أنت هنا

6 جمادى الثانية 1433
المسلم- خاص

نفى د. محمد عبد الكريم الشيخ عضو هيئة علماء السودان ما تناقلته وسائل الإعلام بشأن صلته بحادث حريق كنيسة الجريف بالعاصمة السودانية الخرطوم، متعهدا بملاحقة قانونية وقضائية لكل من ثبت تورطه في نسبة هذه الحادثة إليه عبر جميع الوسائل الإعلامية.

وأكد الشيخ عبد الكريم وهو عضو برابطة علماء المسلمين في بيان وصل "المسلم" اليوم الجمعة على "عدم جواز الاعتداء على اليهود والنصارى ما داموا مسالمين غير معتدين"، مشيرا إلى أنه يدخل في هذا من عنده أمان من المسلمين أو بعضهم ،فإذا أقروا على بعض كنائسهم بالصلح وإن كان فيه نظر ، إلا أنه لايجوز الاعتداء عليهم بإتلاف أموالهم أو حرق ممتلكاتهم لأنهم في أمان المسلمين.

ولفت إلى أن النزاع حول كنيسة الجريف ، لم يكن لأجل أنها كنيسة ولم يحمل بُعدا دينيا سوى ما كان يحمله بعض المواطنين من حنق تجاه الحركة الشعبية ودولة الجنوب عقب أحداث هجليج - رغم أنه نزاع قديم - وإنما من أجل أنها بنيت على أراض تتبع لعدد من مواطني الجريف.

وأضاف "وكان على رأس المتابعين لهذه القضية اللجنة الشعبية التابعة للمنطقة؛ ومطالبتهم بأراضيهم حق مشروع لهم وقد سلكوا لأجلها المسلك القانوني حتى جاءت قرارات بإزالة هذه الكنيسة، ثم جاءت جهات حالت دون تنفيذ هذا القرار حتى تصاعد الأمر إلى اعتصام خاطبهم على إثره معتمد المحلية ثم انطلقوا بعده إلى الأرض محل النزاع ليقوموا بإنفاذ هذه القرارات، على مرأى ومسمع الجهات المسؤولة".

وفيما يلي نص البيان:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وبعد:
فقد تنامى إلى أسماع وأبصار كثيرين ما تناقلته وسائل الإعلام؛ من حادثة "الكنيسة" التي أحرقت في منطقة الجريف، وعلى الرغم من وضوح القضية وظهور معطياتها على الصعيد المجتمعي والقانوني، إلا أن كثيرا من الجهات التي تناقلت هذا الخبر استطاعت أن تجعل منه عجينة سهلة التشكيل، وأن تطوعه لخدمة أغراضها، وتتوصل به إلى أرذل غاياتها؛ ودخل بعضهم من خلاله إلى الطعن في الإسلام نفسه، وآخرون إلى الطعن في بعض أهله، حتى نسبوا هذا الخبر إلى شخصي، وألصقوه باسمي؛وتسارع بعضهم ليتخذوها مساغاً ومركباً لصرف الأنظار عن توحد الجبهة الداخلية ضد حليفتهم الحركة الشعبية التي لا يتحدثون قط عن جرائمها ،بل يلصقون التهم جزافاً بالجماعات الأسلامية ،وأن دحر العدو في هجليج هو إيذان بالصراع الطائفي مع النصارى في السودان ،وآخرون من دونهم ممن نما ضب ضغنهم علينا فذهبوا يسارعون فيهم ،فقبلوا شهادات الزور والكذب من قساوسة في أناس من المسلمين ،هذا ولما رأيت هذه المطامع الدنية من وراء هذا الخبر التي باحت بها البيانات ولاحت بها المنشورات، ولخوض الخائضين فيه، كان لا بد من تجلية الأمر وتوضيحه، والوقوف مع بعض مفرزاته، رغم أني ما كنت وراءه ولا أمامه من قريب ولا من بعيد، بل ما سمعت به إلا مع السامعين ولا وقفت عليه إلا مع الواقفين، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أتمثل قول العبد الصالح: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)؛ وألخص كلامي حول هذه الحادثة في النقاط التالية إبراء للذمة وتوضيحا للحقائق ووضعا للأمور في نصابها:
أولاً: النزاع حول هذه الكنيسة، وحسبما أوضحته كثير من التحقيقات الصحفية وبعد سؤال كثير من مواطني المنطقة،لم يكن لأجل أنها كنيسة أو إرسالية؛ ولم يحمل بُعدا دينيا أو عقديًا سوى ما كان يحمله بعض المواطنين من حنق تجاه الحركة الشعبية ودولة الجنوب عقيب أحداث هجليج - رغم أنه نزاع قديم - وإنما من أجل أنها بنيت على أراض تتبع لعدد من مواطني الجريف، وكان على رأس المتابعين لهذه القضية اللجنة الشعبية التابعة للمنطقة؛ ومطالبتهم بأراضيهم حق مشروع لهم وقد سلكوا لأجلها المسلك القانوني حتى جاءت قرارت بإزالة هذه الكنيسة، ثم جاءت جهات حالت دون تنفيذ هذا القرار حتى تصاعد الأمر إلى اعتصام خاطبهم على إثره معتمد المحلية ثم انطلقوا بعده إلى الأرض محل النزاع ليقوموا بإنفاذ هذه القرارات، على مرأى ومسمع الجهات المسؤولة.

ثانيا: أما عن حكم بناء الكنائس في بلاد المسلمين فقد أجمع العلماء رحمهم الله على تحريم بناء الكنائس في البلاد الإسلامية، وعلى وجوب هدمها إذا أُحدثت، وقال السبكي أيضاً عند حكاية الإجماع في المسألة : " فإن بناء الكنيسة حرام بالإجماع وكذا ترميمها ، وكذلك قال الفقهاء : لو وصَّى ببناء كنيسة فالوصية باطلة ، لأن بناء الكنسية معصية وكذلك ترميمها ، ولا فرق بين أن يكون الموصي مسلماً أو كافراً ، فبناؤها وإعادتها وترميمها معصية - مسلماً كان الفاعل لذلك أو كافراً - هذا شرع النبي صلى الله عليه وسلم " .ا.هـ.
وقال المرداوي في " الإنصاف " : " قوله ( ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع ) . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : إجماعا " .ا.هـ.
لأن إنشاء المعابد الكفرية مثل الكنائس أو تخصيص مكان لها في أي بلد من بلاد الإسلام من أعظم الإعانة على الكفر ، وإظهار شعائره ، والله عز شأنه يقول : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 نقل القرافي في الفروق (1/124)قال الشيخ أبو الحسن الأشعري :إرادة الكفر كفر وبناء كنيسة يكفر فيها بالله كفر لأنه إرادة الكفر) اهـ .وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : ( من اعتقد أن الكنائس بيوت الله ، وأن الله يعبد فيها ، أو أن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله ، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه ، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم ، وأن ذلك قربة أو طاعة - فهو كافر ) ، وقال أيضا : ( من اعتقد أن زيارة أهل الذمة كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد ، وإن جهل أن ذلك محرم عرف ذلك ، فإن أصر صار مرتدا ) انتهى . وقال ابن عابدين في حاشيته: (مطلب: لا يجوز إحداث كنيسة في القرى ومن أفتى بالجواز فهو مخطىء ويحجر عليه قوله ( ولو قرية في المختار ) نقل تصحيحه في الفتح عن شرح شمس الأئمة السرخسي في الإجارات ثم قال إنه المختار وفي الوهبانية إنه الصحيح من المذهب الذي عليه المحققون إلى أن قال فقد علم أنه لا يحل الإفتاء بالإحداث في القرى لأحد من أهل زماننا بعدما ذكرنا من التصحيح والاختيار للفتوى وأخذ عامة المشايخ ولا يلتفت إلى فتوى من أفتى بما يخالف هذا ولا يحل العمل به ولا الأخذ بفتواه ويحجر عليه في الفتوى ويمنع لأن ذلك منه مجرد اتباع هوى النفس وهو حرام)،ومعلوم أن ابن عابدين من المحققين في مذهب الحنفية،وسئل مالك عن الكنائس التي في الفسطاط المحدثة في خطط الإسلام ، إن أعطوهم العرض وأكروها منهم يبنون فيها الكنائس ، قال مالك : أرى أن تغير وتهدم ، و لا يتركوا ذلك ولا خير فيه .و قال المرداوي في الإنصاف : (قوله : ويمنعون من إحداث الكنائس والبيع ،قال الشيخ تقي الدين رحمه الله (إجماعا)وقال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع 8/77: ( قوله: «ويمنعون من إحداث كنائس، وبِيَعٍ، وبناء ما انهدم منها ولو ظلماً»
 وأنظر كتب وكلام بعض العلماء المعاصرين :
1)حكم بناء الكنائس والمعابد الكفرية("فتاوى اللجنة الدائمة" (1/268-471) .)     http://islamqa.info/ar/ref/120185
2)حكم بناء الكنائس والمعابد الشركية في بلاد المسلمين: إسماعيل بن محمد الأنصاري ، مراجعة : عبد العزيز بن عبد الله بن باز
http://www.islamhouse.com/p/107604                   ...
3)الدرر والنفائس في حكم بناء الكنائس
http://www.alukah.net/Sharia/0/32904/
4) "ستة كتب لكبار العلماء في حكم بناء الكنائس وحكم هدمها " ،
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=241745
5)كتاب: (أحكام المعابد ـ دراسة فقهية مقارنةـ ) لمؤلفه عبد الرحمن بن دخيل العصيمي: http://www.waqfeya.com/book.php?bid=7005
6)رد الشيخ أبى اسحاق على من اباح بناء الكنائس
http://www.youtube.com/watch?v=72YUrFe2E-c
7)الددو : ما حكم بناء الكنائس في بلاد المسلمين ؟
http://www.youtube.com/watch?v=cml1XemKFZA
هذا وللعلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه (أحكام أهل الذمة) كلام جيد في هذا الموضوع :نختصر منه ما يلي :(البلاد التي تفرق فيها أهل الذمة ثلاثة أقسام:
أحدها: بلاد أنشأها المسلمون في الإسلام.
الثاني: بلاد أنشئت قبل الإسلام، فافتتحها المسلمون عَنوة وملكوا أرضها وساكنيها.
الثالث: بلاد أنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمون صلحاً.
فأما القسم الأول: فهو مثل البصرة والكوفة وواسط وبغداد والقاهرة... وغيرها من الأمصار التي مصَّرَها المسلمون، فهذه البلاد صافية للإمام، إن أراد الإمام أن يقرَّ أهل الذمة فيها ببذل الجزية جاز، فلو أقرهم الإمام على أن يحدثوا فيها بيعة أو كنيسة أو يظهروا فيها خمراً أو خنزيراً أو ناقوساً لم يجز، وإن شرط ذلك وعقد عليه الذمة كان العقد والشرط فاسداً. وهو اتفاق من الأمة لا يعلم بينهم فيه نزاع.
فإن قيل: فما حكم هذه الكنائس التي في البلاد التي مصرها المسلمون؟ قيل: هي على نوعين:

أحدهما: أن تحدث الكنائس بعد تمصير المسلمين لمصر، فهذه تزال اتفاقاً.
الثاني: أن تكون موجودة بفلاة من الأرض ثم يمصر المسلمون حولها المصر، فهذه لا تزال.
وأما القسم الثاني: وهو الأرض التي أنشأها المشركون ومصروها، ثم فتحها المسلمون عنوة وقهراً بالسيف، فهذه لا يجوز أن يحدث فيها شيء من البيع والكنائس. وأما ما كان فيها من قبل الفتح فهل يجوز إبقاؤه أو يجب هدمه؟ فيه قولان في مذهب أحمد، وهما وجهان لأصحاب الشافعي وغيره:
أحدهما: يجب إزالته وتحرم تبقيته.

والثاني: يجوز بناؤها - أي بناء أهل الكتاب لها لا المسلمون، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: أيما مصر مصرته العجم، ففتحه الله على العرب فنزلوه، فإن للعجم ما في عهدهم، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر عنوة وأقرهم على معابدهم فيها ولم يهدمها، ولأن الصحابة رضي الله عنهم فتحوا كثيراً من البلاد عنوة فلم يهدموا شيئاً من الكنائس التي بها، ويشهد لصحة هذا وجود الكنائس والبيع في البلاد التي فتحت عنوة. ومعلوم قطعاً أنها ما أحدثت، بل كانت موجودة قبل الفتح... وفصل الخطاب أن يقال: إن الإمام يفعل في ذلك ما هو الأصلح للمسلمين، فإن كان أخذها منهم أو إزالتها هو المصلحة لكثرة الكنائس أو حاجة المسلمين إلى بعضها وقلة أهل الذمة، فله أخذها أو إزالتها بحسب المصلحة، وإن كان تركها أصلح لكثرتهم وحاجتهم إليها وغنى المسلمين عنها تركها، وهذا الترك تمكين لهم من الانتفاع بها لا تمليك لهم رقابها، فإنها قد صارت ملكاً للمسلمين فكيف يجوز أن يجعلها ملكاً للكفار، وإنما هو امتناع بحسب المصلحة، فللإمام انتزاعها متى رأى المصلحة في ذلك.
فبهذا التفصيل تجتمع الأدلة، وهو اختيار شيخنا، وعليه يدل فعل الخلفاء الراشدين ومن بعدهم من أئمة الهدى وعمر بن عبد العزيز هدم منها ما رأى المصلحة في هدمه وأقر ما رأى المصلحة في إقراره، وقد أفتى الإمام أحمد المتوكل بهدم كنائس السواد، وهي أرض العنوة.
وأما القسم الثالث وهو: ما فتح صلحاً، وهذا نوعان:

أحدهما: أن يصالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج عليها أو يصالحهم على مال يبذلونه وهي الهدنة، فلا يمنعون من إحداث ما يختارونه فيها، لأن الدار لهم، كما صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران، ولم يشترط عليهم ألا يحدثوا كنيسة ولا ديراً.

النوع الثاني: أن يصالحهم على أن الدار للمسلمين ويؤدون الجزية إلينا، فالحكم في البيع والكنائس على ما يقع عليه الصلح معهم من تبقية وإحداث وعمارة، لأنه إذا جاز أن يقع الصلح معهم على أن الكل لهم جاز أن يصالحوا على أن يكون بعض البلد لهم، والواجب عند القدرة أن يصالحوا على ما صالحهم عليه عمر رضي الله عنه، ويشترط عليهم الشروط المكتوبة في كتاب عبد الرحمن بن غنم ألا يحدثوا بيعة ولا صومعة راهب ولا قلاية، فلو وقع الصلح مطلقاً من غير شرط حمل على ما وقع عليه صلح عمر وأخذوا بشروطه، لأنها صارت كالشرع فيحمل مطلق صلح الأئمة بعده عليها. ا.هـ بتصرف.

وخلاصة القول هو أن ما مصره المسلمون من مصر فإنه لا يجوز أن يقام فيه كنيسة أو بيعة أو معبد يشرك فيه بالله تعالى وأيما معبد كنيسة أو غيره بني في مصر مصره المسلمون فيجب هدمه ولو رخص لهم في بنائه من كان واليا على بلاد المسلمين سواء كانت ولايته عن رضا واختيار أو كان متغلبا لأن هدم الكنائس في البلاد المفتوحة عنوة أو التي مصرها المسلمون حكم شرعي ثابت بأدلته في كتب الفقه المعتمد .و ذكره العلماء من الأئمة الأربعة وغيرهم وفعله الخلفاء والحكام العادلون كعمر بن عبد العزيز وغيره . لكن الذي يقوم بذلك من الهدم والإزالة هي الدولة ،أو من كان في مقام ولي الأمر ،ومهمة العلماء هو مطالبة الدولة بذلك والإحتساب عليها، فالذي يقوم بذلك هو الحاكم أو من يقوم مقامه من أولي الأمر لا آحاد الرعية ، وليس هناك فتنة في ذلك ، بل الفتنة في ترك أحكام الشرع الحكيمة

ثالثاً:ما ذكرناه من حكم الكنائس في بلاد المسلمين هو الذي ندين الله تعالى به ،وما تعبدنا الله تعالى به لا نخفيه ولا نستحي من إعلانه والدعوة إليه ،بل نفخر ونعتز ابتغاء رضوان الله كما قال تعالى : } وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62){(التوبه):            
 فليتك تحلو والحياة مريرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر *** وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صح منك الود فالكل هين *** وكل الذي فوق التراب ترابُ
أما من يحاول ارضاء أعداء الله من اليهود والنصارى ،فإنهم لن يرضوا عنا أبداً،كما قال تعالى : }وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ {،ويقول عز وجل أيضاً: }أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13){ (التوبه) ،ولكن ثمة حكم آخر يجب التنبيه إليه ألا وهو (عدم البغي عليهم والعدوان) ما داموا مسالمين غير معتدين كما قال الله رب العالمين : (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ،ويدخل في هذا من عنده أمان من المسلمين أوبعضم ،فإذا أقروا على بعض كنائسهم بالصلح وإن كان فيه نظر ،إلا أنه لايجوز الاعتداء عليهم بإتلاف أموالهم أو حرق ممتلكاتهم لأنهم في أمان المسلمين ،والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:( المسلمون تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ،قال البغوي في شرح السنة يسعى بذمتهم أدناهم أي أن واحدا من المسلمين إذا أمن كافرا حرم على عامة المسلمين دمه وإن كان هذا المجير أدناهم قبل أن يكون عبدا أو امرأة أو عينا تابعا أو نحو ذلك فلا يخفر ذمته. وكل ذلك تحقيقا للصدق الذي جاء به الإسلام والوفاء بالعهد وتحريم الغدر فالإسلام ليس دين غدر ولاخيانة ،وعليه فإنا لا ندين الله تعالى بحرق أو اتلاف ممتلكات النصارى الذين يقطنون معنا في السودان،ناهيك عن أن ندفع الناس إلى ذلك ونحرضهم عليه ثم نتوارى ،فهذا -والحمد لله- ليس من شيمنا ولا أخلاقنا            
ثالثا: سنلاحق قانونيا وقضائيا كل من ثبت تورطه في نسبة هذه الحادثة إلينا عبر جميع الوسائل الإعلامية، وهم محصوورن عندنا مجموعة أسماؤهم وموثقة اتهاماتهم، وقد أسندنا متابعة ذلك إلى مجموعة من المحامين البارعين، حتى يكونوا بإذن الله عبرة لمن خلفهم ممن عشقوا الاصطياد في الماء العكر من تجار الأعراض وأصحاب الأغراض.
رابعا: لم يتأخر هذا البيان إلا لاستقصاء تداعيات الحادثة وتتبع أسبابها، ولعل الحكمة من تأخره أن يتذكر الناس هدي الإسلام في التعامل مع الأخبار وامتثال أمر الله فيها لما قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
رابعا: نذكر كل من خاض في هذا الأمر مع الخائضين، ممن انطلت عليهم الأكاذيب وسرت فيهم الألاعيب بقول الله تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) وقوله تعالى: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)) ...
والله من وراء القصد وهو المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به
وكتبه: د. محمد عبد الكريم الشيخ
بتاريخ/ 24/4/2012م