
قالت جماعة حقوقية في أوزبكستان في تقرير حديث لها إن ما لا يقل عن 39 شخصا عذبوا في السجون حتى الموت في العام الماضي وحده، أي نحو ضعف عددهم في العام السابق. يأتي ذلك في استمرار لحملة القمع الديني التي تشنها الحكومة ضد الإسلاميين بلا هوادة منذ عشر سنوات إلى الآن.
وقالت "مجموعة المدافعين عن حقوق الإنسان المستقلة" وهي جماعة حقوقية في أوزبكستان إن المسلمون في أوزبكستان يواجهون حاضرا قاسيا ومستقبلا داكنا من القمع والتعذيب حتي الموت.
وعلي الرغم من أن المسلمين يشكلون نحو 90% من تعداد سكان البلاد البالغ عددهم 28 مليون نسمة، إلا أن الدولة تتحكم في ممارسة شعائر الإسلام بشكل صارم من خلال شبكة من جماعات إسلامية وأماكن عبادة تحظي بموافقة الدولة.
وفيما تستند الدولة كالعادة في تبريرها لهذا القمع على المخاوف من التنظيمات الإرهابية، تقول جماعات حقوق الإنسان إن السبب الحقيقي وراء تشديد الدولة الصارم علي مراقبة المسلمين هو الخوف من الخطر الذي قد يمثله مجتمع مسلم قوي للنظام الحاكم.
وحذرت "مجموعة المدافعين عن حقوق الإنسان المستقلة" من أن ما لا يقل عن 39 شخصا عذبوا في السجون حتى الموت في العام الماضي وحده، مشيرة إلى ممارسات التعذيب قد إزدادت قسوة مؤخرا.
وأضافت أن نشطاء حقوق الإنسان أفادوا بأن العدد الحقيقي لضحايا التعذيب حتى الموت ربما يكون أعلى من ذلك بكثير.
فالسلطات تعمد إلي التغطية علي آثار معاملة السجناء وتعذيبهم بإرسال جثثهم إلى عائلاتهم في توابيت محكمة الإغلاق، فيما يخشى أقارب الموتى الإبلاغ عن مثل هذه الحالات، وفقا للمنظمة.
كذلك، يعاني المعتقلون المتدينون خطر البقاء في السجون مدي الحياة بمقتضي أوامر تصدر خارج نطاق القضاء لتمديد فترة سجنهم إلى أجل غير مسمى، وفقا لنشطاء حقوق الإنسان.
وفي غضون ذلك، لا يبدي النظام الدكتاتوري بقيادة الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف الذي يحكم هذه الدولة الواقعة وسط آسيا منذ استقلالها عن الاتحاد السوفياتي، أي علامات على التراجع عن حملة اضطهاد الجماعات الدينية والإسلامية خصوصا التي ينظر إليها كتهديد محتمل لسلطته.
وفي هذا الصدد صرح أليشر إيلخاموف، المتخصص في الشؤون الأوزبكية بمؤسسة "المجتمع المفتوح" في لندن، أن "تعذيب السجناء الدينيين ثابت، ولا أرى أي أمل في التحسن في السنوات المقبلة. سيظل المسلمون يعانون من القمع لفترة طويلة. وليس لدي أدني أمل في أن يتغير هذا الوضع مستقبلا".
ونقلت وكالة "إنتر بريس سيرفس" عنه قوله إن "الحكومة تعتبر المسلمين أكبر مصدر محتمل للخطر"، خاصة وأن الزعماء الدينيين برهنوا في الماضي علي قدرتهم على حشد عدد كبير من الناس.
هذا ويعتبر المجتمع الدولي الرئيس كريموف واحدا من المسؤولين عن أسوأ سجلات إنتهاكات حقوق الإنسان في العالم. فقد مارست الدولة برئاسته عمليات قمع وحشية ضد المجتمع المدني، جري توثيقها تفصيلا علي مدي ما يقرب من عقدين.
كما وصفت الأمم المتحدة استخدام التعذيب من جانب الموظفين المكلفين بتنفيذ القانون -والعديد منهم تدربوا علي أيدي أجهزة المخابرات السوفيتية عندما كانت البلاد جزءا من الاتحاد السوفياتي- علي أنه إستخدام واسع النطاق ومنهجي.
وكمثال، جري توثيق حالة سجين تم غليه حتى الموت، إضافة إلي إعتداءات مروعة علي السجناء في سجن "زاسليك" الواقع في منطقة نائية شمال غرب البلاد، والذي وصفه الناشطون كواحد من أسوأ السجون في العالم.
كذلك فقد حذر النشطاء العاملون في أوزبكستان أن المعتقلين والمدانين بتهم إرتكاب "جرائم" دينية غالبا ما تكون زائفة، يتعرضون لأسوأ أشكال التعذيب.
وقال أحد هؤلاء النشطاء لوكالة إنتر بريس سيرفس شريطة عدم الكشف عن هويته: "لقد تحدثت إلى عشرات من أقارب المعتقلين في السجن علي خلفية إتهامات ملفقة بالتطرف الديني، فشرحوا لي بقدر كبير من التفصيل حالات التعذيب التي يتعرض ذويهم لها".
كما أصبح التحقق بصورة مستقلة من هذه التقارير من المستحيل تقريبا، حيث تفرض الدولة قيودا صارمة علي إتصال مصادر مستقلة بالسجناء.
ومن ثم، تأتي الكثير من المعلومات عن الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء من أقاربهم، من خلال لقاءات مع هيئات حقوق الانسان. فكشفوا النقاب عن أداة قمع إضافية هي إستصدار أحكام بتمديد فترة السجن حتى نهاية حياة السجناء.
وقال ناشط حقوقي: "نما إلي علمنا أن السلطات تمدد العقوبات علي السجناء الدينيين. والبعض منهم قضي نحو عشر سنوات في السجن، فتفرض عليهم أحكام التمديد، دون محاكمة، لدي إقتراب موعد الإفراج عنهم".
وحذر مراقبون دوليون ومحليون من أن قمع حقوق الإنسان لسنوات طويلة علي أيدي النظام الحاكم في طشقند، قد يدفع الأهالي إلي الإنضمام إلي بعض الجماعات الدينية التي توصف بأنها متشددة وتنشط في أوزبكستان وبقية دول آسيا الوسطى.
كما حذر علماء المسلمين الأوزبك علنا من مثل هذا الخطر، وناشدوا الرئيس كريموف إجراء حوار مفتوح بدلا من إضطهاد المصلين وإتباع نهج الغلظة مع الجماعات المتطرفة.
وفي الوقت نفسه، أعربت منظمات حقوق الانسان عن غضبها من موقف الحكومات الغربية وصمتها تجاه التعذيب. ويعتقد على نطاق واسع بأن أهمية أوزبكستان الجيو سياسية وما يمثله نظام الرئيس كريموف لمصالحها قد دفع الحكومات الغربية إلى غض الطرف عن مثل هذه الإنتهاكات.
فأوزبكستان هي ممر أساسي لإمدادات قوات الاحتلال الأجنبي المتمركزة في أفغانستان، وبها قاعدة عسكرية أمريكية هامة.