قدمت عرضا شاملا عن الوضع في البوسنة، وقلت أن هناك بعض التقدم. وهناك  انتهاكات منتظمة لاتفاقية دايتون. وخلال 18 عاما من توقيع الاتفاقية مرت البوسنة التي تعرضت لأسوأ جرائم الحرب ضد المدنيين في أوربا منذ الحرب العالمية الثانية، بعدة متاعب . وأننا حققنا تقدما على صعيد علاقاتنا الاقليمية مثل كرواتيا، والجبل الاسود، وصربيا، في إطار التعاون الاقليمي باعتباره واحدا من الشروط الرئيسية لتحقيق سلام واستقرار دائمين في المنطقة. وأن البوسنة على طريق الانضمام للشراكة الأوروأطلسية، والعديد من المنظمات الدولية النشطة. وأن معظم المشاكل والتحديات التي تواجه البوسنة والهرسك اليوم سببها عدم تنفيذ البنود الرئيسية في اتفاقية دايتون للسلام، وخصوصا البند السابع والذي ينص على عودة المهجرين، فمن بين 48 في المائة كانوا يقيمون في مناطق الادارة الصربية الحالية في البوسنة، لم يبق منهم اليوم سوى 8 في المائة. وأن آليات التصويت المعتمدة والتي تعطي لعشرة نواب صرب من أصل 42 حق الفيتو أدى إلى عرقلة 260 قانونا مقترحا، وهذا ما رسخ الانقسام العرقي، ونتائج الابادة، وسبب ذلك بالتالي عدم الاستقرار. وقلت إن ممتلكات الدولة يجب الابقاء عليها وعدم تقسيمها بين الكيانين الفيدرالي والصربي. وذكرت بأن اتفاقية دايتون كانت لوقف القتال وتستخدم الآن لتدميرها بشكل سلبي، هذا معظم ما قلته في مجلس الأمن.

 

 التقيتم بوزيرة الخارجية الأميركية وعدد من المسؤولين الأمريكيين وكذلك بالرئيس الاميركي الاسبق بيل كلينتون هل يمكن أن تحدثونا عما جرى في هذه اللقاءات؟
في إطار ما تحدثت عنه في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وطلبت مساعدتهم في انجاح الاصلاحات المطلوبة في البوسنة. وركزت على محاولات صرب البوسنة زعزعة الاستقرار في المنطقة برمتها وليس البوسنة والهرسك فقط. والرئيس الأسبق كلينتون أبدى تفهما عميقا لمشاكل بلدنا وأبدى اهتماما كبيرا من أجل حل جميع المشاكل والتحديات التي تواجه بلادنا. وهذا لا يعني أننا نراهن فقط على العامل الخارجي، بل هو عامل مساعد بلا شك، ولكن قضيتنا نحملها بأنفسنا.

 

بعد انهيار محادثات بوتمير، قيل أن السياسيين البوسنيين لا يمكنهم التوصل لاتفاق بدون تدخل خارجي لماذا ؟
هذا ما حدث بالفعل، وهذا ما يطلبه المجتمع الدولي منا، وأنتم أشرتم إلى محادثات، بوتمير، في إطار اتفاقية دايتون، ولكن السؤال ما هي التغييرات الجوهرية التي عرضها علينا المجتمع الدولي، لا شيء، أكثر من تعديل مادة التصويت داخل كيان صرب البوسنة، جميع المؤسسات الاوروبية والأميركية قالوا لنا، توجد فقط مشكلة واحدة، هي آليات التصويت داخل كيان صرب البوسنة. ونحن لا نقبل بأقل من رفع مستوى اتفاقية دايتون، لأن كيان صرب البوسنة هو حجرة العثرة الرئيسية أمام تقدم البلاد. فهو قد أصدر قرارا عبر البرلمان المحلي للاستيلاء على ممتلكات الدولة، وأوقف المبعوث الدولي هذا القرار غير الدستوري، فممتلكات الدولة يجب أن تبقى ممتلكات عامة وإذا ما تم تقسيمها فيعني ذلك نهاية البوسنة عمليا. ولدينا مثال صربيا والجبل الأسود، حيث كان تقسيم الممتلكات مقدمة للانفصال، فلا توجد دولة قامت بما يطالب به الصرب، وبقيت على قيد الحياة. وصرب البوسنة لا ينفكون عن المطالبة  برحيل المبعوث الدولي، ورحيل المدعين العامين الدوليين، وإنهاء الوجود الدولي في البوسنة، لتحقيق مشروع ميليشوفيتش بإقامة صربيا الكبرى أو على الأقل تقسيم البوسنة، والواقع هو أن سياسة صرب البوسنة ومطالبهم لا تهدف إلى تقسيم البوسنة فقط بل إلى تدميرها ومسحها من الخريطة.

 

تركيا دخلت على الخط، وهناك من يعارض وجودها وتدخلها في البلقان
لاحظت وجود عدم رغبة في الحضور التركي، ولكن تركيا لا تريد سوى المساعدة في حل الإشكالات الحاصلة. ولا أعرف لماذا لا تكون تركيا موجودة مثلها مثل بقية الدول الأوروبية الأخرى وغيرها، وللأسف هناك بعض الدوائر لا ترحب بالدور التركي  بناء على سياستها حيال البوسنة، وربما قرأتم مذكرات الرئيس الاميركي الاسبق بيل كلينتون، والذي قال فيها بوضوح أن السياسة الاوروبية، وبشكل خاص سياسة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، وكبار المسؤولين البريطانيين في ذلك الوقت،كانت غير متحمسة للتدخل في البوسنة لأن أغلبية سكانها من المسلمين، وأن البوسنة لا تنتمي لأوروبا بسبب ذلك، ويجب أن تكون أوربا نصرانية. وقد صدمتني هذه الحقائق المؤلمة.

 

الصرب هددوا بإجراء استفتاء على الانفصال، وهي مساعي في إطار جملة من النشاطات كما سيأتي
صرب البوسنة يعتقدون بأن هذه التصريحات والممارسات من شأنها زعزعة الاستقرار في البوسنة. والتهديد بالاستفتاء اجراء غير دستوري، فاتفاقية دايتون تمنعه. وسأكون واضحا معكم، هناك دوائر تؤيدهم. لقد قرأت مقالا في فانينشيال تايمز، يقول في الوقت الذي يحاكم فيه كراجيتش، لا يزال مشروعه طليقا، والمجتمع الدولي مشغول عن ذلك.

 

ادنتم في وقت سابق اعلان صرب البوسنة يوم 9 يناير يوم لكيانهم " جمهورية صربسكا " لماذا ؟
جمهورية صربسكا، داخل البوسنة والهرسك، هي إحدى نتائج مشروع الإبادة وإقامة صربيا الكبرى، وفي هذا التاريخ المذكور، قام ما يسمى ببرلمان صرب البوسنة، بإصدار بيان أو إعلان يدعون فيه صراحة إلى تقسيم البوسنة، وترسيم الحدود بين الإثنيات. وأعقبوا ذلك بشن عدوان عسكري على البوسنة والهرسك، وما جرى ويجري في محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي، أكبر شاهد على ذلك، حيث حكم ممشيلو كرايشنيك، وبيليانا بلافشيتش، ويحاكم حاليا رادوفان كراجيتش. ففي يوم 9 يناير 1992 م تم التخطيط للإبادة بحق شعبنا، واعلان هذا اليوم يوما لكيان صرب البوسنة يؤكد أن مشروع سلوبودان ميلوشيفيتش، لإقامة صربيا الكبرى لا يزال قائما، وأن العمل على تحقيق نتائج الابادة لا يزال متواصلا، ففي 1992 م كان الاعلان واضحا، وهو قيام دولة صربية خالصة بعد إزالة جميع الاثنيات الأخرى. ومشاركة الرئيس الصربي، بوريس طاديتش في هذه المناسبة رسالة أخرى على وجود تناغم واضح بين بنيالوكا وبلغراد. وما يصرح به طاديتش بأنه مع وحدة اراضي البوسنة، تكذبه الوقائع على الميدان، فما يجري لا علاقة له باتفاقية دايتون التي نصت على عودة المهجرين، وإقامة دولة دستورية مثل بقية دول العالم. 

 

 كيف ترون مستقبل العلاقات بين البوسنة وصربيا في ظل الوضع الراهن؟
نحن نتطلع لإقامة علاقات حسن جوار مع صربيا، ولكن دون التغاضي عن نتائج العدوان الصربي على البوسنة، وعلى بلغراد دفع ثمن الجرائم التي ارتكبت في البوسنة، على صربيا أن تدفع جميع الخسائر التي ألحقتها بالبوسنة.

 

كيف تقومون الدور الروسي في البوسنة؟
السياسة المتوازنة لروسيا، فقط، يمكنها مساعدة البوسنة، ومن حيث المبدأ نحن نرحب بأي سياسة تهدف لاحداث انفراج حقيقي يعزز سيادة البوسنة. ونحن نرحب بأي مبادرات سواء كانت من الشرق أو الغرب، فهذه المنطقة في حاجة للعديد من المبادرات لإخراجها من أزمتها.

 

حارث سيلاجيتش في سطور
ولد حارث سيلاجيتش في منطقة بريزا شمال سراييفو، سنة 1945 م ويفتخر بأنه ترعرع في رحاب مسجد الغازي خسروف بك، وهو أكبر وأقدم مسجد في البلقان، فقد بدأ منذ طفولته في تعلم اللغة العربية وأصول الدين على يد والده كامل "أفندي"، وهذه الكلمة تعني لدى البوسنيين الاحترام والوقار. وكان والده كما يقول يدربه على تعلم العربية بوسائل كثيرة من بينها الاستماع إلى الإذاعات العربية ليصقل لغته العربية، وينمِّي ثقافته ويطلعه على أحوال العالم العربي الذي كان والده شديد الشغف به. درس في المدارس الدينية بالبوسنة و تحديدا في مدرسة الغازي خسرف بك الشهيرة التي تم تاسيسها سنة 1537 م. التحق بجامعة بنغازي بلبيا "كطالب منتظم" مثله مثل بقية الطلبة العرب الآخرين. وكانت تلك بداية حقيقية لتعرف سيلاجيتش الشاب على العالم الاسلامي وقلبه النابض الوطن العربي، وقد تخرج سنة 1971 م. و في سنة 1977 م حصل على الماجستير، ثم الدكتوراة من الولايات المتحدة  سنة 1979 م.
أثناء الحرب، كلفه الزعيم الراحل علي عزت بيجوفيتش بعدة مهام، من بينها وزير خارجية البوسنة، ثم رئيسا للوزراء، وبعد انتهاء الحرب شكل حزبا جديدا أطلق عليه " من أجل البوسنة " وقد شارك الحزب في العديد من الائتلافات الحاكمة، كما شارك سيلاجيتش في الانتخابات الرئاسية لكنه خسرها أمام علي عزت بيجوفيتش، كما خسرها عام 2002 م أمام سليمان تيهيتش، وقد تمكن عام 2006 م من الفوز بمنصب الرئيس ( نظام رئاسي ثلاثي، دوري كل 8 أشهر ) وخسر مؤخراً في انتخابات أكتوبر 2010 م.